حضّت أوكرانيا الاتحاد الأوروبي، الجمعة، على إقرار حزمة المساعدات المالية البالغة 50 مليار يورو في يناير (كانون الثاني)، بعدما استخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حق النقض لمنع إقرارها. وقالت وزارة الخارجية الأوكرانية في بيان: «نتوقع الانتهاء من جميع الإجراءات القانونية اللازمة في يناير 2024، ما سيسمح لنا بتلقي التمويل في أقرب وقت ممكن».
منذ وصوله إلى الحكم للمرة الأولى في عام 1998 لم يتوقف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن إثارة المتاعب لشركائه في الاتحاد الأوروبي بسبب سياساته اليمينية المتطرفة التي تتعارض مع المبادئ والقيم الأساسية التي قام عليها الاتحاد.
لكن منذ بداية الحرب في أوكرانيا واصطفاف الشركاء الأوروبيين كتلة واحدة وراء الموقف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، بدأت هذه المتاعب تأخذ شكل المواجهة، ورفض تطبيق العقوبات المفروضة على موسكو واللجوء إلى استخدام حق «الفيتو» داخل المجلس الأوروبي لمنع اتخاذ قرارات لا تخدم المصالح الروسية.
آخر فصول هذه المواجهة كانت القمة الأوروبية التي تختتم بها إسبانيا رئاستها للاتحاد، والتي تقرر خلالها إعطاء إشارة انطلاق المفاوضات الرسمية مع أوكرانيا تمهيداً لانضمامها إلى الأسرة الأوروبية.
رحب رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا بقرار المجلس الأوروبي ببدء مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا ومولدوفا. ووصف رئيس الحكومة التشيكية القرار بأنه «خطوة كبيرة إلى الأمام ونجاح عظيم لأوروبا والاتحاد الأوروبي». وقال إن بدء محادثات العضوية مع أوكرانيا علامة مهمة على أن الاتحاد الأوروبي مهتم بمستقبل البلد.
وأضاف فيالا أن اجتماع المجلس الأوروبي، كان أحد أصعب الاجتماعات التي حضرها على الإطلاق. وفي النهاية، غادر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي عارض بشكل قاطع بدء محادثات العضوية مع أوكرانيا، طاولة المفاوضات، ليفتح المجال لقرار الاتحاد الأوروبي.
كان أوربان يعرف أنه وحده في صف المعارضين لهذا القرار، وأن بوسعه منع اتخاذه، لكنه كان يحتاج إلى الإفراج عن المليارات المستحقة للمجر من صندوق الإنعاش، والتي تحتجزها المفوضية وسيلة للضغط عليه، فاختار الخروج من قاعة المجلس عند التصويت على قرار بدء المفاوضات مع أوكرانيا، ما أشاع مناخاً من الارتياح سرعان ما تبدد بعد ساعات عندما رفض الموافقة على حزمة المساعدات الطارئة لأوكرانيا التي تشكّل خشبة خلاص لحكومة كييف بعد أن عاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من واشنطن بخفّي حنين، ولم يتمكن من الحصول على المساعدات الموعودة من الإدارة الأميركية بقيمة 60 مليار دولار بسبب الصراعات السياسية الداخلية، وتعنّت أقليّة من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس.
ووافقت 26 من دول الاتّحاد الـ27 على منح أوكرانيا حزمة قروض وهبات على مدى 4 سنوات بقيمة إجمالية تبلغ 50 مليار يورو، لكنّ رفض المجر لهذه الحزمة كان كفيلاً بإجهاضها.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أنّ دول الاتّحاد الأوروبي ستستأنف «مطلع العام المقبل» بحث تقديم المساعدة جديدة لأوكرانيا بعدما استخدم أوربان حقّ النقض لتعطيل إقرار حزمة قروض وهبات أوروبية لكييف بقيمة 50 مليار يورو. وقال ميشال للصحافيين: «لا أريد الغوص كثيراً في التفاصيل. سأعمل في الأيام والأسابيع المقبلة مع زملائي للتحضير لقمّة في بداية العام المقبل».
وقال أوربان للإذاعة الرسمية، الجمعة، إنه اضطر إلى منع حزمة المساعدات لأوكرانيا، وهي جزء من خطة ميزانية متعددة السنوات وأوسع نطاقاً، للتأكد من حصول المجر على الأموال التي تريدها من ميزانية الاتحاد الأوروبي. وقال أوربان: «نريد أن يتم التعامل معنا بطريقة منصفة، والآن لدينا فرصة جيدة لتوضيح وجهة نظرنا». وأضاف: «أقول دائماً إنه إذا أراد شخص ما تعديل الميزانية، وهو ما يريدون فعله، فهذه فرصة عظيمة بالنسبة للمجر لكي توضح أنها لا بد أن تحصل على ما تستحقه، وليس نصفه أو ربعه».
وكان أوربان قد طالب منذ أسابيع بإعادة النظر في الموقف الأوروبي المشترك من الحرب الدائرة في أوكرانيا، ودعا إلى رفع العقوبات عن موسكو والاتجاه نحو الضغط من اجل فتح باب للمفاوضات بين الطرفين.
ورغم فتحه الباب أمام اتخاذ قرار بدء مفاوضات الانضمام مع كييف، والذي لا يعدو كونه مجرد دعم رمزي ومعنوي لأوكرانيا التي ما زال دون عضويتها الكاملة في الاتحاد مسار طويل ومعقد قد يستغرق سنوات عدة، فقد تمكّن من منع اتخاذ قرار تقديم المساعدات التي تحتاج إليها كييف بصورة ملحّة، مشترطاً لرفع «الفيتو» من أجل تعديل الموازنة المشتركة أن يفرج الاتحاد عن كامل المستحقات المجرية من صندوق الإنعاش الأوروبي.
وكانت المفوضية الأوروبية قد أفرجت، يوم الأربعاء، عشيّة هذه القمة الحاسمة، عن 10 مليارات يورو كانت مجمّدة بسبب انتهاك المجر سيادة القانون، بعد أن رأت أن حكومة أوربان قد استوفت جزءاً من شروط الإصلاحات في النظام القضائي، لكنها ما زالت تجمّد ضعف هذا المبلغ حتى استيفاء جميع الشروط.
وكان أوربان قد صرّح مراراً في الأشهر الأخيرة أنه لن يتراجع عن استخدام «الفيتو» إلى أن تفرج المفوضية عن كامل المستحقات المجرية، وسارع لدى خروجه من اجتماعات المجلس في ساعات الفجر الأولى بعد انهيار المفاوضات إلى التباهي بمنعه صدور قرار الموافقة على المساعدات لأوكرانيا.
وكان رئيس الوزراء المجري، الذي يرى فيه شركاؤه الأوروبيون «حصان طروادة» الروسي داخل الاتحاد، قد وصف انسحابه من اجتماعات القمة لدى التصويت على قرار بدء مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا بأنه «امتناع بنّاء»، مؤكداً في الوقت نفسه أن دخول أوكرانيا إلى النادي الأوروبي لن يجلب سوى المتاعب.
وردت موسكو، الجمعة، قائلة إن قرار الاتحاد الأوروبي فتح محادثات العضوية مع أوكرانيا ومولدوفا مسيس، وقد يزعزع استقرار التكتل. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين: «مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن تستمر سنوات أو عقوداً. الاتحاد الأوروبي لديه دائماً معايير صارمة للانضمام إليه، ومن الواضح أنه لا أوكرانيا ولا مولدوفا تستوفي في الوقت الحالي هذه المعايير». وتابع: «من الواضح أن هذا قرار مسيس تماماً، وهناك رغبة من الاتحاد الأوروبي في إظهار الدعم للبلدين، لكن مثل هذين العضوين الجديدين يمكن أن يزعزعا استقرار الاتحاد الأوروبي، وبما أننا نعيش في نفس القارة... فإننا بالطبع نراقب الأمر من كثب». وقال بيسكوف إن المجر ليست دولة موالية لبلاده، لكن روسيا معجبة باستعدادها للدفاع عن مصالحها الخاصة.
ويأتي طلب المفوضية تعديل الموازنة المشتركة لمواجهة التحديات التي نشأت عن «الواقع الأوروبي الجديد» الذي ترتّب عن الحرب الدائرة على أبواب الاتحاد، وتداعيات الجائحة وزيادة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين.
وبعد «الفيتو» المجري الذي تسبّب في مناقشات حامية امتدت حتى فجر الجمعة، توافق القادة الأوروبيون على العودة إلى التفاوض من أجل تعديل الموازنة المشتركة بمقدار 22 مليار يورو، من أصل 65 ملياراً كانت تطاب بها المفوضية.
بموازاة ذلك، تعهدت بعض الدول الأعضاء، وفي طليعتها ألمانيا، بزيادة الدعم الثنائي الذي تقدمة لأوكرانيا. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز: «إن بوتين مصمم على تركيع أوكرانيا عسكرياً»، وأعلن أن بلاده سترسل 9 مليارات يورو إلى أوكرانيا مطلع العام المقبل، مضيفاً «أن الرئيس الروسي يعوّل على تراجع الدعم الدولي لأوكرانيا، ومع الأسف لا نستطيع استبعاد تحقق توقعاته».