الاختناق الحراري يحاصر أوروبا وسط دعوات لتسريع خطط التكيّف

مسؤول في الاتحاد الأوروبي حذّر من تأثير ارتفاع درجة حرارة مياه الأطلسي

متطوعة توزّع الماء على سياح في أثينا الجمعة (رويترز)
متطوعة توزّع الماء على سياح في أثينا الجمعة (رويترز)
TT

الاختناق الحراري يحاصر أوروبا وسط دعوات لتسريع خطط التكيّف

متطوعة توزّع الماء على سياح في أثينا الجمعة (رويترز)
متطوعة توزّع الماء على سياح في أثينا الجمعة (رويترز)

في الوقت الذي ما زالت مقاطعات الشمال الإيطالي تجهد لاستعادة دورة الحياة الطبيعية وتعويض الخسائر الفادحة التي خلّفتها الفيضانات غير المسبوقة التي شهدتها منتصف مايو (أيار) الماضي، تعيش مقاطعات الجنوب والجزر المتوسطية حالة من شبه الاختناق الحراري الناجمة عن ارتفاع قياسي في درجات الحرارة دفع بالسلطات الصحية إلى إعلان حالة الطوارئ في عدد من المستشفيات ودور العجزة، بعد تكرر الإصابات الخطرة بين المسنين، الذين يعانون من أمراض تنفسية، والتوقعات باستمرار موجة الحر الشديد حتى أواخر الأسبوع المقبل.

وقد أفادت بلدية العاصمة روما بأن عشرات السياح تمّ نقلهم إلى المستشفيات بعد إصابتهم بحالات إغماء خلال انتظارهم تحت الشمس في طوابير الدخول إلى المعالم السياحية مثل «الكولوزيوم» وغيره من الآثار الرومانية، فيما كان المركز الأوروبي للأرصاد الجوية «كوبرنيكوس» يحضّ الحكومات على الإسراع في زيادة طموحات وفاعلية خطط التكيّف مع الارتفاع في درجات الحرارة، «لأن الاحترار المناخي إلى ازدياد مطرد من المستبعد جداً أن يتوقف في المستقبل المنظور».

سياح لجأوا إلى الظل في فينيسيا (رويترز)

في حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، قال مدير مركز تغيّر المناخ في الاتحاد الأوروبي كارلو بونتمبو: «للمرة الأولى في سجل الأرصاد الجوية الأوروبية، تحطّم الرقم القياسي لمتوسط درجة الحرارة اليومية للأرض مرتين في أسبوع واحد، وذلك بسبب الاحترار العام الناجم عن الأنشطة البشرية وما يرافقه من ظواهر مناخية قصوى ومتقاربة زمنياً».

ويقول بوتمبو، إن موجة الحر التي تشهدها أوروبا حالياً مرشحة للتفاقم بسبب تزامنها مع ظاهرة مناخية أخرى لا تقل خطورة، هي الارتفاع الشديد في درجة حرارة مياه شمال المحيط الأطلسي، ويضيف: «دخلنا في منطقة مجهولة لا نعرف ما يمكن أن تحمل وراءها من تداعيات».

وبعد أن يذكّر بونتمبو أنها ليست المرة الأولى، وقطعاً لن تكون الأخيرة، التي يجد الخبراء أنفسهم أمام مثل هذه الأوضاع المناخية المجهولة، يقول: «لا أحد بين البشر الأحياء اليوم شهد مثل هذا المناخ الذي نشهده حالياً، وبات من الضروري أن يدرك العالم، والمسؤولون بشكل خاص، أن التغيّر المناخي لن يحصل في السنوات المقبلة، أو بعد عقود من الآن، بل هو يحصل أمام أعيننا، وأن المناخ أصبح مختلفاً كلياً عن الذي عرفه آباؤنا وأجدادنا، وسيكون مختلفاً أكثر على عهد أولادنا وأحفادنا».

سيدة تستفيد من مياه النافورة لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة في تورين (إ.ب.أ)

ويقول مدير المركز الأوروبي لتغيّر المناخ إن درجات حرارة البحار في العالم شهدت ارتفاعاً لا سابقة له في شهر مايو (أيار)، وإن هذه الظاهرة استمرت في الشهر الماضي، حيث كان معدل ارتفاع حرارة مياه الأطلسي 1.36 درجة، «وهو أمر غير مألوف ما زال يحيّر الخبراء الذين لم يتمكنوا بعد من تحديد أسبابه بدقة». ويرجّح بونتمبو أن من بين عوامل هذا الارتفاع، التغيير المفاجئ الذي طرأ على دورة الهواء في الفضاء، والتأثير الواضح لتغيّر المناخ الناجم عن الكثافة المتزايدة لغازات الدفيئة. ويعتقد بونتمبو أنه من غير الارتفاع غير المسبوق في درجة حرارة مياه شمال الأطلسي، لما كانت أوروبا تشهد مثل هذه الأرقام القياسية في درجات الحرارة.

أعلنت بعض المستشفيات في إيطاليا الطوارئ بسبب ارتفاع درجات الحرارة (أ.ب)

ويعزو خبراء المركز الأوروبي لتغيّر المناخ بعض أسباب هذا الوضع إلى نهاية ظاهرة «لا نينيا» وبداية ظاهرة «إل نينيو»، التي من خصائصها زيادة درجة حرارة المناطق المدارية في المحيط الهادئ، والتي لها انعكاسات مناخية على الصعيد العالمي. ويذكّر الخبراء أن المناخ العالمي كان تحت تأثير ظاهرة «لا نينيا» طوال السنوات الثلاث الماضية، ما أدّى إلى انخفاض درجات الحرارة الذي خفّف من تداعيات التغيّر المناخي. وكانت وكالة الأمم المتحدة للأرصاد الجوية قد أفادت مؤخراً بأن الظروف أصبحت مواتية لبداية ظاهرة «إل نينيو»، التي يرجح أن تكون خلال الشهر الحالي، حيث من المنتظر أن تسجّل درجات الحرارة أرقاماً قياسية جديدة.

صف طويل من السياح ينتظرون زيارة الأكروبوليس في أثينا الجمعة (رويترز)

ويقول بونتمبو إنه مع ظهور «إل نينيو» في عام 2016، شهد العالم أعلى درجات للحرارة منذ أن بدأ التسجيل الموثوق أواسط القرن التاسع عشر، ويضيف: «ثمة توقعات بنسبة 98 % في أن يشهد العالم خلال إحدى السنوات الخمس المقبلة تحطيم الرقم القياسي لدرجة الحرارة التي بلغها عام 2016».

وإذ يؤكد بونتمبو أن درجات الحرارة التي نشهدها اليوم في أوروبا هي الأعلى منذ 70 عاماً، استناداً إلى سجلات المركز الأوروبي لتغيّر المناخ، يرجح أن تكون الأعلى منذ 150 عاماً أو ربما أكثر.


مقالات ذات صلة

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

صحتك رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

كشفت دراسة مكسيكية أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن كبار السن أكثر قدرة على تحمل موجات الحرارة مقارنة بالشباب.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

آلاف الأتراك يتظاهرون للمطالبة بزيادة أكبر في الحد الأدنى للأجور

جانب من الاحتجاجات (د.ب.أ)
جانب من الاحتجاجات (د.ب.أ)
TT

آلاف الأتراك يتظاهرون للمطالبة بزيادة أكبر في الحد الأدنى للأجور

جانب من الاحتجاجات (د.ب.أ)
جانب من الاحتجاجات (د.ب.أ)

تظاهر آلاف الأشخاص في العاصمة التركية أنقرة اليوم (السبت) للمطالبة بزيادة أكبر في الحد الأدنى للأجور، مرددين شعارات تدعو الحكومة إلى الاستقالة، ولوحوا بأعلام المعارضة والعلم الوطني.

وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي أن صافي الحد الأدنى الشهري للأجور في عام 2025 سيكون 22104 ليرات تركية (630.28 دولار)، بزيادة 30 في المائة عن عام 2024. وقالت الحكومة إن المعدل جرى تحديده للحفاظ على الانضباط المالي ومواصلة مكافحة التضخم.

جانب من الاحتجاجات (د.ب.أ)

ودعا العمال الأتراك الذين يواجهون أزمة مستمرة في تكاليف المعيشة مع تضخم سنوي متوقع بنسبة 45 في المائة هذا العام، إلى زيادة إجمالية بأكثر من 70 في المائة.

ودعا حزب «الشعب الجمهوري» -المعارض الرئيسي في تركيا- لمظاهرات اليوم، قائلاً إن الزيادة في الحد الأدنى للأجور أظهرت أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان «فقدت الاتصال بواقع تركيا».

رفعت تركيا الحد الأدنى للأجور في محاولة لتخفيف تكاليف المعيشة (رويترز)

وقال زعيم حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل في المظاهرة: «يقولون إن التضخم سيرتفع بقدر زيادة الحد الأدنى للأجور. هذه كذبة كبيرة. لم تكن هناك زيادة في الحد الأدنى للأجور طوال العام، ولا يزال لدينا تضخم 50 في المائة».

وشهد عاما 2022 و2023 رفعاً إضافياً في منتصف العام للحد الأدنى للأجور بسبب زيادة التضخم.