عشية انتخابات حاسمة لتركيا ومستقبلها، يعمل الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب إردوغان على حشد مؤيديه في كل أنحاء إسطنبول طوال يوم (السبت) الذي يختتمه بالصلاة في آيا صوفيا، الكاتدرائية التي أعاد تحويلها إلى مسجد، فيما أشاد كمال كليتشدار أوغلو في أنقرة بمؤسس الجمهورية العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك.
ووفقاً لـ«الصحافة الفرنسية» يختتم إردوغان حملة خاضها على وقع إهانات وتهديدات تكاد تكون صريحة، صاغها هو ومن حوله، ضد خصمه الديمقراطي الاجتماعي كمال كليتشدار أوغلو، في هذه الكاتدرائية البيزنطية الوردية العائدة إلى القرن الرابع التي أعاد فتحها للصلاة في 2020.
وتباهى إردوغان، (السبت)، أمام حشد من أنصاره، بإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بقوله «الغرب كله أصيب بالجنون! لكنني فعلت ذلك!».
وتظهر أحدث استطلاعات للرأي نتائج متقاربة بشكل متكرّر لكن مع تقدّم للمعارضة. وحتى إذا اضطر إردوغان لخوض دورة ثانية، فسيكون ذلك سابقة بالنسبة إليه لأنه اعتاد الفوز منذ الدورة الأولى.
وبعد عودته السبت إلى حي قاسم باشا الشعبي حيث ولد، وعد إردوغان (69 عاماً) «بإعطاء درس جيد لأولئك الذين يريدون تقسيم البلاد». وانتقد خصمه قائلاً للحشود: «سنخرج أقوى من صناديق الاقتراع».
«الدولة وحدها»
واختتم كمال كليتشدار أوغلو الذي عاد إلى أنقرة، حملته، (السبت) بزيارة رمزية لضريح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية.
وتوجه أوغلو إلى أنصاره بالقول: «ركزوا طاقتكم على بناء المستقبل وليس القتال من أجل الماضي».
وأضاف: «تذكروا أن الحكومات تأتي وتذهب، والدولة وحدها هي التي تبقى. اختاروا الدولة والعدالة والقانون، وليس التحزب».
و(الجمعة)، وعد إردوغان الذي نجح في الفوز عبر صناديق الاقتراع منذ 2003، باحترام نتيجة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي دُعي للمشاركة فيها 64 مليون ناخب، ولكن ليس من دون أن يصف أي سؤال حول هذه النقطة بأنه «غبي تماماً».
قال إردوغان وقد بدا عليه الغضب خلال مقابلة تلفزيونية بُثت مساء على معظم قنوات الدولة: «جئنا إلى السلطة بالوسائل الديمقراطية، بتأييد من شعبنا: إذا اتخذت أمتنا قراراً مختلفاً، فسنفعل ما تتطلبه الديمقراطية. لا يوجد شيء آخر نفعله».
وأكد هارون أرماغان عضو مجلس إدارة حزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه إردوغان لوكالة «الصحافة الفرنسية» رغبة في الشرعية، قائلا: «إذا قال الشعب التركي لا، فسنقبل ذلك بالتأكيد».
في الشارع، تعلو أصوات رغم الخوف من الانتقام. وقالت حفيظة تيمورتاش وهي أم كردية تبلغ 48 عاماً: «لقد سئمنا من هذه الحكومة، ونأمل في أن ننتصر وننعم بالسلام والعدالة».
ولكن، ما زال الخوف من الانزلاق نحو العنف قائماً في المدن الكبرى بعد سلسلة من الحوادث في المرحلة الأخيرة من حملة شديدة الاستقطاب، مما اضطُّر خصم إردوغان إلى ارتداء سترة واقية من الرصاص تحت بدلته خلال تجمعاته الأخيرة.
وتعرضت حافلة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الشخصية البارزة في حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديمقراطي) بقيادة كليتشدار أوغلو، وهو أحد الوجوه القوية في حملته الانتخابية، للرشق بالحجارة (الأحد)، في أرضروم بشرق الأناضول.
ويلتقي إمام أوغلو المهدد بعقوبة السجن التي استأنفها، مؤيدي الحزب، (السبت)، خلال 4 تجمعات عامة في العاصمة الاقتصادية التي يديرها منذ عام 2019.
«رجل واحد»
وخلافاً للسلطة الاستبدادية التي يتولاها «رجل واحد»، وتندد بها المعارضة، يقترح كليتشدار أوغلو البالغ 74 عاماً في حال فوزه قيادة جماعية تتمثل في تعيين نواب للرئيس يمثلون أحزاب الائتلاف الستة التي يقودها، من اليمين القومي إلى اليسار الليبرالي.
وقال أوغلو (الجمعة)، خلال آخر اجتماع كبير له بين لمعان البرق وهدير الرعد في أنقرة: «هل أنتم مستعدون للديمقراطية في هذا البلد؟ لإحلال السلام في هذا البلد؟ أنا عن نفسي مستعد، أعدكم بذلك».
و«أعدكم» هو شعار حملته واللازمة التي يُرددها أنصاره في أناشيد الحملة، ويعد من خلاله بالعودة إلى دولة القانون والنظام البرلماني وفصل السلطات وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين والقضاة ورجال القانون والمثقفين والعسكريين والموظفين المسجونين بتهمة «الإرهاب» أو «إهانة الرئيس».
والانحراف الاستبدادي الذي شهده العقد الماضي واشتد منذ الانقلاب الفاشل في عام 2016 والاقتصاد المتعثر مع انخفاض قيمة الليرة التركية بمقدار النصف خلال عامين وزيادة التضخم حتى 40 في المائة على مدار عام واحد، وفقاً للأرقام الرسمية التي لا تحظى بالإجماع، كل هذا أضر بمصداقية رئيس الدولة وشعبيته فيما يروج للإنجازات العظيمة والتنمية الحقيقية التي حققها خلال حكمه منذ عام 2003، بحسب «الصحافة الفرنسية».
لكن إردوغان أقر بصعوبة جذب الشباب الذين سيصوت أكثر من 5.2 مليون منهم لأول مرة، (الأحد).
فضلاً عن ذلك، لا يُعرف مدى تأثير الزلزال القوي الذي دمر الربع الجنوبي من البلاد وأسفر عما لا يقل عن 50 ألف قتيل و3 ملايين مفقود.
وفي أنطاكية القديمة المدمرة، سافر الناس أحياناً بالحافلة لساعات عائدين للتصويت في المدارس المدمرة أو في حاويات حُولت إلى مراكز اقتراع.
وقالت ديلبر سيمسك (48 عاماً) التي تعيش تحت خيمة، (السبت): «لا يبعث التصويت وسط الأنقاض على الارتياح، لكننا نريد تغيير الحكم». وأضافت: «انظروا، لقد مرت 3 أشهر ولم يتغير شيء».