تعتبر مجموعة «فاغنر» المسلّحة منذ سنوات، الذراع العسكرية لموسكو في الخارج؛ خصوصاً في سوريا وعدّة دول أفريقية؛ غير أنّ دورها الآن بات موضع تساؤل، بسبب التمرّد الذي قاده رئيسها.
بناء على الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في نهاية التمرّد الذي أوصله على بعد أقل من 400 كيلومتر من موسكو قبل أن يتراجع، سيكون على يفغيني بريغوجين الذهاب إلى المنفى في بيلاروس حليفة موسكو، وإعادة صياغة علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولكن ماذا سيحصل لعمليات «فاغنر» في الساحات الخارجية؛ حيث تتفوّق هذه الميليشيا الخاصة في استغلال الثروات المحلية، وحماية الحكومات، وفي حرب المعلومات، والعمليات العسكرية الوحشية؟
يقول روب لي، من معهد أبحاث السياسة الخارجية، على «تويتر»: «قد نلمس أكبر تأثيرات هذا الحدث في الشرق الأوسط وأفريقيا»، مضيفاً أنّ «التسوية قصيرة الأمد» تختلف عن «الحل طويل الأمد».
ولكنه يضيف أنّ «(فاغنر) تملك حضوراً قوياً في مناطق عدة في أفريقيا... هل سيسمح الكرملين بالديناميكية ذاتها إذا استقرّ بريغوجين و(فاغنر) في بيلاروس؟».
سؤال لا يملك أي محلّل إجابة مؤكدة عليه؛ غير أنّ الخبير الأميركي مايكل شوركين، مدير البرامج في الشركة الاستشارية «14North Strategies» يقول لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «إنّه لغز. يعتمد الأمر على الطريقة التي تريد بها (السلطات الروسية) أن تفصل بين ما يحدث في أفريقيا وما يحدث في أماكن أخرى».
اعتماد متبادل
ويضيف أنّ «موسكو يمكن أن تعتبر ما تفعله (فاغنر) في أفريقيا، يستحق المتابعة؛ لأنّه يخدم المصالح الروسية».
هناك أمر واحد واضح: كان على بريغوجين وبوتين إثارة الموضوع قبل الاتفاق؛ لأنّ «فاغنر» تعتمد بشكل كبير على وزارة الدفاع الروسية التي تسلّمها القوات والمعدّات والأسلحة إلى مسارح نشاطاتها. كما أنّ موسكو تحتاج إلى «فاغنر» للحفاظ على السيطرة في هذه المناطق المضطربة؛ حيث تعمل على تقليص النفوذ الغربي.
في سوريا، يقول «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إنّ مرتزقة «فاغنر» -وهم من الروس ومن محاربي الاتحاد السوفياتي السابقين ومن السوريين- تصرّفوا مثل «قوات خاصّة» في الميدان، إلى جانب الجيش الروسي، ابتداءً من عام 2015. كما أنّهم موجودون اليوم بأعداد أقل قرب آبار النفط، وكذلك في محافظتي حماة واللاذقية.
في أفريقيا، تمّ تحديد وجودهم في ليبيا والسودان وموزمبيق خصوصاً. كما أنّهم موجودون في مالي، على الرغم من أنّ المجلس العسكري ينفي ذلك، ويتحدّث عن «مدرّبين روس». أما في جمهورية أفريقيا الوسطى، فيدير مسؤول تنفيذي في «فاغنر» أمن الرئيس فوستين أرشانج تواديرا.
ويقول مصدر عسكري أوروبي إنّ المجموعة تُحضِر «الذهب والمعادن من وسط أفريقيا ومن مالي، وهو ما يحتاج إليه بوتين للحفاظ على اقتصاده».
وفي فبراير (شباط)، اتهم الخبير المستقل للأمم المتحدة بشأن وضع حقوق الإنسان في وسط أفريقيا، الجيش وحلفاءه الروس، بارتكاب انتهاكات. ثمّ أعلن الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضدّ «فاغنر».
والجمعة، اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا بأنّها «قوة لزعزعة استقرار أفريقيا عبر ميليشيات خاصّة تنكّل بالمدنيين».
تردّد وترقّب
يعتمد ما سيحدث لاحقاً على المفاوضات بين بوتين وبريغوجين، برعاية الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
ويقول ماكسيم أودينيه، من معهد الأبحاث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية في باريس: «من الواضح، في بانغي وفي باماكو، أنّ هناك نوعاً من التردّد والترقّب بشأن ما يحدث»؛ مشيراً إلى أنّه تمّ حجب المواقع المرتبطة ببريغوجين؛ لكن في روسيا فقط.
ويؤكد لوكالة «الصحافة الفرنسية» أنّ «تفويض سلطات سيادية لـ(فاغنر) للتدخّل؛ حيث لا ترغب الدولة الروسية في التدخّل، منحها مساحة للمناورة أكبر مما كان متوقّعاً».
ويضيف: «أتخيّل أنّه في المناقشات، تمّ طرح مسألة مستقبل كلّ نشاطاتها الخارجية على الطاولة. أصبحت شبكة بريغوجين اللاعب المهيمن في إطار الحضور الروسي في أفريقيا جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة. ستواجه علاقة التوازن الهشّة بين الجهات الفاعلة الروسية الحكومية وغير الحكومية في القارة اضطرابات كبيرة».
مع ذلك، سيستغرق الأمر وقتاً حتّى يتبدّد الضباب.
وتقول بولين باكس، نائبة مدير برنامج أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إنّ «(فاغنر) كانت تتمتّع بقدر معيّن من الحرية في مشروعاتها في أفريقيا»، مضيفة: «من دون التعاون مع وزارة الدفاع، لا أرى كيف يمكن للمجموعة مواصلة العمل هناك».
ولكنّها تشير إلى أنّ بوتين «لا يمكنه إرسال جنود روس مكان (فاغنر). لا أتخيّل انسحابه الفوري من القارّة».