أورسولا فون دير لاين تسعى للبقاء رئيسة للمفوضية الأوروبية

وسط انتقادات داخلية وشبهات تحوم حول تسميات زبائنية واستهجان لمواقف خارجية

أورسولا فون دير لاين متحدثة في مؤتمر «حزب الديمقراطية العددية» في أثينا يوم 7 أبريل (أ.ف.ب)
أورسولا فون دير لاين متحدثة في مؤتمر «حزب الديمقراطية العددية» في أثينا يوم 7 أبريل (أ.ف.ب)
TT

أورسولا فون دير لاين تسعى للبقاء رئيسة للمفوضية الأوروبية

أورسولا فون دير لاين متحدثة في مؤتمر «حزب الديمقراطية العددية» في أثينا يوم 7 أبريل (أ.ف.ب)
أورسولا فون دير لاين متحدثة في مؤتمر «حزب الديمقراطية العددية» في أثينا يوم 7 أبريل (أ.ف.ب)

ما بين 6 و9 يونيو (حزيران) المقبل، ستجرى الانتخابات البرلمانية في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لانتخاب 705 نواب يشكلون الندوة النيابية الأوروبية سيختارهم 360 مليون ناخب أوروبي مسجلين على اللوائح الانتخابية. وهذه الدورة هي الأولى التي ستحصل بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد في 31 يناير (كانون الثاني) 2021.

وبالإضافة إلى العمل التشريعي الذي يقوم به البرلمان وكونه الجهة التي تصوت على القوانين الأوروبية، إلا أن له وظيفة أخرى أساسية هي انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية، والموافقة على تعيين المفوضين. وتمثل المفوضية السلطة التنفيذية للاتحاد، وهي إلى حد كبير عصبه الأول.

انحياز فون دير لاين لإسرائيل

وما يميز الانتخابات المقبلة أنها تتم على خلفية اندلاع حربين: الأولى الحرب الأوكرانية والثاني حرب غزة. وبالنظر للمخاوف المرتبطة بغموض السياسة الأميركية، وما ستكون عليه مواقف واشنطن إزاء أوكرانيا في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فإن ثقل الحرب سيلقى على عاتق الاتحاد الأوروبي. ومنذ اندلاعها صبيحة 24 فبراير (شباط) 2022، لعبت رئيسة المفوضية، الألمانية أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع السابقة في بلادها، دورا بالغ الأهمية من زاويتين: الأولى، لجهة تقديم الدعم المالي والعسكري لكييف وآخر ما تفتقت عنه المفوضية، مقترح توفير حزمة مساعدات مالية تخصص للدعم العسكري، على خمس سنوات، بقيمة 50 مليار يورو. والثانية، الدفع باتجاه تسريع انضمام أوكرانيا إلى النادي الأوروبي وحرق المراحل لذلك.

فون دير لاين مع رئيس الوزراء الأرميني ووزير الخارجية الأميركي ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في مؤتمر صحافي في بروكسل يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

وبالنسبة لحرب غزة، أثارت تصريحات فون دير لاين الكثير من الجدل، إذ نمّت عن ميل واضح إلى الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي أثار غضب كثير من القادة الأوروبيين، وحنق رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الإسباني جوزيب بوريل.

كذلك أخذ عليها ميل واضح لواشنطن ومحاباة لمصالحها وأحيانا على حساب المصالح الأوروبية، فضلا عن القيام بمبادرات قبل موافقة القادة الأوروبيين، ومنها على سبيل المثال الاتفاق الذي وقعته باسم المفوضية مع تونس بخصوص معالجة ملف الهجرات مقابل مساعدات اقتصادية.

في 19 فبراير الماضي، أعلنت أورسولا فون دير لاين البالغة 65 عاما، ترشحها لولاية ثانية من خمس سنوات، على رأس المفوضية الأوروبية. وطموحها الأول كان الأمانة العامة للحلف الأطلسي خلفا للنرويجي ينس ستولتنبرغ. وبسبب غياب الدعم الذي تلقته، أغلقت الملف الأطلسي وركزت جهودها على البقاء في موقعها الراهن بعد أن حصلت على ترشيح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني اليميني الذي ينتمي إلى تجمع الأحزاب اليمينية الأوروبية المسمى «الحزب الشعبي الأوروبي». وفي مارس (آذار) الماضي، وخلال مؤتمره في بوخارست، عاصمة رومانيا، حصلت فون دير لاين على ترشيح هذا التجمع الذي يمتلك في الوقت الحاضر أكبر مجموعة برلمانية في الاتحاد. ورغم أنها كانت المرشحة الوحيدة، فإنها لم تحصل إلا على أصوات 401 مندوب من أصل 800 مندوب، الأمر الذي يدل على هشاشة وضعها الراهن، لا، بل إن إريك سيوتي، رئيس «الحزب الجمهوري» الفرنسي الذي ينتمي إلى تجمع «حزب الشعب الأوروبي» أعلن أن نواب حزبه في البرلمان الأوروبي «لن يصوتوا لصالح فون دير لاين» لأنها «تمثل نوعا من الانحدار نحو التكنوقراطية ولأنها تسير بأوروبا إلى شكل من أشكال الفيدرالية التي نرفضها».

جوزيب بوريل... انتقد فون دير لاين بسبب عدد من مواقفها في السياسة الخارجية خصوصاً إزاء الحرب في غزة ومحاباتها لإسرائيل (إ.ب.أ)

وتُتهم فون دير لاين أيضا أنها في ممارستها لمهامها على رأس المفوضية خلال السنوات الخمس المنقضية، كانت تصيخ السمع لمجموعة النواب الوسطيين الذين يضمهم تجمع «RENEW» (تجديد) والنواب الخضر، أكثر من التزامها بتوجهات حزب الشعب الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن نواب الوسط والخضر صوتوا لصالحها في عام 2019، الأمر الذي مكنها من الفوز برئاسة المفوضية بفارق تسعة أصوات فقط. وتقوم آلية الانتخاب على اقتراح القادة الأوروبيين اسم مرشح (أو مرشحة) آخذين بعين الاعتبار نتائج الانتخابات. ويعود للبرلمان التصويت من أجل تثبيته أو رفضه بالأكثرية العادية.

مصير الانتخابات وصعود اليمين المتطرف

تعد فون دير لاين أن دورها اليوم يقوم على قيادة الحملة الانتخابية للتجمع الذي رشحها رسميا. وفي هذا السياق، شاركت يوم الأحد الماضي في أثينا في اختتام أعمال المؤتمر الخامس لحزب «الديمقراطية الجديدة» اليوناني الذي هو جزء من «حزب الشعب الأوروبي»، واغتنمت المناسبة لتكشف عن «برنامجها الانتخابي» الذي ستتاح لها الفرصة لشرحه في الأسابيع القادمة. والخوف الأكبر الذي يلم بها عنوانه الصعود المتنامي لليمين الأوروبي المتطرف (إيطاليا، فرنسا، الدنمارك، هولندا، السويد، سلوفاكيا، المجر ...) والقلق من أن ينجح في تشكيل مجموعة كبيرة في البرلمان المقبل. والدليل على ذلك أن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في فرنسا الذي تتزعمه المرشحة الرئاسية مارين لوبن سيخرج منتصرا من الانتخابات القادمة. وتبين استطلاعات الرأي أنه مرشح للحصول على أكثر من 30 بالمائة من الأصوات فيما الأحزاب الثلاثة الداعمة للرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته تناضل من أجل الحصول على 20 بالمائة من الأصوات.

أورسولا فون دير لاين متحدثة في مؤتمر «حزب الديمقراطية العددية» في أثينا يوم 7 أبريل (إ.ب.أ)

في كلمتها الأخيرة في أثينا، شددت فون دير لاين على أهمية «الدفاع عن الازدهار والأمن» في أوروبا في مواجهة «هجمات» روسيا، مضيفة أن «التحديات في الانتخابات المقبلة كبيرة وروسيا تهدد أوروبا المسالمة خاصتنا أكثر من أي وقت مضى». وذهبت إلى تأكيد أن «روسيا لا تسعى فقط لمحو أوكرانيا من على وجه الأرض» بل إن عدوانها «أكبر من ذلك»، إذ إنه يشمل شنّ «هجمات هجينة ضد أوروبا» و«التلاعب بشبكات التواصل الاجتماعي واستخدام المهاجرين أداة» لتحقيق غاياتها. ووجهت رئيسة المفوضية أصابع الاتهام لمن سمتهم «أصدقاء بوتين الذين يحاولون إعادة كتابة تاريخنا»، وهم في نظرها إما شعبويون أو ديماغوجيون. وتابعت: «هؤلاء يريدون تدمير أوروبا خاصتنا. ولن نسمح بذلك أبدا». وخلاصتها أن المهمة التي تتنكبها مع أصدقائها هي «التصدي». وقالت: «نحن في هذه الانتخابات ندافع عن أوروبا. ندافع عن الديمقراطية. ندافع عن الازدهار والأمن». ولذلك تتعين «زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي»، والارتفاع به إلى 2 بالمائة من الناتج المحلي الخام في كل بلد أوروبي على الأقل.

واللافت في كلام فون دير لاين تركيزها على الملف الروسي - الأوكراني وابتعادها عن تناول الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئوية... ويربط المراقبون بين هذا التوجه و«السأم» الذي بدأ يتسلل إلى الرأي العام الأوروبي، لجهة تواصل الحرب ولحاجة أوكرانيا لمزيد من المليارات فيما الميزانيات الأوروبية تعاني من الكثير من الصعوبات والحراك الاجتماعي يتواصل في أكثر من بلد.

قليلون يعرفون تاريخ هذه «المرأة الحديدية» الأم لسبعة أبناء وبنات التي مارست الطب قبل أن تعود من جديد الجامعة لدراسة الاقتصاد. وقد تقلبت بمناصب وزارية عدّة وكانت تحلم بأن تكون خليفة المستشارة أنجيلا ميركل التي زكتها مع الرئيس الفرنسي ماكرون لرئاسة المفوضية. وخلال السنوات الخمس تعرضت رئيسة المفوضية لانتقادات داخلية وارتبط اسمها بعدة فضائح آخرها المسماة فضيحة «بيبرغيت» وسببها تعيين فون دير لاين النائب الأوروبي الألماني ماركوس بيبر ممثل الحرب اليميني الألماني لدى تجمع «حزب الشعب الأوروبي» ممثلا خاصا للاتحاد لقطاع الشركات المتوسطة والصغيرة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول «شفافية التعيين وحياديته». واللافت أن أربعة مفوضين رئيسيين بينهم بوريل وجهوا رسالة رسمية ينددون فيها بالتعيين ويعدونه غير ناجح. وضمنا، يفهم من رسالة الأربعة أن تعيين ماركوس بيبر كان غرضه الحصول على تسمية حزبه لفون دير لاين مرشحة اليمين الأوروبي.


مقالات ذات صلة

«نساء القطط»... جينيفر أنيستون تهاجم فانس لانتقاده هاريس «غير المنجبة»

الولايات المتحدة​ الممثلة الشهيرة جينيفر أنيستون (أ.ب)

«نساء القطط»... جينيفر أنيستون تهاجم فانس لانتقاده هاريس «غير المنجبة»

انتقدت الممثلة الشهيرة، جينيفر أنيستون، جي دي فانس، بعد أن وصف بعض السيدات من الحزب الديمقراطي، بمن في ذلك كامالا هاريس بـ«نساء القطط بلا أطفال».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يحذر: الأبقار قد تحل مكان البشر

يعتقد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب أن الأبقار ستحل مكان البشر في النهاية إذا تم حظر تناول اللحوم الحمراء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الوزير السابق بلقاسم ساحلي يعلن رفع طعون في قرار رفض ترشحه للرئاسة (إعلام الحملة)

وزير جزائري سابق يطعن في أسباب رفض ترشحه للرئاسة

رفض وزير جزائري سابق المسوّغات التي قدمتها «سلطة الانتخابات» لتفسير رفض ترشحه لاستحقاق الرئاسة، فيما أعلن مرشحان تم قبول ملفهما عزمهما خوض الحملة الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون أبرز المرشحين للفوز بولاية ثانية (الرئاسة)

غربلة ملفات المرشحين لـ«رئاسة» الجزائر تبقي على 3

سيقتصر السباق في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر المقبل، على ثلاثة مترشحين، بحسب ما أعلنت عنه هيئة الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا لوسي كاستيتس مرشحة لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا 4 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة حكومة فرنسا؟

اقتصادية غير معروفة... من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة الحكومة الفرنسية؟

كوثر وكيل (باريس)

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
TT

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)

تواصل السبت الاضطراب في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة إعلان الشركة الوطنية لسكك الحديد عن تعرّضها «لهجوم ضخم» أتى قبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية «باريس 2024».

وسجّلت حركة القطارات السريعة تحسناً لكن الاضطرابات ما زالت قائمة. وسيشهد الخطان الشمالي الغربي والجنوبي الغربي تشغيل قطارين سريعين من ثلاثة، بينما سيشهد الخط الشمالي 80 في المائة من الحركة المعتادة للقطارات السريعة، وفق تقديرات شركة لسكك الحديد التي أوضحت أن الحركة عبر الخط الشرقي ستجري كالمعتاد، مرجحة أن تستمر الاضطرابات الأحد على الخط الشمالي وأن يشهد الخط الأطلسي تحسّناً.

الا أن الشركة أكدت أن «كل عمليات النقل للفرق والمعتمدين» للمشاركة في أولمبياد باريس مؤمنة.

وتعرضت الشركة لـ«هجوم ضخم» ليل الخميس الجمعة مما تسبب باضطراب كبير في حركة القطارات أثّر على 800 ألف مسافر قبل حفلة الافتتاح. وقالت الجمعة إن «العديد من الأعمال الخبيثة المتزامنة» أثرت على خطوطها الأطلسية والشمالية والشرقية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً في الهجمات. وأفاد مصدر مقرب من التحقيق بأن العملية كانت «محضّرة بشكل جيد» وتقف خلفها «الهيكلية ذاتها»، بينما أكد مصدر مقرّب من الملف أن أي طرف لم يعلن مسؤوليته.

وأوضحت الشركة الجمعة أن حرائق متعمدة عطّلت محطات الإشارات في كورتالين على مسافة نحو 140 كيلومترا جنوب غرب باريس، وفي كرواسي على مسافة 200 كيلومتر شمال العاصمة، وبايني-سور-موزيل على مسافة 300 كيلومتر إلى الشرق.

وعلى خط الجنوب الشرقي تمكن عمال السكك الحديد من «إحباط عمل خبيث» أثناء قيامهم بعمليات صيانة ليلية في فيرجيني، على مسافة 140 كيلومترا جنوب شرق باريس. ورصد العمال أشخاصا وأبلغوا قوات الدرك، ما دفع المخرّبين إلى الهروب، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.