أميركا تعرض «العفو» عن مادورو مقابل تنازله عن السلطة

إدارة بايدن تخشى ازدياد الاضطرابات في فنزويلا وتفاقم موجات النزوح

أعضاء الجالية الفنزويلية في المكسيك خلال احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في مكسيكو سيتي في 10 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
أعضاء الجالية الفنزويلية في المكسيك خلال احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في مكسيكو سيتي في 10 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
TT

أميركا تعرض «العفو» عن مادورو مقابل تنازله عن السلطة

أعضاء الجالية الفنزويلية في المكسيك خلال احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في مكسيكو سيتي في 10 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
أعضاء الجالية الفنزويلية في المكسيك خلال احتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في مكسيكو سيتي في 10 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

تبحث إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إصدار عفو عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، من التهم التي وجّهتها له محاكم أميركية، مقابل تخلّيه عن السلطة، وفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».

وبعد أيام على إعلان مادورو فوزه في الانتخابات، رغم نشر المعارضة نتائج معاكسة، تخشى واشنطن اتّساع الاضطرابات في فنزويلا، وموجة نزوح «ضخمة» قد تشهد مغادرة ملايين الفنزويليين البلاد. وكانت محاكم في نيويورك وواشنطن وميامي قد أدانت مادورو، وعدداً من كبار المسؤولين الفنزويليين، في عام 2020 بتهمة التعاون مع مجموعات مسلحة كولومبية لاستخدام الكوكايين سلاحاً «لإغراق» الولايات المتحدة.

ونقلت الصحيفة، عن 3 أشخاص مطّلعين على النقاشات بين إدارة بايدن وحكومة مادورو، أن الولايات المتحدة منفتحة على تقديم ضمانات بعدم ملاحقة مسؤولي النظام. وتابعت أن المحادثات جرت افتراضياً بين خورخي رودريغيز، رئيس الكونغرس الفنزويلي وأحد المقرّبين من مادورو، ودانييل ب. إريكسون، المسؤول عن السياسة الأميركية تجاه فنزويلا في مجلس الأمن القومي الأميركي.

وكانت إدارة بايدن قد رفعت معظم العقوبات على فنزويلا على أمل تعزيز إجراء انتخابات حرة ونزيهة، إلا أنها عادت تلوّح بحزمة جديدة من العقوبات بعد امتناع مادورو عن نشر بيانات نتائج الانتخابات وتمسّكه بالفوز رغم «براهين» المعارضة. وعدّت واشنطن أن فوز مادورو يفتقر للمصداقية بعد مؤشرات قوية على أن مرشح المعارضة إدوموندو غونزاليز يتفوق على مادورو بنحو 38 نقطة مئوية، حيث جمع 7.3 مليون صوت مقابل 3.3 مليون لمادورو. وقد عمّت الاشتباكات والمظاهرات بين قوات الأمن، والمحتجين على نتيجة الانتخابات في العاصمة الفنزويلية كاراكاس.

جهود دولية

مادورو يتحدث للصحافة حول نتائج الانتخابات الرئاسية في كاراكاس... الجمعة 9 أغسطس 2024 (أ.ب)

وتسعى الولايات المتحدة إلى حشد الجهد الدولي لإجبار مادورو على الرحيل، بعد أكثر من 11 عاماً رسّخ فيها حكمه، وشهدت انهياراً اقتصادياً وعزلة دبلوماسية، ونزوح نحو 8 ملايين فنزويلي خارج البلاد. ويتّهم مسؤولون أميركيون وكولومبيون مادورو بإعطاء العصابات العابرة للحدود ملاذاً آمناً، وسمح لروسيا والصين ومنافسين آخرين للولايات المتحدة بالحصول على موطئ قدم في المنطقة. وكانت الولايات المتحدة قد عرضت، عام 2020، مكافأة قدرها 15 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو، بتهمة التآمر مع حلفائه لإغراق الولايات المتحدة بالكوكايين.

تشارك 3 دول في أميركا اللاتينية؛ هي البرازيل والمكسيك وكولومبيا، في محاولة حلّ المواجهة المشتعلة بين مادورو والمعارضة. وتريد إدارة بايدن أن يقوم زعماء تلك الدول المتعاطفون مع مادورو، باتخاذ موقف أكثر صرامة والضغط عليه لتقديم أدلة على فوزه. وتسعى الولايات المتحدة إلى حلٍّ يخفّض التوترات في تلك الدولة التي قد يؤدي تصاعد الاحتجاجات بها والصدام بين السلطة والمعارضة، إلى نزوح أعداد كبيرة منها إلى الولايات المتحدة بشكل غير شرعي، مما يلقي بظلال على الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

شكوك قوية

ويستبعد مراقبون نجاح المحادثات الأميركية في دفع مادورو للتنازل عن السلطة، ويتوقّعون فشل إدارة بايدن مجدداً بعد أن قدمت عرضاً مماثلاً بالعفو عن مادورو خلال محادثات سرية في الدوحة العام الماضي، وفق «وول ستريت جورنال». ورفض مادورو مناقشة الترتيبات التي قد تجعله يترك منصبه. وقال أحد الأشخاص المقربين منه إن «موقف مادورو لم يتغير في الوقت الحالي».

من جانبه، قال مادورو إنه منفتح على المحادثات ما دامت واشنطن تظهر له الاحترام. وفي أوقات أخرى، طلب من الولايات المتحدة أن تهتم بأعمالها الخاصة. وقال مادورو في مؤتمر صحافي، الجمعة: «لا تتدخلوا في الشؤون الداخلية لفنزويلا، هذا كل ما أطلبه».

وقد يؤدي فوز دونالد ترمب إلى إحباط المحادثات، إذا أعاد الرئيس السابق إحياء سياساته العدوانية السابقة تجاه مادورو، التي بدأت في عام 2019 عندما فرضت إدارته عقوبات على النفط، ودعّمت جهود المعارضة الفنزويلية للإطاحة بنظام مادورو.

أعضاء الجالية الفنزويلية في المكسيك يهتفون بشعارات خلال احتجاج ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية الفنزويلية المعلنة (أ.ف.ب)

ويقول مراقبون إن فنزويلا أصبحت شوكة حقيقية ومؤلمة في خاصرة السياسة الخارجية الأميركية، بعد عقود من الخلافات الدبلوماسية أعقبها فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وبريطانيا جولات من العقوبات ضد النظام الفنزويلي وقاداته، واستهدفت قطاع النفط والغاز. لكن نظام مادورو تمكّن من التلاعب والمناورة، وبيع النفط للصين وروسيا وإيران.


مقالات ذات صلة

بايدن: الهجوم الأوكراني في روسيا معضلة حقيقية لبوتين

أوروبا مدرعة أوكرانية بالقرب من الحدود الروسية (رويترز)

بايدن: الهجوم الأوكراني في روسيا معضلة حقيقية لبوتين

عدَّ الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الثلاثاء، أن الهجوم الأوكراني عبر الحدود داخل الأراضي الروسية يشكل «معضلة حقيقية» للرئيس فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وصف ترمب هاريس بـ«المجنونة الليبرالية»

ترمب: تنحّي بايدن «انقلاب ديمقراطي» على رئيس البلاد

أعلن الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك أن المقابلة التي أجراها مع الرئيس السابق دونالد ترمب على منصته «إكس» حصدت أكثر من مليار مشاهدة على جميع المنصات.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك يتعهد بـ«ترفيه مضمون» في مقابلة ترمب (رويترز)

​ماسك وترمب في «مقابلة العصر»

ماسك الذي جمعته علاقة متقلبة بترمب أعلن عن مقابلة مع الرئيس السابق على منصته «إكس» (تويتر سابقاً) فيما وصفتها الحملة الانتخابية الجمهورية بـ«مقابلة القرن».

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ب)

تقرير: إيران أكبر تهديد أجنبي للانتخابات الأميركية

قال مسؤولون أميركيون إن إيران تهدف إلى الإضرار بترشيح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة «ما زال ممكناً»

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الأحد)، إنه «ما زال من الممكن» التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة قبل نهاية ولايته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

المعارضة الفنزويلية تدعو الجيش والشرطة لـ«الوقوف إلى جانب الشعب»

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
TT

المعارضة الفنزويلية تدعو الجيش والشرطة لـ«الوقوف إلى جانب الشعب»

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو تحيي أنصارها خلال مظاهرة بكراكاس في 3 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

دعت المعارضة الفنزويلية، الاثنين، الجيش إلى «الوقوف إلى جانب الشعب» بعدما أعلن المجلس الانتخابي الوطني فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية ثالثة، في نتيجة طعن بصحّتها كثر داخل البلاد وخارجها.

وكتبت زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، ومرشح المعارضة، إدموندو غونزاليس أوروتيا، في بيان مشترك: «نناشد ضمائر الجيش والشرطة أن يقفوا إلى جانب الشعب وإلى جانب عائلاتهم هم».

وفي محاولة لضمّ الجيش إلى صفّهما، تعهدا بتقديم «ضمانات لأولئك الذين سيؤدّون واجبهم الدستوري»، مذكّرين بأنهما يملكان «أدلّة غير قابلة للجدل» على فوز غونزاليس أوروتيا بالانتخابات، وذلك بعدما حلّ مكان ماتشادو التي أُعلنت غير مؤهلة لخوض الاقتراع.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو ومرشح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا في مؤتمر صحافي بكراكاس في 29 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

وبعيد هذه الدعوة، أعلنت النيابة العامة الفنزويلية أنّها فتحت تحقيقاً جنائياً بحقّ كلّ من غونزاليس وماتشادو، وذلك بتهم عدة من بينها «اغتصاب السلطة ونشر معلومات كاذبة والتحريض على عصيان القوانين والتحريض على التمرد والتآمر الإجرامي».

وقالت النيابة العامة إن غونزاليس وماتشادو «يعلنان عن فائز زائف في الانتخابات الرئاسية (...) ويحرضان علناً عناصر الشرطة والجيش على العصيان».

وأدّت الاضطرابات التي أعقبت إعلان فوز مادورو إلى مقتل 11 مدنياً، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان.

وأعلن مادورو مقتل اثنين من عناصر الحرس الوطني واعتقال أكثر من ألفَي شخص، واعداً بمواصلة القمع ضد ما وصفها بمحاولة «انقلاب إمبريالي».

الرئيس نيكولاس مادورو وزوجته سيليا فلوريس خلال تجمع بكراكاس السبت الماضي (أ.ف.ب)

وبعد يومين فقط من الانتخابات، التي أعلن رسمياً فوز مادورو فيها، أكّد وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو ولاءه للرئيس.

وكتب بادرينو: «نؤكد مجدداً ولاءنا المطلق ودعمنا غير المشروط للمواطن نيكولاس مادورو موروس، الرئيس الدستوري وقائدنا الأعلى الذي أعيد انتخابه شرعاً من السلطة الشعبية» مضيفاً أن الجيش سيتحرك «بقوة» من أجل «الحفاظ على الانتظام الداخلي».

وأعلنت هيئة الانتخابات الوطنية أنّها سلّمت الاثنين محاضر فرز الأصوات في مراكز الاقتراع كاملة إلى المحكمة العليا.

ونشر في هذه المحاضر مطلب رئيسي للمعارضة وللدول التي تشكّك بفوز مادورو في الانتخابات.

ولم تقدّم السلطات الانتخابية حتى الآن تفاصيل حول الانتخابات في كلّ مركز اقتراع، بحجة أنها ضحية عملية قرصنة إلكترونية. وترى المعارضة في ذلك مناورة لتجنّب الكشف عن النتائج الحقيقية.

والجمعة، صادق المجلس الوطني الانتخابي على فوز مادورو بنسبة 52 في المائة من الأصوات مقابل 43 في المائة لصالح إدموندو غونزاليس أوروتيا.

لكنّ المعارضة طعنت بهذه النتائج، مؤكّدة أنّ مرشّحها فاز بنسبة 67 في المائة من الأصوات.

مؤيدو الرئيس نيكولاس مادورو يتظاهرون تأييداً له بكراكاس الاثنين (أ.ف.ب)

«محكمة راكعة»

ترى المعارضة، كما عدد كبير من المحللين أن المجلس الوطني الانتخابي والمحكمة العليا يخضعان لأوامر السلطة.

ويشير محامي المعارضة بيركينز روتشا إلى أن مادورو «يعترف ضمناً بأنه لا أحد يؤمن بإعلان (المجلس الوطني الانتخابي) لدرجة أنه يطلب تدخّل سلطة أخرى للتصديق على فوزه». ويضيف: «يعلم السيد مادورو أنه يستطيع الاعتماد على محكمة عليا راكعة أمامه».

مساء الاثنين، أعلنت رئيسة المحكمة العليا، كاريسليا بياتريز رودريغيز، تسلمها المحاضر، مشيرة إلى أن المحكمة لديها «15 يوماً قابلة للتمديد» لدراسة المحاضر.

واستدعت مرشحين ومسؤولين لجلسات استماع، بينهم غونزاليس أوروتيا الأربعاء والرئيس مادورو الجمعة.

وفي باريس، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه ونظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يدعمان «تطلعات الشعب الفنزويلي لإجراء انتخابات شفافة».

مؤيدو الرئيس نيكولاس مادورو يتظاهرون تأييداً له بكراكاس الاثنين (أ.ف.ب)

ودعت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر «الأطراف الفنزويلية إلى بدء نقاش حول انتقال سلمي ومحترم للسلطة»، وكذلك إلى «الشفافية ونشر النتائج المفصّلة».

ورداً على التصريحات الأميركية، اعتبرت وزارة الخارجية الفنزويلية أنه «من الواضح أن الولايات المتحدة تقود محاولة الانقلاب وتتجاهل الإرادة الديمقراطية للشعب الفنزويلي».

وسار الآلاف من أنصار مادورو، الاثنين، كما هو الحال كل يوم تقريباً منذ الانتخابات، في وسط كاراكاس للتعبير عن دعمهم له.

وقال مادورو «إما أنكم مع العنف أو مع السلام. إما مع الفاشيين أو مع الوطن. إما مع الإمبريالية أو مع فنزويلا».

ودعا خلال التجمّع كذلك إلى مقاطعة تطبيق «واتساب»، قائلاً: «قولوا لا لـ(واتساب)! (...) من خلال (واتساب)، يهددون الجيش الفنزويلي والشرطة وقادة الشارع والمجتمع».