معركة سياسية في البرلمان الفرنسي بسبب مشروع قانون يتعلق بالمهاجرين

الحكومة تبحث عن أكثرية مفقودة... ووزير الداخلية يراهن عليه لمستقبله السياسي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقاء كلمة الأحد بمناسبة الذكرى الـ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقاء كلمة الأحد بمناسبة الذكرى الـ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس (أ.ف.ب)
TT

معركة سياسية في البرلمان الفرنسي بسبب مشروع قانون يتعلق بالمهاجرين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقاء كلمة الأحد بمناسبة الذكرى الـ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال إلقاء كلمة الأحد بمناسبة الذكرى الـ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس (أ.ف.ب)

تنطلق، بعد ظهر اليوم (الاثنين)، في مجلس النواب الفرنسي، معركة سياسية حامية، عنوانها: مصير مشروع القانون الخاص بضبط الهجرات الذي يقدمه وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بعدما مر في مجلس الشيوخ، وفي لجنة القوانين التابعة للبرلمان، قبل أن يُطرح بدءاً من الساعة الرابعة على الجمعية العامة.

وكان مفترضاً أن يصل مشروع القانون إلى المجلس العام الماضي؛ إلا أن عرضه تأجل أكثر من مرة لسبب رئيسي، متمثل بافتقاد الحكومة للأكثرية المطلقة في مجلس النواب الذي له الكلمة الفصل في إقرار القوانين من عدمه. ولذا، فإن الوزير دارمانان أمضى في الأيام الأخيرة كثيراً من الوقت؛ سواء في مجلس الشيوخ أو في مشاورات مع نواب من حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي لإقناعهم بالتصويت لصالح مشروع القانون، رغم مطالبتهم بتعديلات كثيرة لجعله أكثر تشدداً لجهة التعامل مع المهاجرين الواصلين إلى فرنسا، أو الموجودين على أراضيها.

ووفق الرؤية الحكومية لمشروع القانون، فإن الغرض منه، أولاً، تسهيل ترحيل الأجانب الذين يشكلون خطراً على السلامة العامة، وثانياً التسريع في البت بطلبات اللجوء المتدفقة على فرنسا، وثالثاً تسوية الأوضاع القانونية لآلاف من الأجانب الذين لا يملكون حق الإقامة في فرنسا، والعاملين في المهن التي تحتاج إلى يد عاملة أجنبية.

ثمة شكوك تحوم حول انطلاق مجلس النواب في مناقشة مشروع القانون، نظراً لتقدم مجموعة «الخضر» في المجلس بطلب للتصويت على رفضه المبدئي. وإذا حصل الطلب على الأكثرية المطلوبة، فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة إما لسحبه من النقاش نهائياً، أو العودة به إلى مجلس الشيوخ لإعادة النظر فيه. وحتى الساعة، لا تزال الأمور ضبابية. وتفيد عملية حسابية بسيطة بأن الحكومة ليست متأكدة من قدرتها على السير بمشروعها، إذا صوَّت اليسار بمختلف تشكيلاته واليمين المتطرف واليمين التقليدي إلى جانب الرفض المبدئي.

وزير الداخلية جيرالد دارمانان يوم السابع من ديسمبر خلال اجتماع في الجمعية الوطنية لحزب «الجمهوريون» اليميني حول السيادة والجنسية والهجرات وحق اللجوء (أ.ف.ب)

ومنذ الانتخابات النيابية الأخيرة، ربيع العام الماضي، تجد الحكومة نفسها في وضع صعب؛ حيث إنها لا تستطيع الركون إلا إلى أكثرية نسبية، ولدى كل مشروع قانون جديد تجد نفسها مضطرة للمساومة وتقديم التنازلات، لاجتذاب نواب أحياناً من «اليسار الاشتراكي» و«الخضر»، وغالباً من اليمين التقليدي، الأمر الذي يعقد عملها.

تملك الحكومة سلاحاً ردعياً عنوانه: طرح الثقة بنفسها، وقد استخدمته رئيستها إليزابيث بورن مرَّات كثيرة، بما في ذلك لإقرار تعديل قانون التقاعد. وإذا لم تحصل الحكومة على الأكثرية المطلوبة، فإنها تسقط حكماً.

وسبق لرئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، أن هدد أكثر من مرة، بأن سحب الثقة من حكومته يعني الذهاب مباشرة إلى انتخابات عامة. والحال أن حزب «الجمهوريون»، بعد أن كان طاغياً طيلة عقود، تحت أسماء عديدة (الديغولي، والتجمع من أجل الجمهورية، والتجمع من أجل حركة شعبية) تقلص عدد نوابه إلى 58 نائباً. وإذا جرت انتخابات جديدة، فمن المؤكد أنه سيخسر مقاعد إضافية لصالح حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبان. ولذا، فإن وزير الداخلية، الآتي من صفوف اليمين، يشدد الضغوط على حزبه السابق لإحداث انشقاق داخله، بحيث يستطيع استمالة العدد الكافي من النواب للوصول إلى الأكثرية المطلوبة.

واعترف دارمانان، صباح الاثنين، في حديث إذاعي، بأن معارضي مشروع القانون أكثر عدداً من مؤيديه، بينما قالت رئيسة مجلس النواب يائيل براون بيفيه، إنه «سيكون من غير المفهوم أن يحرم البرلمان مناقشة المشروع الحكومي».

يراهن جيرالد دارمانان الذي لم يعد يخفي رغبته في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2027، على إنجاح مشروع القانون الذي يحمل اسمه. وفي الأيام الأخيرة، ركز دارمانان على أحد التعديلات التي يتضمنها مشروعه، والخاص بنزع العقبات القانونية التي تمنع طرد أجانب وصلوا إلى فرنسا قبل سن الثالثة عشرة، أو الذين يقيمون على الأراضي الفرنسية منذ أكثر من عشرين عاماً.

رئيسة الحكومة إليزابيث بورن خلال زيارة لجزيرة مايوت الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي في 8 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

ووفق رسائل وُجهت لنواب اليمين، أكد وزير الداخلية أن تبني المشروع سيتيح طرد ما لا يقل عن 4000 أجنبي في العام، أدينوا بارتكابهم جنحاً أو جنايات.

بيد أن مشكلته تكمن في أن اليمين واليمين المتطرف لا يريان أنه متشدد كفاية للتصويت لصالحه، وهما متمسكان بالصيغة التي أقرها مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليمين. والحال، أن لجنة القوانين في مجلس النواب أسقطت تعديلات مجلس الشيوخ وبعض البنود التي تراها غير ملائمة في المشروع الحكومي الأساسي. ويتمثل البند الخلافي الرئيسي في رفض اليمين رغبة الحكومة في تسوية الأوضاع القانونية للعمال المهاجرين الذين يوجدون على الأراضي الفرنسية، ومنذ سنوات، بصفة غير قانونية، وهم يرون في ذلك دعوة واضحة لتدفق مهاجرين جدد، ما دامت الحكومة الفرنسية ستعمد، في وقت من الأوقات، إلى تسوية أوضاعهم. كذلك يرى اليمين أن شروط طرد من يتعين ترحيله عن الأراضي الفرنسية ليست حازمة إلى الحد المطلوب.

ثم إن هناك نقاشات قانونية داخل كل مجموعة سياسية؛ لا بل داخل الأحزاب الداعمة للحكومة؛ حيث يرى الجناح اليساري أن مشروع القانون يميل يميناً، وبالتالي ثمة «تحفظات» لدى بعض النواب على السير به، رغم انتمائهم إلى الأكثرية الرئاسية. أما اليسار فهو حائر ومنقسم على نفسه. فهو من جهة، يريد أن يكون صوته مسموعاً لجهة تمسكه بالقيم التقليدية التي يدافع عنها. لكنه من جهة ثانية يرى أن موضوع المهاجرين، وما له من علاقة بأعمال العنف وأحياناً الإرهاب، يدفع الرأي العام الفرنسي باتجاه اليمين؛ لا بل إلى اليمين المتطرف، وهو لا يريد أن يترك ناخبيه يقرعون أبواب اليمين بجناحيه.


مقالات ذات صلة

إيطاليا تستأنف نقل المهاجرين إلى مراكز احتجاز في ألبانيا

أوروبا البحرية الإيطالية تنقل 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا (أرشيفية - أ.ب)

إيطاليا تستأنف نقل المهاجرين إلى مراكز احتجاز في ألبانيا

قالت وزارة الداخلية الإيطالية إن البحرية نقلت 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزي احتجاز في ألبانيا، في استئناف لخطة تستهدف الحد من تدفُّق المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (روما)
أميركا اللاتينية ليزلي فولتير رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي في هايتي في مقابلة مع وكالة أنباء «أسوشيتد برس» (ا.ب)

رئيس هايتي المؤقت يحذر من تبعات «كارثية» لخطط ترمب على بلاده

قال ليزلي فولتير رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي في هايتي، إن قرارات إدارة ترمب بخصوص تجميد المساعدات، وترحيل المهاجرين، ستكون «كارثية» على هايتي.

«الشرق الأوسط» (روما)
الولايات المتحدة​ مهاجرون غواتيماليون ينزلون من طائرة عسكرية أميركية بعد ترحيلهم من الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

طائرتان أميركيتان تصلان إلى غواتيمالا على متنهما مهاجرون مرحّلون

حطّت طائرتان على متنهما غواتيماليون طردوا من الولايات المتحدة، الجمعة، في غواتيمالا، دون توضيح إن كانوا من المشمولين بـ«عملية الطرد» الواسعة التي أطلقها ترمب.

«الشرق الأوسط» (غواتيمالا)
الولايات المتحدة​ دورية حدود أميركية تتتبع مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا الحدود من المكسيك نحو الولايات المتحدة في 15 يناير 2025 بالقرب من جامول - كاليفورنيا (أ.ف.ب)

المتحدثة باسم ترمب: أميركا ترحّل «مئات المهاجرين غير النظاميين»

أوقفت السلطات الأميركية 538 مهاجراً غير نظامي ورحّلت المئات في عملية جماعية، على ما أعلنت المتحدثة باسم الرئيس دونالد ترمب بعد أيام من توليه ولايته الثانية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية مهاجرون يسيرون على طول طريق سريع في ولاية تشياباس بالمكسيك (أ.ب)

كيف تستعد المكسيك لاستقبال أول المرحَّلين في عهد ترمب؟

يجري العمل في شمال المكسيك على بناء نحو 10 مراكز إيواء على الحدود مع الولايات المتحدة، تحسباً لعملية ترحيل لمكسيكيين سبق أن أعلن عنها الرئيس الأميركي الجديد.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)

إيطاليا تستأنف نقل المهاجرين إلى مراكز احتجاز في ألبانيا

البحرية الإيطالية تنقل 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا (أرشيفية - أ.ب)
البحرية الإيطالية تنقل 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا (أرشيفية - أ.ب)
TT

إيطاليا تستأنف نقل المهاجرين إلى مراكز احتجاز في ألبانيا

البحرية الإيطالية تنقل 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا (أرشيفية - أ.ب)
البحرية الإيطالية تنقل 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا (أرشيفية - أ.ب)

قالت وزارة الداخلية الإيطالية إن البحرية نقلت، الأحد، 49 مهاجراً أنقذتهم في المياه الدولية إلى مركزيْ احتجاز في ألبانيا، في استئناف لخطة تستهدف الحد من تدفُّق المهاجرين عبر البحر، وتثير جدلاً قانونياً.

ووفقاً لـ«رويترز»، كانت حكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قد أنشأت مركزين لاستقبال المهاجرين في ألبانيا، في أول اتفاق من نوعه يتضمن قيام دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بتحويل المهاجرين إلى دولة خارج الاتحاد، لكن المركزيْن ظلا من دون نزلاء منذ نوفمبر (تشرين الثاني) بعد قرار قضائي بمنع هذا الإجراء.

وقالت وزارة الداخلية الإيطالية إن سفينة دورية في طريقها إلى ألبانيا وعلى متنها 49 مهاجراً، بينما يوجد 53 مهاجراً آخرين في إيطاليا، بعد انتشالهم أيضاً انتظاراً للتحقق من وضعهم بعد تسليم جوازات سفرهم تجنباً لإعادة نقلهم على الفور.

ويمثل نقل المهاجرين محاولة جديدة من جانب الحكومة لفرض سياستها بعد أن شكك قضاة في روما في صحتها، وأمروا بإعادة أول مجموعتين من المهاجرين المحتجَزين في ألبانيا إلى إيطاليا.

ويدور الجدل بشأن الخطة التي تعدُّها ميلوني حجر زاوية في هدف حكومتها للحد من الهجرة، حول حكم أصدرته محكمة العدل الأوروبية، العام الماضي، لم تكن له علاقة بإيطاليا.

وقالت المحكمة إنه لا يمكن عدُّ الدولة التي ينتمي إليها المهاجر «آمنة» تماماً إذا كان جزء منها منطقة خطرة؛ ما يقوِّض فكرة روما بترحيل المهاجرين إلى ألبانيا ضمن قائمة مُختارة من البلدان «الآمنة» بهدف إعادتهم إلى أوطانهم بسرعة.

ومن المقرر أن تراجع المحكمة الأوروبية خطة إيطاليا في الأسابيع المقبلة، وتوضيح ما إذا كانت متوافقة مع قانون الاتحاد الأوروبي أم لا.