اجتماع أوروبي أميركي في باريس لتعزيز الدعم إلى أوكرانيا

«الإليزيه»: اللقاء رسالة لبوتين مفادها أنه لن يربح الحرب

الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان بحرارة في 16 فبراير الحالي بمناسبة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى بين البلدين (أ.ب)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان بحرارة في 16 فبراير الحالي بمناسبة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى بين البلدين (أ.ب)
TT

اجتماع أوروبي أميركي في باريس لتعزيز الدعم إلى أوكرانيا

الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان بحرارة في 16 فبراير الحالي بمناسبة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى بين البلدين (أ.ب)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان بحرارة في 16 فبراير الحالي بمناسبة التوقيع على اتفاقية أمنية طويلة المدى بين البلدين (أ.ب)

إنه «اجتماع استثنائي»... بهذه العبارة وصفت مصادر قصر الإليزيه الاجتماع العاجل، الذي دعا إليه ويستضيفه الرئيس إيمانويل ماكرون، عصر الاثنين، في قصر الإليزيه، والذي سيجمع 20 رئيس دولة وحكومة، أكثريتهم الساحقة من الأوروبيين، وبالتنسيق مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ووفق «الإليزيه»، فإن الاجتماع، الذي يحصل بعد عامين من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، «يلتئم في لحظة مفصلية وفي ظل مخاوف بشأن مستقبل الحرب، وهدفه تعبئة الوسائل لدعم أوكرانيا بشكل أكثر فعالية، ومن أجل إظهار وحدة (الغربيين) و(استعدادهم) للعمل». وينطلق الاجتماع بكلمة للرئيس ماكرون، وأخرى عن بُعد للرئيس الأوكراني.

ووزّعت الرئاسة الفرنسية ليلاً لائحة بالمسؤولين، الذين سيشاركون في الاجتماع «القمة»، وهي تضم أربعة رؤساء دول فنلندا ورومانيا وبولندا وليتوانيا، و15 رئيس حكومة؛ أبرزهم، إلى جانب المستشار الألماني، رؤساء حكومات إيطاليا وإسبانيا وهولندا والنرويج والبرتغال والدنمارك. واللافت أن الولايات المتحدة ستمثل بمساعدة وزير الخارجية، في حين تمثل بريطانيا والسويد وكندا وإيطاليا بوزراء الخارجية.

وسيبرز في الاجتماع غياب دول مثل المجر وسلوفاكيا والنمسا. وبرّرت باريس ذلك بانشغالهم بـ«أمور داخلية». وحرصت باريس على توجيه رسالة مفادها أن مشاركة 20 رئيس دولة وحكومة، والوزراء الذين يمثلون دولهم في الاجتماع الذي جرى التحضير له في «فترة زمنية قصيرة» توفر الدليل على ريادة الرئيس ماكرون في الملف الأوكراني.

ثمة مجموعة من الأهداف يسعى الاجتماع لتحقيقها؛ وهي مرتبطة بالسياق الذي تسير فيه، راهناً، الحرب في أوكرانيا، وآخِر تجلياته نجاح روسيا في السيطرة على مدينة أفدييفكا، في منطقة دونباس، وإحرازها تقدماً محدوداً إضافياً، في حين تشكو القوات الأوكرانية من ضعف تزويدها بالأسلحة والذخيرة، والضبابية التي تُغلّف السياسة الأميركية، حيث لم تنجح الإدارة في تمرير قانون منح كييف مساعدات إضافية بقيمة 60 مليار دولار، لذا فإن المجتمعين في باريس، الاثنين، سيعملون على «إعادة تعبئة ودرس كل الوسائل لدعم أوكرانيا بشكل فعال»، وإخراجها من الوضع الميداني الذي تعانيه في الوقت الحاضر. والهدف الثاني عنوانه «دحض الانطباع بأن الأمور تنهار، وإعادة تأكيد أننا لسنا مُتعَبين وأننا مصممون على إحباط العدوان الروسي. نريد أن نرسل رسالة واضحة إلى بوتين بأنه لن ينتصر في أوكرانيا... فنحن لسنا مستسلمين ولا انهزاميين، لن يكون هناك انتصار لروسيا في أوكرانيا».

ونقلت مصادر «الإليزيه» عن زيلينسكي تشديده، بمناسبة اجتماعه مع ماكرون، الأسبوع الماضي، على «ضرورة التوصل إلى التزام عملي بالغ الصلابة (من جانب الدول الداعمة)، ويتناسب مع ظروف المعركة، ويكون من شأنه قلب اتجاهها الراهن» الجانح باتجاه روسيا. وخلاصة «باريس» أن هناك مجموعة أمور تبرر الاجتماع: السياق الذي يجري فيه، والإرادة السياسية المتوافرة، والرغبة في فعل مزيد من أجل أوكرانيا، فيما الهدف الأبعد إفهام موسكو وبوتين ضرورة التخلي عن أوهام تحقيق الانتصار في الحرب الدائرة. يضاف إلى ما سبق أن القادة الأوروبيين يستشعرون قلق الرأي العام. من هنا، تبرز الحاجة إلى توضيح أن الجهد المبذول في أوكرانيا «يتعلق بمستقبل وأمن أوروبا»، وتأكيد ضرورة أن «تكون تعبئتنا على مستوى التحدي». وردّاً على الأجواء التي سادت في مؤتمر ميونيخ الأخير للأمن، والتي أخذت تتنامى في أوساط الرأي العام، لجأت المصادر الرئاسية الفرنسية إلى استخدام لهجة حازمة بقولها: «نحن عازمون ومتحفزون ومنخرطون من أجل تحقيق الانتصار في أوكرانيا، ومن أجل توفير الأمن والاستقرار في أوروبا، وحتى لا يكون لعدوانية روسيا تأثير علينا». ولمزيد من التوضيح، تؤكد هذه المصادر أن «هدفنا الرئيسي هو إدخال الشك إلى ذهن الرئيس الروسي، والقضاء على الفكرة التي يروّج لها والتي يصدّقها بعضهم من أنه سوف ينتصر في هذه الحرب».

تشكو باريس، ومعها الأوروبيون، من «العدوانية المتزايدة» التي تمارسها روسيا على عدة مستويات، سواء أكان في الفضاء السيبراني والإعلامي والدعائي، أم بث الأخبار الكاذبة، أم تحريك بعض الأشخاص العاملين لصالحها من أجل إرباك الرأي العام الأوروبي، وصولاً إلى التخلص من المعارض نافالني، أو اغتيال الطيار الروسي الذي لجأ إلى إسبانيا. وأشارت المصادر الفرنسية إلى التصريحات المهددة لنائب رئيس مجلس الأمن القومي ميدفيديف، الذي لا يفتأ يلوّح باستخدام الأسلحة النووية، أو التهديد مجدداً باحتلال مدينة أوديسا، وحتى العاصمة كييف. يضاف إلى ما سبق، ما تقوم به روسيا عسكرياً في بحر البلطيق أو في أفريقيا، من خلال مجموعة «فاغنر» التي تغيّر اسمها إلى «القوة الأفريقية». وخلاصة باريس أن روسيا تحولت إلى «عامل يضرب الاستقرار ويعمل من أجل الفوضى على المستوى العالمي».

مظاهرة في مدينة تورنتو الكندية السبت للمطالبة بتوفير الدعم لأوكرانيا (أ.ف.ب)

لن يكتفي القادة والمسؤولون المجتمِعون في قصر الإليزيه، الاثنين، بـ«تشخيص الوضع الميداني وحاجات أوكرانيا»، إذ إنهم سيعملون على استخلاص النتائج، والنظر في السبل والإمكانيات التي يتعين توفيرها لكييف، وما يستطيع كل طرف من الأطراف المجتمعة توفيره، سواء على صعيد التمويل أم التسليح أم التدريب، وضمان مدّ القوات الأوكرانية بالذخائر التي تشكو من نقصانها. تجدر الإشارة إلى أنه، في الأيام الأخيرة، عمدت مجموعة دول، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وهولندا، إلى توقيع «اتفاقيات أمنية» طويلة المدى «متوسطها عشر سنوات» مع أوكرانيا، للوقوف إلى جانبها ومساندتها وتوفير الدعم لها، مع الكشف عن مبالغ مالية مهمة، كألمانيا التي وعدت بتوفير 8 مليارات يورو، للعام الحالي، في حين وعدت فرنسا بمبلغ 3 مليارات يورو. ولأن باريس انتُقدت مراراً لضعف الدعم الذي تقدمه لأوكرانيا، سواء عسكرياً أم مالياً، فقد حرصت مصادر «الإليزيه» على الرد على ذلك بتأكيدها أن «مصير الحرب غير مرتبط فحسب بالمبالغ المالية التي يجري الإعلان عنها، بل أيضاً بفعالية الأسلحة الفرنسية التي تُقدَّم للقوات الأوكرانية»، مشيرة بالتحديد لمدافع «قيصر» المحمولة على عربات أو صواريخ «سكالب» بعيدة المدى ودقيقة التصويب. كذلك فإن الإشكالية الأخرى التي يتعين على الغربيين حلها تتناول توفير الذخائر، وخصوصاً قذائف المدفعية، حيث تشكو أوكرانيا من نقصها، ما ينعكس على أدائها الميداني.

وردّاً على الذين يتساءلون عن أسباب انعقاد الاجتماع في باريس، وليس في برلين مثلاً، قال قصر الإليزيه إن الدعوة جاءت من الرئيس الفرنسي، وهو يدعو إلى اجتماع في بلاده، وليس في بلد آخر، وألمانيا حرة التصرف لتنظيم ما تريد تنظيمه. وإذا استبعدت باريس الإعلان عن توفير أسلحة جديدة لأوكرانيا، بمناسبة الاجتماع، فإن لكل طرف أن يعلن عما يريد أن يقوم به لتحسين وتعزيز القدرات الأوكرانية، سواء أكان ذلك في الفضاء السيبراني أم الدفاع الجوي ونزع الألغام، والتدريب على استخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة، سواء الطائرات غربية الصنع أم المدفعية أم المُسيّرات. ومن الأمور التي قد يأتي عليها الاجتماع، فرض عقوبات على الشركات التي تنسف أو تبدد مفعول العقوبات المفروضة على روسيا.


مقالات ذات صلة

موسكو تبلور مذكرة تفاهم لوقف النار بـ«سرِّية» وتتوقع نقاشات صعبة حولها

أوروبا أجرى ترمب وبوتين 3 مكالمات هاتفية منذ يناير 2025 (أ.ف.ب) play-circle

موسكو تبلور مذكرة تفاهم لوقف النار بـ«سرِّية» وتتوقع نقاشات صعبة حولها

تبلور موسكو مذكرة تفاهم لوقف النار بـ«سرِّية» وتتوقع نقاشات صعبة حولها، فيما يزور بوتين كورسك، وهناك مؤشرات على ضغط عسكري يواكب المفاوضات.

رائد جبر (موسكو)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (يسار) ونظيره الأرميني أرارات ميرزويان خلال مؤتمر صحافي يوم 21 مايو 2025 (د.ب.أ)

لافروف: حرب أوكرانيا تؤخّر تسليم الأسلحة لأرمينيا

تجد موسكو صعوبة في تزويد حليفتها التقليدية يريفان بالأسلحة بسبب حرب أوكرانيا، بحسب ما أفاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في القصر الكبير بالكرملين 10 مايو 2025 (رويترز)

الكرملين: يتم العمل على مذكرة التفاهم بين روسيا وأوكرانيا بشكل سري

أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الأربعاء، أن معظم العمل على مذكرة التفاهم بين روسيا وأوكرانيا «يتم بشكل سري، ولا ينبغي أن يكون مفتوحاً للجمهور».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا عناصر شرطة يعملون بالقرب من جثة النائب الأوكراني السابق أندريه بورتنوف بعد أن قُتل بالرصاص أمام مدرسة أطفاله في بوسويلو دي ألاركون بالقرب من مدريد (أ.ف.ب) play-circle 00:33

مقتل مسؤول أوكراني سابق مقرّب من روسيا بإطلاق نار قرب مدريد

قُتل أندريه بورتنوف، النائب والمساعد السابق لكبير موظفي الرئاسة الأوكرانية في عهد فيكتور يانوكوفيتش المقرب من روسيا، بإطلاق نار عليه.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أوروبا مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي تتحدث إلى الصحافيين في كوبنهاغن (رويترز)

«الأوروبي» يقر الحزمة الـ17 من العقوبات على روسيا

تبنَّى الاتحاد الأوروبي، أمس (الثلاثاء)، عقوبات جديدة ضد روسيا لعدم موافقة موسكو على هدنة في أوكرانيا. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس.

إيلي يوسف (واشنطن)

موسكو تبلور مذكرة تفاهم لوقف النار بـ«سرِّية» وتتوقع نقاشات صعبة حولها

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كورسك (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كورسك (أ.ب)
TT

موسكو تبلور مذكرة تفاهم لوقف النار بـ«سرِّية» وتتوقع نقاشات صعبة حولها

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كورسك (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كورسك (أ.ب)

بعد مرور يومين على دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الطرفين الروسي والأوكراني إلى الشروع «فوراً» في مفاوضات للتفاهم على آليات لوقف إطلاق النار ومسار التسوية السياسية، أعلن الكرملين أنه بدأ بإعداد «مذكرة تفاهم» لعرضها على الجانب الأوكراني تشتمل شروط الهدنة المنتظرة وآليات مراقبة تنفيذها. وتزامن تأكيد موسكو مع التزامها العمل بسرعة لدفع جهود التسوية، مع بروز مؤشرات إلى استعدادات يقوم بها الطرفان لزيادة الضغط العسكري في حال فشلت جهود التهدئة.

صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

موسكو تُعدّ مذكرة تفاهم حول الهدنة

قال الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف، إن الجانب الروسي بدأ العمل على إعداد مذكرة تفاهم حول الهدنة، وألمح إلى أن هذا المسار قُطعت فيه أشواط خلال اليومين الماضيين، مشيراً إلى أن «العمل على مذكرة التفاهم يتقدم بشكل ديناميكي».

كان الرئيس فلاديمير بوتين قد أعلن بعد مكالمة هاتفية مع ترمب، الاثنين، استعداده لإعلان هدنة مشروطة في أوكرانيا. واقترح وضع «مذكرة تفاهم» في هذا الشأن يلتزم الطرفان بموجبها بتفاصيل الهدنة وآليات تنفيذها والرقابة عليها. ومباشرةً بعد المكالمة، تحدث ترمب عن ضرورة شروع الطرفين؛ الروسي والأوكراني، في مفاوضات مباشرة لتحقيق هذا الهدف.

وردَّ بيسكوف خلال إفادة يومية الأربعاء، على اتهامات أوكرانية وأوروبية لروسيا بمحاولة المماطلة وكسب الوقت، وأكد التزام بلاده العمل بسرعة لإنجاز المذكرة. وزاد مخاطباً الصحافيين: «لا أحد يرغب في تأخير العملية. الجميع يعمل بنشاط وحيوية. سوف نُبقيكم على اطِّلاع دائم». لكنَّ اللافت أن الناطق الرئاسي تحدث عن إحاطة العمل الجاري لإعداد المذكرة، بتكتم. وأوضح أنه «يتم تنفيذ معظم العمل بموجب المذكرة بطريقة سرية ولا ينبغي أن تكون علنية». وكشف عن أنه فضلاً عن مذكرة التفاهم على الهدنة، سيتم وضع لائحة منفصلة بالشروط التي يطرحها الطرفان لوقف إطلاق النار.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

كما أشار إلى تسريع العمل؛ لتنفيذ الاتفاق الوحيد الذي نجم عن جولة المفاوضات في إسطنبول منتصف الشهر، المتعلق بتبادل الأسرى. وقال بيسكوف: «تجري الاستعدادات أيضاً لتبادل ألف سجين مقابل ألف سجين».

لكنه لم يحدد سقفاً زمنياً لإنجاز الوثائق التي يجري وضعها حالياً، وقال إنه لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن مكان إجراء المفاوضات الإضافية؛ وزاد أن بلاده «لم تتلقَّ أي مقترحات محددة من الفاتيكان للتعاون في إطار التسوية». في إشارة إلى اقتراح الفاتيكان استضافة جولة المفاوضات المقبلة بين روسيا وأوكرانيا.

في الوقت ذاته، أكد الناطق أن روسيا ترحب بجهود جميع البلدان التي تريد المساهمة في إنهاء الصراع.

ومع الغموض الذي يحيط الوثيقة التي يتم وضعها في موسكو، وغياب أي إشارات إلى ما إذا كانت كييف بدورها تعمل على وضع نسختها الخاصة من مذكرة التفاهم على الهدنة، فإن الكرملين توقع مواجهة صعوبات كبيرة عند التفاوض على وقف النار، ورسم ملامح التسوية المقبلة. وقال بيسكوف إن أمام موسكو وكييف «اتصالات صعبة لوضع نص مشترك لمذكرة تفاهم بشأن معاهدة السلام ووقف إطلاق النار».

وأوضح آلية العمل المتوقعة، مشيراً إلى أن «الجانبين الروسي والأوكراني سوف يضعان مسودات، وسيجري تبادل هذه المسودات، ثم ستُجرى اتصالات مكثفة لصياغة نص موحد. لا توجد مواعيد نهائية، ولن تكون هناك مواعيد نهائية. من الواضح أن الجميع يرغب في إنجاز ذلك بأسرع وقت ممكن، ولكن، بالطبع، يكمن الشيطان في التفاصيل».

روسيا تعرض شروطها «خلال أيام»

بدوره أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، أنّه يتوقع أن تعرض روسيا «خلال أيام» شروطها لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا، معتبراً أنّ هذه الخطوة ستسمح لواشنطن بتقييم مدى جدّية موسكو في سعيها للسلام.

وقال روبيو، خلال جلسة استماع أمام لجنة في مجلس الشيوخ، إنّه «في وقت ما، قريباً جداً، ربّما خلال بضعة أيام، ربّما هذا الأسبوع، سيقدّم الجانب الروسي الشروط التي يريدها أن تتحقّق»؛ للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وأوضح أنّ الروس سيعرضون «شروطاً عامة فحسب، تمكّننا من التقدّم نحو وقفٍ لإطلاق النار، وهذا الوقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح لنا بعد ذلك بالدخول في مفاوضات مفصّلة لإنهاء النزاع». وأضاف: «نأمل أن يحدث هذا الأمر. نعتقد أنّ ورقة الشروط التي سيطرحها الروس ستخبرنا بالكثير عن نياتهم الحقيقية». وتابع: «إذا كانت ورقة شروط واقعية ويمكن البناء عليها، فليكن... أما إذا تضمّنت مطالب نعلم أنها غير واقعية، فأعتقد أنّ ذلك سيكون مؤشّراً» على نيات روسيا.

يجلس الناس أمام خيام بمركز إقامة مؤقت في كورسك بعد إجلائهم بسبب القتال بين القوات الروسية والأوكرانية (أ.ب)

وأقر الاتحاد الأوروبي رسمياً، الثلاثاء، الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على موسكو، مستهدفاً 200 سفينة من أسطول «الشبح». من جانبه، هاجم كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، والمفاوض الاقتصادي الرئيسي مع واشنطن، هذا القرار بالقول: «يبذل السياسيون ووسائل الإعلام الغربية جهوداً جبارة لتعطيل الحوار البنّاء بين روسيا والولايات المتحدة». وقال روبيو إن ترمب يعارض في الوقت الحالي فرض عقوبات جديدة خشية أن تمتنع روسيا عن المجيء إلى طاولة المفاوضات. وقال مصدر مطلع لـ«رويترز» إن ترمب تحدَّث إلى زعماء أوكرانيا وأوروبا بعد مكالمته مع بوتين وأخبرهم بأنه لا يريد فرض عقوبات الآن ويريد إتاحة الوقت للمحادثات.

كييف تقدم وثيقة للاتحاد الأوروبي

وستطلب أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل بحث خطوات جديدة كبيرة لعزل موسكو، تشمل مصادرة أصول روسية وفرض عقوبات على بعض مشتري النفط الروسي. وستُقدم وثيقة أوكرانية إلى التكتل الذي يضم 27 دولة لاتخاذ موقف مستقل أكثر صرامةً بشأن فرض العقوبات في ظل الضبابية التي تكتنف دور واشنطن مستقبلاً. وفي الوثيقة التي تتضمن 40 صفحة من التوصيات، ستكون هناك دعوات لتبني تشريع يسرِّع مصادرة الاتحاد الأوروبي أصول الأفراد الخاضعين للعقوبات وإرسالها إلى أوكرانيا. ويمكن حينها لهؤلاء الخاضعين للعقوبات المطالبة بتعويضات من روسيا.

كان الطرفان الروسي والأوكراني قد عقدا في إسطنبول قبل أسبوع، أول جولة مفاوضات مباشرة منذ ثلاث سنوات. وعلى الرغم من أن اللقاء كان قصيراً، واستمر نحو ساعتين فقط، فإن الطرفين أعلنا أن أجواء النقاشات كانت مثمرة وإيجابية. واتفق الطرفان خلالها على تبادل واسع للأسرى، وعلى العودة إلى طاولة المفاوضات قريباً. وطلب الجانب الأوكراني عقد قمة روسية - أوكرانية لتسهيل مسار المفاوضات، وهو أمر لم ترد عليه موسكو بعد، لكنها أعلنت أن فريقي التفاوض على استعداد لوضع تصورات كل منهما للهدنة المقترحة وآليات تنفيذها والرقابة عليها.

في غضون ذلك، بدا أن الاستعدادات الجارية لتسريع وتيرة المفاوضات وتقريب احتمال إعلان هدنة مؤقتة تمهد الطريق لمفاوضات السلام النهائية، تجري بالتزامن مع تصعيد الطرفين الروسي والأوكراني استعداداتهما لتصعيد ميداني في حال فشلت جهود التهدئة الحالية. وتقول كييف إن موسكو تواصل حشد آلاف الجنود على طول الحدود بالقرب من منطقتي سومي وخاركيف، مع توقع محاولة توغل واسعة في المنطقة. ووفق خبراء عسكريين فإن موسكو وضعت خططاً لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع المنطقتين اللتين شكَّلتا نقطة انطلاق مهمة للقوات الأوكرانية التي هاجمت كورسك ومناطق مجاورة ونجحت الصيف الماضي في السيطرة على أجزاء واسعة من المقاطعة الروسية، قبل أن تنجح روسيا في طرد القوات الأوكرانية منها قبل أسابيع بعد معارك ضارية استمرت لأشهر.

وتشير مصادر أوكرانية إلى أن بوتين قد يضع بين أهدافه في حال انهارت جهود الهدنة، محاولة فرض سيطرة مطلقة على مدينة خاركيف التي تقول السردية الروسية إنها بين أبرز «المدن الروسية» في أوكرانيا الحالية.

بوتين يزور كورسك

وزار بوتين، الثلاثاء، منطقة كورسك للمرة الأولى منذ إعادة فرض سيطرة الجيش الروسي عليها الشهر الماضي. والتقى حاكمها بالإنابة ألكسندر خينشتين، وممثلي منظمات تطوعية. ونقل بيان الكرملين عن خينشتين قوله خلال الاجتماع مع بوتين، إن «عملية لإزالة الألغام» تجري حالياً في منطقة كورسك، حيث «تُزال عشرات العبوات الناسفة يومياً».

وبثت قناة «روسيا 24» التلفزيونية العامة صوراً للقاء بين بوتين ومتطوعين، حول طاولة كبيرة وهم يتناولون الشاي وسكاكر. كذلك، اقترح إنشاء متحف مخصص «للأحداث التي وقعت في منطقة كورسك خلال عاميْ 2024 و2025 من أجل الحفاظ على ذكرى ما جرى هنا، وذكرى بطولة المدافعين عنا»، وهي فكرة حظيت بدعم بوتين.

وأعلن الرئيس الروسي خلال الزيارة خططاً لإعادة الإعمار في المنطقة. مثل محطة الطاقة النووية «كورسك-2» بالقرب من المدينة. وكان بوتين قد زار أطراف كورسك في مارس (آذار) الماضي وتعهد خلال زيارته بـ«تحرير المنطقة في أسرع وقت.

في المقابل، تقول مصادر روسية إن أوكرانيا تؤدي دورها بتحضيرات لتصعيد عسكري في حال فشلت جهود التهدئة. ووفق تقارير، فإن كييف تواصل تجهيز أفواج من طائرات مسيَّرة حديثة لشن هجمات على المدن الروسية. وبدا أن الضغط العسكري من الجانبين يواكب مسار التحضير للمفاوضات حالياً. وتبادلت موسكو وكييف ضربات جوية خلال اليومين الماضيين، وشنت مسيَّرات أوكرانية هجوماً قوياً على موسكو ومدن أخرى ليلة الأربعاء، في حين تعرضت مدن أوكرانية لهجمات صاروخية ومدفعية في الفترة نفسها.

وأسفر هجوم روسي على موقع تدريب في شمال شرقي أوكرانيا عن مقتل ستة جنود أوكرانيين وإصابة أكثر من عشرة آخرين، وفق ما أعلن الحرس الوطني الأوكراني، الأربعاء. من جهته أعلن الجيش الروسي أنه أسقط 159 طائرة مسيّرة أوكرانية في غضون 12 ساعة في مناطق عدة.

مقتل مسؤول أوكراني قرب مدريد

من جانب آخر، قُتل أندري بورتنوف، النائب والمساعد السابق لكبير موظفي الرئاسة الأوكرانية في عهد فيكتور يانوكوفيتش، المقرَّب من روسيا، بإطلاق النار عليه أمام مدرسة يرتادها أولاده قرب مدريد، حسبما أفاد به مصدر في الشرطة الإسبانية. وهرعت الشرطة إلى بلدة بوسويلو دي ألاركون الراقية، حيث أطلق «عدد من الأشخاص» النار على رجل «في الظهر والرأس» فيما كان «يهم بركوب سيارة»، حسبما قال المصدر، مؤكداً أن القتيل هو بورتنوف الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب شبهات فساد. وقال المصدر إن مطلقي النار «فرُّوا لاحقاً من المكان باتجاه منطقة حرجية»، مضيفاً أن الحادثة وقعت أمام مدرسة أميركية خاصة. وعثرت أجهزة الطوارئ على رجل ممدد على الرصيف قرب المدرسة وقد تعرض لإصابات قاتلة «سببها ثلاث طلقات على الأقل من سلاح ناري»، حسبما أفادت به المتحدثة إنكارنا فرنانديز، للصحافيين. وأضافت: «يمكننا فقط تأكيد وفاة هذا الشخص». وذكرت وسائل إعلام إسبانية أن الضحية كان قد أخذ أولاده إلى المدرسة قبل مقتله.

كان بورتنوف نائباً في البرلمان الأوكراني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأصبح لاحقاً مساعد كبير موظفي الرئاسة الأوكرانية في عهد فيكتور يانوكوفيتش، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي فرّ إلى روسيا عام 2014 بعد الاحتجاجات المؤيدة للاتحاد الأوروبي في أوكرانيا.

وغادر بورتنوف أوكرانيا بعد سقوط يانوكوفيتش، وعاش في روسيا والنمسا قبل أن يعود إلى وطنه بعد انتخاب الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه في عام 2021 بتهمة الفساد، قائلةً إنه استخدم نفوذه في القضاء، للتمكن من الوصول إلى المحاكم الأوكرانية وتقويض جهود الإصلاح.

وحسب تقارير إعلامية، استخدم علاقاته داخل دوائر السلطة للفرار من أوكرانيا مجدداً عام 2022، رغم الحظر المفروض على سفر الرجال المطلوبين للخدمة العسكرية. ولم تعلق السلطات الأوكرانية بعد على الحادثة، لكنّ مسؤولاً في جهاز استخبارات عسكرية قال لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم ذكر اسمه، إن بورتنوف قُتل بإطلاق نار. وكانت أوكرانيا قد تبنّت أو ارتبط اسمها بعدة عمليات اغتيال في روسيا وفي مناطق أوكرانية تحتلها موسكو منذ بدء الغزو في عام 2022، استُهدفت خلالها شخصيات سياسية أو عسكرية أو داعمين آيديولوجيين للحرب.