الكاريبي على صفيح ساخن: ترمب في مواجهة مادورو؟

مقاتلات أميركية تحلق فوق حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في المحيط الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
مقاتلات أميركية تحلق فوق حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في المحيط الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
TT

الكاريبي على صفيح ساخن: ترمب في مواجهة مادورو؟

مقاتلات أميركية تحلق فوق حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في المحيط الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
مقاتلات أميركية تحلق فوق حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في المحيط الأطلسي (أرشيفية - رويترز)

منذ أسابيع، تتحول سواحل البحر الكاريبي إلى ساحة استعراض قوة أميركية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة. فالإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترمب، تدفع بتشكيلات بحرية وجوية ضخمة إلى المنطقة، وسط خطاب متقلب يجمع بين التلويح بالحوار مع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، والتهديد المباشر بإرسال قوات أميركية إلى الأراضي الفنزويلية، أو تنفيذ ضربات في دول مجاورة بحجة مكافحة المخدرات.

هذا المزج بين «العصا والجزرة» يضع فنزويلا والمنطقة برمتها أمام واحد من أكثر السيناريوهات حساسية في تاريخ أميركا اللاتينية الحديث.

الوجود العسكري الأميركي في الكاريبي لم يعد مجرد رمزية ردعية؛ فالتقارير الأميركية تشير إلى وصول نحو 15 ألف جندي، إضافة إلى حاملة طائرات ومدمرات وسفن هجومية وغواصة نووية. ووصول حاملة الطائرات «جيرالد فورد»، أكبر حاملة طائرات في العالم، إلى المياه القريبة من فنزويلا رفع سقف الجاهزية الأميركية لتنفيذ عمليات واسعة، سواء كانت ضربات على أهداف مرتبطة بتهريب المخدرات أو عمليات داخل الأراضي الفنزويلية نفسها.

ترمب يمارس سياسة حافة الهاوية... بحسابات معقّدة (أ.ب)

كما يجري تداول سيناريو إشراك قوات «دلتا فورس» في أي تحرك يستهدف شخصيات قيادية أو مراكز حساسة داخل فنزويلا، وهو ما يعكس مدى جدية التخطيط العسكري. أما تسمية المهمة بـ«الرمح الجنوبي» فهي مؤشر إضافي على اتجاه إدارة ترمب نحو مقاربة أمنية متشددة، باعتبار أن الهدف المعلن للمهمة هو «تنظيف نصف الكرة الغربي من الشبكات النشطة للناركو - إرهاب».

خطاب ترمب بين التهديد والتفاوض

اللافت أن هذا التصعيد العسكري ترافق مع تصريحات متناقضة من ترمب؛ فالرئيس الأميركي أعلن أنه قد يتحدث مع مادورو «في وقت ما»، ملمحاً إلى احتمال وجود قناة خلفية للتواصل. لكنه، وبعد أقل من 24 ساعة، عاد ليقول إنه «لا يستبعد أي خيار»، بما في ذلك إرسال قوات إلى فنزويلا. هذه الازدواجية تمنح واشنطن مرونة تكتيكية، لكنها تخلق غموضاً استراتيجياً يجعل قراءة نواياها أكثر تعقيداً.

ترمب ذهب أبعد من ذلك حين لمّح إلى أنه قد يوافق على شن ضربات داخل المكسيك «لوقف المخدرات»، وأبدى استعداداً «للقضاء على مصانع الكوكايين في كولومبيا». وهو خطاب يخلط بين مكافحة المخدرات ومواجهة أنظمة سياسية غير صديقة، على نحو يذكّر بعقيدة «الأمن القومي» التي حكمت السياسة الأميركية في أميركا اللاتينية خلال القرن العشرين.

لتبرير التصعيد، تركز الإدارة الأميركية على ربط مادورو مباشرةً بكارتلات مخدرات، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية نيتها تصنيف «كارتل دي لوس سوليس» منظمةً إرهابية أجنبية، متهمة الرئيس الفنزويلي بقيادة شبكة تهريب دولية. كما تتهم واشنطن مادورو بإرسال «مجرمين وتجار مخدرات» إلى الأراضي الأميركية.

هذا التصنيف ليس مجرد تصعيد لغوي، بل يفتح الباب أمام إجراءات مالية وقانونية تجعل أي مفاوضات لاحقة أكثر تعقيداً. كما يسمح للإدارة بتوسيع هامش استخدام القوة، عبر القول إن الولايات المتحدة في «نزاع مسلح» مع تنظيم إرهابي عابر للحدود.

الرئيس الفنزويلي يلوح بعلم بلاده في كراكاس (أرشيفية - أ.ف.ب)

التداعيات الإقليمية: توتر وشكوك

ردود الفعل الإقليمية تباينت، لكنها عكست حالة قلق عميق. وبعدما عاد عن قراره في وقت لاحق، كان الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو قد أوقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن احتجاجاً على الضربات الأميركية التي استهدفت زوارق في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى من دون أدلة واضحة على صلتهم بعمليات تهريب.

أما جمهورية الدومينيكان فقد أجّلت «قمة الأميركيتين» بعد انسحاب ترمب، مؤكدة أن «الانقسامات العميقة» تجعل الحوار الإقليمي مستحيلاً في الوقت الراهن. هذا التوتر يهدد بإعادة إحياء ذكريات التدخلات الأميركية السابقة في المنطقة، ويثير تخوفات من صدام سياسي قبل أن يكون عسكرياً.

في الجهة المقابلة، حاول مادورو تقديم نفسه زعيماً منفتحاً على الحوار. فقد قال إنه مستعد للقاء ترمب «وجهاً لوجه، من دون أي مشكلة»، لكنه في الوقت نفسه يشدد على أن أي اعتداء على الأراضي الفنزويلية سيُواجَه «على كل الجبهات». ويعرف الرئيس الفنزويلي أن جزءاً من صموده السياسي يعتمد على إظهار أن بلاده تواجه «عدواناً خارجياً»، وهو خطاب يجيد توظيفه داخلياً.

مقاتلة أميركية طراز «إف إيه 18» تحلق فوق مدمرتين في المحيط الأطلسي (أرشيفية - أ.ف.ب)

غير أن المعارضة الفنزويلية، التي تعاني انقسامات داخلية كبيرة، تبدو أقل قدرة على استثمار هذا الوضع. صحيح أن قيادتها التاريخية، مثل ماريا كورينا ماتشادو، تطرح رؤى لمستقبل ما بعد مادورو، لكن ذلك لا يترجم حالياً إلى قدرة على تغيير موازين القوى.

في واشنطن، تتعمق الانقسامات حول الطريقة المثلى للتعامل مع فنزويلا؛ فبينما يرى المتشددون أن إسقاط مادورو سيُسقط بتداعياته نفوذ الصين وروسيا وإيران في أميركا اللاتينية، يحذّر آخرون من أن أي تدخل مباشر قد يتحول إلى مستنقع شبيه بما حدث في العراق وليبيا وأفغانستان. ويطالب بعض الخبراء بعرض «صفقة خروج» على مادورو، تمنحه ضمانات مقابل مغادرة البلاد.

لكن المؤكد أن إدارة ترمب تحاول بناء شرعية داخلية لفكرة التدخل عبر ربط الملف الفنزويلي بمسألة الأمن القومي الأميركي ومكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية. وهذا الربط يمنح الرئيس دعماً وسط شرائح واسعة من الناخبين، خصوصاً في ولايات جنوبية اعتادت ربط الجريمة المنظمة بتدفقات المهاجرين القادمين من الحدود الجنوبية.

سياسة حافة الهاوية... بحسابات معقّدة

يرى البعض أن الرئيس الأميركي يمارس حالياً سياسة «حافة الهاوية»: يزيد الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي على كاراكاس، لكنه في الوقت ذاته يترك نافذة مفتوحة للحوار. والمفارقة أن هذا الأسلوب قد يدفع مادورو إما للانخراط في مفاوضات حقيقية، وإما للذهاب نحو مزيد من التشدد الذي يبرر تدخلاً مباشراً. وبين هذين الخيارين، يظل الكاريبي منطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة. وفي ظل هذا التعقيد، لا يبدو أن المشهد سيتجه إلى التهدئة قريباً. فالعرض الأميركي يتلخص في معادلة بسيطة: حوار مشروط، أو ضغط تصاعدي قد ينتهي بصدام عسكري. ومادورو يعلم أن خيار الرحيل بات مطروحاً بجدية غير مسبوقة. أما شعوب المنطقة فتراقب بقلق ما إذا كانت فنزويلا ستصبح ساحة مواجهة جديدة بين الولايات المتحدة وخصومها الدوليين، أو محطة ولادة مسار سياسي ينزع فتيل الانفجار.


مقالات ذات صلة

مايك تايسون يُشيد بتخفيف ترمب اللوائح المرتبطة بالماريجوانا: يساهم في تقنين 500 ألف وظيفة

الولايات المتحدة​ مايك تايسون (إ.ب.أ)

مايك تايسون يُشيد بتخفيف ترمب اللوائح المرتبطة بالماريجوانا: يساهم في تقنين 500 ألف وظيفة

أشاد أسطورة الملاكمة مايك تايسون بالقرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترمب بشأن تخفيف اللوائح المرتبطة بالماريجوانا، الخميس، وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مركز كينيدي بواشنطن  (أ.ب)

من «مركز كينيدي» إلى بطاقات الهجرة... ما الأشياء التي أطلق عليها ترمب اسمه؟

علق موقع أكسيوس الأميركي على قرار مجلس إدارة مركز كينيدي بتعديل اسم أشهر مركز للفنون في واشنطن بإضافة اسم الرئيس دونالد ترمب إليه ليصبح مركز (ترمب – كينيدي)

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ قمر مكتمل وأمامه صاروخ «ناسا» مخصص لمهمة الإطلاق نحو القمر ضمن برنامج «أرتيميس 1»... في مركز كيندي للفضاء في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية (رويترز - أرشيفية)

ترمب يعطي الأولوية للقمر في مشاريع الفضاء

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، عزمه على إعادة الأميركيين إلى القمر في أقرب وقت ممكن، معطياً استكشاف المريخ أولوية أقل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جيفري إبستين وهو يتحدث مع أستاذ اللغويات والناشط السياسي نعوم تشومسكي (ا.ب)

«ديمقراطيون» ينشرون صوراً جديدة لإبستين مع بيل غيتس ونعوم تشومسكي

نشر أعضاء ديمقراطيون بالكونغرس الأميركي، عشرات الصور الجديدة من تركة الراحل جيفري إبستين، المدان بجرائم جنسية، وذلك ​قبل يوم من المهلة القانونية المحددة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يعرض في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض أمراً تنفيذياً وقعه لتصنيف الماريغوانا كمخدر أقل خطورة (ا.ب)

ترامب يعلن تصنيف «الماريغوانا» كمادة مخدرة أقل خطورة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، تصنيف المريغوانا كمادة مخدرة أقل خطورة، في قرار يهدف إلى تشجيع البحث الطبي بشأن استخدام منتجات القنّب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة الثلاثاء حول الأزمة في فنزويلا

جلسة لمجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
جلسة لمجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة الثلاثاء حول الأزمة في فنزويلا

جلسة لمجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
جلسة لمجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

يجتمع مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء المقبل؛ لمناقشة الأزمة المتصاعدة بين فنزويلا والولايات المتحدة، عقب مصادرة واشنطن ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصادر دبلوماسية، اليوم الخميس.

وجاء في طلبٍ وجهته فنزويلا إلى المجلس وأيدته الصين وروسيا: «نطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لمناقشة العدوان الأميركي المستمر ضد جمهورية فنزويلا البوليفارية».

وقال مصدران دبلوماسيان، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالبين عدم كشف هويتيهما، إن الاجتماع سيُعقد في الساعة الثالثة بعد الظهر (20:00 بتوقيت غرينتش)، الثلاثاء.


الكونغرس البرازيلي يقر مشروع قانون يخفض فترة سجن بولسونارو

الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (رويترز)
الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (رويترز)
TT

الكونغرس البرازيلي يقر مشروع قانون يخفض فترة سجن بولسونارو

الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (رويترز)
الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (رويترز)

وافق الكونغرس البرازيلي، الأربعاء، على مشروع قانون لخفض عقوبة السجن الصادرة بحق الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي حُكم عليه في سبتمبر (أيلول) بالسجن 27 عاما لمحاولته القيام بانقلاب.

ويمكن أن يخفض مشروع القانون الذي قدمته الأغلبية المحافظة وأقره مجلس الشيوخ الأربعاء بتصويت 48 مقابل 25، عقوبة سجن بولسونارو إلى عامين وأربعة أشهر.

وأثار إقرار مجلس النواب هذا القرار الأسبوع الماضي انتقادات واسعة النطاق. وشهدت تظاهرات احتجاجية ضد القرار نُظمت الأحد مشاركة عشرات آلاف الأشخاص في مدن رئيسية عبر البلاد.

وبدأ الرئيس السابق اليميني المتطرف (2019-2022) تنفيذ عقوبته في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) في مقر الشرطة الفدرالية في برازيليا.

وبحسب الوضع الراهن، قد يبقى بولسونارو البالغ 70 عاماً، مسجوناً لمدة ثماني سنوات تقريباً قبل أن يستفيد من تعديل محتمل لعقوبته، وفقاً لمحكمة التنفيذ في العاصمة البرازيلية.

كما ينص القانون الجديد على منح إفراج مشروط لعشرات من أنصاره المدانين بأعمال الشغب التي وقعت في 8 يناير (كانون الثاني) 2023 في برازيليا.

في ذلك اليوم، قام آلاف من أنصار بولسونارو بنهب البرلمان والقصر الرئاسي والمحكمة العليا، مطالبين بتدخل عسكري لإزاحة الرئيس اليساري الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من السلطة بعد أسبوع من تنصيبه.

لكن يتوقع أن يستخدم الرئيس البرازيلي الفيتو على مشروع القانون، معتبراً أن بولسونارو «يجب أن يدفع ثمن» جرائمه.

إلا أن البرلمان سيكون له الكلمة الأخيرة وبإمكانه التصويت على إلغاء حق النقض الرئاسي.


فنزويلا تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث «العدوان الأميركي»

أرشيفية لإحدى جلسات مجلس الأمن (المجلس)
أرشيفية لإحدى جلسات مجلس الأمن (المجلس)
TT

فنزويلا تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث «العدوان الأميركي»

أرشيفية لإحدى جلسات مجلس الأمن (المجلس)
أرشيفية لإحدى جلسات مجلس الأمن (المجلس)

طلبت فنزويلا من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عقد اجتماع لمناقشة «العدوان الأميركي المستمر» على البلاد، وذلك وفقاً لرسالة موجهة إلى المجلس المكون من 15 عضواً.

وقال دبلوماسي في الأمم المتحدة بحسب وكالة «رويترز»، إنه من المرجح أن يُعقد الاجتماع الثلاثاء المقبل.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد أمر، أمس (الثلاثاء)، بفرض «حصار» يمنع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات من دخول فنزويلا أو الخروج منها، في أحدث خطوة من جانب واشنطن لتكثيف الضغوط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.