ماكرون يدين استغلال وفاة نائل وينشر تعزيزات أمنية لمكافحة الشغب

اعتقال 800 شخص وإصابة 249 شرطياً... واليمين يدعو لفرض حالة الطوارئ

TT

ماكرون يدين استغلال وفاة نائل وينشر تعزيزات أمنية لمكافحة الشغب

ماكرون يعلن عن إجراءات أمنية جديدة لمواجهة أعمال الشغب خلال اجتماع أزمة بباريس (إ.ب.أ)
ماكرون يعلن عن إجراءات أمنية جديدة لمواجهة أعمال الشغب خلال اجتماع أزمة بباريس (إ.ب.أ)

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، إنه سيتم نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب والاضطرابات التي تشهدها أنحاء مختلفة من فرنسا في أعقاب مقتل شاب برصاص شرطي. وأكد، في كلمة ألقاها بعد اجتماع أزمة لحكومته، أن وزارة الداخلية ستعمل على حشد «وسائل إضافية» للتعامل مع الاحتجاجات العنيفة، مندّداً «بالاستغلال غير المقبول لوفاة مراهق». كما دعا منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب «الحساسة»، وحمّل الآباء وأولياء الأمور مسؤولية إلقاء أبنائهم في المنازل، لافتاً إلى أن ثلث مَن تم اعتقالهم على خلفية أعمال الشغب ليلة الخميس إلى الجمعة صغار في السن.

أعمال شغب وتمرد

طويلة لائحة المدن والضواحي التي اشتعلت ليلة الخميس إلى الجمعة، بعد أن انطلقت شرارتها من مدينة نانتير، الواقعة في ضاحية باريس الغربية، وهي آخذة بالتمدد إلى جميع الأراضي الفرنسية لتعيد إلى الأذهان ما عرفته البلاد من أعمال شغب وتمرد وحرائق واشتباكات في عام 2005، ثم إبان حراك «السترات الصفراء» بدءاً من أواخر عام 2018.

رجل إطفاء يخمد نيران سيارة محترقة في نانتير عقب مواجهات في 29 يونيو (أ.ف.ب)

واليوم، تجد السلطات نفسها في حالة قريبة من العجز وهي مترددة حول الإجراءات والتدابير التي عليها اعتمادها لإطفاء الحريق المتنامي. وكانت نقطة البداية مقتل المراهق نائل، البالغ من العمر 17 عاماً، وهو من أصل جزائري ــ مغربي على يد رجل شرطة لرفضه الانصياع لأوامره بوقف محرك سيارته المسروقة والنزول منها. وعوضاً عن ذلك، عمد السائق إلى الإقلاع مجدداً، ما دفع الشرطي إلى إطلاق النار عليه من قرب ما تسبب بوفاته. وكما كان متوقعاً، انطلقت المظاهرات سريعاً جداً، وجاءت الاشتباكات ومعها إحراق السيارات وبعض المراكز العمومية. ولم تعد الأمور محصورة في نانتير أو في الضواحي المتاخمة لها وتلك الواقعة فيما يسمى «إيل دو فرانس»، أي المناطق المحيطة بالعاصمة، بل تمدّدت إلى المدن الكبرى في النواحي الأربع.

ومنذ يوم الأربعاء، تتلاحق الاجتماعات على جميع المستويات لإيجاد السبيل الناجع لإطفاء الحريق ومنع تفاقمه. ورغم أن السلطات عبّأت 40 ألف رجل أمن من جميع القطاعات وبعضها مزود بمدرعات، فإن ذلك لم يجدِ نفعاً، إذ إن ليلة الشغب الثالثة «الخميس إلى الجمعة» كانت الأكثر عنفاً. وتفيد أرقام الأجهزة الأمنية بأنه تم إلقاء القبض على أكثر من 800 شخص، وأصيب 249 رجل أمن.

وكان جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، قد استدعى لهذه الليلة نحو 10 أضعاف من مختلف تشكيلات القوى الأمنية، ومنها المتخصصة في مكافحة الشغب. بيد أن النتيجة جاءت محدودة للغاية بالنظر إلى أعداد السيارات التي أُحرقت والمباني الرسمية المدمرة والسرقات المتنقلة. وباختصار، كان السؤال المطروح صباح الجمعة يدور حول ما يمكن أن تقرره «خلية الأزمة» التي دعاها الرئيس ماكرون للالتئام ظهراً للمرة الثانية خلال 24 ساعة في وزارة الداخلية.

من جانبها، عقدت إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة، اجتماعاً صباح الجمعة لتقييم الوضع بحضور أربعة وزراء؛ بينهم وزيرا الداخلية والعدل. وغرّدت الأخيرة صباحاً، معتبرة أن اللجوء إلى العنف «غير مقبول ولا يمكن تبريره»، وأكدت دعمها للشرطة ورجال الإطفاء الذين «يقومون بواجبهم بشجاعة».

ومنذ ما قبل الاجتماعين، سارع إريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، إلى مطالبة الرئيس ماكرون بفرض حالة الطوارئ. وكتب سيوتي، في بيان، أن «صور أعمال الشغب هذه الليلة في كل أنحاء فرنسا يصعب تحملها»، عادّاً أن «لا شيء يبرر تسلسل العنف». وهاجم سيوتي اليسار، وتحديداً المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب «فرنسا المتمردة»، معتبراً أن ما يحصل هو «نتيجة لنهج» الحزب المذكور، مؤكداً أن جان لوك ميلونشون «يحلم باندلاع ثورة، لكنّه لا يعرض على الفرنسيين سوى الخوف ومخاطر التمرد». وحمّل مسؤولية الوضع الحالي «لليسار المتطرف ولأعداء الجمهورية».

دعوات لفرض حالة الطوارئ

وبالتوازي، دعا جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ المنتمي إلى الحزب نفسه، إلى «قمع (أعمال العنف والشغب) بيد من حديد». وسويتي ولارشيه أعربا عن «دعمهما» للقوى الأمنية. كذلك، سُمعت أصوات أخرى من اليمين واليمين المتطرف تدعو لاستخدام القوة الرادعة. وفي هذا السياق، طالب سيباستيان شينو، نائب رئيسة البرلمان وعضو حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، بفرض حالة الطوارئ ومنع التجول في الأحياء التي تشهد أعمال عنف وشغب، وبتعبئة جميع الوسائل والقوى الأمنية في البلاد لوضع حد لها.

تعرضت محال تجارية للاعتداء في روبية شمالي فرنسا في 30 يونيو (أ.ف.ب)

ودعا إريك زيمور، المرشح الرئاسي السابق والمنظر اليميني المتموضع على أقصى اليمين المتطرف، بدوره إلى فرض حالة الطوارئ واللجوء إلى «القمع الشرس» من أجل إعادة الهدوء. ووصف زيمور ما يحصل بأنه «مقدمة لحرب أهلية» و«إتنية». ويعد زيمور من المروجين لنظرية «الاستبدال»، أي استبدال الفرنسيين «الأصليين» وحضارتهم بالوافدين واللاجئين الساعين لـ«أسلمة فرنسا». وسبق لحكومة الرئيس جاك شيراك في عام 2005 أن فرضت حالة الطوارئ في 25 دائرة، بعد 10 أيام من الشغب والعنف عقب وفاة مراهقين في ضاحية سان دونيس الفقيرة الواقعة على مدخل باريس الشمالي، هرباً من ملاحقة الشرطة. وحتى أول من أمس، كانت الحكومة ترفض هذا الطلب، معتبرة أنه «غير مطروح في الوقت الحاضر». إلا أن بورن قالت، الجمعة، إن «كل الاحتمالات واردة»، ما يفتح الباب أمام فرض حالة الطوارئ.

اتهامات بالعنصرية والتمييز

ثمة إجماع لدى المحللين والفاعلين في القطاع الاجتماعي على أن المعالجة الأمنية لا تكفي لإعادة الهدوء، «لأن الداء أعمق بكثير». وكان لافتاً التحذير الذي صدر الجمعة عن الأمم المتحدة ممثلة بمفوضية حقوق الإنسان، التي مقرها جنيف، والداعي باريس إلى النظر في ملف العنصرية والتمييز العنصري الذي تعاني منه البلاد، والذي ترى فيه أحد أسباب اندلاع العنف وما يرافقه من شغب وخلافه.

وقالت رافينا شمدساني، الناطقة باسم المفوضية: «حان الوقت لفرنسا أن تعالج جدياً، وفي العمق، مسائل العنصرية والتمييز العنصري الذي تمارسه القوى الأمنية». ودعت شمدساني السلطات إلى «ضمان أن استهداف القوى الأمنية للعناصر العنيفة خلال المظاهرات يتم في ظل احترام مبادئ القانون والضرورة والتناسبية وانعدام التمييز والحذر والمسؤولية». وتشير المسؤولة الأممية بذلك إلى شكاوى الشباب المتحدرين من أصول مهاجرة، أكانت أفريقية أو مغاربية، من استهدافهم الدائم من قبل الشرطة، ما يعدونه ممارسة تمييزية بحقهم بسبب انتمائهم أو لون بشرتهم.

يقول جاك مايار، الخبير في شؤون الشرطة والأمن، في حديث لصحيفة «لو موند»: «إننا نعيش اليوم وضعاً شبيهاً لما جرى في عام 2005؛ حيث الهيمنة لميزان القوى بين الأجهزة الأمنية والمتظاهرين». وأشار إلى أمرين: الأول أن «تأهيل رجال الشرطة لممارسة وظائفهم غير كافٍ» لتجنب أحداث من النوع الذي حصل في نانتير، والآخر أن تطبيق مضمون القانون الذي صدر في عام 2017 إبان رئاسة فرنسوا هولاند الذي يتيح إطلاق النار في حال الامتناع عن الانصياع لأمر الشرطة، واعتبار أن حياة رجل الأمن قد تكون مهددة، نتجت عنه زيادة عدد القتلى، وقد وصل في العام الماضي إلى 12 قتيلاً جراء إطلاق النار عليهم. وتجدر الإشارة إلى أن الشرطي مطلق النار على المراهق نائل قال للمحققين إنه شعر بالتهديد، وإن السائق حاول دهسه «مع زميله»، وهو ما كذّبته أشرطة الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت النتيجة أن مدعي عام نانتير وجّه تهمة «القتل العمد» للشرطي المعني، وطلب توقيفه احتياطياً وهو ما قرره قاضيا التحقيق المكلفان بالملف.

تداعيات واسعة

كان واضحاً، الجمعة، أنّه يتعين على الحكومة اتخاذ القرار المناسب والشجاع لإعادة الهدوء، بينما البلاد مقبلة على موسم سياحي واعد، وفق ما تؤكده نقابة أصحاب الفنادق والعاملون في القطاع السياحي.

بقايا سيارة محترقة عقب أعمال شغب وصدامات في روبية شمالي فرنسا في 30 يونيو (أ.ف.ب)

وثمة إجماع على أن ما يحصل يسيء لصورة فرنسا التي تتعرض لهزات متلاحقة، إذ إن ما يحصل راهناً يأتي بعد أشهر قليلة على المظاهرات الجرارة التي عرفتها بمناسبة تعديل قانون التقاعد، وصور العنف والسلب والاشتباكات وتحطيم واجهات المحال التجارية والإنشاءات العامة تدور من غير انقطاع على شبكات التلفزة العالمية. وكل ذلك له تأثير سلبي ليس فقط على السياحة، ولكن أيضاً على المستثمرين ورجال الأعمال الراغبين في المجيء إلى فرنسا.


مقالات ذات صلة

باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

آسيا مناوشات بين رجال الشرطة الباكستانية وأنصار عمران خان في إسلام آباد (أ.ف.ب) play-circle 00:36

باكستان: مقتل 4 من أفراد الأمن على يد متظاهرين مؤيدين لعمران خان

دارت مواجهات في إسلام آباد، الثلاثاء، بين آلاف المتظاهرين المؤيدين لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان وقوات الأمن التي استخدمت القوة لتفريقهم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
شؤون إقليمية عائلات ومتضامنون مع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة يحملون صور أحبائهم خلال احتجاج يطالب بالإفراج عنهم أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الاثنين 18 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أقارب الرهائن الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو

تظاهر أقارب رهائن محتجزين في قطاع غزة أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، الاثنين، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق مع «حماس» للإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا أشخاص يرفعون صور عبد الله أوجلان أثناء المسيرة في كولونيا (د.ب.أ)

آلاف يتظاهرون في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن زعيم «العمال الكردستاني» أوجلان

تظاهر آلاف الأشخاص في مدينة كولونيا بغرب ألمانيا، السبت، للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي اعتُقل قبل 25 عاماً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا متظاهرون يقتحمون مبنى البرلمان في جمهورية أبخازيا 15 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

زعيم أبخازيا يعلن استعداده للتنحي إذا أخلى متظاهرون مبنى البرلمان

قال رئيس جمهورية أبخازيا التي أعلنت انفصالها عن جورجيا والمدعومة من موسكو، السبت، إنه مستعد للاستقالة بعد اقتحام متظاهرين مبنى البرلمان.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا خلال مواجهات بين محتجّين والشرطة الهولندية في أمستردام يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

الائتلاف الحاكم في هولندا يتجنب الانهيار وسط صراع بشأن «تعليقات عنصرية»

عقد مجلس الوزراء الهولندي جلسة طارئة، اليوم الجمعة، وسط تقارير عن احتمال انهيار الائتلاف الحاكم بسبب طريقة تعامل الحكومة مع أحداث العنف الأخيرة في أمستردام.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)

إيطاليا: هناك كثير من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
TT

إيطاليا: هناك كثير من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الثلاثاء، إن هناك كثيراً من التحديات القانونية حول مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف وزير الخارجية في مؤتمر صحافي بعد اجتماع مع نظرائه في «مجموعة السبع»: «هناك كثير من التحديات القانونية، والجدوى تبدو لي نظرية للغاية؛ لأن نتنياهو لن يذهب أبداً إلى بلد يمكن القبض عليه فيه».