خوسيه موخيكا... رحيل الثوري الهادئ «أفقر رئيس في العالم»

الرئيس الأسبق للأوروغواي هزمه السرطان بعد أن «انتصر في كل المعارك التي خاضها»

الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا في كولومبيا عام 2012 (إ.ب.أ)
الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا في كولومبيا عام 2012 (إ.ب.أ)
TT

خوسيه موخيكا... رحيل الثوري الهادئ «أفقر رئيس في العالم»

الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا في كولومبيا عام 2012 (إ.ب.أ)
الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا في كولومبيا عام 2012 (إ.ب.أ)

عندما دخل عليه الطبيب، مطالع العام الحالي، ليبلغه أن الفحوصات المخبرية أظهرت عدم تجاوبه مع العلاج الأخير للسرطان الذي كان يعاني منه منذ سنوات، قال الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا: «أزف وقت الرحيل، واني أرمي سلاحي راضياً».

وبعد أشهر من الاحتضار البطيء والهادئ في بيته المتواضع خارج مونتيفيديو، انطفأ الرجل الذي كان يحمل لقب «أفقر رئيس في العالم»، ورمزاً لليسار الأميركي اللاتيني المناضل جسّد الزهد والبساطة في الحياة العامة.

الناس أمام بيت خوسيه موخيكا «أفقر رئيس في العالم» الذي جسّد الزهد والبساطة في الحياة العامة (أ.ب)

لكن لم يكن سهلاً بالنسبة لموخيكا أن يرحل ويترك وراءه هذا العدد من اليتامى، مثلما حصل معه منذ خمسين عاماً عندما استقرت في صدره ست رصاصات، وخلال السنوات العشر التي أمضاها معتقلاً في قبضة النظام العسكري داخل بئر لا تزيد مساحتها على متر واحد مربع. في المرة الأولى نجا بفضل اثني عشر ليتراً من الدم تبرّع بها رفاقه في جبهة «توبامارو» الذين كانوا يقاتلون إلى جانبه في الأدغال. وفي المرة الثانية كان يدجّن الضفادع ويطعم الجرذان كي لا يفقد توازنه العقلي. وقد روى بعد ذلك أنه خرج من تلك البئر أكثر حكمة، وعاد إلى السياسة التي كرّس لها حياته.

في عام 1994 خاض الانتخابات النيابية وفاز بمقعد في البرلمان، ثم بمقعد في مجلس الشيوخ عام 1999، وفي عام 2010 أصبح رئيساً لجمهورية الأوروغواي بأغلبية ساحقة، وأدهش العالم بتقشفه وعزوفه عن البهرجة التي تحيط بالمنصب.

رئيس الأوروغواي الحالي يماندو أورسي قدم إلى بيت الراحل لتقديم العزاء (أ.ب)

هزمه السرطان بعد أن انتصر في كل المعارك التي خاضها، وكانت أولاها تلك المظاهرات الصغيرة التي كان يقودها في شوارع بلدته عندما كان لا يزال دون الخامسة عشرة من عمره للمطالبة بأجور عادلة للعمال. في عام 1964 انضمّ إلى حركة التحرير الوطني «توبامارو». دخل السجن أربع مرات، وهرب منه مرتين، ثم أعيد اعتقاله وأصبح واحداً من «الرهائن التسع» الذين هدد النظام العسكري بإعدامهم في السجن إذا عادت المنظمة الثورية إلى حمل السلاح.

عن الفترة الأخيرة التي أمضاها في السجن روى موخيكا: «الهدف من ذلك الاعتقال كان أن نفقد عقولنا، لكني خرجت عاقداً العزم على مواصلة النضال وتغيير العالم. لم أغيّر شيئاً، لكني تعلمت الكثير وأعرف أني سأموت سعيداً رغم كل ما حصل». وإلى الذين انتقدوه لعدم ملاحقته رموز النظام العسكري عندما تولّى الرئاسة كان يقول: «قررت ألا أستوفي الدَّيْن الذي كان لي في رقاب السجّانين. ثمة جراح في الحياة لا تندمل أبداً، ويجب أن نتعلم العيش ناظرين إلى الأمام».

أفراد من عامة الناس أمام بيت الرئيس الذي جسّد الزهد والبساطة في الحياة العامة (أ.ب)

منذ أن خرج من السجن بعد العفو الذي صدر عنه عام 1985، حتى وفاته مطلع هذا الأسبوع، وخلال توليه الرئاسة، لم يغادر منزله المتواضع في أرباض مونتيفيديو، محاطاً بكلبته «مانويلا» وبعض الحيوانات الداجنة التي كان يربّيها بين مزروعات الخضار التي كان يقتات منها. لم يترجل عن جرّاره الزراعي ولا عن سيارته الفولسفاكن طراز عام 1987 التي رافق فيها الرئيس البرازيلي لولا في جولة ريفية عندما زاره. وعندما ذهب العاهل الإسباني السابق خوان كارلوس الأول إلى زيارته في منزله الريفي، قال له: «يقال عني أني رئيس فقير. الفقراء هم الذين يحتاجون للكثير. أنا تعلمّت العيش خفيف الأحمال، لكن أنت لست قادراً على ذلك لأن من سوء حظك أنك ملك».

خوسيه موخيكا مع الرئيس الراحل البوليفي إيفو موراليس (أ.ف.ب)

«السرّ، كل السرّ، في الأخلاق» كان يردد، ويقول: «هذا هو عالمي، ليس أفضل أو أسوأ من غيره. المشكلة هي أننا نعيش في عصر استهلاكي، ونعتقد أن النجاح يكمن في اقتناء الجديد والثمين، وبالتالي نساهم في بناء مجتمع يستغل ذاته بذاته، ونخصص الوقت كي نعمل وليس لنعيش».

كان يقول إن أجمل ذكرياته هي عندما تسلّم وشاح رئاسة الجمهورية من رفيقة دربه لوسيّا توبولانسكي التي تعرّف عليها خلال إحدى العمليات الثورية السرية قبل أن يفترقا لسنوات ويلتقيا مجدداً بعد الإفراج عنه. وقد سلّمته هي الوشاح الرئاسي بوصفها يومها الأكبر سناً بين أعضاء مجلس الشيوخ. وعن علاقته بلوسيّا قال يوماً: «للحب أعماره. الحب في الصبا نيران مشتعلة. أما في الشيخوخة فهو عادة لذيذة. وإن كنت ما زال على قيد الحياة، فبفضلها».

جارة الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا فاليريا غونزاليس أمام بيته المتواضع خارج مونتيفيديو (أ.ب)

أول خطاب سياسي ألقاه عندما دخل مجلس الشيوخ كان حول الأبقار، وبعد سنوات تولّى وزارة الثروة الحيوانية. وعندما وصل إلى الرئاسة أطلق مجموعة من المبادرات الرائدة والطليعية في المنطقة، وبدأ العالم يوجه أنظاره إلى الأوروغواي. كان يكنّ تقديراً عالياً للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي قال عنه إنه حاد الذكاء ويتمتع ببصيرة ثاقبة، وكان يعتزّ بشكل خاص بصداقته بالرئيس البرازيلي لولا الذي كان يعدّه شخصية عالمية.

وعندما دنت ساعة الرحيل، طلب أن يوارى تحت الشجرة الباسقة التي تظلّل بيته الصغير، بالقرب من المكان الذي منذ سبع سنوات دفن فيه «مانويلا»، فيما يتساءل كثيرون: لماذا كنا نحبّه، ونصدّق ما يقوله؟ ولماذا كنا نقدّره في عالم اعتاد تحقير السياسيين؟


مقالات ذات صلة

وفاة «سيدة المسرح العربي» سميحة أيوب عن عمر ناهز 93 عاماً

يوميات الشرق الفنانة سميحة أيوب (صفحتها على «فيسبوك»)

وفاة «سيدة المسرح العربي» سميحة أيوب عن عمر ناهز 93 عاماً

غيّب الموت، اليوم (الثلاثاء)، الفنانة المصرية سميحة أيوب، الملقبة بـ«سيدة المسرح العربي» عن عمر ناهز 93 عاماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال اجتماع في قصر الرئاسة بالعاصمة جوبا يوم 15 فبراير 2020 (رويترز)

حكومة جنوب السودان تنفي مزاعم عن وفاة الرئيس سلفا كير

نفت حكومة جنوب السودان، اليوم الخميس، صحة تقارير تفيد بوفاة الرئيس سلفا كير بعد تداول شائعات في هذا الخصوص على شبكات التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (جوبا)
أوروبا صورة للبابا فرانسيس في كنيسة سانت لويس الكاثوليكية في بانكوك (أ.ف.ب) play-circle

قادة عالميون... من سيحضر جنازة البابا فرنسيس؟

نقلت وكالة الأنباء الأوكرانية اليوم الثلاثاء عن  دميترو ليتفين المستشار الرئاسي الأوكراني قوله إن الرئيس فولوديمير زيلينسكي سيحضر جنازة البابا.

«الشرق الأوسط» (روما)
ثقافة وفنون جمعة اللامي

جمعة اللامي... خرج من السجن أديباً وصحافياً متميزاً

ربما لا يعرف القراء أنه شغل مدير تحرير لصحف ومجلات، وكان حريصاً على أن يحرر الصحافة من «تقريرية» الكتابة.

د. محسن جاسم الموسوي
أوروبا خاتم الصياد عند وضعه في إصبع البابا فرنسيس بالفاتيكان عام 2013 (رويترز) play-circle

خاتم البابا... لماذا يتم تدميره بعد وفاته؟

يعود تاريخ خاتم الصياد إلى القرن الثالث عشر على الأقل، وهو من أبرز قطع الزينة البابوية.

«الشرق الأوسط» (روما)

مقتل أربعة شرطيين في بوليفيا في صدامات بين قوات الأمن ومناصرين لموراليس

شرطي بوليفي يطلق قنبلة غاز تجاه أنصار الرئيس السابق إيفو موراليس في فينتو (إ.ب.أ)
شرطي بوليفي يطلق قنبلة غاز تجاه أنصار الرئيس السابق إيفو موراليس في فينتو (إ.ب.أ)
TT

مقتل أربعة شرطيين في بوليفيا في صدامات بين قوات الأمن ومناصرين لموراليس

شرطي بوليفي يطلق قنبلة غاز تجاه أنصار الرئيس السابق إيفو موراليس في فينتو (إ.ب.أ)
شرطي بوليفي يطلق قنبلة غاز تجاه أنصار الرئيس السابق إيفو موراليس في فينتو (إ.ب.أ)

قُتل أربعة شرطيين وأصيب آخرون بجروح في جنوب غربي بوليفيا في صدامات دارت بين مؤيّدين للرئيس السابق إيفو موراليس كانوا يقطعون طريقاً في بلدة يالاغوا وقوات الأمن التي حاولت تفريقهم وفتح الطريق، كما أعلنت السلطات.

وتأتي هذه الواقعة غداة إصابة 17 شخصاً بجروح في صدامات دارت في هذه البلدة نفسها بين أنصار لموراليس كانوا يقطعون طريقاً وسكّان كانوا يحاولون فتحها، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ومنذ الثاني من يونيو (حزيران) الحالي، يقطع أنصار موراليس طرقاً في أنحاء البلاد للمطالبة باستقالة الرئيس لويس آرسي الذي يحمّلونه مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تتخبّط بها البلاد، والتلاعب بالمؤسسات لمنع الرئيس السابق من الترشّح للانتخابات الرئاسية المقرّرة في 17 أغسطس (آب).

الأربعاء، قُتل ثلاثة عناصر بالرصاص لدى محاولتهم فتح طريق مقطوع في يالاغوا، وهي بلدة منجمية في جنوب غربي البلاد، في اشتباكات عنيفة مع محتجين، وفق ما أعلنت الشرطة. والخميس، أعلن وزير العدل سيزار سيليس مقتل عنصر رابع هو كريستيان كالي ألكون.

وأوضح نائب وزير الداخلية جوني أغيليرا أن ألكون «خُطف على يد حشد» وقتل بـ«استخدام للديناميت» عبر ما يبدو أنه إلصاق عبوة على صدره. وأعلن أغيليرا أن الجيش سينتشر في يالاغوا «لضمان الهدوء والسلم».

وأصيب عناصر آخرون، الأربعاء، في أثناء محاولتهم فتح طرق في أنحاء أخرى من البلاد، بما في ذلك طريق يربط لاباز بكوتشابامبا، معقل موراليس.

وبحسب الهيئة الوطنية للطرق، فقد قطع أنصار مواليس 19 طريقاً في أنحاء البلاد، الخميس.