حرب أوكرانيا تلتهم ثلث موازنة روسيا العام المقبل

موسكو تزيد إنفاقها العسكري 70 % وتستبعد مواجهة نووية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى مشاركته في اجتماع تمهيدي لإعلان الميزانية الجديدة، 18 سبتمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى مشاركته في اجتماع تمهيدي لإعلان الميزانية الجديدة، 18 سبتمبر (إ.ب.أ)
TT

حرب أوكرانيا تلتهم ثلث موازنة روسيا العام المقبل

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى مشاركته في اجتماع تمهيدي لإعلان الميزانية الجديدة، 18 سبتمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى مشاركته في اجتماع تمهيدي لإعلان الميزانية الجديدة، 18 سبتمبر (إ.ب.أ)

لم تعد عبارة «اقتصاد الحرب»، التي تكررت كثيراً في روسيا خلال العامين الأخيرين، مجرّد عنوان يقتصر على توجيه القدرات المالية والصناعية لمواجهة تداعيات الحصار الغربي وإيجاد بدائل عن المنتجات التي فقدت من أسواق روسيا. إذ اتضح مع الموازنة الروسية للعام المقبل أن حرب أوكرانيا باتت تلتهم جزءاً وازناً من موارد البلاد.

وجاء نشر وزارة المال الروسية، الخميس، وثيقة مشروع موازنة العام المقبل، ليظهر تبدّلاً ملموساً في أولويات البلاد على المستوى الاقتصادي. ونصّ المشروع الذي نشرته المنصة الإلكترونية للوزارة على زيادة الإنفاق على الدفاع في البلاد في عام 2024 بنسبة 70 في المائة تقريباً، مقارنة بالعام الحالي. وبذلك تتصدر مدفوعات الموازنة العسكرية، للمرة الأولى في تاريخ روسيا الحديث، قطاعات الإنفاق الحكومي، متفوقة على بند «السياسة الاجتماعية» بأكثر من 3 تريليونات روبل.

ثلث الموازنة لجبهات القتال

نصّت الخطة المالية التي نشرتها الوزارة، وحملت عنوان «التوجهات الرئيسية لسياسة الميزانية والضرائب والتعريفة الجمركية لعام 2024 ولفترة التخطيط لعامي 2025 و2026»، على زيادة النفقات في إطار بند «الدفاع الوطني» للعام المقبل بنسبة 68 في المائة، ليصل إلى 10.77 تريليون روبل، ما يمثل 29.6 في المائة من إجمالي مدفوعات الموازنة الروسية.

رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين يلتقي في موسكو بجنود شاركوا في العملية العسكرية بأوكرانيا، الخميس (أ.ب)

وللمقارنة، فقد بلغ حجم الموازنة العسكرية في العام الحالي 6.4 تريليون روبل، بينما كان حجمها في عام 2021، أي مباشرة قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، نحو 3.57 تريليون روبل، ما يعني أن الموازنة الجديدة، التي ستصل إلى 10.77 تريليون روبل، تعكس ارتفاع الإنفاق العسكري 3 أضعاف خلال العامين الأخيرين.

انتصار روسيا «أولوية مطلقة»

وتتوقع وزارة المال، ضمن الخطة المعدة للسنوات الثلاث المقبلة، أنه بعد عام 2024، يمكن تخفيض الإنفاق الدفاعي تدريجياً. ومن المقرر تخصيص 8.5 تريليون دولار لعام 2025، و7.4 تريليون دولار لعام 2026. لكن هذه الأرقام تبقى الأعلى في تاريخ الإنفاق العسكري الحديث.

جنود يشاركون في تكريم قتلى في صفوف الجيش الروسي، في لينينغراد، الجمعة الماضي (رويترز)

وبرّر الكرملين هذا التوجه بمتطلبات المرحلة الحالية. وقال الناطق الرئاسي، ديمتري بيسكوف، رداً على سؤال حول الزيادة، إن «روسيا تواصل عمليتها العسكرية وتعيش في حالة حرب هجينة»، ورأى أنه «من الواضح أن مثل هذه الزيادة ضرورية للغاية، لأننا نعيش في حالة حرب هجينة، ونحن نواصل العملية العسكرية الخاصة. أعني أننا نعيش في حالة حرب هجينة تُشن ضدنا (...) هذا يتطلب تكاليف باهظة».

بدوره، قال وزير المال، أنطون سيلوانوف، إن «الأولوية الرئيسية للموازنة الروسية تذهب إلى الجبهة». وأوضح أن هيكل الميزانية يظهر أن التركيز الرئيسي ينصب على ضمان انتصار روسيا، حيث تذهب الأموال إلى الجيش وقدرات الدفاع والقوات المسلحة. وزاد أن «هذا يشكل ضغطاً كبيراً على الموازنة، لكنه أولويتنا المطلقة»، مشدداً على أن لدى روسيا «كل ما يلزم لضمان النصر».

تخفيض الموازنات الاجتماعية

ووصف سيلوانوف موازنة العام المقبل بأنها «طبيعية وصحية» لعام 2024، ومن دون أن يتطرق إلى خفض النفقات بشكل ملموس في عدد من القطاعات، في مقابل زيادتها للقطاع العسكري. واكتفى الوزير بالإشارة إلى «النفقات التي يمكن إعادة توجيهها إلى مهام جديدة حسب الأولويات». كما أكد أن «الموازنة ستكون كافية لتغطية النفقات المقررة كافة».

وكانت وزارة المال قد اقترحت في وقت سابق خفض نفقات الموازنة على حساب البنود غير المحمية، وقد أيدت الحكومة هذه المبادرة.

ومن المقرر أن تنخفض حصة الإنفاق في مجال «السياسة الاجتماعية» في الهيكل العام لنفقات الموازنة في عام 2024 إلى الحد الأدنى منذ عام 2011. وسوف يتم تخصيص 7.71 تريليون روبل، أو 21.1 في المائة من إجمالي النفقات، للمجال الاجتماعي. وعادةً ما يؤدي هذا الاتجاه إلى توزيع إنفاق الميزانية.

ومع الإنفاق العسكري المباشر، سوف تزداد النفقات على الأمن القومي وإنفاذ القانون في العام المقبل، وإن لم يكن بشكل كبير، أي بنسبة 5 في المائة، لتصل إلى 3.38 تريليون روبل. وهذا يزيد بأكثر من تريليون روبل عما كان عليه في عام 2021. كما ستزداد النفقات على الإسكان والخدمات المجتمعية وحماية البيئة والتعليم والثقافة والسينما والرعاية الصحية وخدمة الدين الوطني. في حين سيتم تخفيض النفقات على مشروعات التنمية الوطنية والاقتصاد الوطني (بنسبة 5.7 في المائة)، وهذا ينسحب أيضاً على الإنفاق في مجالات التربية البدنية والرياضة والإعلام والتحويلات العامة بين الميزانيات.

ميشوستين يلقي كلمة في مؤتمر موسكو المالي، الخميس (رويترز)

وعموماً، ينتظر أن تكون النفقات الدفاعية أعلى بمعدل 3 أضعاف عن نفقات التعليم أو حماية البيئة والرعاية الصحية مجتمعة في عام 2024، وهو أمر بررته وزارة المال بتأكيد أن «تركيز السياسة الاقتصادية يتحول من أجندة مكافحة الأزمة إلى تعزيز أهداف التنمية الوطنية». وأضافت، في الوثيقة المنشورة، أن ذلك يشمل «تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد»، و«دمج» المناطق الأوكرانية الأربع، التي أعلنت موسكو ضمّها العام الماضي؛ لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا.

وكانت الحكومة الروسية أعلنت في وقت سابق أن موازنتها للأعوام الثلاثة المقبلة سوف تواجه عجزاً قدره 1.6 تريليون روبل، ووفقاً للمعطيات سيكون حجم الإيرادات 35 تريليون روبل، والنفقات 36.6 تريليون روبل. وارتفعت الإيرادات والمصروفات، مقارنة بالخطة المدرجة في الموازنة الحالية. وقال رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، إن مجلس الوزراء حاول تقليل العجز قدر الإمكان.

ويأتي رفع نفقات الدفاع، فيما حذّر البنك المركزي من أن النمو الاقتصادي يرتقب أن يتباطأ في النصف الثاني من 2023، مع ارتفاع معدل التضخم عن هدف البنك، البالغ 4 في المائة.

لا استخدام للنووي

على صعيد آخر، قلّل دبلوماسي روسي من مخاطر اندلاع مواجهة نووية، ودعا الغرب إلى «الكفّ عن التلاعب بهذه المسألة».

وقال رئيس الوفد الروسي في المفاوضات في فيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح، قسطنطين غافريلوف، إن موسكو «تدعو إلى وقف التكهنات حول الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية».

المدير العام لمؤسسة «روساتوم» الروسية، أليكسي ليخاشيف، يشارك في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا، 25 سبتمبر (أ.ف.ب)

وجاء تعليقه رداً على المناقشات المتعلقة بالاستخدام المحتمل للأسلحة النووية في العالم، على خلفية الأزمة الأوكرانية. وبحسب الدبلوماسي، فإن «روسيا الاتحادية لم تهدد العالم أبداً بالأسلحة النووية»، لافتاً إلى أن العقيدة النووية الروسية تحدد المبادئ الرئيسية حول متى وأين يمكن استخدام الأسلحة النووية. وشدد غافريلوف على أن «الجانب الروسي يتبع هذا المبدأ بصرامة».

وفي انتقاد لتحذيرات غربية من سعي موسكو إلى استخدام أسلحة نووية، قال إنه «ليست هناك حاجة لأي تكهنات حول هذا الموضوع. هذه ألعاب خطيرة للغاية. لدينا الإمكانات لحل المهام الموكلة إلينا بالوسائل المتاحة لدينا (...) صناعاتنا الدفاعية تتوسع».

وفيما يتعلق بإرسال بريطانيا ذخائر اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، قال غافريلوف إن «هذا أمر يدعو للقلق، لأن هذه الأسلحة تلوث التربة المحلية وتجعل مناطق واسعة غير صالحة للاستخدام»، لكنه أشار إلى أن «هذه القضية تتعلق بالتلوث فقط».


مقالات ذات صلة

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الجمعة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فيما يدرس تعيين مبعوث خاص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
TT

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)

أعلنت الحكومة الهولندية، اليوم الجمعة، إطلاق خطة جديدة لمكافحة «معاداة السامية»، بعد أسبوعين من صدامات بين مشجعي كرة قدم إسرائيليين وشبان، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخصص مجلس الوزراء مبلغاً إضافياً قدره 4.5 مليون يورو سنوياً لهذه الخطة، سيجري استخدام جزء منه لتعزيز أمن المؤسسات اليهودية والكنس.

وقال وزير العدل ديفيد فان ويل: «للأسف، ازدادت معاداة السامية في هولندا، خلال العام الماضي، كما أظهرت الأحداث التي وقعت في أمستردام قبل أسبوعين».

بعد مباراة في الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» بين أياكس أمستردام وفريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي، في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تعرّض مشجعون للأخير إلى الملاحقة والضرب في شوارع العاصمة الهولندية، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح، وإثارة سخط في كثير من العواصم الغربية.

واندلعت حوادث متفرقة قبل المباراة، شملت هتافات معادية للعرب رددها مشجعو مكابي وحرق علم فلسطيني في ساحة دام المركزية، قبل أن يتعرض أنصار الفريق الإسرائيلي لأعمال عنف.

وعَدَّت إسرائيل والسلطات الهولندية أن هذه الأحداث «معادية للسامية».

ونُقل خمسة من مشجعي مكابي إلى المستشفى لفترة وجيزة؛ لتلقي العلاج بعد إصابتهم في أعمال العنف التي أثارت غضب قادة غربيين.

وتشمل استراتيجية الحكومة أيضاً تشكيل فريق عمل معنيّ بمعاداة السامية، وإصدار قوانين أكثر صرامة بشأن «تمجيد الإرهاب» والتحقيق في أعمال العنف المرتكبة خلال الاحتجاجات.

كما سيجري استهداف مشجعي كرة القدم من أجل القضاء على الهتافات المعادية للسامية في الملاعب.

وقال رئيس الوزراء ديك شوف، للصحافيين: «إنه مزيج من القمع والوقاية».