ملك بريطانيا يدعو لـ«تفاهم جديد» مع فرنسا لمواجهة تحديات البيئة والعدوان على أوكرانيا

تكريم استثنائي لتشارلز الثالث بتمكينه من إلقاء خطاب أمام مجلس الشيوخ الفرنسي

الملك تشارلز الثالث يلقي خطابه في مجلس الشيوخ الفرنسي قبيل ظهر الخميس (أ.ف.ب)
الملك تشارلز الثالث يلقي خطابه في مجلس الشيوخ الفرنسي قبيل ظهر الخميس (أ.ف.ب)
TT

ملك بريطانيا يدعو لـ«تفاهم جديد» مع فرنسا لمواجهة تحديات البيئة والعدوان على أوكرانيا

الملك تشارلز الثالث يلقي خطابه في مجلس الشيوخ الفرنسي قبيل ظهر الخميس (أ.ف.ب)
الملك تشارلز الثالث يلقي خطابه في مجلس الشيوخ الفرنسي قبيل ظهر الخميس (أ.ف.ب)

المحطة البارزة في اليوم الثاني لزيارة الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا إلى فرنسا كانت في «قصر اللوكسمبورغ» مقر مجلس الشيوخ الفرنسي. وأفادت المصادر الفرنسية، بأن ملك بريطانيا هو من طلب أن تتاح له الفرصة لإلقاء كلمة في القصر المذكور، مفضلاً إياه على مقرّ مجلس النواب المطل على نهر السين؛ نظراً إلى أن تاريخه ملكي بامتياز.

ولأن باريس التي فرشت السجاد الأحمر تحت أقدام الثنائي الملكي، وأرادت إبراز رغبتها في تكريمه إلى أقصى الحدود التي يتيحها البروتوكول؛ فقد استضافته في وليمة تكريمية استثنائية في قاعة المرايا ليل الأربعاء - الخميس ومكّنته، في اليوم الثاني، من إلقاء خطاب في قاعة مجلس الشيوخ، حيث تجمّع 300 من أعضاء المجلسين (الشيوخ والنواب) وبحضور رئيسيهما جيرار لارشيه ويائيل براون - بيفيه وأعضاء من مجلس العموم واللوردات.

الملك تشارلز الثالث وعمدة باريس آن هيدالغو الخميس قريباً من كاتدرائية نوتردام (أ.ف.ب)

وكانت المرة الأولى في تاريخ البلدين تتاح لعاهل بريطاني فرصة كهذه، علماً أن الملكة إليزابيث الثانية زارت البرلمان عام 2004 والتقت أعضاءه. إلا أنها لم تلقِ خطاباً تحت قبة المجلس. واستُقبل تشارلز الثالث بموجة من التصفيق لدى وصوله وبأخرى دامت دقائق عدة ووقوف عند الانتهاء من خطابه.

تشارلز الثالث: فرنسا جزء من حياتنا

كان لافتاً في الكلمات الثلاث، التي أُلقيت الخميس، استذكار المحطات التاريخية التي اجتازتها العلاقات الفرنسية - البريطانية، والتركيز على الصداقة التي تجمعهما منذ 123 عاماً، أي منذ أن وقّع الطرفان «التفاهم الودي» الذي جعلهما في خندق واحد في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وقالت رئيسة البرلمان في كلمتها: إن البلدين «متحدان منذ أكثر من قرن في الدفاع عن الحرية والديموقراطية». أما رئيس مجلس الشيوخ، فقد استعاد ما قاله الشاعر والكاتب والسياسي الكبير فيكتور هوغو، الذي كتب يوماً أن «إنجلترا ستبقى دوماً أختاً لفرنسا».

وفي دعابة واضحة، أشار جيرار لارشيه إلى أن بريطانيا لم يتم غزوها سوى مرة واحدة «على يد فرنسا» قبل أكثر من ألف عام عندما غزاها دوق نورمانديا غيوم (غليوم بالعربية) المسمى «الفاتح» وأرسى حكمه هناك. وذكر لارشيه بجملة قالها الجنرال ديغول لرئيس الوزراء تشرشل عندما انتقل إلى لندن لمواصلة محاربة ألمانيا النازية، وفيها: «كلما تقدمت في تعلم اللغة الفرنسية، فهمت ما أقوله أنا بالإنجليزية».

واستعاد لارشيه عبارة للملكة إليزابيث الثانية في إحدى زياراتها إلى فرنسا عندما قالت: «صحيح أننا لا نقود سياراتنا من جانب الطريق نفسها، إلا أننا نذهب كلانا في الاتجاه نفسه». وخلص لارشيه إلى اقتراح أن يعمل البريطانيون والفرنسيون معاً في إطار الكومنولث ومنظمة الفرنكوفونية العالمية.

الثنائي الملكي في زيارتهما لسوق الزهور التي تحمل اسم الملكة إليزابيث الثانية في قلب باريس الخميس (أ.ف.ب)

في كلمته، التي ألقاها بالفرنسية والإنجليزية، ذكر تشارلز الثالث أنه قام بـ35 زيارة رسمية لفرنسا التي هي «جزء من حياتنا». ولأن دور الملك في رسم السياسة البريطانية محدود، وأن الخطاب الذي ألقاه أبرم أولاً على مستوى رئاسة الحكومة، فقد قال تشارلز الثلث وبكل تواضع إنه سيعمل «كل ما في وسعه من أجل تعزيز العلاقات الحتمية بين بريطانيا وفرنسا» ومنوهاً بالدور المناط بالبلدين اللذين يتحملان مسؤوليات أمنهما وأمن العالم في إطار مجلس الأمن ومجموعة السبع ومجموعة العشرين. وفي هذا السياق، دعا إلى إبرام «تفاهم جديد» يستلهم الماضي والتفاهم القديم الذي وقّع في عام 1904 من أجل «مواجهة تحديات العالم المحيط بنا». ولم تفته الإشارة إلى أن جده إدوارد السابع هو من وقّع «التفاهم» السابق قبل 120 عاماً؛ ما يستبطن رغبته في أن يتم التوصل إلى «التفاهم الجديد» في عهده. وسبق له، في حفل العشاء في قصر فرساي أن قال إنه «يتحتّم علينا جميعاً إعادة تقوية صداقتنا لنكون واثقين من أنّها في مستوى تحدّي هذا القرن الواحد والعشرين».

تحديان رئيسيان: حرب أوكرانيا والبيئة

ثمة ملفان رئيسيان تحدث عنهما ملك بريطانيا: الأول، الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث أكد أن باريس ولندن «عازمتان بشكل لا يلين» على الاستمرار في دعم أوكرانيا. وقال: «نحن نواجه اليوم عدواناً غير مبرر على قارتنا، ونحن نقف معاً إلى جانب الشعب الأوكراني، وعازمون على تمكينه من الانتصار، وأن تكون الغلبة لحرياتنا».

بيد أن التحدي الأكبر الذي يريد ملك بريطانيا مواجهته مع فرنسا عنوانه البيئة والاحتباس الحراري. ومعروف عنه اهتمامه القديم بهذا الملف الذي يرى فيه «التحدي الأكبر للألفية الراهنة».

الرئيس إيمانويل ماكرون والثنائي الملكي في حديث مع رجل إطفاء قريباً من نوتردام (أ.ب)

وشدد تشارلز الثالث على ضرورة العمل الجماعي من أجل «حماية العالم من التحدي الأخطر الذي هو التغيرات المناخية». و«التفاهم من أجل الاستدامة» الذي يريده مع فرنسا لصالح البيئة والمحافظة على التنوع الحيوي يصطدم بداية بتراجع بريطانيا عن عدد من التدابير الرئيسية المفترض بها أن تعكس اهتمامها الكبير بهذا الملف.

وشدد ملك بريطانيا على دور القطاع الخاص في مبادرات محاربة التصحر والتغيرات البيئية وفي ما لها من تأثيرات اقتصادية واجتماعية.

وتناول تشارلز الثالث هذا الملف مجددا في الكلمة التي ألقاها عصرا، إلى جانب الرئيس ماكرون، في اختتام أعمال الطاولة المستديرة التي عقدت في مقر المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي والتي خصصت ل»تمويل المناخ» أي لدور القطاع الخاص وتحديدا البنوك في تمويل المشروعات الخاصة لمواجهة التغيرات المناخية وما سمي «المنتجات المالية الخضراء».

وكان للثنائي الملكي برنامج حافل الخميس. فإلى جانب محطة مجلس الشيوخ، كانت هناك زيارة لكاتدرائية نوتردام في باريس برفقة الرئيس ماكرون وعقيلته؛ وزيارة لسوق الزهور الواقعة في قلب العاصمة وقريباً من الكاتدرائية المذكورة؛ في حين عمدت الملكة كاميلا وبريجيت ماكرون إلى إطلاق الجائزة الأدبية الفرنسية - البريطانية من القاعة الرئيسية للمكتبة الوطنية التاريخية.

ومن محطات الزيارة الأربعاء كان التوجه إلى ضاحية سان دوني، شمال العاصمة لزيارة كاتدرائيتها الشهيرة حيث دفن العديد من ملوك فرنسا، وهي تحفة معمارية تعود للفترة القوطية، والالتقاء بمجموعة من الشباب حول دور الرياضة في الاندماج الاجتماعي. وتعد سان دوني ذات كثافة سكانية عالية، حيث تعيش نسبة عالية من المهاجرين من الضواحي الأكثر فقراً، لكن سيكون لها دور مهم العام المقبل في تنظيم الألعاب الأولمبية التي تستضيفها العاصمة. ومساءً، عاد الثنائي الملكي إلى قصر الإليزيه للقاء أخير مع الرئيس ماكرون وعقيلته.


مقالات ذات صلة

«الطاقة» السعودية تبرز جهود الرياض في «كوب 29» بأذربيجان

الاقتصاد جناح وزارة الطاقة في «كوب 29» المنعقد حالياً في باكو (الشرق الأوسط)

«الطاقة» السعودية تبرز جهود الرياض في «كوب 29» بأذربيجان

تشارك وزارة الطاقة السعودية في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 29».

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة أشخاص يمرون أمام مقرعقد مؤتمر «كوب 29» في باكو (أ.ب)

أذربيجان تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 29»

تستضيف أذربيجان «مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» (كوب 29)، والذي ينطلق الاثنين ويستتمر حتى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.

«الشرق الأوسط» (باكو )
خاص امرأة تمرّ بالقرب من لافتة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في باكو (رويترز)

خاص «كوب 29» يواجه تحدي الاتفاق على هدف عالمي جديد لتمويل المناخ

يجتمع العالم، الاثنين، في العاصمة الأذربيجانية للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 29) والذي ينعقد في ظل تنامي تحديات المناخ.

آيات نور (الرياض)
العالم الدكتور زهير الحارثي خلال القمة العالمية لقادة ورموز الأديان في باكو (كايسيد)

«كايسيد» يؤكد أهمية الحوار البنّاء في دفع التقدم العالمي

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز «كايسيد» للحوار، على أهمية الحوار البنّاء في دفع عجلة التقدم العالمي، ودور المجتمعات الدينية للتصدي لتحديات تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد صورة جماعية في الاجتماع الدوري الـ35 لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بجدة (الشرق الأوسط)

مسؤول عراقي لـ«الشرق الأوسط»: مشروعات مشتركة جديدة مع السعودية لتحقيق الاستدامة البيئية

يعيش العراق حالة انتعاش في المسارات كافة؛ منها قطاع البيئة الذي يعيش طفرة نوعية في المشروعات، وتحسين البنية التحتية، وفقاً لما أورده الدكتور جاسم الفلاح.

سعيد الأبيض (جدة)

إنذار جوي في كل أوكرانيا مع تحذير الرئاسة من هجوم صاروخي على كييف

مبنى متضرر بالقصف الروسي في كييف (إ.ب.أ)
مبنى متضرر بالقصف الروسي في كييف (إ.ب.أ)
TT

إنذار جوي في كل أوكرانيا مع تحذير الرئاسة من هجوم صاروخي على كييف

مبنى متضرر بالقصف الروسي في كييف (إ.ب.أ)
مبنى متضرر بالقصف الروسي في كييف (إ.ب.أ)

أطلقت السلطات الأوكرانية إنذاراً جوياً في كل أرجاء البلاد، الأربعاء، في حين حذّرت الرئاسة من هجوم صاروخي على كييف.

وكتب أندريي يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبر «تلغرام»، أن الرئيس الروسي فلاديمير «بوتين يشن هجوماً صاروخياً على كييف».

وحذَّر سلاح الجو الأوكراني، الأربعاء، من أن صاروخاً دخل المجال الجوي للبلاد باتجاه العاصمة كييف.

وكتب، عبر «تلغرام»: «انتباه! صاروخ في منطقة شيرنيهيف في طريقه إلى منطقة كييف».

يأتي الهجوم بعد هجمات متواصلة منذ أسبوع شملت مسقط رأس الرئيس الأوكراني، وأدت إلى مقتل امرأة تبلغ الثانية والثلاثين مع أطفالها الثلاثة.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أطلقت موسكو وكييف هجمات ليلية متبادلة بمُسيّرات.