أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيستضيف الاثنين المقبل اجتماعاً رفيع المستوى لدعم أوكرانيا، سيضم رؤساء دول وحكومات ووزراء يمثلون بلدانهم. ويأتي هذا الاجتماع في حين تدخل الحرب الروسية - الأوكرانية، السبت، عامها الثالث وسط مخاوف من تراجع الدعم الغربي والصعوبات التي تواجهها الإدارة الأميركية في تمرير مشروع قانون في مجلس النواب من شأنه في حال إقراره أن يوفر لكييف دعماً مالياً ضخماً يصل إلى 60 مليار دولار. كذلك، فإن الرأي العام الغربي، الأوروبي والأميركي، بدأ يرسل إشارات تنم عن «تعبه» من تواصل الحرب وضرورة الاستمرار في دعم أوكرانيا في حين أن الاقتصادات الغربية تعاني من تضاؤل نسب النمو.
وأفاد بيان الإليزيه بأن «اجتماع العمل سيوفر الفرصة للنظر في الوسائل المتاحة لتعزيز تعاون الأطراف المشاركة في دعم أوكرانيا». ولم توفر المصادر الرئاسية لائحة بأسماء كبار الشخصيات التي ستلبي دعوة ماكرون، إلا أن رئيس الدولة البولندية أفاد بأن ماكرون «دعا مجموعة من القادة الأوروبيين إلى باريس لمناقشة المقترحات الجديدة الخاصة بإيجاد حلول لدعم أوكرانيا»، وأنه شخصياً سوف يلبي الدعوة.
طموحات ماكرون
يوماً بعد آخر، يبدو أن الرئيس الفرنسي يريد أن يلعب دوراً رائداً أقله على المستوى الأوروبي في الوقوف إلى جانب أوكرانيا بعد أن اتُّهم، في الأشهر الأولى من الحرب، بأنه «يساير» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كذلك، فإن انتقادات شبه مباشرة وُجهت لفرنسا بسبب ضعف مساهمتها في توفير وسائل الدفاع الضرورية للقوات الأوكرانية. من هنا حرص باريس على أن تكون من أوائل الدول الأوروبية التي توقع، قبل أسبوع، اتفاقية أمنية شديدة الطموح مع أوكرانيا، في حين أن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو يجهد لإبراز المساهمة العسكرية المتنامية التي تقدمها بلاده إن على صعيد «تحالف المدفعية» المنبثق من «مجموعة رامشتاين» أو من خلال مجموعة الدفاعات الصاروخية الجوية.
بيد أن الأهم من ذلك أن إجماع باريس يحصل بعد أيام من تحقيق القوات الروسية نجاحاً عسكرياً بالسيطرة على مدينة «أفديفكا» الواقعة في منطقة الدونباس، والشكوى الأوكرانية من أن الهزيمة التي تلقتها ميدانياً سببها افتقارها للذخيرة، خصوصاً قذائف المدفعية. ويفيد تقرير صادر عن المخابرات الأستونية بأن مقابل كل عشر قذائف مدفعية تطلقها القوات الروسية لا تقابل إلا بقذيفة أوكرانية واحدة.
ويضيف التقرير أن روسيا وفرت لقواتها، في عام 2023، ما بين 3 و4 ملايين قذيفة، وأنها حصلت على ذخائر إضافية من بيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية التي مدتها بما يقارب مليوني قذيفة. وفي المقابل، فإن الاتحاد الأوروبي الذي وعد كييف في شهر مارس (آذار) الماضي بمدها، خلال عام واحد، بمليون قذيفة مدفعية من عيار «155 ملم»، أخفق في بلوغ هدفه بحيث لن يقدم للقوات الأوكرانية «سوى» 520 ألف قذيفة، إلا أن وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبا صحّح، يوم الاثنين الماضي، بمناسبة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الأرقام بتأكيده أن ما حصلت عليه بلاده من القذائف لا يزيد على 400 ألف، وأنها بحاجة إلى 2.5 مليون قذيفة في عام 2024.
إزاء هذا الوضع المقلق، سارع مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الأربعاء الماضي، إلى توجيه رسالة مكتوبة إلى وزراء خارجية الاتحاد ينبّههم فيها من أن «التأخر في تسليم القذائف له ثمن إنساني مرتفع يدفعه الأوكرانيون من حياة جنودهم، كما أنه يضعف القدرات الدفاعية لأوكرانيا»، مؤكداً أن أوكرانيا «بحاجة ملحة للقذائف وبكميات كبيرة».
وأضاف بوريل في رسالته: «أعتقد أنه من واجبي ومسؤوليتي أن أدعوكم، مرة أخرى، للنظر فيما يمكن القيام به من أجل دعم أوكرانيا». ومما اقترحه بوريل أن تلجأ الدول الأوروبية إلى الاستعانة بمخزوناتها من القذائف، وأن تستحصل على المزيد منها من خلال المشتريات حيث هي متوافرة. ولم يفته أن يطالب بـ«توفير تمويل فوري» لهذه المشتريات. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها صحيفة «فايننشال تايمز» اللندنية، فإن الأوروبيين يسعون حالياً لجمع 1.4 مليار يورو لشراء القذائف «حيث تتوافر»، مشيرة إلى أن الجمهورية التشيكية تقود الجهود في هذا السياق، «لكنه بحاجة إلى أن يقدم الآخرون الأموال». وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أقر أخيراً مساعدات مالية لأوكرانيا حتى عام 2027 بقيمة 50 مليار يورو.
وترى مصادر أوروبية في باريس أن مشكلة الأوروبيين مزدوجة: فمن ناحية عليهم أن يبينوا أنهم قادرون على الحلول محل الأميركيين في توفير الدعم العسكري والاقتصادي والمالي لأوكرانيا لتمكينها من استعادة أراضيها المحتلة وحرمان موسكو من تحقيق النصر في هذه الحرب، أو على الأقل تمكين الجانب الأوكراني من الذهاب إلى مفاوضات (من المفترض أن تحصل يوماً ما)، من موقع قوة. ومن جانب آخر، يستشعر الأوروبيون أن الغياب الأميركي يلقي بثقله عليهم وهم يأخذون بعين الاعتبار النزعة الانعزالية الأميركية التي يركب موجتها الرئيس السابق دونالد ترمب الساعي للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وهذا العامل يتداخل مع ضعف اقتصاداتهم وحاجتهم لشد الأحزمة وخفض نفقاتهم.
وأخيراً ثار جدل في فرنسا حيث نصت الاتفاقية الأمنية مع أوكرانيا على توفير دعم لها خلال العام الحالي قيمته 3 مليارات يورو، في حين أكد برونو لومير، وزير الاقتصاد، بعد يومين فقط على توقيع الاتفاقية، أنه يتعين على الحكومة خفض مصاريفها بما يقارب عشرة مليارات يورو.
تبدو هذه المعادلة عصية على الحل، لكن الأوروبيين يعون خطورة الوضع على التوازنات الاستراتيجية في قارتهم. وما يزيد من وطأتها «الغموض» و«انعدام اليقين» في ما يخص السياسة الأميركية وتداعياتها الداخلية ليس فقط على مصير الحرب الروسية - الأوكرانية، بل أيضاً وخصوصاً على المستقبل الأوروبي. فهل سينجح القادة الأوروبيون في اجتماعهم المقبل في باريس في العثور على المخارج الضرورية لحل الإشكالية الصعبة؟ السؤال مطروح والجواب في الآتي من الأيام.