كييف تشيد تحصينات دفاعية استعداداً لحرب طويلة الأمد

روسيا أنجزت مشروعاً مماثلاً في شرق أوكرانيا عام 2023

أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة والمعدات الطبية القتالية في كييف (أ.ف.ب)
أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة والمعدات الطبية القتالية في كييف (أ.ف.ب)
TT

كييف تشيد تحصينات دفاعية استعداداً لحرب طويلة الأمد

أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة والمعدات الطبية القتالية في كييف (أ.ف.ب)
أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة والمعدات الطبية القتالية في كييف (أ.ف.ب)

بدأت أوكرانيا بدورها في تشييد تحصينات على طول خط الجبهة مع روسيا التي سبقتها في هذه الخطوة منذ عام، في إشارة إلى أنها تستعد لحرب طويلة المدى، فيما يبدو وكأنها فقدت في الوقت الراهن الإمساك بزمام المبادرة عملانياً.

وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 11 مارس (آذار) عن «ألفي كيلومتر من الأشغال لتعزيز التحصينات القائمة وإنشاء تحصينات جديدة». وكانت وزارة الدفاع البريطانية قد كشفت عن هذه المعلومات قبل يوم من ذلك، حيث أفادت بوجود خنادق مضادة للدبابات، وخنادق للمشاة، وحقول الألغام، والمواقع الدفاعية المحصنة. وأوضحت الوزارة على موقع التواصل الاجتماعي «إكس» أن «إنشاء مواقع دفاعية رئيسية يدل على صراع استنزاف، ويعني أن أي محاولة لاختراقها ستصاحبها على الأرجح خسائر فادحة».

وسيكون المشروع بمثابة رد على «خط سوروفيكين» الروسي الذي تم إنشاؤه عام 2023 في شرق أوكرانيا، والذي يتضمن ثلاث طبقات دفاعية في العمق، تهدف إلى إنهاك قوات العدو وزيادة صعوبة السيطرة على منطقة ما بعد اختراق عسكري. ومن المحتمل أن يكون الرد الأوكراني أقل تفصيلاً وأقل عمقاً، ولكنه يستجيب بشكل عاجل لنقص الذخيرة لديها.

يرى إيفان كليشتش من «المركز الدولي للدفاع والأمن» في إستونيا أن «المسؤولين الأوكرانيين يقولون بالفعل إن الوقت هو العامل الرئيسي الذي يمنعهم من بناء شيء مثل خط سوروفيكين»، لكن هذا الحلّ «ضروري؛ لأن ندرة الذخيرة وانخفاض الروح المعنوية (للجنود) وضعا أوكرانيا في موقف دفاعي بوضوح».

رسم لجنديين أوكراني وروسي يمارسان لعبة شد الحبل أمام نصب تذكاري في إيزيوم بمنطقة خاركيف (أ.ب)

خسائر العدو

انتهى الهجوم المضاد الأوكراني في الخريف، الذي تم الاستعداد له بشكل واسع وصولاً إلى واشنطن، بالفشل مع خسائر فادحة ومكاسب إقليمية ضعيفة. وأثبتت هذه الحرب، ربما أكثر من غيرها، أن الدفاع أفضل من الهجوم. والهدف من كلا المعسكرين هو إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالخصم مع مرور الوقت.

يريد زيلينسكي «تعظيم عدد القتلى والجرحى في الجانب الروسي»، حسبما لخص سيث جونز، نائب رئيس مركز الأبحاث الأميركي، مذكراً بأن «هذا النوع من التحصينات كان فعّالاً» في الماضي. وفي روسيا، قلّل مراقبون من عواقب الإعلان الأوكراني، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» في تقرير لها.

وفي تقدير الخبير المستقل ألكسندر كرامشيخين، تثبت هذه الخطوط (الدفاعية) أن «أوكرانيا أدركت أن هجومها فشل، وأن نجاحها المحتمل يعتمد على جودتها»، خاصة على حصة الميزانية التي تم تحويلها بسبب الفساد المستوطن في أوكرانيا.

ويتساءل فاسيلي كاشين، من المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، في إشارة إلى المدينة المحصنة، «هل لديهم ما يكفي من القوات لبنائها ومن ثم الدفاع عنها؟ لقد اخترق الجيش الروسي بالفعل التحصينات الأوكرانية الأكثر صلابة في أفدييفكا». الجبهة الشرقية التي سقطت في أيدي الروس منتصف فبراير (شباط).

أفق 2025 - 2026

في كل الأحوال، لم تغير كييف نموذجها العسكري ولا هدفها السياسي: تحرير إقليم دونباس (شرق)، فضلاً عن شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا في عام 2014. ولكن يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار حقائق الصراع.

وأكد محللون من «معهد غينس للاستخبارات البريطاني» الخاص أن «الأوكرانيين اعتمدوا على التحصينات منذ صيف 2022... لكن الفرق الحقيقي اليوم هو أنهم لن يركزوا بعد الآن فقط على القرب المباشر من خط المواجهة»، إلا أنهم سيعززون أيضاً مواقعهم الخلفية؛ لتقليل «احتمال أن يستغل الخصم النجاحات التكتيكية».

وفي كييف، هناك أمل في أن تتراجع قدرة روسيا على مواصلة المجهود الحربي لفترة طويلة. أما في موسكو، فإنهم يحلمون بتخفيض المساعدات المالية والعسكرية الغربية لكييف بشكل أكبر. لكن المؤشرات تؤكد عكس ذلك. ويرى فاسيلي كاشين أن «ميزان القوى يتغير وأوكرانيا تهدف إلى إطالة أمد الصراع حتى عام 2025 على الأقل».

وحتى لو بدت الجبهة هادئة، فإن الحرب «تجد نفسها أقل في طريق مسدودة منها في مرحلة (إعادة الشحن)، حيث يحاول الطرفان المتحاربان تجهيز نفسيهما بالوسائل اللازمة لتحقيق القرار بحلول 2025 - 2026»، على ما جاء في تقرير «معهد العلاقات الدولية» الفرنسي صدر هذا الأسبوع.

ولا يستطيع أي من الطرفين الفوز في الحرب اليوم. لكن لم يستسلم أحد، بحسب سيث جونز، الذي يشدد على أنه «من الممكن» أن تصبح هذه التحصينات «حدوداً فعليّة»، إلا أن «هذا لا يعني بالضرورة أن هذه هي بداية المفاوضات»، على حد تعبيره، وأنه «سوف يمر عام أو عامان آخران قبل أن يكون الجانبان على استعداد للتحدث».


مقالات ذات صلة

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الجمعة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فيما يدرس تعيين مبعوث خاص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)

وزير يحذّر: بوتين مستعد لشل بريطانيا بحرب سيبرانية

وزير العلاقات بين الحكومات البريطانية بات ماكفادن (أرشيفية - بي إيه ميديا)
وزير العلاقات بين الحكومات البريطانية بات ماكفادن (أرشيفية - بي إيه ميديا)
TT

وزير يحذّر: بوتين مستعد لشل بريطانيا بحرب سيبرانية

وزير العلاقات بين الحكومات البريطانية بات ماكفادن (أرشيفية - بي إيه ميديا)
وزير العلاقات بين الحكومات البريطانية بات ماكفادن (أرشيفية - بي إيه ميديا)

أفاد تقرير صحافي اليوم (الأحد)، بأن وزيراً في الحكومة البريطانية سيحذر من أن روسيا مستعدة لشن موجة من الهجمات الإلكترونية على بريطانيا، قد «تطفئ الأنوار لملايين الأشخاص»، و«تدفع ملايين الأشخاص نحو الظلام»، وذلك خلال مؤتمر «الناتو» الذي سيعقد غداً (الاثنين).

وسيقول وزير العلاقات بين الحكومات البريطانية بات ماكفادن، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد وقادر على إطلاق هجوم إلكتروني «مزعزع للاستقرار وموهن» على المملكة المتحدة، بحسب صحيفة «تليغراف».

وسيحذر ماكفادن، الذي يشرف على سياسة الأمن القومي والتهديدات التي تواجهها الدولة، من أن روسيا «عدوانية ومتهورة بشكل استثنائي في عالم الإنترنت»، وتريد الحصول على «ميزة استراتيجية وإضعاف الدول التي تدعم أوكرانيا».

وأفادت الصحيفة بأن مستشار دوقية لانكستر سيقول خلال المؤتمر، إن هناك خطراً وشيكاً من هجوم إلكتروني روسي على البنية التحتية والشركات البريطانية، قد «يغلق شبكات الطاقة» ويوجه ضربة قوية للاقتصاد.

 

جيش «غير رسمي»

وفي كلمته أمام مؤتمر الدفاع السيبراني لحلف شمال الأطلسي في لندن غداً (الاثنين)، سيشير ماكفادن في خطابه، إلى أن الجيش الروسي و«جيشه غير الرسمي من مجرمي الإنترنت والناشطين في مجال القرصنة» لم يكثفا هجماتهما فحسب خلال العام الماضي، بل وسعا نطاق أهدافهما إلى عدد من أعضاء وشركاء حلف «الناتو»، كما استهدفت موسكو وسائل الإعلام والاتصالات، والمؤسسات السياسية والديمقراطية، والبنية التحتية للطاقة.

وأردفت الصحيفة أن الوزير البريطاني سيحذر من خطورة الحرب السيبرانية، التي يمكن أن تكون «مزعزعة للاستقرار ومدمرة»، مع إمكانية شن روسيا هجوماً يؤثر على شبكات الكهرباء، وسيشير إلى أن «هذه هي الحرب الخفية التي تشنها موسكو على أوكرانيا الآن».

وتأتي هذه التكهنات بعد أيام قليلة من تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن جيشه يمكنه استهداف المملكة المتحدة، رداً على استخدام أوكرانيا صواريخ «ستورم شادو» البريطانية. وقال الزعيم الروسي إن روسيا اختبرت صاروخاً جديداً متوسط ​​المدى في ضربة على أوكرانيا، وإنها يمكن أن تستخدم السلاح بشكل مشروع ضد الدول التي سمحت لصواريخها بضرب روسيا، والتي تشمل بريطانيا والولايات المتحدة.

ويعتقد الوزراء في الحكومة البريطانية أنه في حين أنهم لا يستطيعون منع روسيا من شن هجمات إلكترونية على المملكة المتحدة، فإنهم واثقون من أنهم يتخذون الخطوات اللازمة لمنع انقطاع إمدادات الطاقة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

وفي وقت سابق من هذا العام، تم اختراق مستشفيين من مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في لندن، مما تسبب في تأجيل أكثر من 800 عملية جراحية مخططة و700 موعد خارجي. وشمل المرضى الذين تم تعطيلهم أولئك الذين يحتاجون إلى علاج السرطان وزرع الأعضاء. وكان يُعتقد أن الاختراق من عمل «قيلين»، وهي عصابة إجرامية إلكترونية روسية. وأظهرت البيانات التي نشرتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية في لندن، أنه كان لا بد من تأجيل ما يقرب من 100 علاج للسرطان في فترة 6 أيام، بسبب المشاكل الناجمة عن الهجوم.

 

تهديد «القراصنة النشطاء»

وسوف يسلط ماكفادن الضوء على الخطر الذي يشكله «القراصنة النشطاء غير الرسميين» الذين يرتكبون هجمات «متكررة بشكل مزداد، وفي بعض الحالات، مزدادة التعقيد» في جميع أنحاء العالم.

ونقلت الصحيفة عن خطاب الوزير البريطاني المرتقب: «هناك عصابات من القراصنة والمرتزقة لا تخضع لسيطرة الكرملين بشكل مباشر، ولكن يُسمح لها بالتصرف دون عقاب ما دام أنها لا تعمل ضد مصالح بوتين».

وسينقل الخطاب: «لقد استهدفوا (القراصنة) مؤخراً شريك (الناتو) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كوريا الجنوبية، رداً على مراقبتها لنشر القوات الكورية الشمالية في كورسك، حيث تقاتل روسيا أوكرانيا، وقد أعلنت مجموعات روسية متحالفة مع الدولة مسؤوليتها عن 9 هجمات سيبرانية منفصلة على الأقل بدرجات متفاوتة من الشدة ضد دول (الناتو)، بما في ذلك الهجمات غير المبررة ضد بنيتنا التحتية الوطنية الحيوية»، وأفاد: «هذه المجموعات غير متوقعة، فهي تتصرف بتجاهل للعواقب الجيوسياسية المحتملة، وبخطأ حسابي واحد فقط يمكن أن تسبب دماراً في شبكاتنا».

وسيقول ماكفادن إن روسيا «لن تفكر مرتين في استهداف الشركات البريطانية»، لأن بوتين «سعيد باستغلال أي ثغرة في دفاعاتنا السيبرانية». وسوف يلتقي ماكفادن بقادة الأعمال هذا الأسبوع، إلى جانب كبار مسؤولي الأمن القومي، لمناقشة كيفية تعزيز دفاعاتهم ضد الهجمات الإلكترونية.

وأشارت التقديرات السابقة إلى أن تكلفة الجرائم الإلكترونية على اقتصاد المملكة المتحدة وصلت إلى نحو 27 مليار جنيه إسترليني سنوياً.

صاروخ كروز «ستورم شادو» معروض خلال معرض باريس الجوي في لو بورجيه 19 يونيو 2023 (أرشيفية - أ.ب)

ويضع الوزراء تشريعات تهدف إلى تعزيز دفاعات المملكة المتحدة ضد الهجمات الإلكترونية. وسوف يعزز مشروع قانون الأمن السيبراني والمرونة سلطات الجهات التنظيمية ويجبر الشركات على الإبلاغ عن الهجمات التي تتجاهلها حالياً.

ومن المتوقع أن يفرض مشروع القانون على جميع مقدمي البنية التحتية الأساسية فهم وحماية سلاسل التوريد الخاصة بهم من الهجوم. وقد تشمل التدابير أيضاً تحسين إدارة البيانات المتعلقة بالهجمات الإلكترونية للتعلم من الدروس المستفادة من عمليات الاختراق السابقة.

وقد استخدمت أوكرانيا صواريخ «ستورم شادو» البريطانية في روسيا لأول مرة هذا الأسبوع. وأعطى جو بايدن الضوء الأخضر لكييف لاستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع داخل روسيا، مما يمهد الطريق لرفع القيود المفروضة على صواريخ «ستورم شادو» البريطانية.