المشهد الانقسامي في فنزويلا يتعمّق... فأين سيقف الجيش؟

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
TT
20

المشهد الانقسامي في فنزويلا يتعمّق... فأين سيقف الجيش؟

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس أوروتيا يحييان مناصرين خلال تظاهرة في كاراكاس (أ.ف.ب)

قبل خمس سنوات وستة أشهر: «ها هي فنزويلا تسقط في دوّامة لعبة الاستقطاب العالمي، بين من لا يستطيعون أن يقدّموا لرئيسها المطعون بشرعيته سوى الدعم الكلامي...، وخصوم له يحاصرونه سياسياً ويعترفون بزعيم المعارضة... رئيساً».

كان الرئيس «المنتخب» يومذاك نيكولاس مادورو والرئيس «الآخر» رئيس البرلمان خوان غوايدو، وقد اندلعت أزمة سياسية واقتصادية حادة هددت بانزلاق الدولة النفطية نحو حرب أهلية لولا دعم الجيش لمادورو الذي بقي في منصبه فيما كان الملايين من الفنزويليين يخرجون من البلاد إلى كولومبيا المجاورة وسواها هرباً من التدهور الدراماتيكي لمستوى معيشتهم بعد انهيار عملتهم البوليفار.

اليوم يتكرر المشهد إلى حد كبير: مادورو رئيس منتخب وإدموندو غونزاليس أوروتيا رئيس تعترف به دول أخرى تعتبر أن السلطات زوّرت نتائج الانتخابات. وفي واجهة المشهد أيضاً زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو التي تملك شعبية وتأثيراً كبيرين في البلاد.

الواقع أن فنزويلا تعرف انقساماً منذ انتخاب الزعيم اليساري هوغو شافيز أواخر القرن العشرين، بين المواطنين من الطبقة المتوسطة وما فوق الذين عارضوا الرئيسين تشافيز (توفي عام 2013) وخليفته نيكولاس مادورو، وبين الطبقة الفقيرة التي ناصرت الزعيمين الشعبويين. أما اليوم فيبدو أن المشهد السياسي تغير، بمعنى أن أكثرية المواطنين تعارض السلطة. فقد تظاهر سكان الأحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة كاراكاس بالتكافل والتضامن مع سكان المدينة الأكثر ثراءً، وواجهوا معاً قوات الأمن التي استعملت معهم القمع العنيف.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أ.ب)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (أ.ب)

قال نيكولاس مادورو من قصر «ميرافلوريس» في كاراكاس، إنه لن يسمح باندلاع حرب أهلية، واتّهم «يداً أجنبية» باستهداف الاقتصاد والوقوف وراء الاحتجاجات الأخيرة، وتعهد عدم السماح للبلاد بالسقوط في أيدي «الإمبريالية والفاشية والمجرمين». وجزم بأنه لن يكون هناك تسامح مع المتظاهرين الذين يرتكبون أعمال عنف مؤكداً أنه يعرف من يحرّضهم ويموّلهم.

وأضاف في تلميح واضح إلى الولايات المتحدة: « إذا أرادت الإمبراطورية المضي قدماً في مخططها الإجرامي، فإننا سندافع عن وطننا حتى النهاية (...). سنحمي كل شعبنا. ومهما فعلنا، فإننا نفعل ذلك لحماية عمالنا وموظفينا وتجارنا وشعبنا».

إذا كان من المتوقع أن يلوم مادورو واشنطن ويحمّلها مسؤولية الأزمة الطويلة، ويشبّه ما حصل في فنزويلا بالحصار الأميركي الطويل لكوبا، فإن المؤكد أن الانقسامات والاضطرابات التي تمخضت عنها الانتخابات الرئاسية تضرب الاستقرار وتقوّض الجهود لإنهاض الاقتصاد المنهك. والمؤكد ايضاً أن سبحة الدول التي ستعترف بإدموندو غونزاليس أوروتيا رئيساً ستكرّ بعد أن بدأت ذلك الولايات المتحدة. وبالتالي سيكون لفنزويلا مجدداً «رئيسان» وتتجدد الأزمة التي لم تؤدِّ في المرة الأولى إلى سقوط مادورو و«التشافيزية»، فيما انتهى مع مرور الوقت دور خوان غوايدو بعدما تخلت عنه واشنطن.

فهل يسقط نيكولاس مادورو هذه المرة بناءً على تغيّر المعطيات والديناميكيات داخل المجتمع الفنزويلي واتحاد القوى المعارضة في جبهة واحدة؟

الجيش ثم الجيش

لا بد من أن تتجه الأنظار إلى المؤسسة العسكرية الفنزويلية التي تضطلع بدور حاسم في مختلف مناحي الحياة في الدولة. فبعد سنوات من التلقين العقائدي الذي بدأ في عهد هوغو تشافيز (ترأس البلاد بين 1999 و2013) والنفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد، أصبح الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى جزءاً راسخاً من الدولة العميقة. ويتولى جنرالات العديد من الوزارات ويديرون شركة النفط الوطنية، ولا توجد أي مصالح وأعمال لا تتمتع فيها الأجهزة الأمنية بنفوذ كبير ودور مؤثر.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس في لقاء شعبي حاشد بعد الانتخابات في كاراكاس (أ.ف.ب)
زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو والمرشح الرئاسي إدموندو غونزاليس في لقاء شعبي حاشد بعد الانتخابات في كاراكاس (أ.ف.ب)

بالتالي، كان الجيش في السنوات الأخيرة داعماً أساسياً للسلطة السياسية، وعقبة كأداء في وجه التغيير. وبناء على ذلك، قال مادورو إن القوات المسلحة «الثورية» تدعمه «لأننا نجسّد اتحاداً مدنياً – عسكرياً – أمنياً مثاليّاً».

في المقابل، لم تبقَ المعارضة مكتوفة الأيدي، فقد تعهدت ماريا كورينا ماتشادو، زعيمة المعارضة التي مُنعت من خوض السباق الانتخابي بعد فوزها الساحق في الانتخابات التمهيدية في تشرين الأول (أكتوبر) بزعم أنها «دعمت العقوبات الأميركية، وكانت متورطة في فساد»، بجعل المؤسسة العسكرية أكثر احترافية وأفضل تجهيزاً من غير أن تنسى إغراء العسكريين برواتب أعلى. وقالت في شريط فيديو طويل توجهت به إلى العسكريين: «سنعمل لإعادة المؤسسات إلى مسارها الصحيح... لا تخذلونا. لن نخذلكم».

ولا شك في أن هذا الكلام يرمي إلى جذب المؤسسات العسكرية وإقناعها بأن التغيير السياسي سيكون مفيداً لها. وربما وجدت المعارضة مؤشرات إيجابية في قول وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز قُبيل الانتخابات: «أياً يكن الفائز فليبدأ مشروعه للحكم، ومن لم يفز فليذهب ليستريح».

إلا أن هذا الكلام لا يعني ابتعاداً حتمياً للمؤسسة العسكرية عن مادورو، فلعبة المصالح كبيرة والأوراق لم تُكشف كلها بعد. ويجب ألا ننسى البعد الخارجي، فمقابل العداء الأميركي لمادورو، هناك دعم روسي وصيني له.

يبقى أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم المستقبل، مع التسليم بأن المؤشرات تبدو سلبية وتشي بأن البلاد ستنقسم على نفسها بحدّة غير مسبوقة، وهنا يبرز دور الجيش أكثر فأكثر، فهل سيبقى سنداً لمادورو حفاظاً على مصالحه، أم سيبتعد عن سفينة يرى كثيرون أنها ستغرق حتماً؟


مقالات ذات صلة

أميركا «تهنئ» مارك كارني بفوزه في الانتخابات الكندية

العالم رئيس الوزراء الكندي مارك كارني يصل إلى مكتبه في أوتاوا، كندا، 29 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

أميركا «تهنئ» مارك كارني بفوزه في الانتخابات الكندية

هنأت الولايات المتحدة، الثلاثاء، رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بفوز الليبراليين في الانتخابات، بعد حملة هيمن عليها رفض تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم صورة ملتقطة في 27 أغسطس 2022 في الفاتيكان تظهر الكاردينال جيوفاني أنجيلو بيتشيو يصل لحضور مناسبة في كاتدرائية القديس بطرس (د.ب.أ)

انسحاب كاردينال إيطالي مدان من المشاركة في انتخاب البابا المقبل

أعلن الكاردينال الإيطالي الذي يمثل محور «محاكمة القرن» في الفاتيكان، الثلاثاء، انسحابه من المشاركة في الاجتماع المرتقب للمجمع الانتخابي لانتخاب بابا جديد.

«الشرق الأوسط» (روما)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الكندي مارك كارني يصل إلى مقر حملته في أوتاوا بعد فوز الحزب الليبرالي بالانتخابات الكندية (أ.ب)

«الخيانات» الأميركية تدفع كندا إلى اختيار «الليبراليين» لمواجهة ترمب

حقق الحزب الليبرالي الكندي، بقيادة رئيس الوزراء مارك كارني، فوزاً استثنائياً بالانتخابات، في تفويض لقيادة المعركة ضد الرئيس دونالد ترمب و«الخيانات» الأميركية.

علي بردى (واشنطن)
العالم لافتات انتخابية قرب مركز اقتراع في أوتاوا الاثنين (أ.ف.ب)

بالتزامن مع انتخاباتها... ترمب: كندا قد تصبح «الولاية الأميركية الـ51»

تشهد كندا، الاثنين، انتخابات حاسمة لاختيار رئيس حكومة قادر على معالجة أزمة غير مسبوقة مع الولايات المتحدة والتفاوض مع رئيسها دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
أوروبا طاولات وكراسي داخل كنيسة «سيستين» في الفاتيكان يوم 16 أبريل 2005 استعداداً لانتخاب بابا جديد (أ.ب) play-circle

أعمال المجمع المغلق لانتخاب البابا المقبل تبدأ في 7 مايو

أغلق الفاتيكان، اليوم (الاثنين)، كنيسة «سيستين»؛ حيث من المقرر أن يعقد الكرادلة اجتماعاً مغلقاً لانتخاب البابا المقبل، بعد وفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل.

«الشرق الأوسط» (مدينة الفاتيكان)

منذ تولي ترمب منصبه... المكسيك تستقبل نحو 39 ألف مُرحل من أميركا

الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم (إ.ب.أ)
الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم (إ.ب.أ)
TT
20

منذ تولي ترمب منصبه... المكسيك تستقبل نحو 39 ألف مُرحل من أميركا

الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم (إ.ب.أ)
الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم (إ.ب.أ)

استقبلت المكسيك زهاء 39 ألف مهاجر رحلتهم الولايات المتحدة منذ أن تولت إدارة الرئيس دونالد ترمب السلطة.

وقالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، الثلاثاء، إن من هؤلاء 33 ألف مكسيكي، وفقاً لوكالة «رويترز».

وفي حديثها في مؤتمرها الصحافي الصباحي المعتاد، قالت شينباوم إنه على الرغم من أن المكسيك قررت قبول غير المكسيكيين المرحلين من الولايات المتحدة «لأسباب إنسانية»، فإنه لم يُرسل سوى بضعة آلاف إلى المكسيك منذ تولي ترمب منصبه في أواخر يناير (كانون الثاني).

وأضافت: «يتناقص عدد الأشخاص المقبلين من بلدان أخرى لأن حكومة الولايات المتحدة لديها اتفاقيات مع جميع الدول تقريباً».

واستقبلت المكسيك عدداً أقل من الأشخاص المرحلين من الولايات المتحدة منذ تولي ترمب منصبه مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، عندما كان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في منصبه.

وتفيد البيانات المكسيكية بأن المكسيك استقبلت نحو 52 ألف مهاجر من الولايات المتحدة في فبراير (شباط) ومارس (آذار) وأبريل (نيسان) من العام الماضي.

ويأتي هذا الانخفاض على الرغم من تعهدات ترمب بشن حملة ترحيل جماعي، بسبب انخفاض عدد المهاجرين الذين يعبرون الحدود الأميركية.

فمنذ أن أطلق ترمب حملته على الحدود، تخلى المهاجرون في أنحاء أميركا اللاتينية عن آمالهم في دخول الولايات المتحدة، مفضلين العودة إلى بلدانهم الأصلية.