ماكرون وأتال منكبّان على «إنضاج» الصيغة الحكومية الجديدة

في مسعى لتوسيع قاعدة الأكثرية النسبية في البرلمان وتجنب خسارة فادحة في الانتخابات الأوروبية

رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال (يمين) ووزير الداخلية جيرالد درانمانان في زيارة لمقر للشرطة بمقاطعة فال دو لوز صباح الأربعاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال (يمين) ووزير الداخلية جيرالد درانمانان في زيارة لمقر للشرطة بمقاطعة فال دو لوز صباح الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

ماكرون وأتال منكبّان على «إنضاج» الصيغة الحكومية الجديدة

رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال (يمين) ووزير الداخلية جيرالد درانمانان في زيارة لمقر للشرطة بمقاطعة فال دو لوز صباح الأربعاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال (يمين) ووزير الداخلية جيرالد درانمانان في زيارة لمقر للشرطة بمقاطعة فال دو لوز صباح الأربعاء (أ.ف.ب)

تتكثف المشاورات بين الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة المعين غابريال أتال لإنتاج صورة الحكومة الجديدة. وينص الدستور الفرنسي على أن رئيس الحكومة المعين يقدم نظرياً تشكيلته الحكومية لرئيس الجمهورية الذي يُقرّها. إلا أن الأمور، عملياً، تتم بشكل مختلف؛ إذ إن رأسَي السلطة التنفيذية يعملان يداً بيد على إنضاج «الطبخة الحكومية»، في حين أن الكلمة النهائية تعود لرئيس الجمهورية الذي جعله دستور عام 1958 المرجع النهائي. وأفادت معلومات متداولة في باريس بأن ماكرون وأتال تناولا العشاء معاً ليل الثلاثاء إلى الأربعاء، كما أنهما التقيا ظهر الأربعاء. وتتوقع الأوساط السياسية أن تخرج الصيغة الحكومية إلى العلن مع نهاية الأسبوع الحالي، المرجح يوم الجمعة.

لعبة توازنات

وحتى اليوم، تأكد فقط بقاء وزير الداخلية جيرالد درامانان في منصبه؛ إذ أعلن بنفسه أنه طلب من ماكرون الاحتفاظ بموقعه للإشراف على أمن الألعاب الأولمبية التي تستضيفها فرنسا، الصيف المقبل، وأن ماكرون جدد ثقته به. وصباح الأربعاء، قام أتال ودارمانان بزيارة مشتركة لمقر للشرطة في منطقة فال دواز الواقعة شمال غربي باريس، ما يؤكد بقاء دارمانان في التركيبة الحكومية المرتقبة.

غبريال أتال وإليزابيث بورن في باحة قصر ماتينيون في 9 يناير (أ.ف.ب)

ويُفهم من المعلومات المتناقلة أن «الإليزيه» سيفصح، في مرحلة أولى، عن أسماء الوزراء الرئيسيين وعن حقائبهم، على أن تستكمل اللائحة لاحقاً مع أسماء وحقائب وزراء الدولة والوزراء المفوضين، مع الرغبة في إصدار حكومة غير فضفاضة. ومن الصعوبات التي تواجه رئيسي الجمهورية والحكومة العثور على الشخصيات التي تتوافق مع تحديات المرحلة والمهمات التي ستوكل إليها، وإرضاء التشكيلات البرلمانية الثلاث التي تدعم «العهد»، وهي حزب ماكرون المسمى «النهضة» («الجمهورية إلى الأمام» سابقاً)، وحزب «آفاق» (هوريزون) لرئيس الوزراء الأسبق أدوار فيليب، وحزب «الحركة الديمقراطية» (موديم) الوسطي الذي يقوده الوزير السابق فرنسوا بايرو.

وكان الأخير قد أبدى تحفّظين على اختيار أتال لخلافة أليزابيث بورن في «قصر ماتينيون» الحكومي، أولها أن الأخير لا يملك التجربة الحكومية الكافية لإدارة شؤون البلاد، ولا السلطة للتعامل مع أقطاب وزارية كوزراء الاقتصاد والعدل والداخلية. والتحفظ الثاني يتناول تخلّي أتال عن وزارة التربية التي أسندت حقيبتها إليه، ونجح في إدارتها وإطلاق إصلاحات رئيسية كان يجدر أن يتابعها حتى تؤتي أكلها.

أما الصعوبة الأخيرة في بلورة التشكيلة الحكومية؛ فهي ذات وجهين: الأول، النجاح في الالتزام بمبدأ المساواة في توزيع الحقائب على الجنسين. والثاني، التوافق على أسماء الوزراء التي ستبقى في التركيبة الوزارية الجديدة، وتلك التي ستبقى خارجها من الوزارة السابقة. وثمة أسماء يبدو إبعادها مؤكداً؛ إما لأنها لم تظهر دينامية في مهامها السابقة، وبقيت مجهولة إلى حد كبير من قبل المواطنين. وإما أنها تجرأت على التعبير عن مواقف تخالف أو تنتقد التدابير والخطط الحكومية، ومنها (على سبيل المثال) توجيه الانتقاد لقانون الهجرات الذي أُقر قبيل نهاية العام الماضي في مجلس النواب، الذي عدَّه عدة وزراء مستوحى من طروحات اليمين وحتى من اليمين المتطرف.

بورصة المرشحين

تبين بورصة الأسماء أن سيباستيان لو كورنو، وزير الدفاع المقرب جداً من ماكرون، سيبقى بشكل مؤكد في منصبه الذي يشغله منذ ربيع عام 2020، وكان اسمه مطروحاً بقوة لترؤس الحكومة العتيدة. إلا أن ماكرون اختار، في نهاية المطاف، أتال. وكانت إحدى أوراق لو كورنو الرابحة أنه يأتي من صفوف اليمين الذي تحتاج إليه الحكومة للوصول إلى الأكثرية المطلقة في البرلمان.

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً للصحافة وإلى جانبه غابريال أتال بمناسبة زيارة لمدرسة في مدنية أرّاس (شمال فرنسا) في 13 أكتوبر الماضي (أ.ب)

وإلى جانب لوكورنو، ثمة رهان على بقاء وزير الاقتصاد، برونو لو مير، الذي شغل هذه الحقيبة الوزارية منذ 6 سنوات، في منصبه. وليس سراً أن لو مير يفكر بمستقبله السياسي، وهو أحد الأسماء المطروحة لخوض المنافسة الرئاسية في عام 2027، إلا أنه يجد، كما وزير الداخلية، منافساً جديداً بوجهه هو غبريال أتال، الذي بدأ يُنظر إليه على أنه سيكون «خليفة ماكرون» السياسي والشخصية التي يجد فيها كثيراً من نقاط التشابه مع شخصيته.

وبيّن استطلاع للرأي أجري لصالح القناة الإخبارية «إل سي إي» أن 56 في المائة من الفرنسيين ينظرون بإيجابية لتعيين أتل في منصبه الجديد. تجدر الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي السابقة جعلت من رئيس الحكومة الشاب الشخصية السياسية المفضلة لدى الفرنسيين ليحل محل رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب. وثمة شخصيتان يُرجح بقاؤهما في الحكومة العتيدة، هما وزير العدل أريك دوبون - موريتي، ووزيرة الدولة لشؤون المدينة سابرينا أغرستي - روباش غير المعروفة بشكل كافٍ على المستوى الوطني.

كذلك، يرجح بقاء أوليفيه دوسوب، وزير العمل القادم من صفوف الحزب الاشتراكي في منصبه رغم الشكوك التي تدور حوله على المستوى القضاء حيث يُلاحَق في تهمة مالية.

رئيس الحكومة الجديد غابريال أتال (يمين) ووزير الداخلية جيرالد درانمانان الأربعاء (أ.ف.ب)

أما الذين يُرجَّح رحيلهم فهم كثر، وعلى رأسهم كليمون بون وزير المواصلات، وريما عبد الملك وزيرة الثقافة، وكلاهما يدين لماكرون بمنصبه. وحالة سيلفي روتايو، وزيرة التعليم العالي، شبيهة بحالة الأولين، لا، بل إنها قدمت استقالتها من منصبها بسبب قانون الهجرات. إلا أن ماكرون رفضها، بعكس قبوله استقالة أورليان روسو وزير الصحة، الذي ترك الصفوف الحكومية للسبب نفسه. وحلَّت محله أنياس فيرمين لو بودو. لكن ليس من المؤكد أن تبقى في منصبها بسبب اتهامها بتلقي رشوة من 20 ألف يورو من مختبرات «أورغو»، في إطار عملها الأسبق في القطاع الصيدلي.

وأخيراً، يرجح خروج رولان ليسكور وزير الصناعة، وباتريس فيرغريات من التشكيلة الجديدة.

تبقى وزارة الخارجية السيادية التي تشغلها، منذ إعادة انتخاب ماكرون ربيع عام 2022، كاترين كولونا. وحتى اليوم، لا معلومات متوافرة بشأن هذه الحقيبة الرئيسية، حيث يتعين على شاغلها أن يعمل بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية، حيث ينص الدستور على أن الرئيس هو مَن «يرسم» سياسة البلاد الخارجية ويعود للوزير أو للوزيرة تنفيذها.

اختيار أتال

ومع تعيين أتال في منصبه الجديد، يكون ماكرون قد استخدم أفضل أوراقه من أجل توفير زخم جديد لعهده الذي ينتهي في عام 2027، إلا أن صورة رئيس الحكومة الجديد لن تكون كافية؛ إذ يتعين عليه إحراز النجاح في مهمتين رئيسيتين أوكلهما إليه ماكرون.

غبريال أتال يلقي كلمة خلال التسليم والتسلم مع إليزابيث بورن في باحة «قصر ماتينيون» الثلاثاء (إ.ب.أ)

الأولى توسيع قاعدة الأكثرية النسبية التي تساند الحكومة والعهد في البرلمان لتمكينهما من تمرير مشاريع القوانين الضرورية لتسيير أمور البلاد. والثانية، إبعاد شبح الهزيمة عن العهد في الانتخابات الأوروبية التي ستحصل في فرنسا يوم التاسع من يونيو (حزيران) المقبل، حيث تبين استطلاعات الرأي المتواترة أن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تقوده المرشحة الرئاسية مارين لوبان سيحتل المرتبة الأولى، ويمكن أن يحصل على 30 في المائة من الأصوات متقدماً على الحزب الرئاسي وحلفائه بـ12 نقطة.

ومشكلة ماكرون أنه لم يعثر بعد على الشخصية القوية التي يمكن أن تقنع لائحة تحالف الأحزاب الثلاثة التي تدعمه. وفوز اليمين المتطرف يعني تقريب مارين لوبان من «قصر الإليزيه»، علماً بأن ماكرون أكد العديد من المرات أن غرضه «تنحيف» حجم هذا الحزب. والحال أن فوزه سيعد بمثابة هزيمة له. من هنا، أهمية اختيار أتال، ابن الـ34 عاماً لمواجهة جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» الذي لا يزيد عمره على 28 عاماً.


مقالات ذات صلة

برنامج استثنائي لحفل افتتاح الأولمبياد... وإجراءات أمنية غير مسبوقة

أوروبا يراهن ماكرون على الأولمبياد لدفع شعبيته وإعادة تركيز وضعه السياسي بعد الانتخابات البرلمانية (أ.ب)

برنامج استثنائي لحفل افتتاح الأولمبياد... وإجراءات أمنية غير مسبوقة

يشارك ألفا رجل أمن أجنبي إلى جانب نظرائهم الفرنسيين في السهر على سلامة الاحتفال والألعاب الأولمبية.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا لوسي كاستيتس مرشحة لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا 4 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة حكومة فرنسا؟

اقتصادية غير معروفة... من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة الحكومة الفرنسية؟

كوثر وكيل (باريس)
أوروبا ماكرون خلال مقابلة صحافية وتبدو في الشاشة صورة لوسي كاستيت، مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)

استمرار الأزمة السياسية في فرنسا عشية انطلاق لألعاب الأولمبية

تجاهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقترح جبهة اليسار بتسمية لوسي كاستيت رئيسة للحكومة الجديدة، وقال إنه سينتظر انتهاء أولمبياد فرنسا قبل اتخاذ أي قرار.

ميشال أبونجم (باريس)
رياضة عالمية ماكرون خلال مقابلة مع قناة فرنسا الثانية (أ.ف.ب)

ماكرون: مرحباً بالإسرائيليين في أولمبياد باريس

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء إنّ الرياضيّين الإسرائيليّين "مرحّب بهم" في أولمبياد باريس، رافضا دعوات بعض النوّاب الفرنسيّين اليساريّين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون يستبعد الاستقالة قبل انقضاء ولايته

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الثلاثاء أنه يستبعد الاستقالة من منصبه قبل انتهاء ولايته، وأنه لن يعيّن حكومة جديدة قبل انتهاء دورة الألعاب الأولمبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
TT

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)

حَفظَ القضاء الفرنسي قضية ضبط 72 قطعة سلاح ناري في منزل الممثل آلان ديلون، أحد آخر عمالقة السينما الفرنسية، وكفَّ التعقبات في شأنها، على ما أعلنت النيابة العامة، الجمعة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

واتُخذ هذا القرار من دون التمكن من سماع إفادة النجم البالغ 88 عاماً «نظراً إلى ضعفه»، و«بناءً على رأي طبي»، فيما أشارت النيابة العامة إلى إصدار «أمر بإتلاف كل الأسلحة النارية والذخيرة».

وعثر المحققون على ترسانة كاملة خلال دهمهم منزل ديلون، تضم 72 قطعة سلاح، معظمها من الفئتين: «أ» (بعض الأسلحة النارية والمواد الحربية)، و«ب» (الأسلحة المستخدمة في الرماية الرياضية وتلك المستخدمة في حالات الخطر المهني)، وأكثر من ثلاثة آلاف طلقة ذخيرة.

كذلك لاحظوا وجود منصة للرماية في العقار التابع لمنزل الممثل الذي يهوى جمع الأسلحة النارية.

وأوضحت النيابة العامة، في بيان، أن التحقيق أظهر أن الممثل «لم يسبق أن صرّح للشرطة عن هذه الأسلحة ولم يطلب الترخيص بحيازتها».

وأضافت أن إفادات أبناء النجم والعاملين لديه بيّنت «أن هذه الأسلحة النارية كانت تُستخدَم من مختلف أفراد الأسرة لغرض الترفيه، في منصة الرماية بالعقار».

وشرحت النيابة العامة أن شهادات عدة أفادت بأن «ديلون اشترى هذه الأسلحة وكان يحتفظ بها منذ سنوات، بل طرح بعضها في مزاد علني عام 2014».

وطرح ديلون في هذا المزاد مجموعته التي كانت تضم 76 قطعة، من بندقية «وينتشستر» التي استخدمت في مسلسل «وانتد: ديد أور ألايف» Wanted: Dead or Alive وقدمها إليه الممثل الأميركي ستيف ماكوين، ومنها مسدس من فيلم «ريد صن Red Sun».

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وُضع الممثل الذي يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية وأصيب بجلطة دماغية عام 2019 تحت «القوامة المعززة على عاجز».

وسبق أن وُضع في يناير (كانون الثاني) تحت الحماية القضائية مع تعيين وكيل قضائي لمعاونته فيما يتعلق «بمتابعته طبياً»، وسط نزاع إعلامي وقضائي محتدم بين أبنائه الثلاثة، أنتوني وأنوشكا وآلان فابيان.