بعد «الناتو»... «السبع» تتعهد لأوكرانيا دعماً «طويل الأمد»

كييف عدت نتائج «قمة فيلنيوس» جيدة لكن ليست مثالية... وموسكو تتوعد في حال استخدام القنابل العنقودية

خلال إعلان قادة دولة مجموعة السبع حزمة المساعدات لأوكرانيا على هامش قمة فيلنيوس اليوم (إ.ب.أ)
خلال إعلان قادة دولة مجموعة السبع حزمة المساعدات لأوكرانيا على هامش قمة فيلنيوس اليوم (إ.ب.أ)
TT

بعد «الناتو»... «السبع» تتعهد لأوكرانيا دعماً «طويل الأمد»

خلال إعلان قادة دولة مجموعة السبع حزمة المساعدات لأوكرانيا على هامش قمة فيلنيوس اليوم (إ.ب.أ)
خلال إعلان قادة دولة مجموعة السبع حزمة المساعدات لأوكرانيا على هامش قمة فيلنيوس اليوم (إ.ب.أ)

اختتمت قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أعمالها في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أمس (الأربعاء)، بتعهدات بمزيد من حزم الدعم العسكري لأوكرانيا، وبضمانات أمنية طويلة الأمد قدمتها مجموعة الدول السبع الكبرى لكييف، مع وعود للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن بلاده ستنضم في المستقبل إلى «الناتو»، من دون تحديد موعد زمني لذلك. وعلّق زيلينسكي على ذلك بالقول إن نتائج القمة «جيدة لكنها ليست مثالية».

في المقابل، بدا أن اجتماعات فيلنيوس أثارت قلقاً في روسيا بسبب ظهور تماسك حلف «الناتو» في مواقفه حيال موسكو، رغم التباينات حول عضوية أوكرانيا، وكذلك بسبب الضمانات الأمنية التي أعلنت مجموعة السبع تقديمها لكييف بما في ذلك مساعدتها في بناء قدرات دفاعية قوية في البرّ والجوّ والبحر. ووصف الكرملين هذه الضمانات بأنها «تطور خطير للغاية وستكون له عواقب سلبية»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن استخدام أوكرانيا قنابل عنقودية زودتها بها الولايات المتحدة سيستدعي «إجراءات وتدابير مضادة»، بحسب ما قال الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف.

وفي ختام القمة، ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً أمام حشد في فيلنيوس تعهّد فيه عدم تخلي الغرب عن أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وقال في باحة جامعة فيلنيوس «لن نتردد» في دعم أوكرانيا، مشيراً إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يتوقع أن «ينكسر» حلف شمال الأطلسي لكنه «أخطأ في ظنه».

وقالت الناطقة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية إليزابيث ستيكني إن «الحلف أوضح أن أوكرانيا ستصبح عضواً في الناتو، لكن لا تزال هناك إجراءات يتعيّن على أوكرانيا تنفيذها، وهي قد أحرزت تقدماً كبيراً».

وأضافت ستيكني رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»: «وافق حلفاء الناتو بالإجماع على إرسال حزمة مساعدات جديدة كبيرة إلى أوكرانيا وتوجيه رسالة مهمة تؤكد مجدداً أن أوكرانيا ستصبح عضواً في الناتو».

ولدى سؤالها حول تزويد واشنطن لأنقرة بمقاتلات {إف - 16} مقابل رفعها الفيتو على انضمام السويد للحلف، قالت الناطقة الأميركية: «بالنسبة لنا كانت هاتان المسألتان منفصلة إحداهما عن الأخرى. وسياسة الإدارة الأميركية هي أن تركيا يجب أن تكون لديها مقاتلات (إف - 16) حديثة».


مقالات ذات صلة

روسيا تشيع جثمان الجنرال كيريلوف في جنازة عسكرية

أوروبا الجنرال الروسي إيغور كيريلوف يتحدّث في مؤتمر صحافي 28 فبراير 2023 (أ.ب)

روسيا تشيع جثمان الجنرال كيريلوف في جنازة عسكرية

شيعت روسيا جثمان الجنرال الروسي إيغور كيريلوف الذي اغتالته أوكرانيا في جنازة عسكرية تزامناً مع شنها هجوماً انتقامياً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

لماذا ينسحب الجيش الأوكراني من مناطق في الشرق؟

كشف الجيش الأوكراني، اليوم (الجمعة)، إن قواته انسحبت من المنطقة المحيطة بقريتي أوسبينيفكا وترودوف في منطقة دونيتسك شرق البلاد لتجنب محاصرتها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال الإنقاذ وعناصر الشرطة يعملون في موقع الهجوم الصاروخي الروسي بكييف (إ.ب.أ)

قتيل وإصابات في ضربات صاروخية روسية على كييف (صور)

أطلقت روسيا صواريخ باليستية على كييف صباح اليوم (الجمعة)، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة تسعة وتضرر أنظمة التدفئة في مئات المباني.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحليل إخباري جانب من قمة الأوروبيين الخميس بمقر «الاتحاد الأوروبي» في بروكسل... والرئيس زيلينسكي وسط الصورة (آ.ب)

تحليل إخباري قمة «بروكسل»: مناشدة «أوروبية» لترمب بعدم التخلي عن أوكرانيا

ترى غالبية أعضاء التكتل الأوروبي أن الرضوخ لشروط بوتين سيشجعه، في المستقبل، على «افتعال حروب أخرى».

ميشال أبونجم (باريس)

زيلينسكي غير مطمئن للضمانات الأوروبية ويريدها أميركية أيضاً

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)
TT

زيلينسكي غير مطمئن للضمانات الأوروبية ويريدها أميركية أيضاً

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)

الحاضر - الغائب في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الخميس، وقبله في اجتماع مجموعة من الزعماء الأوربيين بمقر أمين عام الحلف الأطلسي بحضور الرئيس الأوكراني، كان قطعاً الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب. فعودة الأخير إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير (كانون الثاني) تشكِّل، وفق مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية «عامل قلق وورقة ضغط إضافية» تدفع الأوروبيين إلى تكثيف اتصالاتهم والتبصر فيما يمكن أن يقوموا به «حتى لا توضع أوكرانيا، ومعها الأوروبيون، أمام أمر واقع مفروض عليهم».

ويمكن تلخيص الموقف الأوروبي من خلال الكلمات التي ألقيت خلال الجلسة، أو خارجها، والتي تعكس كلها المخاوف بعبارة واحدة تقول: «لا شيء عن أوكرانيا دون موافقة الأوكرانيين، ولا شيء عن الأمن في أوروبا دون الأوروبيين».

طيف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يخيم على ملف الحرب الروسية ــ الأوكرانية (رويترز)

وما يفاقم المخاوف الأوروبية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعرب عن استعداده للجلوس إلى طاولة المفاوضات، يسعى إلى التفاهم مع الولايات المتحدة ومع الرئيس ترمب «في أية لحظة»، متجاهلاً التكتل الأوروبي. وجاء الرد الأوروبي على لسان أنطونيو كوستا، رئيس مجلس الاتحاد، في نهاية يوم طويل من الاجتماعات والمشاورات لقادة التكتل الـ27، مساء الخميس، في قوله: «يحق لأوكرانيا وحدها، بوصفها دولة معتدى عليها، أن تحدد وبشكل شرعي ما يعنيه السلام، وما إذا كان قد تمت تلبية الشروط لإجراء مفاوضات ذات مصداقية».

من جانبها، أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كايا كالاس، المعروفة منذ أن كانت رئيسة لوزراء إستونيا بدعمها الشديد لأوكرانيا وبعدائها لروسيا، أن «أية ضغوط تمارس على كييف لدفعها باكراً للدخول في مفاوضات ستكون أمراً سيئاً لأوكرانيا. وبدل ذلك، يتعين علينا أن نكون أقوياء. وما حصل في سوريا يبين أن روسيا ليست دولة لا تهزم».

رد أوروبي على ترمب

واضح أن كلام كوستا وكالاس يأتي لعرقلة رغبة الرئيس المنتخب ترمب، الذي يريد وضع حد سريع للقتال الدائر بين روسيا وأوكرانيا منذ ما يقارب السنوات الثلاث. وحتى اليوم، لم تنفع المحاولات الغربية في ثنيه عن رغبة الإسراع في إغلاق الملف الأوكراني. والدليل على ذلك أن الاجتماع الثلاثي الذي شارك فيه، مساء السابع من ديسمبر (كانون لأول) في باريس إلى جانب زيلينسكي وماكرون، لم يحمله إلى تغيير مقاربته، لا بل إن الرئيس الأوكراني خرج من الاجتماع «خائباً»، وفق مصادر أوروبية.

خبراء وضباط شرطة أوكرانيون يتفقدون الجمعة موقع سقوط صاروخ في وسط مدينة كييف (إ.ب.أ)

لن تتكرر القمة الأوروبية قبل تنصيب ترمب؛ لذا، فإن زيلينسكي جاء إلى بروكسل وفي جعبته سلة مطالب، عسكرية وسياسية. ففي الجانب العسكري، طالب بالحصول على 19 منظومة صاروخية للدفاع الجوي لحماية المواقع الحساسة النووية ومحطات إنتاج الكهرباء. كذلك تساءل عن تاريخ تزويده بالمقاتلات الجوية من طراز «إف 16» التي وعد بها ولم يحصل منها إلا على القليل، بالإضافة إلى دعم إضافي من أجل إقامة خطوط دفاعية ميدانية يصعب على القوات الروسية اختراقها.

أما فيما يخص التداول بشأن وقف لإطلاق النار، على المدى القريب، فإن كلام زيلينسكي جاء قاطعاً؛ إذ رأى أن بلاده «ليست بحاجة إلى وقف لإطلاق النار»، مضيفاً أن الأوكرانيين «يحتاجون لجهود متناسقة من أجل الوصول إلى سلام دائم، وليس مجرد وقف للأعمال القتالية الذي يسعى إليه بوتين من أجل كسب الوقت».

وفي تحذير للأوروبيين، ومن أجل دفعهم لتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، أكد زيلينسكي أن الرئيس الروسي «شخص خطير، ولن يتوقف عند حدود أوكرانيا». وأضاف متحدثاً للصحافة: «بوتين رجل خطير للعالم أجمع. هو لا يعطي أي قيمة للحياة الإنسانية، وأعتقد أنه مجنون. إنه يهوى القتل ومتعطش للدماء».

وبحسب زيلينسكي، فإن «تجميد النزاع» لن يكون لصالح أوكرانيا، وما يريده هو «مسار واضح من أجل أن تكون أوكرانيا في وضع قوي» في حال انطلقت المفاوضات. من هذا المنطلق يمكن قراءة رفضه مقترح الهدنة الذي عرضه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، مؤكداً أنه «كثير القرب» من بوتين، وأنه «لا يتمتع بالصدق». وقال زيلينسكي: «نريد أن نضع حداً للحرب، ولكن علينا الحصول على ضمانات أمنية... لا تكون مصطنعة».

الضمانات الأوروبية لا تكفي

عاد زيلينسكي من بروكسل بوعد للحصول على 30 مليار يورو من المساعدات الأوروبية للعام 2025، تضاف إلى 130 مليار يورو وفرتها أوروبا منذ عام 2022، لكن ما يريده الرئيس الأوكراني، إلى جانب الدعم العسكري والمالي الغربي، «ضمانات قوية» من أجل قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وهنا المعضلة بالنسبة للأوروبيين؛ إذ إنه يؤكد أن الضمانات الأوروبية وحدها لا تكفي. وقال ذلك بصراحة متناهية: «نحن نحتاج للوحدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للوصول إلى السلام، ووضع حد لعدوان بوتين، وإنقاذ أوكرانيا». وبنظره، فإن «أوروبا لا تستطيع وحدها ضمان أمن أوكرانيا»، مضيفاً أن الضمانات الحقيقية «يجب أن تأتي من الأوروبيين ومن الولايات المتحدة؛ لأن أوروبا والولايات المتحدة، معاً بإمكانهما أن يوقفا بوتين».

الرؤساء ماكرون وترمب وزيلينسكي عند اجتماعهم في «قصر الإليزيه» مساء 7 ديسمبر الحالي (رويترز)

ما تريده كييف هو المظلة الأطلسية، وفي حال عدم توافرها الحصول على المظلة الأميركية، ولكن مشكلتها أن واشنطن وبرلين ترفضان انضمام كييف إلى الحلف الغربي، كما أنه ليس من الواضح أن واشنطن قد تقبل بنشر قوات أميركية فاصلة بين الجيشين الروسي والأوكراني أو إرسال قوات غربية تحت راية الحلف الأطلسي. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس حازماً في تحذيره من أمر كهذا، عبر قوله إنه «يتعين أن يكون الأمر واضحاً لجهة رفض الذهاب إلى تصعيد يفضي إلى حرب بين روسيا والحلف الأطلسي».

ورغم أن زيلينسكي أعلن في بروكسل أن مقترح ماكرون بنشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية يمكن أن يكون مفيداً، فإنه حسم الجدل بتأكيده أن المظلة الأوروبية لا تكفي لطمأنة كييف.

مهما يكن من أمر، فإن زيلينسكي حث الأوروبيين على عدم الخوض في موضوع المفاوضات، أقله علناً، لأن من شأن ذلك أن يخفف من التعبئة لصالح بلاده. ويبدو أن قادة التكتل استمعوا إليه، إذ جاء في خلاصات الاجتماع أنه «لا يتعين أن تربح روسيا الحرب»، وتأكيد رئيس المجلس الأوروبي أنه «يتعين ترك أوكرانيا تقرر بنفسها ما تريد أن تفعله ومتى تريد الدخول في مفاوضات». ورأى المسؤول البلجيكي أن «الأولوية تكمن في تمكين الأوكرانيين من الفوز بهذه الحرب... وعندها يمكن أن نبحث موضوع السلام».

وذهب رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو إلى التحذير من مفاوضات تُجرى بين الروس والأميركيين «من وراء ظهر الأوروبيين»، مؤكداً أنها «لن تكون حقيقة مفاوضات»، مذكراً بأن الأوروبيين يقدمون 50 في المائة من الدعم العسكري والمالي الإجمالي لأوكرانيا. ويعني كلام دي كرو أنه لا يحق لواشنطن أن تنفرد بالملف الأوكراني وتقرير مصير المفاوضات، بعيداً عن أوروبا وعن طريق ممارسة الضغوط على كييف.

واتضح اليوم أن الحرب في أوكرانيا لا تدور فقط في الميدان، لكنها تدور أيضاً بعيداً عنه. لكن الميدان يبقى الفيصل في تحديد وجهة الحرب، ومن شأنه أن يسرع المفاوضات، أو أن يبقي الأطراف بعيداً عن طاولتها. ومصير هذه الحرب مربوط بما ستقرره الإدارة الأميركية المقبلة، ما يجعل الأوروبيين يعيشون مرحلة من الضبابية وانعدام اليقين.