التحدي الأمني للألعاب الأولمبية يفرض تدابير استثنائية في فرنسا

حكومة ماكرون عدّت الحدث الرياضي أبرز أولوياتها في العام الجديد

انطلق العد التنازلي للألعاب الأولمبية في باريس (أ.ف.ب)
انطلق العد التنازلي للألعاب الأولمبية في باريس (أ.ف.ب)
TT

التحدي الأمني للألعاب الأولمبية يفرض تدابير استثنائية في فرنسا

انطلق العد التنازلي للألعاب الأولمبية في باريس (أ.ف.ب)
انطلق العد التنازلي للألعاب الأولمبية في باريس (أ.ف.ب)

كثيرة هي التحديات التي سيتعيّن على فرنسا مواجهتها في 2024: سياسية بسبب افتقار الحكومة أكثرية مطلقة في البرلمان، دبلوماسية بعد الصفعة التي تلقتها في منطقة الساحل، وتذبذب مواقفها إزاء الحرب في غزة، واجتماعية ــ اقتصادية بعد الهزات التي ضربت المجتمع الفرنسي بسبب قانون تعديل سن التقاعد، وقانون الهجرات الجديد، فضلاً عن المشكلات الأمنية التي برزت مع مظاهرات الصيف الماضي.

بيد أن هناك تحدياً أمنياً استثنائياً في العام الجديد، وعنوانه استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية التي ستكون في باريس وعدد من المدن الفرنسية في الفترة الممتدة ما بين 26 يوليو (تموز) و11 أغسطس (آب)، بينما الألعاب الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة ستمتد إلى 8 سبتمبر (أيلول). وتُبيّن الأرقام ضخامة المهمة المنوطة بالقوى الأمنية الفرنسية، حيث سيتعيّن على وزارة الداخلية الاستعانة بوحدات من الجيش وبآلاف العناصر من الأمن الخاص. وتتكاثر الاجتماعات بوتيرة مرتفعة لتصوُر وتنظيم أفضل سيناريو أمني، لأن أي فشل في هذا المجال ستكون له تبعاته السياسية في الداخل، وستنعكس على صورة فرنسا في الخارج، علماً بأنها تُعدّ الوجهة السياحية الأولى في العالم، حيث استضافت في عام 2022 ما لا يقل عن 79 مليون سائح.

مشاركة واسعة

تفيد أرقام اللجنة المنظمة بأن 206 بلدان ستشارك بوفودها في الحفل الافتتاحي، الذي سيجرى على أرصفة نهر السين في باريس ولمسافة 6 كيلومترات، حيث يُنتظر توافد 600 ألف شخص، بينما عدد التذاكر التي رُصدت للبيع بهذه المناسبة التي سيتابعها ما لا يقل عن مليار ونصف مليار مشاهد عبر العالم، يبلغ 13 مليون تذكرة. وتفيد الأرقام أيضاً بأن 10500 رياضي أولمبي، و4350 رياضي من ذوي الاحتياجات الخاصة، سيشاركون في المباريات التي ستحدث بشكل رئيسي في باريس وضواحيها، وفي مدن بوردو، وليل، ونيس، وسان إتيان، ومرسيليا. كما أنها ستنتقل إلى جزيرة تاهيتي وعاصمتها بابيت الواقعة في قلب المحيط الهادئ، وعلى مسافة 16 ألف كيلومتر من باريس.

جيرالد دارمانان وزير الداخلية الفرنسي المسؤول الأول عن أمن الألعاب الأولمبية متحدثاً للصحافة يوم 29 ديسمبر (رويترز)

وتضم الألعاب الصيفية «54» رياضة مختلفة سيتجند لتنظيمها، إضافة إلى الرسميين، 40 ألف متطوع. ولأن المتوافر من عناصر الأمن الخاص لا يكفي لاستكمال التدابير الأمنية، فإن الدعوات للانضمام إلى الشركات الخاصة الناشطة في الميدان الأمني تتواتر بتشجيع رسمي. وتزداد الحاجة نظراً لتدفق الزائرين والسياح والراغبين بمشاهدة هذه الألعاب، حيث يتوقع أن يتوافد إلى فرنسا ما لا يقل عن 15 مليون زائر في فترة تُعدّ قصيرة. من هنا يأتي تحدي إيجاد الفنادق والمنازل لإيواء هذا العدد الضخم من الزوار.

ولأن الوضع هو على هذه الحال، فإن أسعار الفنادق ضربت منذ اليوم أرقاماً قياسية لفترة الألعاب، كما أن العثور على غرفة في أحد الفنادق الفخمة يتطلب جهداً خاصاً، وأحيانًا لجوءاً إلى «وسطاء». وما يصح على الفنادق يصح كذلك على الشقق الخاصة التي يرغب أصحابها في الاستفادة من فرصة استثنائية لرفع قيمة إيجارها. وبشكل عام، فإن تكلفة شقة متوسطة المساحة تصل إلى 2000 يورو لليلة الواحدة.

تحديات متعددة

تعي الحكومة والقائمون على الألعاب أهمية إنجاح هذا الحدث الاستثنائي، الذي جعله الرئيس إيمانويل ماكرون إحدى أهم أولويات العام الجديد. ولا تخفى على أحد التحديات الأمنية والبيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لحدث من هذا العيار، في ظل أزمة صحية «كوفيد - 19» تطل برأسها مجدداً، وتهديدات إرهابية يرى وزير الداخلية جيرالد دارمانان أنها ما زالت جاثمة على صدر فرنسا.

مخاوف فرنسية من عجز وسائل النقل العامة من الاستجابة لتحديات ألعاب الصيف المقبل بسبب الملايين الإضافية التي ستحل في باريس لحضورها (رويترز)

وأخيراً، يتخوف المنظمون من هجمات سيبرانية يرفضون الإفصاح عن مصادرها. ورغم كل التحديات، فإن وزيرة الرياضة أميلي أوديا ــ كاستيرا تتوقع «عروضاً باهرة ونجاحاً استثنائياً، من شأنه أن يقدم صورة لبلد طموح واثق بقدراته وإمكاناته». وعند سؤالها عن صور أعمال الشغب التي أضرت بصورة باريس وفرنسا بشكل عام، فإن الوزيرة تؤكد أن الحكومة تقوم بكل ما هو ضروري لتوفير نجاح الألعاب التي يراها البعض على أنها الأكبر منذ الاحتفالات بمرور 200 عام على الثورة الفرنسية التي حدثت في عام 1989، أو تنظيم بطولة العالم لكرة القدم في عام 1998. وما تريده الحكومة والمنظمون هو تجنّب تكرار ما حدث في مايو (أيار) عام 2022 بمناسبة المباراة النهائية بين نادي ريال مدريد الإسباني ونادي ليفربول البريطاني لبطولة أندية كرة القدم، التي جرت في ملعب فرنسا الكبير القائم في ضاحية سان دوني، على مدخل باريس الشمالي، حيث حصلت حوادث عنف، وعجز الأمن عن السيطرة على الوضع.

«عام جنوني»

يرى توني أستانغيه، رئيس اللجنة الفرنسية المنظمة للحدث، أن عام 2024 «سيكون جنونياً» بفضل الألعاب الأولمبية التي يرى المسؤولون الرياضيون أنها ستكون «حافزاً» يدفع الفرنسيين لمزيد من الممارسات الرياضية.

توني أستانغيه رئيس اللجنة المنظمة للألعاب متفائل بـ«عام جنوني» بفضل استضافة فرنسا الحدث الرياضي العالمي (أ.ب)

وبيّن استطلاع للرأي أُجري لصالح صحيفة «ليه زيكو» الاقتصادية في شهر أغسطس (آب) الماضي، تخوف المواطنين خصوصاً في باريس ومحيطها لناحية أمن الألعاب والسكان من جهة، ولقدرة خدمات النقل العام على الاستجابة للحاجات المضاعفة بسبب الألعاب.

وبالمقابل، توقعت أكثرية العينة التي شاركت في الاستطلاع أن فرنسا ستستفيد من الألعاب على أكثر من صعيد اقتصادي وتجاري وإعلامي وبشري، خصوصاً إذا أثبتت أنها قادرة على إنجاح ألعاب دولية من هذا الحجم. وما يتخوف منه الباريسيون، وفي المنطقة الباريسية، ألا تكون الأشغال العامة التي تقوم بها البلديات المعنية قد أُنجزت قبل الموعد المعروف. وأعلن وزير الداخلية أن 12 ألف دركي و30 ألف رجل شرطة، إضافة إلى الأمنيين الوافدين من القطاع الخاص سيتولون الإشراف الأمني على الحفلة الافتتاحية للألعاب في باريس وحدها.

ومنذ اليوم، يخطط كثير من الباريسيين للهجرة إلى الأرياف والمنتجعات، ليكونوا بعيدين عن الصخب والازدحام اللذين سيرافقان بالطبع الألعاب الأولمبية في الأسبوعين الأولين من حدوثها.


مقالات ذات صلة

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

رياضة عالمية أليستير براونلي (أ.ب)

براونلي بطل الأولمبياد مرتين يعتزل لعبة «الثلاثي»

أعلن أليستير براونلي، الفائز بذهبيتين أولمبيتين في الثلاثي وبطل العالم مرتين، اعتزاله في عمر الـ36 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية آدم بيتي (رويترز)

بيتي: لست مستعداً لاتخاذ قرار المشاركة في «أولمبياد 2028»

قال السباح البريطاني آدم بيتي، بطل الأولمبياد 3 مرات، إنه غير مستعد الآن لاتخاذ قراره بشأن المشاركة في أولمبياد لوس أنجليس 2028، وذلك بعدما أصيب بالإحباط.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية الوكالة الدولية للاختبارات أن 10.3 في المائة من الرياضيين لم يتم اختبار تعاطيهم للمواد المنشطة في الأشهر الـ6 (أ.ف.ب)

67 فائزاً بميداليات لم يخضعوا لاختبارات المنشطات قبل «أولمبياد باريس»

ذكر تقرير صادر من الوكالة الدولية للاختبارات أن 3.‏10 في المائة من الرياضيين، بما في ذلك 67 رياضياً فازوا بميداليات.

«الشرق الأوسط» (لايبزغ)
رياضة عربية إيمان خليف وقعت ضحية جدل حول هويتها الجنسية منذ وصولها إلى باريس (رويترز)

الجزائرية إيمان خليف تتقدم بدعوى قضائية لمزاعم تسريب سجلات طبية

تقدمت الملاكمة الجزائرية ايمان خليف حاملة ذهبية وزن 66 كلغ في أولمبياد باريس الصيف الماضي بدعوى قضائية، الأربعاء، بسبب تقارير إعلامية عن سجلات طبية مسربة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية نواه لايلز (رويترز)

لايلز خارج قائمة المرشحين للفوز بجائزة أفضل رياضي على المضمار

لن يكون البطل الأولمبي في سباق 100 متر، الأميركي نواه لايلز، أحد مرشحَين نهائيَّين للفوز بجائزة أفضل رياضي على مضمار ألعاب القوى لهذا العام.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)
منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)
TT

«المافيا» تهدد على طريقة فيلم «العراب»... رأس حصان وبقرة ممزقة يرعبان صقلية

منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)
منظر عام لجزيرة صقلية (وسائل إعلام إيطالية)

هزَّ العثور على رأس حصان مقطوع، وبقرة حامل ممزقة وعجلها الميت بداخلها ملطخين بالدماء، جزيرة صقلية الإيطالية، وتعاملت السلطات مع الحادث باعتباره تهديداً من قبل المافيا.

وقالت الشرطة لشبكة «سي إن إن» إنه تم اكتشاف الحيوانات النافقة في ملكية أحد مقاولي البناء في بلدة ألتوفونتي، بالقرب من باليرمو. ووفق الشبكة الأميركية، فالمشهد «المروّع» يذكّر بفيلم «العراب» أو «The Godfather» الذي عُرض عام 1972، إذ يستيقظ شخصية بالفيلم ليجد رأس حصان مقطوعاً في سريره.

وقال المقاول، الذي لم يتم الكشف عن اسمه لحمايته أثناء التحقيق الجاري، للشرطة، إنه لم يتلق أي تهديدات قبل اكتشاف الماشية النافقة، التي تم الاحتفاظ بها في عقار مجاور.

ولا تزال صناعات البناء من أبرز قطاعات الأعمال المرتبطة بالمافيا في صقلية، وفقاً لتقرير حديث صادر عن مديرية مكافحة المافيا.

وكثيراً ما كان المقاول المُستهدف ينفذ أعمال البناء لصالح البلدية المحلية، التي بذلت قصارى جهدها لمنع الشركات المرتبطة بالمافيا من الفوز بعطاءات، لكنه أخبر الشرطة أنه لم تتواصل معه أي مجموعة تطالبه بالمال أو الخدمات.

وقال متحدث باسم الشرطة لشبكة «سي إن إن» إن الحادث يتم التعامل معه على أنه أسلوب تخويف من قبل المافيا.

وقد يكون الحادث مرتبطاً بالإفراج مؤخراً عن 20 من أعضاء المافيا من السجون المحلية، الذين انتهت مدة عقوباتهم، و«ربما يسعون للانتقام» وفقاً لرئيس مديرية مكافحة المافيا، موريزيو دي لوسيا.

وقال دي لوسيا في سبتمبر (أيلول): «لا يمكننا أن نتخلى عن حذرنا، فالحرب ضد المافيا أصبحت أكثر صعوبة مع إطلاق سراح هؤلاء الرجال».

وقالت عمدة ألتوفونتي، أنجيلا دي لوسيا، إنها شعرت بالرعب عندما سمعت الأخبار. وأضافت لوسائل الإعلام المحلية: «لا أستطيع أن أفهم مثل هذه الوحشية... يبدو أن هذا الفعل يعيدنا إلى العصور الوسطى».

ويعد استخدام الحيوانات الميتة، وفي كثير من الأحيان الكلاب وليس الخيول، تكتيك ترهيب شائعاً في الجزيرة الواقعة بجنوب إيطاليا، وفق «سي إن إن».

وتم الإبلاغ عن العديد من الحوادث المماثلة التي تنطوي على رؤوس حيوانات مقطوعة من قبل رجال الأعمال المحليين في صقلية، ففي عام 2023 تم العثور على رأس خنزير مقطوع معلقاً في مركز الشرطة المحلي، بينما عثر مقاول أعمال محلي على رأس مقطوع لأحد عنزاته في حديقته.