بعد انتخابات دموية... المكسيكيون يصوتون الأحد في اقتراع تاريخي

كلاوديا شاينباوم الأوفر حظاً... وتصاعد العنف «التحدي الأكبر»

صورة مركّبة لمرشحتَي الرئاسة غالفيز (يسار) وشاينبوم (يمين) (أ.ف.ب)
صورة مركّبة لمرشحتَي الرئاسة غالفيز (يسار) وشاينبوم (يمين) (أ.ف.ب)
TT

بعد انتخابات دموية... المكسيكيون يصوتون الأحد في اقتراع تاريخي

صورة مركّبة لمرشحتَي الرئاسة غالفيز (يسار) وشاينبوم (يمين) (أ.ف.ب)
صورة مركّبة لمرشحتَي الرئاسة غالفيز (يسار) وشاينبوم (يمين) (أ.ف.ب)

يذهب أكثر من 100 مليون مكسيكي، الأحد، إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات رئاسية وتشريعية تاريخية على أكثر من صعيد؛ فمن جهة، وبعد مائتي عام من الاستقلال، ستتولى امرأة رئاسة الجمهورية للمرة الأولى؛ إذ تنحصر المنافسة على المنصب بين مرشحتين. ومن جهة أخرى، ستكون هذه الانتخابات فرصة لترسيخ النظام الديمقراطي الذي تعرَّض لأكثر من انتكاسة واهتزاز في السنوات الماضية، بسبب من جنوح الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم نحو السلوك الاستبدادي، وسقوط العديد من مؤسسات الدولة تحت نفوذ المنظمات الإجرامية وتأثيرها.

كما تُعدّ هذه الانتخابات الأكثر دموية في تاريخ المكسيك الحديث، بعد مقتل 37 مرشحاً في سلسلة اغتيالات، آخرها مقتل مرشح لمنصب محلي في ولاية بويبلا بوسط البلاد، الجمعة، خلال تجمع انتخابي.

استعدادات بأحد مراكز الاقتراع في غوادالاخارا (أ.ف.ب)

تُجمع الاستطلاعات على أن الفوز سيكون معقوداً لمرشحة الحزب الشعبوي الحاكم، كلاوديا شاينباوم، بفارق كبير عن مرشحة المعارضة اليمينية، غوشيتل غالفيز، التي تدعمها كتلة الأحزاب التقليدية، وفي طليعتها الحزب المؤسسي الثوري الذي هبطت شعبيته بعد استئثاره بالحكم طيلة عقود.

لكن فيما تبدو نتيجة المنافسة الرئاسية محسومة، يبقى باب المفاجآت مفتوحاً على الجبهات الأخرى: هل ستحصل الفائزة على الأغلبية الكافية لإعطاء فوزها شرعية، خصوصاً وسط شكوك تحوم حول تحريض الرئيس الحالي، وعرَّابها، على أعمال العنف التي قامت بها المنظمات الإجرامية خلال الحملة الانتخابية؟ هل سينسحب فوزها على نصر موازٍ يعطيها الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب ويحررها من كابوس التفاوض مع أحزاب المعارضة لتنفيذ برنامجها؟ وهل سيفوز الحزب الحاكم برئاسة بلدية العاصمة مكسيكو، الذي يُعتبر ثاني أهم المناصب السياسية في المكسيك بعد رئاسة الجمهورية؟ إلى جانب ذلك، يبقى اللغز الأكبر: ماذا سيكون مصير الحزب الحاكم الذي ليس في الواقع سوى تيار سياسي واجتماعي تأسس حول زعامة فردية غير مألوفة في شخص الرئيس الحالي مانويل لوبيز أوبرادور؟

«الفقراء أولاً»

في عام 2018، فاز أوبرادور بنسبة 53 في المائة من الأصوات مُلحِقاً هزيمة قاسية بالحزبين اللذين توالَيَا على الحكم في العقود السابقة، بحصوله على أغلبية مريحة في مجلسَيْ الشيوخ والنواب. وعلى مر السنوات الست التالية، طور أسلوباً شعبوياً في الحكم تحت شعار «الفقراء أولاً» يصعب تصنيفه حتى بالمعايير الأميركية اللاتينية.

ونجح، بفضل مجموعة من البرامج الاجتماعية والسياسات العامة والتدابير الاقتصادية المحافظة، في زيادة القوة الشرائية للفقراء، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وسعر صرف العملة الوطنية، وإرساء قواعد نظام يهدف إلى توزيع الثروة، من غير أن يكون على حساب الأثرياء، لكن من خزانة الدولة والوفورات الناجمة عن الإجراءات التقشفية.

هذه السياسة أثمرت قاعدة شعبية واسعة مكَّنت أوبرادور من تجاوز الفضائح والانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها تلك التي تسبَّبت بها الجائحة، ومنصة وطيدة تنطلق منها شاينباوم كمرشحة اختارها الرئيس الحالي لإكمال مشروعه الذي سمح له بأن يصل إلى نهاية ولايته بتأييد شعبي يزيد على 60 في المائة.

لكنَّ ثمة شكوكاً حول قدرة هذا النموذج الاقتصادي الاجتماعي على الاستمرار، وأيضاً حول قدرة شاينباوم على الإمساك بزمام التيار الذي تشكل شخصية أوبرادور القطب الأوحد لتلاقي روافده.

هزيمة مدوية

الأحزاب المعارضة للتيار الحاكم عزت هزيمتها المدوية في عام 2018 إلى أسلوب أوبرادور «الديماغوجي»، وتذَّرعت بذلك كي لا تواجه الرفض الشعبي الواسع، وتجري الإصلاحات اللازمة، وتجدد برنامجها بطروحات جديدة لاستيعاب هذا الرفض واستعادة شعبيتها.

واكتفت المعارضة طيلة ست سنوات بانتقاد النظام وكشف الفضائح التي طالت أعوان الرئيس والمقربين منه، وعدم كفاءة حكومته لمعالجة المشكلات الأساسية. لكن تبيَّن أن هذه الحملة التي جندت لها المعارضة موارد هائلة، لم تنل من شعبية أوبرادور، واضطرتها إلى اختيار مرشحة رئاسية من خارج الحزبين الرئيسيين، لأنها تملك قاعدة شعبية ذاتية، علماً بأن أصولها ومسارها السياسي أقرب إلى الطروحات اليسارية التي يرفعها التيار الحاكم. لكن غالفيز لا تتمتع بتأييد أكثر من 30 في المائة من الناخبين، مقابل 54 في المائة لشاينباوم، وفقاً لجميع الاستطلاعات.

حسابات انتخابية

وحدَها الحسابات الانتخابية الصِّرفة هي التي وضعت امرأتين في الصف الأمامي للتنافس على الرئاسة، لأول مرة في تاريخ المكسيك، التي تحتل المركز الأول في أميركا اللاتينية من حيث تعرُّض النساء للعنف. الرئيس الحالي، الذي يملك صلاحية اختيار خلفه لزعامة الحزب مرشحاً لولاية ثانية في نظام يمنع تجديد الولاية الرئاسية، لا يملك خياراً أضمن من شاينباوم لمواصلة ممارسة نفوذه خلف الستار بعد انتهاء ولايته. أما المعارضة، فلم تجد أفضل من غالفيز للتوافق حولها بوصفها مرشحة تحميها من هزيمة نكراء أخرى.

لكن إذا كان وصول امرأة لأول مرة إلى سدة الرئاسة، وانضمام المكسيك إلى نادي البلدان الأميركية اللاتينية التي ترأسها نساء هو العلامة الفارقة في هذه الانتخابات التي ستكون نتيجتها بمثابة تمديد لولاية الرئيس الحالي، تبقى مشكلة العنف التحدي الأكبر الذي يواجه المكسيك والتهديد الأخطر لمؤسساتها الديمقراطية، بعد أن بلغ عدد القتلى الذين وقعوا ضحية الإجرام المنظَّم خلال ولاية أوبرادور 175 ألفاً، أي بمعدل 80 قتيلاً كل يوم.


مقالات ذات صلة

«نساء القطط»... جينيفر أنيستون تهاجم فانس لانتقاده هاريس «غير المنجبة»

الولايات المتحدة​ الممثلة الشهيرة جينيفر أنيستون (أ.ب)

«نساء القطط»... جينيفر أنيستون تهاجم فانس لانتقاده هاريس «غير المنجبة»

انتقدت الممثلة الشهيرة، جينيفر أنيستون، جي دي فانس، بعد أن وصف بعض السيدات من الحزب الديمقراطي، بمن في ذلك كامالا هاريس بـ«نساء القطط بلا أطفال».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يحذر: الأبقار قد تحل مكان البشر

يعتقد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب أن الأبقار ستحل مكان البشر في النهاية إذا تم حظر تناول اللحوم الحمراء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الوزير السابق بلقاسم ساحلي يعلن رفع طعون في قرار رفض ترشحه للرئاسة (إعلام الحملة)

وزير جزائري سابق يطعن في أسباب رفض ترشحه للرئاسة

رفض وزير جزائري سابق المسوّغات التي قدمتها «سلطة الانتخابات» لتفسير رفض ترشحه لاستحقاق الرئاسة، فيما أعلن مرشحان تم قبول ملفهما عزمهما خوض الحملة الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون أبرز المرشحين للفوز بولاية ثانية (الرئاسة)

غربلة ملفات المرشحين لـ«رئاسة» الجزائر تبقي على 3

سيقتصر السباق في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر المقبل، على ثلاثة مترشحين، بحسب ما أعلنت عنه هيئة الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا لوسي كاستيتس مرشحة لمنصب رئيس الوزراء في فرنسا 4 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة حكومة فرنسا؟

اقتصادية غير معروفة... من هي لوسي كاستيتس المرشّحة لقيادة الحكومة الفرنسية؟

كوثر وكيل (باريس)

الانتخابات الفنزويلية: تفاؤل حذر في صفوف المعارضة ومخاوف بأوساط النظام

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره في كاراكاس في 25 يوليو (د.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره في كاراكاس في 25 يوليو (د.ب.أ)
TT

الانتخابات الفنزويلية: تفاؤل حذر في صفوف المعارضة ومخاوف بأوساط النظام

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره في كاراكاس في 25 يوليو (د.ب.أ)
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره في كاراكاس في 25 يوليو (د.ب.أ)

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والعامة في فنزويلا، ضاعف نظام نيكولاس مادورو هجماته ضد وسائل الإعلام التي يتّهمها بدعم الدبلوماسي المخضرم إدموندو غونزاليس الذي اختارته مرشحة المعارضة ماريا كورينا، بديلاً عنها بعد أن أصدرت المحكمة الانتخابية قراراً ينزع عنها أهلية الترشح في الانتخابات الرئاسية.

وتقول أوساط النظام إن الصحف المحلية تُروّج لنتائج استطلاعات مزوّرة تُرجّح فوز غونزاليس، وهي استطلاعات سبق أن أصابت ترجيحاتها في الماضي. وتدّعي هذه الأوساط أنّ ثمّة مؤامرة دولية تُحاك على عدة جبهات لإسقاط نيكولاس مادورو، وإنهاء ربع قرن من حكم الحركة التي أسسها الرئيس الراحل هوغو تشافيز.

هجوم حاد

وتُشارك في هذه الحملة قيادات النظام، من مادورو وذراعه اليمنى خورخي رودريغيز، إلى النائب العام ورئيس المحكمة الانتخابية. ويتّهمون عدداً من الصحف الأجنبية بتمويل حملة كورينا ضد النظام من أموال المخدرات والودائع الفنزويلية المجمّدة في الخارج.

زعيمة المعارضة ماريا كورينا ومرشّحها إدموندو غونزاليس في فعالية انتخابية بكاراكاس في 25 يوليو (أ.ف.ب)

وكان مادورو بذاته قد أدلى بتصريحات هذا الأسبوع، هاجم فيها عدداً من الصحف المحلّية والأجنبية فيما وصفها بأنها «خطة لإعلان الانتخابات مزوّرة مسبقاً، بالاتفاق مع المعارضة». وقال مادورو إن هذه الخطة تديرها مجموعة من «وسائل الإعلام المأجورة، مثل (وكالة الصحافة الفرنسية) و(أسوشييتد برس) و(سي إن إن) وصحيفة (إلباييس) و(نيويورك تايمز) و(واشنطن بوست)».

ويأتي هذا التصعيد من جانب النظام الفنزويلي عشية الانتخابات، بالتزامن مع تصريحات لبعض الزعماء الإقليميين القريبين منه الذين يحضّون مادورو على التخلي عن الحكم في حال فوز المعارضة. وكان الرئيس الأرجنتيني السابق ألبرتو فرنانديز قد أعلن، أمس، أن الحكومة الفنزويلية طلبت إليه عدم التوجه إلى كاراكاس للمشاركة في مراقبة الانتخابات، كما سبق أن طلبت منه المحكمة الانتخابية. وذلك بعد أن قال في تغريدة له على «إكس»، إنه يتوجب على مادورو المغادرة إذا خسر الانتخابات. وكان الرئيس البرازيلي لولا قد أدلى بتصريحات مماثلة منذ أيام، قال فيها: «من يخسر يغادر الحكم، ومن يفوز يحكم. هذه هي الديمقراطية». وقال لولا إنه أصيب بالهلع من تصريحات لمادورو، حذّر فيها من «حمّام دم» في فنزويلا إذا فازت المعارضة، ودعا الرئيس الفنزويلي لتناول «شراب لتهدئة الأعصاب».

قلق إقليمي

أنصار مادورو في فعالية انتخابية بكاراكاس في 25 يوليو (رويترز)

من جهته، قال الرئيس الكولومبي بترو إن حكومته تراقب باهتمام كبير وحذر شديد هذه الانتخابات الفنزويلية؛ وذلك نظراً للعلاقات التاريخية التي تربط البلدين المتجاورين، ودعا إلى احترام النتائج أياً كانت، كاشفاً أن حكومته تسعى منذ فترة لإقناع المعارضة الفنزويلية والنظام بالتوقيع على ميثاق يتعهد فيه الطرفان باحترام نتائج انتخابات الأحد المقبل. وقال بترو إنه أجرى محادثات مطوّلة مع مادورو منذ أيام، شدّد فيها على ضرورة أن تعود فنزويلا إلى «النظام الديمقراطي الليبرالي»، وأبلغ نظيره الفنزويلي بأنه والرئيس البرازيلي على استعداد لبذل ما يلزم من جهود لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن فنزويلا، شريطة أن يكفّ النظام عن مضايقة المعارضة وملاحقتها، وأن يُنظّم انتخابات حُرّة وعادلة. وكان بترو قد انتقد بشدة القرار الذي اتخذته المحكمة الانتخابية الفنزويلية بنزع أهلية الترشح عن زعيمة المعارضة ماريا كورينا.

ومن المؤشرات على تزايد المخاوف الإقليمية من التطورات التي قد تنشأ عن الانتخابات الفنزويلية، خاصة في حال فوز المعارضة ورفض مادورو النتائج والتخلي عن الحكم، ما جاء في تصريحات أدلى بها لولا إلى التلفزيون البرازيلي مساء الخميس؛ إذ قال: «قلت لمادورو مرّتين، وهو يعرف ذلك، إن السبيل الوحيدة لعودة فنزويلا إلى وضعها الطبيعي هي إجراء انتخابات تحظى باحترام الجميع. وإذا كان مادورو يريد المساهمة في عودة بلاده إلى مسار النمو الاقتصادي، وعودة الذين غادروا فنزويلا، يجب عليه أن يحترم العملية الديمقراطية».

في موازاة ذلك، فاجأت تصريحات أدلى بها نيكولاس مادورو غيرّا، نجل الرئيس الفنزويلي، قال فيها: «إذا فاز مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس، سنسلمه الحكم وننتقل إلى المعارضة».