شنّت أذربيجان، الثلاثاء، عملية عسكرية في ناغورنو كاراباخ بعد ثلاثة أعوام من آخر حرب في الجيب الانفصالي، مطالبة بانسحاب أرميني «كامل وغير مشروط» من المنطقة، ومؤكدة في الوقت نفسه استعدادها للتفاوض في حال إلقاء أرمن الإقليم السلاح.
ودعا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان روسيا والأمم المتحدة إلى التحرك. وناغورنو كاراباخ معترف بها دولياً جزءاً من أذربيجان، لكن منطقة منها تديرها سلطات انفصالية من عرقية الأرمن تقول إن المنطقة وطن أجدادها. وتسبب النزاع على المنطقة في نشوب حربين منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 أحدثهما في عام 2020.
ولم يتضح ما إذا كانت خطوات باكو ستؤدي إلى صراع واسع النطاق تنجرف له أرمينيا المجاورة أم أنها عملية عسكرية محدودة. لكن كانت هناك دلائل بالفعل على أن تداعيات سياسية ستحدث في يريفان، حيث تحدث رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عن دعوات للانقلاب ضده. وبالفعل سار متظاهرون في يريفان مطالبين باستقالته. وقد يغير القتال التوازن الجيوسياسي في منطقة جنوب القوقاز، التي تتقاطع فيها خطوط أنابيب نفط وغاز، وحيث تسعى روسيا، المنشغلة بحربها في أوكرانيا، إلى الحفاظ على نفوذها في مواجهة اهتمام أكبر من تركيا التي تدعم أذربيجان.
وأمكن سماع دوي قصف متكرر في لقطات صورت في ستيباناكيرت عاصمة ناغورنو كاراباخ، التي تسمى خانكندي في أذربيجان. وقال المسؤول الحقوقي في المنطقة الانفصالية غيغام ستيبانيان على منصة «إكس» إن مدنيين قتلا على الأقلّ، وأصيب 23 آخرون في العملية العسكرية التي شنتها باكو في منطقة ناغورنو كاراباخ.
وأعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان، في بيان عن العملية، عزمها على «نزع سلاح تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية وتأمين انسحابها من أراضينا، (و)تحييد بنيتها التحتية العسكرية». وقالت إنها لا تستهدف إلا الأهداف العسكرية المشروعة باستخدام «أسلحة عالية الدقة» وليس المدنيين، في إطار ما وصفتها بأنها حملة «لاستعادة النظام الدستوري لجمهورية أذربيجان».
وأضافت أن المدنيين أحرار في المغادرة عبر ممرات إنسانية تشمل واحداً يؤدي إلى أرمينيا. وبعد ساعات من بدئها عملية عسكرية في إقليم ناغورنو كاراباخ، أصدرت الرئاسة الأذربيجانية بياناً دعت فيه الانفصاليين الأرمن إلى إلقاء السلاح، وقالت: «بهدف وقف إجراءات مكافحة الإرهاب، على القوات الأرمينية المسلحة غير الشرعية أن ترفع الراية البيضاء، وتسلّم كامل أسلحها، وعلى النظام غير الشرعي أن يحلّ نفسه. ما لم يحصل ذلك، إجراءات مكافحة الإرهاب ستستمر حتى النهاية».
رئيس الوزراء الأرميني قال من جهته إن عرض المغادرة يبدو وكأنه محاولة أخرى من باكو لإجبار الأرمن على ترك كاراباخ في إطار ما وصفه بأنه حملة «تطهير عرقي»، وهو اتهام تنفيه باكو. وقالت قوات عرقية من الأرمن في ناغورنو كاراباخ إن قوات أذربيجان تحاول اختراق دفاعاتها بعد قصف عنيف، لكنها لا تزال صامدة في الوقت الحالي.
أكدت السلطات الانفصالية في الإقليم أن أذربيجان تستخدم في العملية العسكرية سلاح الطيران الحربي والمدفعية والطائرات المسيّرة، وأن القتال يمتد على «كامل» خط الجبهة.
وأدانت أرمينيا، التي كانت تجري محادثات سلام مع أذربيجان تشمل المسائل المتعلقة بمستقبل كاراباخ، ما وصفته بـ«العدوان الشامل» من جانب باكو ضد شعب ناغورنو كاراباخ، واتهمت أذربيجان بقصف بلدات وقرى.
نداء للمساعدة
ودعت أرمينيا، التي تقول إن قواتها المسلحة ليست في ناغورنو كاراباخ، وإن الوضع على حدودها مع أذربيجان مستقر، أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى المساعدة، كما دعت قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة إلى التدخل.
ودعت روسيا، التي توسطت في وقف هش لإطلاق النار بعد الحرب في عام 2020، جميع الأطراف إلى وقف القتال. واستعادت أذربيجان في العام نفسه مساحات واسعة من الأراضي كانت قد خسرتها في صراع سابق في التسعينات داخل ناغورنو كاراباخ وحولها.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن روسيا على اتصال بكل من أذربيجان وأرمينيا، وحثت الطرفين على إجراء مفاوضات لحل الصراع في ناغورنو كاراباخ، مضيفاً أن موسكو تعتبر ضمان سلامة المدنيين أهم قضية. وقالت أرمينيا إن روسيا مشتتة بسبب حربها في أوكرانيا، لدرجة أنها لا تستطيع حماية أمنها، واتهمت قوات حفظ السلام الروسية في كاراباخ بالفشل في أداء مهمتها.
وناشد المصرفي روبن فاردانيان، الذي كان مسؤولاً كبيراً في إدارة عرقية الأرمن لكاراباخ حتى فبراير (شباط)، أرمينيا الاعتراف باستقلال كاراباخ الذي أعلنته من جانب واحد عن أذربيجان. كما دعا فاردانيان، الذي كان يتحدث من ناغورنو كاراباخ وصوت المدفعية يدوي في الخلفية، المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على أذربيجان. وقال على «تلغرام»: «تكشف وضع خطير حقاً هنا... أذربيجان بدأت عملية عسكرية واسعة النطاق ضد 120 ألف نسمة، من بينهم 30 ألفاً من الأطفال والحوامل والمسنين». وعقدت الحكومة الأرمينية اجتماعاً لمجلس الأمن المحلي لمناقشة الوضع، في حين تجمع سكان في المنطقة الحكومية في العاصمة يريفان لمطالبة السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة.
وأعلنت أذربيجان العملية بعدما صرحت بأن ستة من مواطنيها لقوا حتفهم في انفجار لغمين أرضيين في واقعتين منفصلتين في ناغورنو كاراباخ، واتهمت «جماعات مسلحة أرمنية غير شرعية» بزرعهما. وقالت أرمينيا إن هذه الاتهامات كاذبة.
وحدث التصعيد بعد يوم من توصيل شحنات أغذية وأدوية تشتد الحاجة إليها إلى ناغورنو كاراباخ عبر طريقين على نحو متزامن، وهي خطوة بدت أنها قد تساعد في تخفيف التوتر المتصاعد بين أذربيجان وأرمينيا. وكانت أذربيجان حتى الأيام القليلة الماضية تفرض قيوداً صارمة على ممر لاتشين، الطريق الوحيد الذي يربط أرمينيا بناغورنو كاراباخ، والذي لم يُسمح باستخدامه حتى الأيام القليلة الماضية في إدخال المساعدات على أساس أنه يستخدم في تهريب أسلحة. وقالت يريفان إن تصرفات باكو غير قانونية وتسببت في كارثة إنسانية، وهو ما تنفيه أذربيجان. وقالت وزارة الخارجية الأرمينية، الاثنين، إن الموقف الدبلوماسي لأذربيجان يبدو وكأنه يمهد الطريق لتصعيد عسكري.
ردود فعل
ودعت فرنسا إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن. وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان: «لا توجد ذريعة تبرر مثل هذا الإجراء الأحادي الجانب». وقالت إن العملية «تهدد آلاف المدنيين المتضررين بالفعل من الحصار غير القانوني المستمر منذ شهر والذي يتعارض مع جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض». وذكرت أنها تعمل مع شركائها للإعداد «لرد قوي» على هذا «الهجوم غير المقبول». وأدان الاتحاد الأوروبي التصعيد العسكري في الإقليم، ودعا في بيان نشره في موقعه الرسمي إلى وقف الأعمال العدائية فورا، وطالب أذربيجان بوقف الأنشطة العسكرية الحالية.
وشدد البيان على ضرورة العودة إلى الحوار بين أذربيجان وأرمن منطقة كاراباخ، قائلاً: «ينبغي عدم استخدام هذا التصعيد العسكري ذريعةً لإجبار السكان المحليين على النزوح الجماعي». وطالبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أذربيجان بالإنهاء الفوري للعملية العسكرية التي تقوم بها في الإقليم. وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، قالت بيربوك في نيويورك: « يجب على أذربيجان أن توقف القصف فوراً، وأن تعود إلى طاولة المفاوضات»، وأردفت أن «الأمر الحاسم هو حماية السكان المدنيين في ناغورنو كاراباخ. هذا أيضاً واجب الجنود الروس المتمركزين هناك».
بينما قالت الولايات المتحدة إنها تتواصل دبلوماسياً بعد أن شنت أذربيجان العملية العسكرية. وقال مسؤول أميركي اشترط عدم الكشف عن هويته، إن واشنطن «كانت تأمل في أن نكون قادرين على التكيف مع المشاكل طويلة المدى»، بعد استئناف مرور المساعدات الإنسانية إلى المنطقة الاثنين، مضيفاً: «يجعل ذلك هذا الحدث فظيعاً ومروّعاً بشكل خاص».