17 أكتوبر 1961... يوم «قمع دامٍ» ضد مظاهرة جزائرية في باريس

متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 ينتظرون واضعين أيديهم فوق رؤوسهم للاستجواب تحت مراقبة الشرطة خلال حرب الجزائر (أ.ف.ب)
متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 ينتظرون واضعين أيديهم فوق رؤوسهم للاستجواب تحت مراقبة الشرطة خلال حرب الجزائر (أ.ف.ب)
TT

17 أكتوبر 1961... يوم «قمع دامٍ» ضد مظاهرة جزائرية في باريس

متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 ينتظرون واضعين أيديهم فوق رؤوسهم للاستجواب تحت مراقبة الشرطة خلال حرب الجزائر (أ.ف.ب)
متظاهرون جزائريون اعتقلوا في بوتو غرب باريس خلال مظاهرة 17 أكتوبر 1961 ينتظرون واضعين أيديهم فوق رؤوسهم للاستجواب تحت مراقبة الشرطة خلال حرب الجزائر (أ.ف.ب)

قبل 63 عاماً، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 1961، تعرّض 30 ألف جزائري جاءوا للتظاهر سلمياً في باريس لقمع عنيف فسقط ثلاثة قتلى ونحو ستين جريحاً وفق الحصيلة الرسمية، لكن مؤرخين يقدّرون عدد الضحايا ﺑ«العشرات على الأقل» جراء عنف الشرطة.

ومن المقرر أن يُناقش البرلمان الفرنسي الأربعاء مساء أو الخميس مشروع قرار يدعمه حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، يطالب الحكومة بتخصيص يوم لإحياء ذكرى هذه المجزرة.

في 17 أكتوبر 1961، قبل ستة أشهر على تكريس اتفاقات إيفيان لاستقلال الجزائر عن فرنسا، توافد «مسلمو فرنسا الجزائريون» كما كان يُطلق عليهم آنذاك من أحياء فقيرة في الضواحي وأحياء شعبية في باريس حيث كانوا يعيشون.

وبدعوة من فرع «جبهة التحرير الوطني» في فرنسا وهي حزب سياسي جزائري، تحدوا الحظر الذي فرضه مدير الشرطة موريس بابون، الذي أُدين لاحقا في العام 1998 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية لدوره في ترحيل اليهود بين العامين 1942 و1944.

وواجه هؤلاء المتظاهرون القمع الأكثر حصداً للأرواح في أوروبا الغربية منذ العام 1945، وفقا للمؤرخ إيمانويل بلانشار.

واقتادت الشرطة في ذلك اليوم نحو 12 ألف متظاهر. وانتُشلت جثث مصابة برصاصات عدة أو تحمل آثار ضرب من نهر السين في الأيام التالية.

في العام 1988، قدر مستشار في مكتب رئيس الوزراء خلال حرب الجزائر أن «اعتداءات» الشرطة تسبّبت بمقتل نحو مائة شخص، في حين أحصى تقرير للحكومة في العام 1998 مقتل 48 شخصا.

وفي أرشيف رُفعت عنه السرية، ونشره موقع «ميديابارت» الفرنسي في العام 2022، تفيد مذكرة من مسؤول رفيع المستوى كان يعمل مستشاراً لدى شارل ديغول، مؤرخة في 28 أكتوبر 1961، رئيس الدولة بوقوع «54 قتيلاً».

ومن الصعب تحديد العدد بدقة، إذ تتراوح الحصيلة التي قدمها مؤرخون على مر السنوات بين نحو ثلاثين قتيلاً وأكثر من 200 قتيل. واتفق هؤلاء على أن العدد «لا يقل عن عشرات القتلى» سقطوا على أيدي عناصر الشرطة في 17 أكتوبر، وفقاً لبلانشار.

حملة اعتقالات مخطط لها

في العام 1961، كانت الحرب الجزائرية مستمرة منذ سبع سنوات، وفُرض حظر تجول في باريس منذ 5 أكتوبر على «مسلمي فرنسا الجزائريين» الذين كانوا يعانون منذ أشهر من مداهمات الشرطة ورقابتها ومن عنف جسدي تمارسه فرق غير نظامية موالية للجزائر الفرنسية.

في 17 أكتوبر، أراد المتظاهرون الاحتجاج على نطاق واسع ضد حظر التجول هذا وإظهار تضامنهم بأعداد كبيرة مع الجزائريين الذين يقاتلون في بلادهم من أجل الاستقلال.

وقُتلت عناصر من الشرطة، (خمسة على الأقل) بين سبتمبر (أيلول) ومطلع أكتوبر، بحسب بلانشار، في هجمات متفرقة نُسبت إلى «جبهة التحرير الوطني» في منطقة باريس.

ورأى رئيس الوزراء ميشال ديبري آنذاك أن حظر التجول يمنع «جبهة التحرير الوطني» مساء من جمع الأموال المخصصة لقتالها.

ومنذ صباح يوم 17، سيطرت إدارة الشرطة على مركز معارض واسع شمال باريس، ما دل على أنها كانت «تستعد لحملة اعتقالات واسعة»، وفقاً لبلانشار.

وفي غضون ساعات قليلة، اقتيد آلاف الجزائريين بعنف وتم تكديسهم في سيارات للشرطة أو حافلات وجُمّعوا في أماكن عدة في باريس أو في ضواحٍ قريبة للتحقّق من هوياتهم.

وروى جاك سيمونيه الذي كان طالباً آنذاك، أمام المحكمة في العام 1999 ما رآه: «أُخرج الجزائريون من الحافلات بتوجيه اللكمات لهم، وكانوا يقعون أرضاً، وهناك مروا بين صف من عناصر الشرطة الذين استقبلوهم بالركلات، واللكمات، والعصي، والأحذية».

ولم ينقل غالبية المصابين إلى المستشفيات. وبمجرد التحقق من هوياتهم، تم طرد بعضهم إلى الجزائر، واحتجاز آخرين في معسكرات، وأُرسل آخرون إلى منازلهم.

«قمع استعماري»

ويتذكر بلانشار أنه منذ بدء وصول أول المتظاهرين إلى جسر نويي غرب باريس، أطلقت قوات الأمن الرصاص القاتل على حشد هادئ، يضم عائلات.

وازداد عنف عناصر الشرطة مع سماعهم رسائل إذاعية كاذبة نشرتها الشرطة تعلن زوراً مقتل عناصر من الشرطة بالرصاص.

كذلك، حصلت عمليات إطلاق نار في أماكن عدة في العاصمة. ويقول متحف تاريخ الهجرة على موقعه على الإنترنت «مات الكثير من الضحايا تحت ضربات أدوات (هراوات) حملها العناصر، وألقي عشرات آخرون في نهر السين، ولقي الكثير حتفهم اختناقاً بعد إلقائهم على الأرض وتغطيتهم بأكوام من الجثث».

ويوضح الموقع أن عنف القمع «يحاكي أساليب القمع الاستعماري السائدة في الإمبراطورية».

ولم يُعترف بذلك قبل العام 2012، عندما أحيا رئيس فرنسي للمرة الأولى، وهو الاشتراكي فرنسوا هولاند، «ذكرى ضحايا القمع الدامي» الذي تعرّض له هؤلاء بينما كانوا يتظاهرون من أجل «الحق في الاستقلال».

وفي العام 2021، تحدث إيمانويل ماكرون عن «جرائم لا تُغتفر» ارتُكبت «تحت سلطة موريس بابون».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة ترسل بعثة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ببنغلاديش

شرطي يصوّب سلاحه تجاه المتظاهرين خلال حظر تجوال في دكا ببنغلاديش 5 أغسطس 2024 (أ.ب)

الأمم المتحدة ترسل بعثة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ببنغلاديش

قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إنها سترسل بعثة لتقصي الحقائق إلى بنغلاديش، بناءً على طلب من الحكومة المؤقتة.

«الشرق الأوسط» (دكا)
أميركا اللاتينية إدموندو غونزاليس مع زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو (أ.ف.ب)

كاراكاس تنتقل من الدفاع عن «فوز» مادورو إلى شن هجوم واسع على قادة المعارضة

بعد مضي شهر على الانتخابات الرئاسية الفنزويلية التي ما زالت نتائجها موضع خلاف عميق، وقد تسببت في أزمة تهدد بانفجار اجتماعي جديد.

شوقي الريّس (مدريد)
الولايات المتحدة​ متظاهرون أمام المدخل الرئيسي لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة في 25 أغسطس 2024 (رويترز)

قيود وقيادات جديدة بجامعة كولومبيا مع عودة الطلاب والاحتجاجات للحرم الجامعي

رغم أن العام الدراسي الجديد في جامعة كولومبيا الأميركية لن يبدأ إلا بعد أيام، فإن الاحتجاجات الطلابية قد عادت للحرم الجامعي على خلفية الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)
مسعفون يسيرون في أحد الشوارع خلال احتجاج يندد باغتصاب وقتل متدربة طبية في مستشفى تديره الحكومة في كالكوتا بالهند (رويترز)

مظاهرة منددة بمقتل طبيبة تتحول إلى صدامات بين أنصار حزبين في الهند

وقعت صدامات بين آلاف المتظاهرين الأربعاء في كالكوتا شرقي الهند، حيث تحولت حركة احتجاجية منددة باغتصاب طبيبة وقتلها إلى شجار بين أنصار حزبين متعارضين.

«الشرق الأوسط» (كالكوتا)

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

طلب حزب «فرنسا الأبية» اليساري، السبت، من المجموعات البرلمانية الأخرى دعم محاولته، التي يبدو أنها بعيدة المنال، لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب «إخفاقات خطيرة» في تأدية واجباته الدستورية.

ويدور خلاف بين ماكرون وحزب «فرنسا الأبية» وحلفائه من الخضر والاشتراكيين والشيوعيين؛ بسبب رفضه تسمية مرشحتهم لوسي كاستيه رئيسة للوزراء بعد الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة في يوليو (تموز).

ورغم أن تحالفهم «الجبهة الشعبية الجديدة» فاز بأكبر عدد من المقاعد، فإن النتائج لم تمنح أي كتلة الأغلبية في الجمعية الوطنية المنقسمة إلى حد كبير بين اليسار، ووسطيي ماكرون، والتجمع الوطني اليميني.

وكتب نواب «فرنسا الأبية» في مشروع قرار العزل، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى) ومجلس الشيوخ يمكنهما، ويجب عليهما الدفاع عن الديمقراطية ضد ميول الرئيس الاستبدادية».

وقالت زعيمتهم البرلمانية ماتيلد بانو إنهم أرسلوا الوثيقة إلى نواب آخرين لجمع التوقيعات. وتواجه أي محاولة لعزل إيمانويل ماكرون من خلال المادة 68 من الدستور الفرنسي عقبات كبيرة، إذ تتطلب موافقة ثلثَي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين.

ويقول حزب «فرنسا الأبية» إن الأمر لا يعود إلى الرئيس «لإجراء مقايضات سياسية»، مشيراً إلى جهود ماكرون منذ يوليو للعثور على رئيس وزراء يحظى بإجماع.

لكن العديد من الخبراء الدستوريين يرون أن دستور الجمهورية الخامسة الذي أقر عام 1958 وكتب على افتراض أن النظام الانتخابي سينتج أغلبية واضحة، غامض بشأن المسار الذي يجب اتخاذه في حال تعطل العمل البرلماني.

وبرر ماكرون رفضه تسمية كاستيه رئيسة للوزراء بقوله إنه من واجبه ضمان «الاستقرار المؤسسي».