الرئيس الفرنسي يدعو «للنظر في كيفية تعزيز الدعم لأوكرانيا»

قلق أوروبي من ضعف الاستجابة لحاجات كييف العسكرية في ظل الغموض الأميركي

مصافحة حارة بين الرئيسين الفرنسي والأوكراني في قصر الإليزيه يوم 16 فبراير عقب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بلديهما (رويترز)
مصافحة حارة بين الرئيسين الفرنسي والأوكراني في قصر الإليزيه يوم 16 فبراير عقب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بلديهما (رويترز)
TT

الرئيس الفرنسي يدعو «للنظر في كيفية تعزيز الدعم لأوكرانيا»

مصافحة حارة بين الرئيسين الفرنسي والأوكراني في قصر الإليزيه يوم 16 فبراير عقب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بلديهما (رويترز)
مصافحة حارة بين الرئيسين الفرنسي والأوكراني في قصر الإليزيه يوم 16 فبراير عقب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بلديهما (رويترز)

أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيستضيف الاثنين المقبل اجتماعاً رفيع المستوى لدعم أوكرانيا، سيضم رؤساء دول وحكومات ووزراء يمثلون بلدانهم. ويأتي هذا الاجتماع في حين تدخل الحرب الروسية - الأوكرانية، السبت، عامها الثالث وسط مخاوف من تراجع الدعم الغربي والصعوبات التي تواجهها الإدارة الأميركية في تمرير مشروع قانون في مجلس النواب من شأنه في حال إقراره أن يوفر لكييف دعماً مالياً ضخماً يصل إلى 60 مليار دولار. كذلك، فإن الرأي العام الغربي، الأوروبي والأميركي، بدأ يرسل إشارات تنم عن «تعبه» من تواصل الحرب وضرورة الاستمرار في دعم أوكرانيا في حين أن الاقتصادات الغربية تعاني من تضاؤل نسب النمو.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الاثنين) في احتفال تقديم السلاح في باحة قصر الأنفاليد في باريس (أ.ف.ب)

وأفاد بيان الإليزيه بأن «اجتماع العمل سيوفر الفرصة للنظر في الوسائل المتاحة لتعزيز تعاون الأطراف المشاركة في دعم أوكرانيا». ولم توفر المصادر الرئاسية لائحة بأسماء كبار الشخصيات التي ستلبي دعوة ماكرون، إلا أن رئيس الدولة البولندية أفاد بأن ماكرون «دعا مجموعة من القادة الأوروبيين إلى باريس لمناقشة المقترحات الجديدة الخاصة بإيجاد حلول لدعم أوكرانيا»، وأنه شخصياً سوف يلبي الدعوة.

طموحات ماكرون

يوماً بعد آخر، يبدو أن الرئيس الفرنسي يريد أن يلعب دوراً رائداً أقله على المستوى الأوروبي في الوقوف إلى جانب أوكرانيا بعد أن اتُّهم، في الأشهر الأولى من الحرب، بأنه «يساير» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كذلك، فإن انتقادات شبه مباشرة وُجهت لفرنسا بسبب ضعف مساهمتها في توفير وسائل الدفاع الضرورية للقوات الأوكرانية. من هنا حرص باريس على أن تكون من أوائل الدول الأوروبية التي توقع، قبل أسبوع، اتفاقية أمنية شديدة الطموح مع أوكرانيا، في حين أن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو يجهد لإبراز المساهمة العسكرية المتنامية التي تقدمها بلاده إن على صعيد «تحالف المدفعية» المنبثق من «مجموعة رامشتاين» أو من خلال مجموعة الدفاعات الصاروخية الجوية.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (الخميس) يثير مخاوف الأوروبيين لجهة سياسته الغامضة إزاء أوكرانيا في حال نجاحه في العودة إلى البيت الأبيض (إ.ب.أ)

بيد أن الأهم من ذلك أن إجماع باريس يحصل بعد أيام من تحقيق القوات الروسية نجاحاً عسكرياً بالسيطرة على مدينة «أفديفكا» الواقعة في منطقة الدونباس، والشكوى الأوكرانية من أن الهزيمة التي تلقتها ميدانياً سببها افتقارها للذخيرة، خصوصاً قذائف المدفعية. ويفيد تقرير صادر عن المخابرات الأستونية بأن مقابل كل عشر قذائف مدفعية تطلقها القوات الروسية لا تقابل إلا بقذيفة أوكرانية واحدة.

ويضيف التقرير أن روسيا وفرت لقواتها، في عام 2023، ما بين 3 و4 ملايين قذيفة، وأنها حصلت على ذخائر إضافية من بيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية التي مدتها بما يقارب مليوني قذيفة. وفي المقابل، فإن الاتحاد الأوروبي الذي وعد كييف في شهر مارس (آذار) الماضي بمدها، خلال عام واحد، بمليون قذيفة مدفعية من عيار «155 ملم»، أخفق في بلوغ هدفه بحيث لن يقدم للقوات الأوكرانية «سوى» 520 ألف قذيفة، إلا أن وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا صحّح، يوم الاثنين الماضي، بمناسبة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الأرقام بتأكيده أن ما حصلت عليه بلاده من القذائف لا يزيد على 400 ألف، وأنها بحاجة إلى 2.5 مليون قذيفة في عام 2024.

ممثل السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل خلال كلمة له في ميونيخ في 18 الجاري يدق ناقوس الخطر داعياً لتوفير مزيد من الدعم للقوات الأوكرانية (إ.ب.أ)

إزاء هذا الوضع المقلق، سارع مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الأربعاء الماضي، إلى توجيه رسالة مكتوبة إلى وزراء خارجية الاتحاد ينبّههم فيها من أن «التأخر في تسليم القذائف له ثمن إنساني مرتفع يدفعه الأوكرانيون من حياة جنودهم، كما أنه يضعف القدرات الدفاعية لأوكرانيا»، مؤكداً أن أوكرانيا «بحاجة ملحة للقذائف وبكميات كبيرة».

وأضاف بوريل في رسالته: «أعتقد أنه من واجبي ومسؤوليتي أن أدعوكم، مرة أخرى، للنظر فيما يمكن القيام به من أجل دعم أوكرانيا». ومما اقترحه بوريل أن تلجأ الدول الأوروبية إلى الاستعانة بمخزوناتها من القذائف، وأن تستحصل على المزيد منها من خلال المشتريات حيث هي متوافرة. ولم يفته أن يطالب بـ«توفير تمويل فوري» لهذه المشتريات. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية، فإن الأوروبيين يسعون حالياً لجمع 1.4 مليار يورو لشراء القذائف «حيث تتوافر»، مشيرة إلى أن الجمهورية التشيكية تقود الجهود في هذا السياق، «لكنه بحاجة إلى أن يقدم الآخرون الأموال». وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أقر أخيراً مساعدات مالية لأوكرانيا حتى عام 2027 بقيمة 50 مليار يورو.

وترى مصادر أوروبية في باريس أن مشكلة الأوروبيين مزدوجة: فمن ناحية عليهم أن يبينوا أنهم قادرون على الحلول محل الأميركيين في توفير الدعم العسكري والاقتصادي والمالي لأوكرانيا لتمكينها من استعادة أراضيها المحتلة وحرمان موسكو من تحقيق النصر في هذه الحرب، أو على الأقل تمكين الجانب الأوكراني من الذهاب إلى مفاوضات (من المفترض أن تحصل يوماً ما)، من موقع قوة. ومن جانب آخر، يستشعر الأوروبيون أن الغياب الأميركي يلقي بثقله عليهم وهم يأخذون بعين الاعتبار النزعة الانعزالية الأميركية التي يركب موجتها الرئيس السابق دونالد ترمب الساعي للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وهذا العامل يتداخل مع ضعف اقتصاداتهم وحاجتهم لشد الأحزمة وخفض نفقاتهم.

وأخيراً ثار جدل في فرنسا حيث نصت الاتفاقية الأمنية مع أوكرانيا على توفير دعم لها خلال العام الحالي قيمته 3 مليارات يورو، في حين أكد برونو لومير، وزير الاقتصاد، بعد يومين فقط على توقيع الاتفاقية، أنه يتعين على الحكومة خفض مصاريفها بما يقارب عشرة مليارات يورو.

تبدو هذه المعادلة عصية على الحل، لكن الأوروبيين يعون خطورة الوضع على التوازنات الاستراتيجية في قارتهم. وما يزيد من وطأتها «الغموض» و«انعدام اليقين» في ما يخص السياسة الأميركية وتداعياتها الداخلية ليس فقط على مصير الحرب الروسية - الأوكرانية، بل أيضاً وخصوصاً على المستقبل الأوروبي. فهل سينجح القادة الأوروبيون في اجتماعهم المقبل في باريس في العثور على المخارج الضرورية لحل الإشكالية الصعبة؟ السؤال مطروح والجواب في الآتي من الأيام.


مقالات ذات صلة

ترمب: توقيع اتفاقية المعادن بين أوكرانيا وأميركا الخميس المقبل

أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اللقاء العاصف في البيت الأبيض (أ.ف.ب)  play-circle

ترمب: توقيع اتفاقية المعادن بين أوكرانيا وأميركا الخميس المقبل

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم (الخميس)، إنه من المقرر أن توقع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا الخميس المقبل.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا اجتماع موسع في قصر الإليزيه ضم الوفود الفرنسية والأوكرانية والأميركية وممثلين من بريطانيا وألمانيا )إ.ب.أ)

اجتماعات باريس تعيد الأوروبيين طرفاً في مفاوضات أوكرانيا

اجتماعات باريس تعيد الأوروبيين طرفاً في مفاوضات أوكرانيا، ويأملون أن تضع حداً للأحادية الأميركية

ميشال أبونجم (باريس)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)

موسكو تتهم برلين بالتورط مباشرة في الحرب من خلال تزويد كييف بصواريخ «توروس»

موسكو تتهم برلين بالتورط مباشرة في الحرب من خلال تزويد كييف بصواريخ «توروس» وتقول إن الأوروبيين يريدون «استمرار الحرب» في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
الاقتصاد صورة عامة لمقر البنك الوطني الأوكراني في كييف (رويترز)

أوكرانيا تُثبت الفائدة عند 15.5 % وتحذّر من تباطؤ التعافي

أبقى البنك المركزي الأوكراني سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 15.5 في المائة، يوم الخميس، متوقعاً أن يبدأ معدل تضخم أسعار المستهلك في التراجع خلال الصيف.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: مبعوث ترمب سيطلع الأوروبيين على جهود السلام في أوكرانيا

قال الكرملين، اليوم (الخميس)، إن اجتماعاً بين الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أوروبية في باريس يشكل فرصة للمبعوث الأميركي الخاص لإطلاعهم على الوضع في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو )

ترمب: توقيع اتفاقية المعادن بين أوكرانيا وأميركا الخميس المقبل

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اللقاء العاصف في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اللقاء العاصف في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

ترمب: توقيع اتفاقية المعادن بين أوكرانيا وأميركا الخميس المقبل

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اللقاء العاصف في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اللقاء العاصف في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم (الخميس)، إنه من المقرر أن توقع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا الخميس المقبل. ويدفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب باتجاه إبرام اتفاق يسمح للولايات المتحدة بالاستفادة من أرباح الموارد الطبيعية والمعادن المهمة في أوكرانيا، فيما يَعدُّه مقابلاً لمساعدات عسكرية قدّمتها واشنطن لكييف في عهد الرئيس السابق جو بايدن.

وصرح ترمب لصحافيين في البيت الأبيض: «لدينا اتفاق المعادن، وأعتقد أنه سيوقع الخميس المقبل... قريباً. أفترض أنهم سيلتزمون الاتفاق. لذلك سنرى. لكن لدينا اتفاق بشأن ذلك».

وأكد الرئيس الأميركي أنه لا يحمّل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «مسؤولية» غزو روسيا لبلاده، لكنه انتقد الرئيس الأوكراني مجدداً.

وأضاف ترمب: «لا أحمّل زيلينسكي المسؤولية (...) لا ألومه، لكنني لا أستطيع القول إنه قام بالعمل الأفضل، أليس كذلك؟ لست من أشد المعجبين به».

اتهامات أوكرانية للصين

وقالت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو إن بلادها وقعت مذكرة «نوايا» مع أميركا تمهد الطريق لاتفاقية للشراكة الاقتصادية وإنشاء صندوق الاستثمار لإعادة إعمار أوكرانيا.

وكان الرئيس الأوكراني قد صرح بأن أوكرانيا والولايات المتحدة قد تُوقّعان مذكرة تفاهم، اليوم (الخميس)، بشأن اتفاق المعادن، الذي يتفاوض عليه البلدان حالياً، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

واتهم الرئيس الأوكراني الصين، الخميس، بـ«تزويد روسيا بأسلحة»، وبالمشاركة في «إنتاج أسلحة معيّنة» على الأراضي الروسية.

وقال زيلينسكي: «تلقّينا أخيراً معلومات تفيد بأنّ الصين تزوّد روسيا بأسلحة»، مضيفاً: «نعتقد أنّ ممثلين صينيين يشاركون في صناعة أسلحة معيّنة على الأراضي الروسية».

وقال الجيش الأوكراني، اليوم، إن القوات الروسية تختبر أساليب جديدة لشنّ هجمات واسعة النطاق، يشارك فيها مئات الجنود، وذلك في وقتٍ تستعد فيه كييف لهجوم جديد، بعد مُضي أكثر من 3 سنوات على اندلاع الحرب.

ويشير ذلك إلى تغيير محتمل لأسلوبٍ اعتمدت عليه روسيا لأكثر من عامين، من خلال إرسال مجموعات صغيرة من المشاة للتوغل ببطء عبر الخطوط الأوكرانية.

وجاء في منشور للقيادة الجنوبية بالجيش الأوكراني، الخميس، مقاطع مصورة لما قالت إنه هجوم روسي شارك فيه 320 جندياً، و40 مركبة مدرّعة في محيط قرى عدة على الجبهة الجنوبية بمنطقة زابوريجيا.

وأوضح المنشور أن الهجوم وقع، مساء الأربعاء، واستمر قرابة ساعتين ونصف الساعة قبل رصده وإلحاق خسائر فادحة بالقوات المشارِكة فيه.

ولم يتسنّ لـ«رويترز» التحقق من صحة تلك التقارير الواردة من ساحة المعركة.

وأسلوب القوات الروسية في الهجوم بوحدات مشاة صغيرة وخفيفة التسليح هو في حدّ ذاته تطور عما اتبعته في بداية الحرب، حينما كانت أرتالها المدرّعة الضخمة تتكبد خسائر فادحة في مواجهة الوحدات الأوكرانية سريعة الحركة.

وواجهت المركبات المدرّعة أيضاً صعوبة بالغة في ظل الاعتماد المكثف على الطائرات المُسيرة القادرة على إصابة الأهداف بدقة أكبر من قذائف المورتر أو المدفعية.

وقال قائد الحرس الوطني الأوكراني أوليكساندر بيفنينكو، الخميس، إن أحد ألويته صدَّ هجوماً كبيراً شاركت فيه مركبات مدرّعة ومئات من جنود المشاة على خط المواجهة، بالقرب من مدينة بوكروفسك المحاصَرة في الشرق.