2024... عام الانتخابات لرسم صورة العالم

3 مليارات نسمة مدعوون للإدلاء بأصواتهم

الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
TT

2024... عام الانتخابات لرسم صورة العالم

الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)
الرئيسان الأميركي والصيني خلال لقائهما في كاليفورنيا في 15 نوفمبر 2023 (رويترز)

إذا كان هناك توصيف يصح إطلاقه على العام الجديد فهو عده، قطعاً، عام الانتخابات بامتياز. البداية انطلقت في يومه الثاني من جمهورية جزر المارشال الواقعة جنوب غربي الجزء الشمالي من المحيط الهادي، وسوف تكون نهايتها في رومانيا في شهره الأخير. وخلال أشهره الـ12 سيُدعى إلى صناديق الاقتراع ما لا يقل عن 3 مليارات ناخب في 77 بلداً يزيد عدد سكانها على نصف سكان الأرض. وتكفي الإشارة سريعاً إلى أن دولا مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والهند وباكستان وتايوان وجنوب أفريقيا، فضلا عن الانتخابات الأوروبية ستشهد معارك انتخابية.

نتائج هذه الانتخابات المرتقبة، ومنها في خمس دول نووية، سيكون لها تأثيرها المحتوم على مسار العالم الذي يعاني حربين متواصلتين في غزة وأوكرانيا، ومن التنافس الأميركي - الغربي - الصيني في المحيطين الهادي والهندي، ومن صعوبات اقتصادية لم تتراجع في العام المنصرم، ومن استمرار أزمة الهجرات وصعود اليمين المتطرف في كثير من دول الاتحاد الأوروبي، وعدم تراجع الفقر في أفريقيا والكثير من بلدان العالم الثالث، إضافة إلى التحديات المناخية والبيئوية وإشكاليات تطور استخدامات الذكاء الاصطناعي. وإذا لم تكن لكل هذه الانتخابات ثقلها، علما أن نتائجها في عدد من البلدان محسومة سلفا، فإن العالم بأسره سيكون معنياً بما سيخرج من صناديق الاقتراع. من هنا، تأتي أهمية التوقف عند بعض منها لما لذلك من تبعات مباشرة إن لجهة توتير العلاقات الدولية، أو الدفع باتجاه تسويات وانفراجات.

دونالد ترمب خلال لقاء مع أنصاره في فلوريدا في 4 نوفمبر 2023 (رويترز)

المجهول الأميركي

تُشكل الانتخابات الرئاسية والتشريعية (الجزئية) الأميركية التي ستجري يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) قطباً جاذباً للاهتمام العالمي بالنظر للدور الذي تلعبه واشنطن على الصعد السياسية والاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والتجارية كافة... ودور واشنطن بالغ التأثير في الحربين الدائرتين حاليا (غزة وأوكرانيا). وحتى اليوم، ثمة غموض إزاء قدرة الرئيس السابق دونالد ترمب في الترشح لولاية جديدة بالنظر لمشاكله مع القضاء، فيما خصمه الديمقراطي، الرئيس الحالي، جو بايدن، البالغ من العمر 81 عاما، لا منافس جديا له من داخل حزبه. وقمة الإثارة سيكون عنوانها المواجهة الجديدة الممكنة بين خصمين حسمها الثاني لصالحه في عام 2019.

فلاديمير بوتين يصافح زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبن في موسكو (أرشيفية: أ.ف.ب)

ويعد المراقبون أن ثمة من يراهن على عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وأبرز المراهنين اثنان: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الأول، يتوقع أن فوز ترمب سيغير جذريا سياسة الدعم الأميركية غير المحدودة لأوكرانيا، وبالتالي سيكون ذلك مكسبا استراتيجيا لروسيا. وسبق لترمب أن أكد أكثر من مرة أنه لو كان موجودا في السلطة، لنجح في وضع حد لحرب أوكرانيا سريعا. أما الثاني فيرى في ترمب حليفاً سيطلق يده في التعامل مع الملف الفلسطيني، وسيدفن عميقا عودة الحديث عن حل الدولتين في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي عاد إلى الواجهة مع حرب غزة، والذي لوحت به إدارة الرئيس بايدن من غير أن يشكل ذلك التزاماً جدياً من طرفها. كذلك يأمل نتنياهو أن يمثل نجاح ترمب العودة لتفعيل الضغوط التي مارسها إبان ولايته الأولى لدفع التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.

أما التحول الرئيسي الآخر المرتقب في العلاقات الدولية، في حالة فوز المرشح الجمهوري، فعنوانه العلاقات مع الصين التي ستتجه حكما إلى مزيد من التصعيد قياسا على ما حصل خلال ولايته الأولى.

روسيا: بوتين أبداً ودوماً

قبل الانتخابات الأميركية، سيتوجه الناخبون الروس يوم 17 مارس (آذار) إلى صناديق الاقتراع في منافسة تبدو نتائجها محسومة منذ اليوم الأول للرئيس بوتين الذي يحكم بلاده منذ 23 عاما. وبالنظر للتعديل الدستوري في عام 2020، فإن بوتين قادر على البقاء في السلطة حتى عام 2036 أي ما يوازي ثلاثة عهود أميركية. ولأن الولاية الرئاسية من ست سنوات، فإن بوتين سيبقى في الكرملين حتى عام 2030 ما يعني أنه يتعين على العالم خصوصا الغرب أن يبني حساباته على هذا الأساس. وإذا كان فوز بوتين يبدو مؤكدا، فهذا يعني غياب أي تغيير في السياسات الداخلية. أما على الصعيد الخارجي فالمتوقع أن تواصل موسكو سياسة بناء تحالفات سياسية واقتصادية في مواجهة الغرب، أكان ذلك الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.

مشاهد من حرب أوكرانيا المتواصلة منذ حوالي العامين تظهر أضرار هجمات روسية على كييف في 2 يناير (إ.ب.أ)

وتفيد استطلاعات الرأي (الرسمية) بأن بوتين يمكن أن يحصل، في ظل غياب أي منافس حقيقي، على 75 في المائة من الأصوات فيما التحدي الحقيقي يكمن في نسبة مشاركة الناخبين. وتدفع السلطات لتوفير مشاركة تقارب 80 في المائة، ما سيعكس عندها تفويضاً مطلقاً لسيد الكرملين وللسياسات التي يسير بها، وعلى رأسها مواصلة الحرب في أوكرانيا، التي لا يبدو أن حسمها عسكريا يمكن أن يتوافر في المستقبل المنظور، رغم أن موسكو تراهن على تراجع الدعم الغربي، وعلى انقلاب الرأي العام الغربي بعد عامين على اندلاع الحرب، وفشل الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية الصيف الماضي الذي راهن عليه الكثيرون.

الهند: الديمقراطية الأكبر في العالم

945 مليون ناخب مدعوون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في الهند في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) لانتخاب 543 نائباً في البرلمان المسمى «لوك سابها»، حيث يأمل «حزب الشعب»، الذي يحكم البلاد منذ عام 2014 ويتزعمه رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، الفوز بأكثرية مريحة تمكنه من البقاء في سدة الحكم لولاية ثالثة، وهو الذي ركب موجة القومية الهندوسية ولم يتراجع عن التشدد في مسائل الحريات العامة وقمع الأقلية المسلمة من غير أن يواجه تنديدا على المستوى العالمي، بالنظر لكون الهند أكبر دولة في العام سكانيا (قبل الصين)، ولدورها المتنامي في إطار مجموعة «البريكس»، ولترؤسها «مجموعة العشرين» في 2023.

وإذا كانت استطلاعات الرأي تبين تقدما واضحا لحزب مودي، فإن «حزب المؤتمر الهندي» التاريخي وهو حزب نهرو وأنديرا غاندي يسعى للعودة بقوة، برئاسة حفيد الأخيرة، راحول غاندي، إلى المشهد السياسي من خلال بناء تحالف مع عشرين حزباً على المستويين المحلي والفيدرالي.

رئيس وزراء الهند يحيي أنصاره في 30 ديسمبر 2023 (أ.ب)

باكستان: إقصاء عمران خان

باكستان، عدو الهند التقليدي، ستشهد بدورها انتخابات تشريعية في الثامن من فبراير (شباط). وأبرز ما بدا منها إخراج القضاء رئيس الوزراء السابق عمران خان القابع في السجن منذ منتصف الصيف الماضي والكثير من أنصاره من المنافسة الانتخابية. ويرأس خان حزب «تحريك إنصاف» (حركة العدالة من أجل باكستان). وأشار حزبه إلى أن القضاء منع حوالي 90 في المائة من مرشحيه إن على مستوى الأقاليم أو على مستوى الدولة من الترشح في هذه الدولة التي تتمتع بالسلاح النووي. وكان خان قد أزيح عن السلطة في عام 2002 وتعرض لمحاولة اغتيال. وتكمن أهمية الانتخابات في أنها سترسم إلى حد بعيد طبيعة العلاقات المستقبلية مع الهند وموقع باكستان في المشهد الجيو - استراتيجي في المنطقة.

الاتحاد الأوروبي: موقع اليمين المتطرف

ما بين 6 و9 يونيو (حزيران) سيُدعى 400 مليون ناخب أوروبي من 27 دولة عضو في الاتحاد إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم الـ720 في البرلمان الأوروبي. وأهمية الاقتراع المقبل أنه سيكشف مدى تقدم اليمين المتشدد في المجتمعات الأوروبية، بعد النجاح الذي حققه في إيطاليا والدنمارك والنمسا وهولندا وسلوفاكيا وفنلندا والسويد، وكيفية تعامل النادي الأوروبي لاحقا مع موضوع أساسي عنوانه الهجرات المتدفقة عليه من الكثير من البلدان الأفريقية والآسيوية. وقد نجح الاتحاد مؤخرا في إقرار قانون جديد للهجرة، إلا أن اليمين، بجناحيه التقليدي والمتطرف غير راض عنه، وما زال يعده متساهلا مع موجات اللجوء المتواصلة. ومن الملفات الأساسية التي سيكون على البرلمان الجديد التعاطي معها الحرب في أوكرانيا وفي غزة والبنية الأمنية في أوروبا والملفات الاقتصادية والسعي لمزيد من الاندماج الأوروبي.

انتخابات وقضايا

خلال الأشهر المقبلة، ستتوجه الأنظار إلى بريطانيا، حيث سيسعى حزب العمال لإزاحة المحافظين عن السلطة، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي المتواترة وإلى مناطق ودول أخرى أبرزها تايوان وعلاقاتها المتوترة مع الصين الراغبة دوما في إعادتها إلى حظيرتها. كذلك إلى إيران التي ستشهد انتخابات نيابية بداية شهر مارس.

وفيما يخص إيران، فإن التركيز سيتناول معرفة المساحة التي ستُعطى للمعتدلين في البرلمان الجديد، علما بأن هؤلاء أخرجوا عمليا من السباق في انتخابات عام 2020. كذلك، فإن الانتخابات المقبلة هي الأولى منذ المظاهرات التي شهدتها البلاد بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني عقب توقيفها من قبل رجال الشرطة.

وفي السياق نفسه، تتعين متابعة ما ستسفر عنه الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا التي يمكن وصفها بالتاريخية كون حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» (حزب نيلسون مانديلا) يبدو مهدداً للمرة الأولى بخسارة الانتخابات التي ستُجرى في مايو لصالح تحالف أحزاب المعارضة. وإذا تحقق هذا السيناريو فسوف يكون بمثابة «انقلاب تاريخي» على إرث مانديلا ومقدمة لتغيرات في السياسة الداخلية والخارجية لجنوب أفريقيا.

من الصعوبة بمكان التوقف عند كل الانتخابات المرتقبة في 2024، لكن الثابت أن هذا العام المذكور سيكون له أثره الأكيد في رسم صورة العلاقات الدولية والتحولات التي ستأتي بها صناديق الاقتراع.


مقالات ذات صلة

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

شمال افريقيا جانب من محادثات وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الإيراني في القاهرة الشهر الماضي (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بخفض التوترات في المنطقة و«ضبط النفس»

أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني، عباس عراقجي، مساء الخميس، عن قلق بلاده «من استمرار التصعيد في المنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية (الجامعة)

أبو الغيط: الموقف الأميركي «ضوء أخضر» لاستمرار «الحملة الدموية» الإسرائيلية

استنكر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، الخميس، استخدام الولايات المتحدة «الفيتو» لعرقلة قرار بمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي «كتائب القسام» تعلن أن مقاتليها تمكنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا (رويترز)

«كتائب القسام» تقول إنها قتلت 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك بشمال قطاع غزة

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، الخميس، أن مقاتليها تمكّنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي أيمن الصفدي (رويترز)

وزير خارجية الأردن: قرارات «الجنائية الدولية» يجب أن تنفذ وتحترم

قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اليوم الخميس، إن قرارات المحكمة الجنائية الدولية يجب أن «تنفذ وتحترم»، وإن الفلسطينيين يستحقون العدالة.

«الشرق الأوسط» (عمان)

صواريخ «أتاكمز» التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
TT

صواريخ «أتاكمز» التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمز» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)

دخلت الحرب الروسية - الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من التصعيد، بعد استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من الولايات المتحدة وبريطانيا؛ لضرب أهداف في العمق الروسي، في الوقت الذي عدلت فيه موسكو عقيدتها النووية بما يسمح لها باستخدام ترسانتها النووية رداً على أي هجوم كبير بأسلحة تقليدية.

واضطرت الولايات المتحدة، الأربعاء، إلى إغلاق سفارتها في العاصمة الأوكرانية كييف، وطالبت كل العاملين فيها بالدخول إلى الملاجئ في حال سماع صافرات الإنذار، في ظل المخاوف من هجوم روسي ضخم على كييف، واستهداف مبانٍ أمريكية رداً على سماح واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى «أتاكمز» لضرب العمق الروسي.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، قال دانيال إل ديفيز، الزميل والخبير العسكري في مؤسسة «أولويات الدفاع»، والضابط السابق في الجيش الأميركي، إنه من غير الواضح السبب الذي دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، في هذه المرحلة المتأخرة من الحرب، وفي اللحظة الأخيرة من رئاسته، إلى القيام بإجراء يحمل في طياته مخاطر تصعيد الحرب بشكل كبير.

«أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

وأضاف: «من الواضح جداً أن هذا القرار يمثل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة، ويزيد احتمالات هزيمة أوكرانيا، وليس العكس».

في المقابل هناك شخصيات معروفة في واشنطن أشادوا بقرار بايدن الذي سمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» لمهاجمة أهداف في عمق روسيا. فقد خرج الجنرالات السابقون جاك كين، وباري ماكافري، ويسلي كلارك؛ لدعم قرار الرئيس، في حين انتقد كين وجود قيود كثيرة جداً على استخدام الصواريخ الأميركية في أوكرانيا.

ويرى ديفيز أن هؤلاء الجنرالات الذين «يرفعون شعار الحرب أولاً» قدموا نصائح كارثية على شاشات التلفزيون طيلة هذا الصراع، مشيراً إلى أنه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، عندما تم الكشف عن فشل هجوم الصيف الأوكراني، أعلن الجنرال ديفيد بترايوس أن أوكرانيا لا تزال قادرة على التسبب في «انهيار» الدفاعات الروسية، في حين أن ديفيز كتب قبل أشهر من بدء هجوم الصيف أن أساسيات الحرب أظهرت أن أوكرانيا ليست لديها أي فرصة تقريباً للنجاح.

فهل لا يفهم جنرال سابق يحمل أربع نجوم، وشغل أعلى المناصب في العسكرية الأميركية، هذه الأساسيات حتى بعد أشهر من ظهور الفشل بوضوح لكي يواصل الادعاء بأن الروس سوف ينهارون!

ويقول ديفيز، كما جاء في التحليل الذي أعدته «وكالة الأنباء الألمانية»، إنه في يوليو (تموز) 2023، وبعد شهر واحد من بدء هجوم الصيف الأوكراني، وشهرين من ادعاء بتريوس بأن قوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ما زالت قادرة على تحطيم الدفاعات الروسية، كتب مقالاً قال فيه إنه من الواضح أن الهجوم قد فشل، وأن المسار الأكثر حكمة وعقلانية وأخلاقية لكييف والغرب هو «السعي إلى تسوية تفاوضية تحافظ على أكبر قدر ممكن من الحرية والأراضي لكييف، وأن إنهاء الحرب الآن من شأنه أن يوقف مسلسل القتل والإصابة لعشرات الآلاف من المقاتلين الشجعان والأبطال في أوكرانيا الذين ستحتاج لهم كييف لإعادة بناء بلادهم بمجرد انتهاء الحرب».

الرئيس زيلينسكي يزور كتيبة أوكرانية في دونيتسك (أ.ف.ب)

ويقول ديفيز إن هذا يكشف عن حقيقة الموقف الصعب للقوات الأوكرانية سواء قبل الهجوم أو أثناءه أو بعده. ومع ذلك، تجاهلها كبار الجنرالات في الولايات المتحدة، ونصحوا الحكومات الغربية بمواصلة الحرب؛ وهو ما أدى إلى مقتل آلاف الأوكرانيين الذين كان يمكن أن يظلوا على قيد الحياة لو اعترف بايدن بالحقائق العسكرية الأساسية في صيف عام 2023، وسعى إلى تسوية تفاوضية للحرب.

ويضيف ديفيز أن الحقيقة اليوم أشد وضوحاً. فعدد الصواريخ بعيدة المدى التي تمنحها الولايات المتحدة لأوكرانيا لن يغير في الأمر شيئاً، فهذه الصواريخ لا تستطيع وحدها تغيير ديناميكية ساحة المعركة، وستكون مثل الدخول السابق للدبابات الغربية، وناقلات الجنود المدرعة، وقطع المدفعية، وأسلحة الدفاع الجوي، وأنظمة «هيمارس»، أو حتى طائرات «إف-16» المقاتلة إلى المعركة.

لقد خسرت كييف الحرب. هذه هي الحقيقة الوحيدة والاستمرار في تجاهل الواقع، والاستماع إلى الجنرالات، سيزيد التكلفة النهائية لخسارة الحرب بالنسبة لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن ما يفعله بايدن الآن أسوأ؛ لأنه يخاطر بتوسيع الحرب، مما قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا.

كانت روسيا واضحة في تصريحاتها بأن إدخال صواريخ بعيدة المدى أميركية أو غربية في الحرب ضد روسيا يمثل انخراطاً مباشراً للغرب ضد روسيا، ويفرض عليها «رداً». ووفقاً لتقارير إخبارية، فقد وقعت مثل هذه الهجمات الآن، وربما كان هذا هو السبب وراء إخلاء الولايات المتحدة لسفارتها، الأربعاء؛ خوفاً من أن تنفذ روسيا تهديدها، فتنفجر صواريخ «أتاكمز» الأميركية التي أطلقتها أوكرانيا على روسيا في وجه الولايات المتحدة.

سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا جنوب أوكرانيا (أ.ف.ب)

ويقول ديفيز إن المخاطرة بتوسيع الحرب من خلال السماح باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى ضد روسيا تمثل مجازفة متهورة إلى أقصى حد، وخصوصاً أن هذا لا يحقق أي فائدة عسكرية لأوكرانيا، بل يمثل خطراً استراتيجياً كبيراً يتمثل في احتمال تورط واشنطن في الحرب. ورغم أن الرئيس السابق دونالد ترمب فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ لأنه تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا، فإن مخاطرة بايدن الأخيرة قد تدمر أي فرصة قد تكون لدى ترمب لتحقيق السلام.