الهجوم الأوكرانيّ... بدأ أم لم يبدأ؟

جنود أوكرانيون يقفون قرب مركبة عسكرية مدمّرة في قرية ستوروجيف في إقليم دونيتسك الاثنين (رويترز)
جنود أوكرانيون يقفون قرب مركبة عسكرية مدمّرة في قرية ستوروجيف في إقليم دونيتسك الاثنين (رويترز)
TT

الهجوم الأوكرانيّ... بدأ أم لم يبدأ؟

جنود أوكرانيون يقفون قرب مركبة عسكرية مدمّرة في قرية ستوروجيف في إقليم دونيتسك الاثنين (رويترز)
جنود أوكرانيون يقفون قرب مركبة عسكرية مدمّرة في قرية ستوروجيف في إقليم دونيتسك الاثنين (رويترز)

عندما تأتي الحرب، فإن الحقيقة ستكون أوّل ضحيّة... هكذا قالها السيناتور الأميركيّ حيرام جونسون عام 1918. وهذا أمر طبيعي لأن الحرب تحبّ الأسرار. ولأنها «كالحرباء» تغيّر لونها حسب الظروف والمحيط كما قال المفكّر البروسي كارل فون كلوزفيتز. ولأن الحرب تقوم على الخداع كما بشّر صان تسو المفكّر الصيني. في هذه المتاهة، تضيع الحقيقة. ولكشف سرّها لا بد من التجربة. وعند التجربة تُدفع الأثمان الغالية، خاصة بالأرواح البشريّة. منهم من يقول إن الحرب تصنع المستقبل، لكن بعد تدمير الماضي، وهي تقع في الحاضر. لكن الحرب تتكرّر، هكذا علّمنا التاريخ. فهل هي دوريّة؟ وإذا كانت كذلك، فقد يمكن القول إنها تقع في الحاضر، لتدمّر الماضي، وتحضّر الأرضيّة للحرب في المستقبل.

الهجوم الأوكرانيّ

غريب وعجيب أمر الحرب الأوكرانيّة؛ فهي كتاب مفتوح لمن يريد أن يقرأ مسارها. هناك من يُحضّر للهجوم، ويعلنه على الملأ. وهناك من يستعدّ للدفاع. يؤكّد الرئيس بوتين على غير عادته، أن الهجوم الأوكرانيّ قد بدأ. فهو عادة لا يتحدّث علناً عن مسار الحرب، خاصة في المستويين العملانيّ والتكتيكيّ، حتى ولو قيل إنه كان يدير المعارك ويتدخّل فيها سرّاً، وحتى المستوى التكتيكيّ. فيأتيه الجواب من كييف، أن الهجوم لم يبدأ بعد، حتى ولو كانت هناك مؤشّرات تدلّ على ذلك. فهل هناك من أسرار في هذه الحرب؟ أفلا تحبّ الحرب عادة كتم أسرارها؟ كم تبدّلت خصائص الحرب في القرن الحادي والعشرين!

في مؤشرات الهجوم الأوكرانيّ المنتظر

لا بد عادة في الحروب من التفريق بين الجعجعة، وبين الهمس. تهدف الجعجعة إلى خداع العدو. أما المعركة الفاصلة فهي تُحدّد حيث يدور الهمس.

نقلت أوكرانيا الحرب إلى الأرض الروسيّة، في بلغورود، وبريانسك، وكراسنودار، وحتى إلى العاصمة موسكو. وهذا ما يُطلق عليه «الجعجعة» في الحرب. فهذه العمليات العسكريّة مهمّة، لكنها لن تكون الفيصل في ساحة المعركة. إنها التمويه والخداع. إنها الرسالة، على أن صورة بوتين القويّ، ليست كما يراها الشعب الروسيّ. وعلى أن منظومة الأمن القوميّ الروسيّ هي هشّة جدّاً.

في المقاربة الأوكرانية

يعتمد الجيش الأوكراني حاليّاً مقاربة ميدانيّة ترتكز على بُعدين مهمّين هما:

1. العمل على تسهيل وتحضير أرضيّة الهجوم المنتظر (Shaping the Theater). يتم ذلك عبر قصف العمق الروسيّ، واستهداف مراكز ثقل القيادة والسيطرة، كما ضرب الخطوط اللوجستيّة.

2. العمل على اختبار الجبهة (Probing) التي تمتد على مسافة 900 كلم، وذلك بهدف جسّ النبض والاستطلاع بالنار لتحديد نقاط الضعف الروسيّة، وبالتالي إحداث الخرق العسكريّ.

تخلق هذه المقاربة معضلة للقوات الأوكرانية. فإذا ما حدّدت أوكرانيا نقاط الضعف الروسيّة، فهي حتماً لن تكون في المكان المفضّل الذي تريد أوكرانيا تحقيق الإنجاز فيه. فمعادلة النصر الأوكرانيّة تقوم على قياس نجاح مهمّ وفي منطقة مُحدّدة، ألا وهي الجنوب الأوكرانيّ، وبالتحديد إقليم زاباروجيا وباتجاه الجنوب وصولاً إلى بحر آزوف، وذلك بهدف قطع الجسر البرّي، وتقطيع انتشار القوات الروسيّة، كما الوصول إلى حدود شبه جزيرة القرم. فالأرض هناك سهلة، وأصبحت جافة. وهي تسمح بالقتال والمناورة، والحركيّة، لقوات أوكرانيّة، جُهّزت، ودُرّبت خصيصاً لهذه المعركة. لكن نفس المنطقة لا تؤمّن تمويهاً طبيعيّاً للقوات المُهاجمة؛ إذ لا توجد فيها غابات كثيفة. وهنا يتظهّر الوجه السلبيّ لهذه المنطقة على الأداء الأوكرانيّ. فالهجوم الكبير والواسع سيكون عرضة لسلاح الجوّ الروسيّ، الذي لا يزال سليماً معافى (900 طائرة أغلبها من الجيل الرابع). كما أن منظومة الحماية الجويّة الأوكرانيّة الأساسيّة، لا يمتدّ مفعولها إلى الجنوب لحماية القوات المهاجمة.

الحلّ الأوكرانيّ العملانيّ - التكتيكيّ

من خلال المؤشّرات الميدانيّة، وبسبب غياب عنصر المفاجأة الاستراتيجيّ؛ يبقى الممكن والأقلّ كلفة للقوات الأوكرانيّة، هو عبر تحقيق المفاجأة العملانيّة - التكتيكيّة. لكن كيف؟

• استطلاع نقاط الضعف على طول خطّ الجبهة. ومن ثمّ العمل على إحداث الخرق فيها والتوغّل في العمق الذي تحتلّه القوات الروسيّة.

• إن نجاح الخرق في عدّة أماكن على المستوى التكتيكيّ، قد يؤدّي عبر تراكماته إلى نجاح على المستوى الاستراتيجيّ.

• وقد تؤدّي هذه المقاربة إلى انهيار القوات الروسيّة على طول الجبهة، وهذا أمر ليس بغريب؛ لكون أداء هذه القوات لم يكن مثالياً ومحترفاً منذ بدء الحرب.

اللامتوقع

ماذا سيأتي بعد تفجير سدّ نوفا خاكوفكا؟ هل سيستعمل الجيش الروسيّ «أبو القنابل» 44 طناً من الـ«تي إن تي تي»؟ وهي أكبر قنبلة تقليديّة لدى روسيا. هل ستحصل اغتيالات عسكرية وسياسية؟ هل سيتمّ اختبار صبر حلف «الناتو»، أو أن شبح السلاح النوويّ لا يزال يهيم فوق مسرح الحرب؟ إن غداً لناظره قريب.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

ماكرون يدعو أوكرانيا للتحلي بـ«الواقعية»


ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه أمس (رويترز)
ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه أمس (رويترز)
TT

ماكرون يدعو أوكرانيا للتحلي بـ«الواقعية»


ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه أمس (رويترز)
ماكرون يلقي كلمته خلال اجتماع سفراء فرنسا حول العالم في الإليزيه أمس (رويترز)

شغلت أوكرانيا حيزاً أساسياً في خطاب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمام الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا في العالم، بالإليزيه أمس، موجهاً رسائل بشأنها في اتجاهات عدة.

فقد لمح ماكرون للأوكرانيين بأن وضع حد للحرب لا يمكن أن يتم من غير تنازل كييف عن بعض أراضيها. وقال إن على الأوكرانيين تقبل «إجراء مناقشات واقعية حول القضايا الإقليمية»، أي حول الأراضي.

وخاطب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قائلاً: «لا يوجد حل سريع وسهل في أوكرانيا»، داعياً إلى «توفير المساعدة من أجل تغيير طبيعة الوضع وإقناع روسيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات». كما حذر من أن أميركا «لا تملك أي فرصة للفوز بأي شيء إذا خسرت أوكرانيا».

وهاجم ماكرون بعنف إيلون ماسك من دون تسميته، عادّاً أنه يشكل خطراً على الديمقراطية ومؤسساتها.