ماذا لو؟... السؤال المرواغ في الحروب

بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)
بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)
TT

ماذا لو؟... السؤال المرواغ في الحروب

بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)
بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)

لماذا من السهل بدء الحرب ومن الصعب إنهاؤها؟ لماذا تبدأ الحرب في عقل الإنسان، حسب الكتاب المقدس «الفيدا» لدى الهندوس؟ ولوقفها، هل يجب البدء من عقل الإنسان؟

ماذا لو تابع هنيبعل زحفه نحو مدينة روما لإسقاطها بعد نصره في معركة «كان»؟ ألا يُغيّر سقوط روما آنذاك العالم الذي نعيش فيه اليوم؟ هل كان التاريخ سيذكر القسطنطينيّة (روما الشرقيّة) التي دامت ألف سنة بعد دكّ البرابرة أسوار روما الغربيّة؟

ماذا لو لم تستطع الملكة إليزابيت الأولى تدمير أسطول الأرمادا الإسبانيّة عام 1588؟ هل كنا لنشهد قيام الإمبراطوريّة التي لا تغيب عن أراضيها الشمس؟ وهل كنا لنشهد قيام الثورة الصناعيّة في أوروبا وبخاصة في إنجلترا؟ ألم تُغيّر هذه الثورة العالم بسبب الابتكارات والاكتشافات التي أحدثتها؟ ألم تخلق الثورة الصناعيّة الإمبرياليّة الغربيّة؟ ألم تخلق هذه الثورة السلاح الحديث الذي أزهق حتى الآن أرواح عشرات الملايين من البشر؟

ماذا لو اكتفى هتلر بغزو بولندا وتوقّف عندها؟ وماذا لو لم تُدمِّر اليابان بيرل هاربور؟ فهل كنّا سنشهد استعمال القنبلة النوويّة في كلّ من ناغازاكي وهيروشيما؟ وهل كنا لنرى نتيجةً لذلك مفهوم «الدمار المتبادل والمؤكّد (MAD)»؟ وهل كنا لنرى النظام العالميّ الحالي، الذي يسعى كل من الرئيس بوتين والرئيس الصيني شي إلى نسفه عبر انتفاضة على أميركا؟

ماذا لو لم يجتح الرئيس صدّام حسين الكويت؟ فهل كنا سنشهد مأسسة الوجود الأميركيّ العسكري في المنطقة وبهذا الشكل المُكثّف؟

ماذا لو لم يحتلّ الرئيس بوش الابن عقب حوادث 11 سبتمبر (أيلول) كلاً من أفغانستان والعراق؟ هل كنا سنشهد «الفراغ الاستراتيجيّ» الذي أحدثه سقوط نظام الرئيس الراحل صدّام حسين، وبحيث تتسابق الدول الإقليميّة غير العربيّة لملئه؟

ماذا لو استطاع الرئيس بوتين تحقيق كلّ أهدافه العسكريّة وبالتالي السياسيّة في أوكرانيا منذ الأسابيع الأولى للحرب كما توقّعت الإدارة الأميركيّة؟ كيف ستكون عليه المنظومة الأمنيّة الأوروبيّة، وبالتحديد «حلف الناتو»؟ فهل كان ليكتفي الرئيس بوتين بأوكرانيا فقط، أم كان سيذهب لمتابعة اجتياحه لدول البلطيق بالحدّ الأدنى؟ ففي أوكرانيا هناك سكّان من أصل روسيّ، كما توجد نسب كبيرة من الروس في كلّ من ليتوانيا، وإستونيا ولاتفيا (900 ألف). ألم تقل «التسارينا (Tsarina)» الروسيّة كاترين الكبرى إن حماية الروس أينما وُجدوا، هي من صلب مهمّات الإمبراطوريّة الروسيّة؟ ألا يحضر التاريخ بكلّ ثقله في عقل ووعي الرئيس بوتين اليوم في حربه على أوكرانيا، معتبراً إياها مسألة حياة وموت؟ وألم يقل وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف، قبيل غزو أوكرانيا إن للرئيس بوتين ثلاثة مستشارين هم: ايفان الرهيب، وبطرس الأكبر، وكاترين الكبرى؟ فأوكرانيا ضروريّة كبلد عازل لروسيا عن المخاطر الآتية من الغرب. ألم تحتلّ بولندا موسكو عام 1612؟ وألم يحتلّ نابوليون موسكو عام 1812؟

لو نجح الرئيس بوتين في أوكرانيا، فكيف ستكون عليه الحال في تايوان؟ وماذا لو قرّرت تايوان الوحدة مع الصين سلماً؟ وماذا لو سقطت تايوان، فهذا يعني أن الباب قد أصبح مفتوحاً على مصراعيه للبحرية الصينيّة باتجاه مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأميركيّة التقليديّة (Blue Navy). وقد يعني هذا أيضاً، سقوط الهيمنة البحريّة الغربيّة على البحار والمحيطات، التي استمرّت منذ قيام الثورة الصناعيّة في أوروبا حتى الآن. وقد يعني أيضاً تثبيتاً عمليّاً لنظام عالميّ متعدّد الأقطاب، والذي بدوره قد يُحدّث المؤسسات الدوليّة القائمة الآن، او يؤسّس لبدائل عنها.

لكنّ بوتين متعثّر حالياً في أوكرانيا. وحسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر. كما ارتدّت الحرب الأوكرانيّة على الداخل الروسيّ بعد تمرّد مموّل شركة «فاغنر»، يفغيني بريغوجين، فتظهّرت هشاشة الأمن القوميّ الروسيّ في الداخل، كما عقم الاستراتيجيّة الكبرى التي وضعها الرئيس بوتين فيما خصّ صراعه مع الغرب في أوكرانيا. فالرئيس بوتين، يريد تغيير النظام العالميّ، كما يريد مقارعة أميركا. وهو أعدّ العدّة للمعركة الفاصلة مُتّبعاً استراتيجيّة المراحل. لكن، تبيّن بعد هذا التمرّد أن الفكر الجيوسياسيّ للرئيس بوتين لم يتطابق مع فكر وكفاءة الدائرة الصغرى من حوله، من قيادات عسكريّة ومستشارين. حتى إن الوسائل اللازمة للتنفيذ لم تكن كافية أو ملائمة. فضح بريغوجين هذه المسائل. حتى إن بعض المحلّلين يقولون إن الاتفاق الأخير بين بوتين وبريغوجين هو خطأ تاريخيّ. لأن الرئيس بوتين، وعبر الموافقة على هذا الاتفاق، يكون قد أنقذ نظامه لكنّه اسقط روسيا. فهل يمكن بعد هذا التعثّر - الفشل الجيوسياسيّ لروسيا، أن تلعب روسيا دور القوّة العظمى؟

لذلك يقول بعض الخبراء إن صورة النظام الجديد قد تكون على الشكل التالي:

قوتان عظمتين هما الولايات المتحدة الأميركيّة والصين، وقوى كبرى أخرى، كفرنسا وبريطانيا وغيرهما، بالإضافة إلى القوى الكبرى الإقليميّة. أي سيكون النظام العالميّ نظاماً متعدّد الأقطاب، ومن الأوزان كافة، مع أفضليّة لقوّتين هما الصين وأميركا. وفي هكذا نظام، تستفيد القوى الإقليميّة الكبرى بشكل كبير، فقط لأن مروحة الخيارات المُتاحة لها تصبح واسعة جدّاً. وحتماً، سيبدأ التسابق عليها من القوى العظمى، لخطب ودّها.


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مواطنون يشترون فاكهة بأحد المتاجر الكبرى في موسكو (أ.ب)

هل تساعد أزمة الزبدة بـروسيا في جلب السلام إلى أوكرانيا؟

سلَّطت صحيفة «تلغراف» البريطانية الضوء على انتشار سرقة الزبدة في روسيا بسبب ارتفاع الأسعار جراء الحرب، وقالت إن بعض أصحاب المتاجر الكبرى لا يعرضون ألواح الزبدة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن أوكرانيا تعلمت كيفية اختراق الطائرات من دون طيار الانتحارية الإيرانية الصنع وإرسالها مرة أخرى إلى روسيا وبيلاروسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم عند وصول وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف إلى مطار بيونغ يانغ الدولي بكوريا الشمالية... وفي استقباله وزير الدفاع الكوري الشمالي نو كوانغ تشول يوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 (أ.ب)

وزير الدفاع الروسي: العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية تتوسع بسرعة

قالت وزارة الدفاع الروسية إن وزير الدفاع، أندريه بيلوسوف، وصل إلى كوريا الشمالية، (الجمعة)؛ لإجراء محادثات مع القادة العسكريين والسياسيين في بيونغ يانغ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
TT

تقرير: أوكرانيا نجحت في إعادة توجيه طائرات من دون طيار انتحارية إيرانية الصنع إلى روسيا

تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)
تظهر هذه الصورة غير المؤرخة التي أصدرها الجيش الأوكراني حطام طائرة مسيّرة إيرانية من طراز «شاهد» أطلقتها روسيا قيل إنها أسقطت بالقرب من كوبيانسك في أوكرانيا (أ.ب)

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن أوكرانيا تعلمت كيفية اختراق الطائرات من دون طيار الانتحارية إيرانية الصنع، وإرسالها مرة أخرى إلى روسيا وبيلاروسيا، وفقاً للتقارير.

وتنتج روسيا الآن أكثر من 6 آلاف طائرة من دون طيار من طراز «شاهد» سنوياً، وتطلق قواتها ما بين 30 و80 من المسيرات في اتجاه المدن الأوكرانية كل يوم.

وكان حجم الهجمات يشكل تحدياً لوحدات الدفاع الجوي الأوكرانية، التي تعاني من نقص الصواريخ الأرضية - الجو الغربية المكلفة.

وأطلقت روسيا، يوم الثلاثاء، 188 طائرة من دون طيار من طراز «شاهد» و4 صواريخ باليستية من طراز «إسكندر» باتجاه أوكرانيا، وهو رقم قياسي جديد في 1000 يوم من الحرب، وفقاً للقوات الجوية الأوكرانية.

وتقول أوكرانيا إنها لم تتمكن من إيقاف صواريخ إسكندر لكنها تمكنت من منع 90 في المائة من الطائرات من دون طيار من الوصول إلى أهدافها.

ووفقاً لصحيفة «لوموند» الفرنسية، التي نقلت عن «مصدر مقرب من الاستخبارات العسكرية الأوكرانية»، تمَّت «إعادة توجيه» 95 طائرة من دون طيار بنجاح من أهدافها الأصلية نحو الأراضي الروسية.

وأكد المصدر أن هذا تم من خلال الاستيلاء على إحداثيات الأقمار الاصطناعية التي تستخدمها الطائرات من دون طيار والصواريخ لتوجيه نفسها عبر المجال الجوي.

ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله: «هذه الطائرات من دون طيار تُرسل عمداً إلى روسيا وبيلاروسيا».

وقالت لوموند إن هذه القدرة لم تعترف بها السلطات الروسية ولا البيلاروسية علناً.

مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

ويبلغ مدى الطائرة «شاهد» (وهي طائرة من دون طيار يبلغ طول جناحيها 3.5 متر وتحمل شحنة متفجرة تزن 40 - 50 كغم) ما يصل إلى 1000 كيلومتر (621 ميلاً)، وأصبح صوتها المميز الذي يشبه صوت الدراجة النارية مألوفاً بشكل مخيف لدى الأوكرانيين، بعد عامين من القصف.

وتم تصميمها من قبل إيران وسيلةً رخيصةً للتجسُّس، وتم تصنيعها مع بعض التعديلات بموجب ترخيص من روسيا خلال العام ونصف العام الماضيين، تحت اسم «جيران - 2»، وتم تصميم شحنتها المتفجرة في الأصل لتدمير المباني ولكنها تحمل الآن أيضاً شحنات مصمَّمة للقتل، عبر القنابل الحرارية.

وأصبحت الهجمات أكثر عدداً وتعقيداً على نحو متزايد. وبعد كل منها، تنشر مصادر مقربة من القوات الجوية الأوكرانية خرائط توضح مساراتها وكيف تهربت من أنظمة الدفاع المضادة الأوكرانية.

وفي الشهر الماضي، كشفت «تلغراف» أن أوكرانيا تعمل على تطوير الطائرة من دون طيار من نوع «ستينغ»، لتكون قادرة على اعتراض الطائرات «شاهد»، بدلاً من الدفاع الجوي التقليدي، لحماية المدن الأوكرانية ضد القصف الروسي.