أوكرانيا... تغيير سياسي بنكهة استراتيجيّة

عسكري يقف أمام صالة للألعاب الرياضية دُمرت بفعل الحرب في إيزيوم بإقليم خاركيف (أ.ف.ب)
عسكري يقف أمام صالة للألعاب الرياضية دُمرت بفعل الحرب في إيزيوم بإقليم خاركيف (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا... تغيير سياسي بنكهة استراتيجيّة

عسكري يقف أمام صالة للألعاب الرياضية دُمرت بفعل الحرب في إيزيوم بإقليم خاركيف (أ.ف.ب)
عسكري يقف أمام صالة للألعاب الرياضية دُمرت بفعل الحرب في إيزيوم بإقليم خاركيف (أ.ف.ب)

تُرسم الاستراتيجيّات في الحرب على الشكل التالي:

قبل الحرب: يرسم المتحاربون الاستراتيجيّات بناءً على معرفتهم بالعدو: تاريخه، وطريقة قتاله، وعقيدته الاستراتيجيّة، وثقافته الاستراتيجيّة، وتركيبته الداخليّة الديموغرافيّة، ومساحة الأرض، والتحالفات، وغيرها من الأبعاد.

وعليه، ينكفئ المُعدّ الاستراتيجي إلى ميدانه الداخليّ، ليقيس الأهداف الاستراتيجيّة بما يتوفّر من وسائل. وكيف يمكن ترجمة الأهداف العسكريّة إلى البُعد السياسيّ. من هنا، ضرورة وضع أفق للحرب؛ متى تنتهي؟ وكيف تنتهي؟

في الحرب ليس هناك من مُدافع (Defender) فهناك من يهاجم لتغيير قواعد اللعبة و«الستاتيكو» القائم، لإنتاج منظومة تتوافق مع أهدافه. في المقابل، هناك من يُدافع لمنع المهاجم من تحقيق أهدافه. والفريد ذكره هنا، أن أغلب الدول تُطلق على جيوشها صفة الـ«الدفاع».

تُحدّد عادةً موازين القوى، من هو المُهاجم، ومن هو المدافع.

خلال الحرب، يقول الجنرال الألماني هلموت فون مولتكيه، ما معناه أن «أفضل الخطط العسكريّة لا تصمد بعد الطلقة الأولى لبدء الحرب». فديناميكيّة الحرب سريعة جدّاً، وهي غامضة، لا تبوح بأسرارها إلا بعد التجربة والاحتكاك الدمويّ. وعليه يتمّ التأقلم مع الحقيقة التي عكستها أرض المعركة. وتتحوّل نتائج المعركة الملموسة دروساً متلاحقة بسرعة جنونيّة. ومن لا يتأقلم مع هذه التغيّرات يسقط بالضربة القاضية.

خلال الحرب، يتحول الخصم- العدو إلى أستاذ مؤثّر في رسم استراتيجيّة منافسه الآخر. والعكس صحيح بالطبع. فهل يقوم هنا مبدأ الدروس المُستقاة (Lessons Learned)؟ قد يكون الجواب بـ«نعم» و«كلا» في الوقت نفسه. فالـ«نعم» تعني أن التجارب السابقة قد تعطينا البوصلة– الاتجاه، النمط؛ لكن دون الدخول في تعقيدات الحرب المقبلة. والـ«كلّا» قد تعني أن لكلّ حرب ومعركة ظروفهما الخاصة. فالدروس المستقاة من حرب ما كانت من نتاج ظروف خاصة في كلّ الأبعاد السياسيّة الاجتماعيّة كما الاقتصاديّة. حتى أن البُعد التكنولوجي له تأثير في ظروف هذه الدروس المُستقاة. وبين الـ«نعم» والـ«كلّا»، تتظهّر أهميّة القائد البشري (حتى الآن بانتظار ما سيكون عليه تأثير الذكاء الاصطناعي على الحرب الحديثة)، وعبقريّته في الاستفادة من البُعدين (كلّا ونعم).

الحرب الأوكرانيّة

خلال كل مراحل الحرب، تأقلمت الاستراتيجيّة الأوكرانيّة مع سلوك الجيش الروسيّ. عندما هاجم الجيش الروسي في المرحلة الأولى للحرب، وزّعت أوكرانيا جيشها على وحدات صغيرة مزوّدة بأسلحة مضادة للدروع. فأوقفت الزحف الروسيّ، حتى أنها منعت الرئيس بوتين من النصر السريع كما توقّع، وبالتالي انهيار استراتيجيّته الكبرى حيال أوكرانيا.

في المقابل، تأقلمت الاستراتيجيّة الروسيّة مع السلاح الجديد والمهمّ، أي راجمات «الهايمارس». فقد أنزلت هذه المنظومة خسائر فادحة في العمق الروسي اللوجستيّ؛ خصوصاً في ذخيرة مدفعيّة الميدان، وهي التي تشكّل العمود الفقري للاستراتيجيّة الروسيّة إن كان في أوكرانيا، أو عبر كلّ تاريخ الحروب الروسيّة الحديثة. ألم يقل جوزيف ستالين إن المدفعيّة هي آلهة المعركة؟ كانت نتيجة «الهايمارس» الانسحاب الروسي القسري من مدينة خيرسون.

التغيير السياسي vs النكهة الاستراتيجيّة

أطاح الرئيس الأوكراني بوزير دفاعه. وهو -أي الوزير- المُكلّف الوحيد بشراء العتاد والأمتعة للقوات الأوكرانيّة. فهو لم يكن يُدير الحرب مباشرة؛ لأن الأمر كان متروكاً لرئيس الأركان والرئيس زيلينسكي، كما القيادات العسكريّة الإقليميّة. فكيف يُعزل وزير الدفاع في خضمّ الهجوم الذي يُعوّل عليه الرئيس الأوكراني كما الغرب الآمال الكبيرة لكسر شوكة الرئيس بوتين؟ أهو الفساد فقط؟ أم أن هناك تغيير استراتيجي في مقاربة الحرب؛ خصوصاً الهجوم المُضاد؟

والفريد ذكره أن الوزير الجديد المُعيّن هو من الإثنيّة التتاريّة من شبه جزيرة القرم. وهو من ديانة مختلفة. هذا مع العلم بأن القيصر كاترين الكبرى كانت قد ضمّت القرم عام 1783، بعد أن كانت تحت عباءة السلطنة العثمانيّة، وفيها أسست أسطول البحر الأسود. تُضاف إلى ذلك عمليّة «الترنسفير» القسريّة الكبيرة للتتر من القرم إلى الداخل الروسي وغيره من الأماكن من قبل جوزف ستالين. فما هدف تعيين تتري من القرم للمراحل القادمة؟ وهل سيؤدّي هذا الأمر إلى تجييش التتر في شبه الجزيرة ضد القوات الروسيّة؟ وهل للأمر علاقة بما تقوم به القوات الروسيّة من اعتقالات للتتر في القرم مؤخّراً؟ وذلك حسب «وول ستريت جورنال».

وما معنى زيارة وزير الخارجيّة الأميركي بلينكن إلى كييف مؤخراً؟ فهل هي استكمال للتغيير في الاستراتيجيّة العسكريّة الأوكرانيّة؟ وما معنى تزامن إعلان بلينكن عن المساعدات الأميركيّة العسكريّة، ضمناً قذائف اليورانيوم المُنضّب (DU)، مع تغيير وزير الدفاع الأوكرانيّ؟ وما معنى تسريب خبر من قبل وكالة الدفاع للاستخبارات الأميركيّة (DIA) في مجلّة «الإيكونوميست» بأن المخزون الأوكراني من الذخائر يكفي فقط لمدّة تتراوح بين 6 و7 أسابيع فقط؟ فماذا يُعدّ للمرحلة القادمة؟ هذا مع العلم بأن مستقبل الهجوم الأوكرانيّ -حسب وكالة الاستخبارات الأميركيّة المذكورة أعلاه- يتعلّق بأمرين مهمّين، هما: أولاً، كميّة المخزون الأوكراني من الذخائر، وثانياً، عامل الطقس.


مقالات ذات صلة

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون أوكرانيون يرتدون زياً عسكرياً خلال تدريبات عسكرية نظمها الجيش الأوكراني في كييف (أ.ف.ب)

القوات الروسية تعتقل رجلاً بريطانياً يقاتل مع أوكرانيا في كورسك

قال مصدر أمني لوكالة الإعلام الروسية إن القوات الروسية ألقت القبض على بريطاني يقاتل مع الجيش الأوكراني في منطقة كورسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المرشح لمنصب الرئيس كالين جورجيسكو يتحدّث لوسائل الإعلام في بوخارست (أ.ب)

مرشح مُوالٍ لروسيا يتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيّد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية برومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حقّقها رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
TT

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

ويقول الادعاء العام إنه يعتقد أن الرجل (37 عاماً) قام في أوائل عام 2017 باحتجاز المرأة التي يبلغ عمرها حالياً 33 عاماً، وإساءة معاملتها بطريقة وحشية، واغتصابها بشكل متكرر.

ويواجه الرجل اتهامات بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بسلب المرأة حريتها وإلحاق أذى بدني خطير ومتعمد وتهديدها واغتصابها. وأقر الرجل بالتهم الموجهة إليه في أول يوم للمحاكمة.

وحسب الادعاء، تعرف الاثنان على بعضهما عبر الإنترنت، وفي ليلة رأس السنة 2016، سافرت المرأة إلى مصر لبناء حياة مشتركة هناك. ويعتقد أن الاعتداءات بدأت تقريباً في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني) 2017؛ إذ أخذ الرجل هاتفها المحمول وجواز سفرها، وكان يحتجزها داخل الشقة عند خروجه.

ووفقاً لما قاله الرجل في المحكمة، فإنه كان يتناول بانتظام مسكناً للألم في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يتعاطى مع المسكن الحشيش أو مادة «كريستال ميث»، وأضاف: «عندئذ كان يبدأ التأثير الحقيقي»، فكان يبقى مستيقظاً بعدها لمدة يومين أو ثلاثة.

وتابعت صحيفة الدعوى أن معاناة المرأة انتهت في 17 مارس (آذار) 2017، عندما أنقذتها الشرطة المصرية بمساعدة المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية. ولا تتوافر معلومات بعد حول كيفية علم السلطات بوضع المرأة.

وحددت المحكمة الإقليمية في ميونيخ خمس جلسات للمحاكمة.

وتختص المحكمة بالنظر في القضية لأن آخر مكان إقامة للمتهم في ألمانيا كان في مدينة ميونيخ. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.