طغى خبر وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني على «مؤتمر ميونيخ للأمن»، الذي وصله النبأ الصادم قبل دقائق من افتتاح أعمال يومه الأول، فيما سعت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس إلى طمأنة حلفاء بلادها بالتزام واشنطن بأمنهم. ويبدو أن تطمينات هاريس لم تنجح في تهدئة مخاوف الأوروبيين الذين يبحثون سبل تعزيز أمنهم المشترك، بعد تصريحات «مقلقة» أدلى بها المرشح الجمهوري الأبرز في السباق الرئاسي الأميركي دونالد ترمب قبل أيام.
في غضون ذلك، عزز لقاء جمع وزير الخارجية الأميركي بنظيره الصيني على هامش أعمال ميونيخ توقّعات عقد اتصال بين جو بايدن وشي جينبينغ خلال أسابيع.
وفاة نافالني
شكّكت زوجة أليكسي نافالني، التي كانت موجودة في ميونيخ، في صحة خبر وفاة المعارض الروسي البارز.
وفاجأت يوليا نافالني المشاركين في المؤتمر الأمني بكلمة مقتضبة، وقالت إن الخبر «الصادم» وصل «فقط من إعلام النظام الروسي». وأضافت: «لا أعلم إذا كان يتعين علينا تصديق الخبر المريع الذي سمعنا به فقط من الإعلام الروسي». وتابعت يوليا بأنه «لا يمكن تصديق» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أو إعلامه، لأنهم يكذبون باستمرار». وأضافت أنه «لو كان الخبر صحيحاً، فإن بوتين وأصدقاءه سيحاسبون وستتم محاكمتهم قريباً».
ودعت المجتمع الدولي «للاتحاد سوياً ضد الشر والنظام الفظيع في روسيا»، مضيفة أنه «يجب تحميل بوتين شخصياً مسؤولية الفظائع المرتكبة في بلدنا في السنوات الماضية». وغادرت يوليا نافالني المنبر أمام تصفيق حار، بعد كلمتها التي ألقتها باللغة الروسية ولم تستغرق إلا بضع دقائق.
وتحدّثت يوليا بعد دقائق من خطاب هاريس، التي قالت إنها «سمعت بالخبر، وإنه يجري التحقق منه في الوقت الحالي». وأضافت أنه «لو تأكد، سيكون إشارة جديدة على وحشية النظام الروسي، وروسيا مسؤولة عن وفاته مهما كان».
طمأنة أوكرانيا... والأوروبيين
سعت هاريس، في كلمتها، لطمأنة أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين باستمرار الدعم الأميركي لهم، مع ازدياد المخاوف من عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض نهاية العام، وعرقلة الجمهوريين لأشهر الموافقة على حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا وافق عليها الكونغرس قبل أيام فقط. وشدّدت هاريس على أنه «لا يمكن لأميركا أن تنسحب من دورها القيادي، ويجب أن تبقى واقفة بقوة للدفاع عن الديمقراطية وإلى جانب حلفائها».
وأشارت إلى أنه لو بقيت الولايات المتحدة على الحياد في الحرب الروسية-الأوكرانية، ولم تتحرك في تقديم الدعم العسكري لكييف، فإن «روسيا كانت لتشكل تهديداً لكامل أوروبا».
وأضافت أن المساعدات الأميركية والأوروبية ساعدت أوكرانيا في الدفاع عن أراضيها، واصفةً الحرب بأنها «فشل كبير لروسيا»، ذاكرة أن «أوكرانيا استعادت أكثر من نصف الأراضي التي احتلها روسيا في بداية الحرب، بفضل الدعم العسكري الكبير من الولايات المتحدة وأوروبا، والجيش الروسي مني بخسائر عسكرية كبيرة وقتل له 300 ألف عسكري، هذا 10 مرات أكثر ما خسرته في أفغانستان».
وفي إشارة مطمئنة إلى الأوروبيين، قالت هاريس: «أؤكد أن الرئيس بايدن يقف إلى جانب أوكرانيا، وسنعمل على التأكد من أن أوكرانيا تحصل على ما تريده من أسلحة لأن فشل القيام بذلك يكون هدية لبوتين».
وتطرقت كذلك إلى حلف شمال الأطلسي الذي كان انتقده ترمب بشكل كبير، وقال بأن الزمن عفا عليه، قائلة إن «الالتزام بالناتو أمر أساسي» في مواجهة روسيا، وإن «التزامنا بالحلف كإدارة بايدن لا خلاف فيه».
ولكن تكرار هاريس لالتزام «إدارة بايدن» بأمن أوروبا وأوكرانيا والناتو، وليس «التزام الولايات المتحدة»، لن يهدئ مخاوف الأوروبيين الذين يخشون من التزام الولايات المتحدة في ظل «إدارة ترمب».
خيارات أوروبا الأمنية
وبدأت الدول الأوروبية تناقش خيارات مظلتها الأمنية في حال تغير الإدارة الأميركية، وطرحت ألمانيا فكرة «مظلة نووية بريطانية - فرنسية» عوضاً عن المظلة الأميركية. وحاولت ألمانيا كذلك استباق وصول ترمب المحتمل للبيت الأبيض بالإعلان قبل يومين عن أنها ستنفق هذا العام 2 في المائة من ميزانيتها على الدفاع، وهو ما يوصي به «الناتو»، ولم تف به ألمانيا قبل الآن، ما عرضها لانتقادات لاذعة من ترمب.
وسارعت برلين كذلك لزيادة دعمها العسكري لكييف مقابل استمرار ضغطها على واشنطن للقيام بالمثل. ووقع المستشار الألماني أولاف شولتس في برلين اتفاقية تعاون عسكري مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، شبيهة بتلك التي وقعتها كييف مع لندن. وكان زيلينسكي توقف في برلين في طريقه إلى ميونيخ للمشاركة بمؤتمر الأمن ولقاء مسؤولين أميركيين وأوروبيين. ووصف شولتس الاتفاقية بأنها «خطوة تاريخية»، وتؤكد «التزام ألمانيا بدعم أوكرانيا ضد الاعتداء الروسي».
وحسب وزارة الدفاع الألمانية، فإن الاتفاق الأمني حجمه أكثر من مليار يورو، ويركز على مساعدات عسكرية على شكل دفاعات جوية ومدفعية، إضافة إلى ذخائر. ووصف زيلينسكي المساعدات الألمانية بأنها «غير مسبوقة»، مشيراً إلى أن «دعم ألمانيا حيوي والاتفاق يثبت دور ألمانيا في التزامها بالحفاظ على أوروبا والعالم».
وخيّم كذلك خبر وفاة نافالني على لقاء شولتس وزيلينسكي في برلين، وقال شولتس إن الخبر «دليل على كيفية تغير النظام في موسكو». ورغم أن شولتس تفادى اتهام الرئيس بوتين مباشرة بقتل نافالني، فإن وزير ماليته كريستيان ليندنر الذي كان صديقاً شخصياً لنافالني، كان أكثر وضوحاً. وكتب ليندنر الموجود في ميونيخ على منصة «إكس» إن «نافالني قاتل للديمقراطية في روسيا وبوتين عذبه لأجل ذلك حتى الموت».
وعلقت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أيضاً على نبأ وفاة نافالني، وقالت في تصريحات لصحيفة «بيلد» إنها تشعر «بحزن كبير وأن نافالني وقع «ضحية للنظام الروسي القمعي». وكانت ميركل ما زالت في منصبها عام 2020 عندما تم نقل نافالني إلى مستشفى شارتييه في برلين لتلقي علاج بعد تعرضه للتسمم في روسيا. وزارته ميركل آنذاك في المستشفى بعد أن استيقظ من غيبوبة وكاد أن يموت. وعاد نافالني بعد أشهر إلى روسيا حيث اعتقل بعد وقت قصير وبقي السجن حتى نبأ وفاته.
لقاء أميركي - صيني
التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الجمعة، نظيره الصيني وانغ يي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، كما أكّدت وكالة الصحافة الفرنسية. ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود التي تبذلها بكين وواشنطن بهدف إضفاء الاستقرار على علاقة متوترة بين البلدين، استكمالاً لقمة بين الرئيسين الأميركي والصيني عقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في كاليفورنيا.
ولم يدل الوزيران بأي تصريح للصحافيين، علماً بأنهما تحدثا هاتفياً للمرة الأخيرة في ديسمبر (كانون الأول). كذلك أجرى الوزير يانغ يي ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان محادثات نهاية يناير (كانون الثاني) في بانكوك، وصفت بأنها «صريحة» و«جوهرية»، وتناولت ملفات حساسة، أبرزها ملف تايوان. وقد تؤدي هذه المباحثات المتتالية إلى اتصال هاتفي في الربيع المقبل بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الأميركي جو بايدن، بعد أشهر عدة من اجتماعهما في كاليفورنيا. وقبل لقائه نظيره الصيني، اجتمع بلينكن أيضاً في ميونيخ بنظيره الهندي سوبراهمانيام جايكشنكار، مشيداً بـ«شراكة استثنائية تعززت منذ بضعة أعوام». ووافقت الحكومة الأميركية، بداية فبراير (شباط) على بيع الهند طائرات مسيرة عسكرية بقيمة 4 مليارات دولار، ما أثار استياء بكين.