2024... عام الانتخابات لرسم صورة العالم

3 مليارات نسمة مدعوون للإدلاء بأصواتهم

الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
TT

2024... عام الانتخابات لرسم صورة العالم

الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)

إذا كان هناك توصيف يصح إطلاقه على العام الجديد فهو عده، قطعاً، عام الانتخابات بامتياز. البداية انطلقت في يومه الثاني من جمهورية جزر المارشال الواقعة جنوب غربي الجزء الشمالي من المحيط الهادي، وسوف تكون نهايتها في رومانيا في شهره الأخير. وخلال أشهره الـ12 سيُدعى إلى صناديق الاقتراع ما لا يقل عن 3 مليارات ناخب في 77 بلداً يزيد عدد سكانها على نصف سكان الأرض. وتكفي الإشارة سريعاً إلى أن دولا مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والهند وباكستان وتايوان وجنوب أفريقيا، فضلا عن الانتخابات الأوروبية ستشهد معارك انتخابية.

نتائج هذه الانتخابات المرتقبة، ومنها في خمس دول نووية، سيكون لها تأثيرها المحتوم على مسار العالم الذي يعاني حربين متواصلتين في غزة وأوكرانيا، ومن التنافس الأميركي - الغربي - الصيني في المحيطين الهادي والهندي، ومن صعوبات اقتصادية لم تتراجع في العام المنصرم، ومن استمرار أزمة الهجرات وصعود اليمين المتطرف في كثير من دول الاتحاد الأوروبي، وعدم تراجع الفقر في أفريقيا والكثير من بلدان العالم الثالث، إضافة إلى التحديات المناخية والبيئوية وإشكاليات تطور استخدامات الذكاء الاصطناعي. وإذا لم تكن لكل هذه الانتخابات ثقلها، علما أن نتائجها في عدد من البلدان محسومة سلفا، فإن العالم بأسره سيكون معنياً بما سيخرج من صناديق الاقتراع. من هنا، تأتي أهمية التوقف عند بعض منها لما لذلك من تبعات مباشرة إن لجهة توتير العلاقات الدولية، أو الدفع باتجاه تسويات وانفراجات.

دونالد ترمب خلال لقاء مع أنصاره في فلوريدا في 4 نوفمبر 2023 (رويترز)

المجهول الأميركي

تُشكل الانتخابات الرئاسية والتشريعية (الجزئية) الأميركية التي ستجري يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) قطباً جاذباً للاهتمام العالمي بالنظر للدور الذي تلعبه واشنطن على الصعد السياسية والاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والتجارية كافة... ودور واشنطن بالغ التأثير في الحربين الدائرتين حاليا (غزة وأوكرانيا). وحتى اليوم، ثمة غموض إزاء قدرة الرئيس السابق دونالد ترمب في الترشح لولاية جديدة بالنظر لمشاكله مع القضاء، فيما خصمه الديمقراطي، الرئيس الحالي، جو بايدن، البالغ من العمر 81 عاما، لا منافس جديا له من داخل حزبه. وقمة الإثارة سيكون عنوانها المواجهة الجديدة الممكنة بين خصمين حسمها الثاني لصالحه في عام 2019.

فلاديمير بوتين يصافح زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبن في موسكو (أرشيفية: أ.ف.ب)

ويعد المراقبون أن ثمة من يراهن على عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وأبرز المراهنين اثنان: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الأول، يتوقع أن فوز ترمب سيغير جذريا سياسة الدعم الأميركية غير المحدودة لأوكرانيا، وبالتالي سيكون ذلك مكسبا استراتيجيا لروسيا. وسبق لترمب أن أكد أكثر من مرة أنه لو كان موجودا في السلطة، لنجح في وضع حد لحرب أوكرانيا سريعا. أما الثاني فيرى في ترمب حليفاً سيطلق يده في التعامل مع الملف الفلسطيني، وسيدفن عميقا عودة الحديث عن حل الدولتين في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي عاد إلى الواجهة مع حرب غزة، والذي لوحت به إدارة الرئيس بايدن من غير أن يشكل ذلك التزاماً جدياً من طرفها. كذلك يأمل نتنياهو أن يمثل نجاح ترمب العودة لتفعيل الضغوط التي مارسها إبان ولايته الأولى لدفع التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.

أما التحول الرئيسي الآخر المرتقب في العلاقات الدولية، في حالة فوز المرشح الجمهوري، فعنوانه العلاقات مع الصين التي ستتجه حكما إلى مزيد من التصعيد قياسا على ما حصل خلال ولايته الأولى.

روسيا: بوتين أبداً ودوماً

قبل الانتخابات الأميركية، سيتوجه الناخبون الروس يوم 17 مارس (آذار) إلى صناديق الاقتراع في منافسة تبدو نتائجها محسومة منذ اليوم الأول للرئيس بوتين الذي يحكم بلاده منذ 23 عاما. وبالنظر للتعديل الدستوري في عام 2020، فإن بوتين قادر على البقاء في السلطة حتى عام 2036 أي ما يوازي ثلاثة عهود أميركية. ولأن الولاية الرئاسية من ست سنوات، فإن بوتين سيبقى في الكرملين حتى عام 2030 ما يعني أنه يتعين على العالم خصوصا الغرب أن يبني حساباته على هذا الأساس. وإذا كان فوز بوتين يبدو مؤكدا، فهذا يعني غياب أي تغيير في السياسات الداخلية. أما على الصعيد الخارجي فالمتوقع أن تواصل موسكو سياسة بناء تحالفات سياسية واقتصادية في مواجهة الغرب، أكان ذلك الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

مشاهد من حرب أوكرانيا المتواصلة منذ حوالي العامين تظهر أضرار هجمات روسية على كييف في 2 يناير (إ.ب.أ)

وتفيد استطلاعات الرأي (الرسمية) بأن بوتين يمكن أن يحصل، في ظل غياب أي منافس حقيقي، على 75 في المائة من الأصوات فيما التحدي الحقيقي يكمن في نسبة مشاركة الناخبين. وتدفع السلطات لتوفير مشاركة تقارب 80 في المائة، ما سيعكس عندها تفويضاً مطلقاً لسيد الكرملين وللسياسات التي يسير بها، وعلى رأسها مواصلة الحرب في أوكرانيا، التي لا يبدو أن حسمها عسكريا يمكن أن يتوافر في المستقبل المنظور، رغم أن موسكو تراهن على تراجع الدعم الغربي، وعلى انقلاب الرأي العام الغربي بعد عامين على اندلاع الحرب، وفشل الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية الصيف الماضي الذي راهن عليه الكثيرون.

الهند: الديمقراطية الأكبر في العالم

945 مليون ناخب مدعوون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في الهند في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) لانتخاب 543 نائباً في البرلمان المسمى «لوك سابها»، حيث يأمل «حزب الشعب»، الذي يحكم البلاد منذ عام 2014 ويتزعمه رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، الفوز بأكثرية مريحة تمكنه من البقاء في سدة الحكم لولاية ثالثة، وهو الذي ركب موجة القومية الهندوسية ولم يتراجع عن التشدد في مسائل الحريات العامة وقمع الأقلية المسلمة من غير أن يواجه تنديدا على المستوى العالمي، بالنظر لكون الهند أكبر دولة في العام سكانيا (قبل الصين)، ولدورها المتنامي في إطار مجموعة «البريكس»، ولترؤسها «مجموعة العشرين» في 2023.

وإذا كانت استطلاعات الرأي تبين تقدما واضحا لحزب مودي، فإن «حزب المؤتمر الهندي» التاريخي وهو حزب نهرو وأنديرا غاندي يسعى للعودة بقوة، برئاسة حفيد الأخيرة، راحول غاندي، إلى المشهد السياسي من خلال بناء تحالف مع عشرين حزباً على المستويين المحلي والفيدرالي.

رئيس وزراء الهند يحيي أنصاره في 30 ديسمبر 2023 (أ.ب)

باكستان: إقصاء عمران خان

باكستان، عدو الهند التقليدي، ستشهد بدورها انتخابات تشريعية في الثامن من فبراير (شباط). وأبرز ما بدا منها إخراج القضاء رئيس الوزراء السابق عمران خان القابع في السجن منذ منتصف الصيف الماضي والكثير من أنصاره من المنافسة الانتخابية. ويرأس خان حزب «تحريك إنصاف» (حركة العدالة من أجل باكستان). وأشار حزبه إلى أن القضاء منع حوالي 90 في المائة من مرشحيه إن على مستوى الأقاليم أو على مستوى الدولة من الترشح في هذه الدولة التي تتمتع بالسلاح النووي. وكان خان قد أزيح عن السلطة في عام 2002 وتعرض لمحاولة اغتيال. وتكمن أهمية الانتخابات في أنها سترسم إلى حد بعيد طبيعة العلاقات المستقبلية مع الهند وموقع باكستان في المشهد الجيو - استراتيجي في المنطقة.

الاتحاد الأوروبي: موقع اليمين المتطرف

ما بين 6 و9 يونيو (حزيران) سيُدعى 400 مليون ناخب أوروبي من 27 دولة عضو في الاتحاد إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم الـ720 في البرلمان الأوروبي. وأهمية الاقتراع المقبل أنه سيكشف مدى تقدم اليمين المتشدد في المجتمعات الأوروبية، بعد النجاح الذي حققه في إيطاليا والدنمارك والنمسا وهولندا وسلوفاكيا وفنلندا والسويد، وكيفية تعامل النادي الأوروبي لاحقا مع موضوع أساسي عنوانه الهجرات المتدفقة عليه من الكثير من البلدان الأفريقية والآسيوية. وقد نجح الاتحاد مؤخرا في إقرار قانون جديد للهجرة، إلا أن اليمين، بجناحيه التقليدي والمتطرف غير راض عنه، وما زال يعده متساهلا مع موجات اللجوء المتواصلة. ومن الملفات الأساسية التي سيكون على البرلمان الجديد التعاطي معها الحرب في أوكرانيا وفي غزة والبنية الأمنية في أوروبا والملفات الاقتصادية والسعي لمزيد من الاندماج الأوروبي.

انتخابات وقضايا

خلال الأشهر المقبلة، ستتوجه الأنظار إلى بريطانيا، حيث سيسعى حزب العمال لإزاحة المحافظين عن السلطة، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي المتواترة وإلى مناطق ودول أخرى أبرزها تايوان وعلاقاتها المتوترة مع الصين الراغبة دوما في إعادتها إلى حظيرتها. كذلك إلى إيران التي ستشهد انتخابات نيابية بداية شهر مارس.

وفيما يخص إيران، فإن التركيز سيتناول معرفة المساحة التي ستُعطى للمعتدلين في البرلمان الجديد، علما بأن هؤلاء أخرجوا عمليا من السباق في انتخابات عام 2020. كذلك، فإن الانتخابات المقبلة هي الأولى منذ المظاهرات التي شهدتها البلاد بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني عقب توقيفها من قبل رجال الشرطة.

وفي السياق نفسه، تتعين متابعة ما ستسفر عنه الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا التي يمكن وصفها بالتاريخية كون حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» (حزب نيلسون مانديلا) يبدو مهدداً للمرة الأولى بخسارة الانتخابات التي ستُجرى في مايو لصالح تحالف أحزاب المعارضة. وإذا تحقق هذا السيناريو فسوف يكون بمثابة «انقلاب تاريخي» على إرث مانديلا ومقدمة لتغيرات في السياسة الداخلية والخارجية لجنوب أفريقيا.

من الصعوبة بمكان التوقف عند كل الانتخابات المرتقبة في 2024، لكن الثابت أن هذا العام المذكور سيكون له أثره الأكيد في رسم صورة العلاقات الدولية والتحولات التي ستأتي بها صناديق الاقتراع.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

المشرق العربي فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ينتظرون تلقي وجبات الطعام يوم الثلاثاء (د.ب.أ) play-circle

إسرائيل تخنق المنظمات الإنسانية في غزة والضفة

بدأت الحكومة الإسرائيلية سحب تصاريح منظمات إنسانية دولية تعمل في قطاع غزة والضفة الغربية، بحجة عدم استكمال إجراءات التسجيل المطلوبة لممارسة أي نشاط.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
تحليل إخباري طفل يقف وسط ملاجئ مؤقتة للنازحين الفلسطينيين في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «اتفاق غزة»: موعد محتمل للمرحلة الثانية يجابه «فجوات»

حديث عن موعد محتمل لبدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، ضمن النتائج البارزة للقاء الرئيس دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

محمد محمود (القاهرة)
العالم ​تدهور ‌الوضع الإنساني في غزة (أ.ف.ب)

10 دول غربية تعبر عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة

عبرت بريطانيا وكندا وفرنسا ودول أخرى في بيان مشترك اليوم ‌الثلاثاء ‌عن ‌قلقها البالغ ⁠إزاء ​تدهور ‌الوضع الإنساني في غزة، ودعت إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات ⁠عاجلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شعار شركة «إيرباص» (رويترز)

إسبانيا تستثني «إيرباص» من حظر استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية

منحت إسبانيا شركة «إيرباص» إذناً استثنائياً لإنتاج طائرات وطائرات مسيرة باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية في مصانعها الإسبانية.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
المشرق العربي لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فلوريدا الاثنين (أ.ف.ب) play-circle

كيف قرأ الإسرائيليون لقاء ترمب - نتنياهو؟

أظهرت تقييمات إسرائيلية أن قمة فلوريدا بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منحت الأخير فرصة للحفاظ على شروطه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا، في إطار الضمانات الأمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ‌زيلينسكي لوسائل إعلام في محادثة عبر تطبيق «واتساب»، أن أوكرانيا ملتزمة بمواصلة ​المحادثات بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأنه مستعدّ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شكل.


باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

عجَّل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد اجتماع الأحد في مارالاغو (فلوريدا) الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة من القادة الأوروبيين إلى الإعلان عن اجتماع قريب لـ«تحالف الراغبين» الذي يضم 35 دولة أكثريتها الساحقة أوروبية.

وكتب ماكرون على منصة «إكس» ما حرفيّته: «نحرز تقدماً فيما يخص الضمانات الأمنية (التي تطلبها أوكرانيا) والتي سيكون لها دور مركزي في التوصل إلى سلام عادل ودائم (بين روسيا وأوكرانيا). وسوف نجتمع كمجموعة (تحالف الراغبين) في باريس بداية يناير (كانون الثاني) لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الفعلية لكل طرف».

وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن قمة «تحالف الراغبين» ستعقد الثلاثاء القادم (6 يناير) في باريس وسيسبقها اجتماع لمستشاري الأمن القومي التحالف المذكور في كييف يوم 3 يناير.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا 15 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خلفيات الاستعجال الفرنسي

يأتي الاستعجال الفرنسي عقب ما اعتُبر تقدماً ملموساً تَحقَّق خلال اجتماع ترمب - زيلينسكي، وما جاء على لسان الرئيسين بخصوص الضمانات الأمنية. فالرئيس الأوكراني أعلن، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترمب، أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يخص الضمانات الأمنية «القوية» التي يلتزم بها الجانب الأميركي.

وأضاف زيلينسكي، في حوار مع مجموعة صحافية على تطبيق «واتساب»، أن واشنطن عرضت ضمانات أمنية صالحة لـ15 عاماً، وأنه طلب من الرئيس الأميركي أن تمتد إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً لردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين. وأضاف زيلينسكي أن ترمب وعده بالرد على طلبه. والأهم أن الرئيس الأوكراني جزم بأنه «من دون ضمانات أمنية، لن تنتهي هذه الحرب بصورة واقعية». بيد أنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل الضمانات الأميركية، مكتفياً بالقول إنها تشمل آليات لتنفيذ؛ أي اتفاق سلام، وأنها تضم «شركاء»، في إشارة الى «تحالف الراغبين». وقال في المناسبة عينها إن وجود قوات داعمة لكييف على الأراضي الأوكرانية «جزء مهم» من هذه الضمانات. أما ترمب فقد أشار في المؤتمر الصحافي المذكور إلى أنه يتوقع من الدول الأوروبية أن «تضطلع بجزء كبير» من هذه الضمانات «بدعم أميركي».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالثياب العسكرية كما ظهر في صورة مأخوذة من مقطع فيديو السبت الماضي (أ.ب)

المعضلة أن ترمب نفسه لم يكشف النقاب عمّا ستلتزم به بلاده، الأمر الذي يثير، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، صعوبتين متلازمتين: الأولى، أن الدول الجاهزة للمشاركة في «قوة الطمأنة» التي ستنبثق عن «تحالف الراغبين» تربط مساهمتها بوجود «تعهد أميركي» بالتدخل، في حال عاودت روسيا استهداف أوكرانيا مجدداً. وبكلام آخر، لا يريد الأوروبيون أن يكونوا وحدهم في مواجهة القوات الروسية، انطلاقاً من مبدأ أن القوات الأميركية وحدها قادرة على «ردع» الجانب الروسي. لذا، فإنهم يطالبون بـ«شبكة أمان» (Backstop) تتضمن تعهداً أميركياً بحماية «قوة الطمأنة» عند الحاجة. والصعوبة الثانية أن روسيا ترفض نشر أي قوات على الأراضي الأوكرانية تكون تابعة لدول أعضاء في الحلف الأطلسي.

وسبق لموسكو أن جعلت من هذا الأمر «خطاً أحمر». ومن الواضح أن الأوروبيين يراهنون على دور أميركي في «تليين» الموقف الروسي. وإذا واظبت موسكو على رفضها، فإن أي نشر لـ«قوة الطمأنة» سيكون مستبعداً، على الرغم من أن الخطط الأوروبية لا تتحدث إطلاقاً عن نشرها على خط المواجهة بل في المواقع الخلفية ما بين كييف وحدود أوكرانيا الغربية. وأكثر من مرة، أكد قادة أوروبيون وعلى رأسهم ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن «قوة الطمأنة» لن تكون قوة قتالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحِّباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريد الأحد الماضي (أ.ف.ب)

من الوعود إلى الالتزامات

حتى اليوم، كانت دول «تحالف الراغبين» تقدم وعوداً بالمشاركة في توفير الضمانات الأمنية، التي تراها باريس في ثلاثة مستويات: الأول، توفير الدعم الضروري للجيش الأوكراني مالياً وتسليحياً بحيث يشكل «الضمانة الأولى»؛ والثاني، المشاركة الفعلية بوحدات عسكرية لرفد «قوة الطمأنة». وحتى اليوم، ثمة عدة دول أعلنت بوضوح استعدادها للمشاركة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإستونيا والنروج وليتوانيا وتركيا، فيما دول أخرى «مستعدة» ولكنها لم تكشف عن طبيعة مساهماتها، ومنها بلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا ولاتفيا... في المقابل، ثمة دول رفضت أي مشاركة بوحدات عسكرية، وعلى رأسها بولندا وإيطاليا... أما المستوى الثالث فهو بالطبع يخص الجانب الأميركي. وأفادت مصادر رئاسية بأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد مشاركة بلاده في الضمانات الأمنية ولكنه بقي غامضاً إزاء طبيعتها، علماً أن أوكرانيا تطالب بما يشبه «البند الخامس» من معاهدة «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) التي تجعل من أي اعتداء خارجي لبلد عضو في الحلف اعتداءً على كل أعضائه.

في هذا السياق فإن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيوفِّر لها ضمانة أوروبية شبيهة بالفقرة الخامسة، وهو ما أكدته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بقولها إن انضمام أوكرانيا يشكّل ضمانة أمنية أساسية «في حد ذاته» شبيهة بالمادة 5 من الحلف الأطلسي. بيد أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة دفاعية - عسكرية كالحلف الأطلسي. ورغم أن الأوربيين يدفعون باتجاه تسريع انضمام كييف إلى ناديهم، فإن موعده ليس واضحاً بسبب القواعد المفترض توفرها في الدولة المرشحة. وبعد الفضائح الأخيرة التي عرفتها كييف، فمن غير المرجح أن يتم انضمامها إلى الاتحاد سريعاً.

أمن القارة الأوروبية

قياساً إلى ما سبق، تبرز أهمية الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو إليه ماكرون الأسبوع المقبل، والذي ترجح باريس أن يكون بمشاركة زيلينسكي وعديد من القادة الأوروبيين. والسبب في ذلك أهميته الاستثنائية في ظل تسارع الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية والانخراط الأميركي القوي، التي من شأنها جعل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أقرب من أي وقت مضى.

لذا، ثمة حاجة ملحة لـ«تحالف الراغبين» إلى تسريع العمل وتحديد ما يلتزم كل طرف بتقديمه جدياً على المستويات المالية والتسليحية واللوجيستية والعسكرية، علماً أن هيئة أركان جماعية يديرها ضابط فرنسي تجتمع في ضاحية قريبة من باريس وتعمل على رسم خطط الانتشار ودراسة السيناريوهات المحتملة لـ«قوة الطمأنة» التي لا يُعرف بعد تكوينها وعديدها وتسليحها.

وينظر الأوروبيون إلى مساهماتهم من زاويتين: الأولى، تأكيد وحدة الموقف الأوروبي بالوقف الحازم إلى جانب أوكرانيا (مع بعض الاستثناءات: المجر وسلوفاكيا)، والأخرى، اعتبار مشاركتهم المدخل المتاح حتى لا يتفرد «الحليف الأميركي» بالملف الأوكراني، وليكون لهم دور في شأن يرتبط به أمن القارة الأوروبية، فضلاً عن المشاركة في الدفع باتجاه اتفاق سلام يُنهي حرباً على قارتهم انطلقت قبل أربع سنوات.


وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
TT

وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)

وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الفضائح التي طالت مظليين في القوات المسلحة الألمانية بأنها «صادمة»، مؤكداً أنها تمثل انتهاكاً صارخاً لقيم الجيش الألماني.

وتشمل القضايا المبلغ عنها حالات تطرف يميني، وسلوكاً جنسياً غير لائق، وتعاطي مخدرات، حسبما أوضح الوزير في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأعلنت وزارة الدفاع أن التحقيقات في فوج المظليين رقم 26 في منطقة تسفايبروكن بولاية راينلاند - بفالتس أسفرت عن فصل عدد من الجنود، بينما تواصل النيابة العامة التحقيق مع 19 جندياً.

وأبدى بيستوريوس استياءه من تعامل القيادة المحلية في البداية مع هذه البلاغات، رغم بدء التحقيقات لاحقاً، وفرض عقوبات أولية، مؤكداً أن تجاهل المخالفات أو عدم التعامل معها بالحزم المطلوب أمر غير مقبول.

وأوضح الوزير أن المفتش العام للقوات البرية، الجنرال ليفتنانت كريستيان فرويدينغ، أطلق إجراءات عاجلة للحيلولة دون تكرار هذه السلوكيات، موضحاً أن هذه الإجراءات ستجمع في «خطة عمل للقوات المحمولة جواً» لضمان تنفيذها.

وحدد بيستوريوس 3 أهداف أساسية، وهي كشف جميع الوقائع بشكل كامل، ومعاقبة أي مخالفات إضافية بأقصى صرامة، واستعادة الثقة بالقيادة العسكرية المحلية.

وشدد الوزير على أنه لا مكان للتطرف، والسلوك الجنسي غير اللائق، وتعاطي المخدرات في الجيش الألماني، مؤكداً ضرورة توفير بيئة آمنة للإبلاغ عن الانتهاكات دون خوف أو تضامن خاطئ مع المخالفين.

وذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» اليومية الوطنية في وقت سابق أن التحقيقات كانت جارية منذ أشهر في فوج المظليين 26 في زويبروكن، مع التركيز على التطرف اليميني، وسوء السلوك الجنسي، والطقوس العنيفة والمخدرات.

وتم اتهام عشرات الأفراد في الفوج بالاعتداء الجنسي والتحرش بالنساء، مع اتهام 30 على الأقل بالتطرف السياسي ومعاداة السامية فيما يتعلق بأكثر من 200 حادثة.

وذكرت الصحيفة تأدية تحيات هتلرية ووجود حزب نازي بناءً على معلومات داخلية. وأفادت بأن النساء تعرضن لأعمال استعراضية، وأجبرن على الاستماع إلى نكات إباحية وخيالات اغتصاب.

وقال بيستوريوس إنه يجب أن يكون واضحاً أن التطرف وسوء السلوك الجنسي وتعاطي المخدرات لا مكان لها في القوات المسلحة.

وأضاف: «من المهم بنفس القدر ألا يكون هناك خوف من الإبلاغ عن الحوادث - أو حتى الشعور المضلل بالتضامن مع أولئك الذين يتجاوزون كل الخطوط».

وأكد الوزير ضرورة ضمان مساحة آمنة في جميع الأوقات، ليشعر المتضررون بالأمان عند الإبلاغ عن حوادث من هذا النوع.