الرئيس الأرجنتيني يؤكد عزمه على «تفكيك» الدولة وإلغاء مزايا الطبقة السياسية

طالب الشعب بـ«الصبر والثقة» لأن الأشهر المقبلة ستكون أشدّ قسوة «لكن النتيجة تستحق التضحية»

الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي يلقي كلمته في البرلمان (أ.ف.ب)
الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي يلقي كلمته في البرلمان (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الأرجنتيني يؤكد عزمه على «تفكيك» الدولة وإلغاء مزايا الطبقة السياسية

الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي يلقي كلمته في البرلمان (أ.ف.ب)
الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي يلقي كلمته في البرلمان (أ.ف.ب)

في أول مثول له أمام البرلمان منذ انتخابه أواخر العام الفائت، قال الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي إنه عازم على إعادة تأسيس الأرجنتين، مؤكداً أنه سيفعل ذلك بمساعدة الطبقة السياسية أو من دونها. وحمل ميلي بشدّة على النواب الذين رفضوا قانون الإصلاح الجذري للدولة الذي كان البرلمان ناقشه في دورة استثنائية مطالع هذه السنة، معلناً عن حزمة مراسيم رئاسية تستهدف الطبقة السياسية والمزايا التي تتمتع بها.

الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي (أ.ب)

لكن إلى جانب الوعيد والتهديدات التي تضمنها خطابه في افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب الذي تسيطر فيه المعارضة على أغلبية المقاعد، قال ميلي إنه مستعد لخفض الضرائب على المقاطعات مقابل الموافقة على مشروعه الإصلاحي، ودعا إلى ميثاق وطني واسع يشمل رفع القيود عن سوق العمل وفتح باب الصناديق التقاعدية أمام القطاع الخاص.

وتوجّه ميلي في خطابه إلى المجتمع الأرجنتيني الذي عانى منذ وصوله إلى الحكم أقسى التدابير التقشفية في تاريخه الحديث، طالباً منه «الصبر والثقة» لأن الأشهر المقبلة ستكون أشدّ قسوة «لكن النتيجة تستحق التضحية» كما وعد.

محتجون أمام الكونغرس (أ.ف.ب)

ودعا الطبقة السياسية إلى التخلّي عن المصالح الفردية من أجل التوصل إلى توافق حول «ميثاق مايو» الذي يعتزم توقيعه في مايو (أيار) المقبل في مدينة قرطبة، والذي يهدف إلى رفع القيود عن الاقتصاد الأرجنتيني وخصخصة عدد كبير من المؤسسات والشركات العامة. ومن البنود العشرة الرئيسية التي يتضمنها هذا الميثاق الليبرالي، التحرير الواسع للتجارة الأرجنتينية وفرض إلزامية السداد الضريبي على المؤسسات الخاصة.

لكن ميلي يدرك جيداً أنه سيكون من الصعب جداً أن يحظى اقتراحه بتأييد حكّام المقاطعات ونوّاب المعارضة، نظراً لانعدام الثقة بين الطرفين وحدّة الاستقطاب السائد منذ وصوله إلى الحكم، ما دفعه إلى القول في ختام خطابه: «أدعوكم لدعم هذه المبادرة، لكني واثق من أنكم لن تتجاوبوا مع الدعوة». وتهدف استراتيجية الترهيب والترغيب التي يتبعها ميلي إلى استقطاب تأييد حكّام المقاطعات التي لا يسيطر حزبه على أي منها، والتي يخوض معها معركة مفتوحة منذ فترة بعد القرار الذي اتخذه بتعليق التحويلات المالية الضخمة إليها، حتى إن حاكم إحدى المقاطعات هدد بقطع إمدادات الغاز والنفط عن العاصمة إذا لم تصله الأموال المجمدة.

عملات نقدية وسط الدولار الأميركي (رويترز)

وكانت المواجهة بين الرئيس الأرجنتيني والسلطة الاشتراعية قد بلغت ذروتها مطالع الشهر الفائت عندما رفض مجلس النواب عشرات المواد الأساسية في مشروع القانون الذي قدمته الحكومة بهدف «تفكيك الدولة» حسب تعبير ميلي، وتخصيص جميع الشركات العامة الكبرى، وإصلاح النظام الضريبي وقطاع التعليم والصحة وسوق العمل، وتفويض الرئيس صلاحيات تشريعية واسعة.

وقد أدّى ذلك إلى سحب ميلي مبادرته البرلمانية مع إطلاقه حملة قاسية من الانتقادات والتهديدات ضد النواب وحكّام المقاطعات، مؤكداً أنه ليس بحاجة إلى البرلمان ليحكم البلاد وفقاً لبرنامجه الانتخابي. لكن خطواته الأخيرة تظهر عكس ذلك، خاصة أن حزبه «الحرية تتقدم» لا يملك سوى 38 مقعداً من أصل 257 في مجلس النواب وسبعة أعضاء من أصل 72 في مجلس الشيوخ.

مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (إ.ب.أ)

وقال ميلي إنه لن يتراجع عن برنامجه مهما بلغت المعارضة، محذراً من أن الأرجنتين تعيش أحرج فترات تاريخها، حيث بلغت نسبة التضخم 254 في المائة فيما يعيش 60 في المائة من المواطنين دون خط الفقر، وأضاف: «لقد سلبتنا الحكومات الشعبوية 90 في المائة من مداخيلنا، وبعد مائة عام متواصلة من الإصرار على نموذج اقتصادي فاشل، كانت السنوات العشرون المنصرمة بمثابة كارثة اقتصادية، وحالة من العربدة في الإنفاق العام والإصدارات المالية التي تسببت في أسوأ تركة تتسلمها حكومة أرجنتينية منذ عقود».

وحذّر الرئيس الأرجنتيني من أنه سيلجأ إلى كل التدابير التي تتيحها القوانين لضبط الأمن في مجتمع وصفه بأنه «متروك لمصيره تحت رحمة العصابات»، فيما تتعرّض القوى الأمنية لسوء المعاملة والانتقادات. وكان مجلس النواب قد رفض اقتراحاً من ميلي لتكليف القوات المسلحة صلاحيات أمنية داخل الحدود لأن مهامها في الوقت الراهن مقصورة على الدفاع عن الحدود الخارجية. كما أمر بوقف المعونة الغذائية التي تقدمها الدولة لملايين المواطنين يومياً، بحجة أن هذه المعونة لا تستفيد منها سوى المنظمات اليسارية.

مظاهرات عنيفة أمام البرلمان في بوينس آيرس السبت غداة تمرير حزمة مشاريع الإصلاح التي قدمها الرئيس ميلي (أ.ف.ب)

لكن أقسى الاتهامات التي تضمنها خطاب ميلي كانت موجهة إلى الطبقة السياسية عندما قال: «إن الدولة هي منظمة إجرامية مصممة لدفع الرشاوى عند تخليص كل معاملة»، وذلك في إشارة مباشرة إلى فضيحة عقود التأمين في عدد من المؤسسات العامة التي أدّت منذ أيام إلى توجيه النيابة العامة تهمة إلى الرئيس السابق ألبرتو فرنانديز بانتهاك واجباته الرسمية وسوء التصرف بأموال الدولة.


مقالات ذات صلة

عندما تتحرّك أميركا... يتغيّر العالم

تحليل إخباري البيت الأبيض

عندما تتحرّك أميركا... يتغيّر العالم

تتبدّل تسميات النظام العالمي، بتبدّل موازين القوى، وكيفيّة صناعة الثروة، وما الوسائل لصناعة هذه الثروة، وأين توجد.

المحلل العسكري
آسيا ضابطات شرطة يعتقلن عاملات في مقر حزب «إنصاف» بإسلام آباد بعد مداهمة أمنية الاثنين (أ.ف.ب)

مداهمة مقرّ حزب عمران خان في باكستان

داهمت الشرطة الباكستانية، الاثنين، المقر العام لحزب رئيس الوزراء السابق عمران خان، المسجون حالياً بعد أسبوع على تعهّد الحكومة المدعومة من الجيش حظرَ هذه الحركة.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
تحليل إخباري دمار في أغدام التي استعادتها أذربيجان من أرمينيا (أرشيفية - رويترز)

تحليل إخباري جنوب القوقاز بين براغماتية بوتين والدور الأميركي المتعاظم

يربط ممر زنغزور بين آسيا وأوروبا ويشكل شرياناً حيوياً للتجارة ويعزز موقع جنوب القوقاز على خريطة المصالح العالمية.

أنطوان الحاج
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال 16 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

ماكرون يقبل استقالة حكومة أتال... ماذا يعني ذلك؟

قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال وحكومته هذا اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر يتحدث في حفل إطلاق برنامج حزب العمال الانتخابي في مانشستر ببريطانيا في 13 يونيو 2024 (رويترز)

قصة حزب العمال منذ التأسيس حتى فوزه الجديد بالانتخابات البريطانية

بمناسبة مرور مائة عام على تسلّم حزب العمال السلطة في بريطانيا للمرة الأولى عام 1924، يعود الحزب المحسوب على يسار الوسط، ليترأس السلطة التنفيذية بعد غياب 15 سنة.

شادي عبد الساتر (بيروت)

منع مراقبين من دخول فنزويلا عشية الاستحقاق الرئاسي

رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يسعى للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا (أ.ب)
رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يسعى للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا (أ.ب)
TT

منع مراقبين من دخول فنزويلا عشية الاستحقاق الرئاسي

رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يسعى للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا (أ.ب)
رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يسعى للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا (أ.ب)

ساهم قيام كراكاس بمنع رحلة جوية تقل رؤساء دول سابقين من أميركا اللاتينية لمراقبة الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد في تفاقم الأجواء المتوترة أصلاً في فنزويلا حيث يسعى نيكولاس مادورو للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا.

ويعلن كل معسكر أنه واثق من الفوز في هذه الانتخابات. فمن جهة يؤكد الرئيس مادورو (61 عاماً) منذ بدء الحملة الانتخابية أن البلاد تقف خلفه.

ومن جهة أخرى يستند غونزاليس أوروتيا (74 عاماً) الذي حل مكان زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو لعدم أهليتها إلى استطلاعات الرأي التي تظهر تقدمه بأكثر من 20 نقطة.

وفي حديثه عن «إغلاق المجال الجوي الفنزويلي» اتهم رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو كراكاس بمنع إقلاع رحلة تجارية من مطار توكومين في بنما إلى العاصمة الفنزويلية وبين ركابها العديد من رؤساء أميركا اللاتينية السابقين، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تضم المجموعة ميريا موسكوسو (بنما) وميغيل أنجيل رودريغيز (كوستاريكا) وخورخي كيروغا (بوليفيا) وفيسينتي فوكس (المكسيك)، وجميعهم أعضاء في المبادرة الديمقراطية لإسبانيا والأميركتين (مجموعة IDEA) وينتقدون بشدة حكومة مادورو.

وتحدث فوكس في إطار البرنامج المكسيكي غروبو فورمولا عن «مؤشر سيئ». وأضاف «أرغمونا على النزول من الطائرة باستخدام الابتزاز وممارسة الضغوط من فنزويلا».

«إذا لم تتم دعوتكم...»

والأربعاء لمح ديوسدادو كابيلو نائب الرئيس السابق النافذ والذي غالباً ما اعتبر الرجل الثاني في السلطة الفنزويلية إلى الحظر المفروض على إقامة رؤساء الدول السابقين.

وقال خلال برنامجه المتلفز الأسبوعي «إذا لم تتم دعوتكم إلى حفلة ماذا يقولون لكم؟ (...) من فضلكم كونوا لطفاء وارحلوا (...) ليسوا مدعوين ويحبون الاستعراض».

واستنكر عشرة نواب وأعضاء في البرلمان الأوروبي من الحزب الشعبي الإسباني (يمين) إضافة إلى نائب كولومبي وآخر إكوادوري، منع دخولهم إلى فنزويلا عند وصولهم إلى مطار مايكيتيا قرب كراكاس.

وقال ميغيل تيلادو من حزب الشعب على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»: «يتم طردنا (...). للأسف شرطة مادورو صارمة».

وبعثت الحكومة التشيلية رسالة احتجاج إلى كراكاس مساء الجمعة اتهمتها فيها بممارسات مماثلة مع اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ المحافظين.

وتزيد هذه الأحداث من المخاوف التي أثارتها في المنطقة تحذيرات مادورو من «حمام دم» محتمل في حال فوز المعارضة.

وأعرب رئيسا البرازيل وتشيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا وغابرييل بوريك، وكلاهما من اليسار، عن قلقهما.

وأعلن لولا «على مادورو أن يتعلم: عندما نفوز نبقى. وعندما نخسر نرحل».

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن الداخلي جون كيربي إن «القمع السياسي والعنف غير مقبولين».

وأطلق الرئيس الإكوادوري دانييل نوبوا «نداء عاجلاً لوقف كافة أشكال المضايقات والاضطهاد ضد المعارضة السياسية والعملية الانتخابية نفسها».

اعتقالات

ولم تعترف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجزء كبير من المجتمع الدولي بإعادة انتخاب مادورو عام 2018 خلال تصويت قاطعته المعارضة، متحدثة عن عمليات تزوير.

وقالت ماتشادو إنها تحدثت مع رؤساء الأرجنتين خافيير مايلي وباراغواي سانتياغو بينيا وأوروغواي لويس لا كالي بو، وشكرتهم على «تضامنهم ودعمهم في المعركة من أجل الديمقراطية». وأجاب مايلي الخصم المعلن لمادورو «سنكون دائماً إلى جانب الشعب الفنزويلي».

على الأرض «كل شيء جاهز» كما قال رئيس المجلس الانتخابي الوطني إلفيس أموروسو موضحاً أن عملية تجهيز مراكز الاقتراع البالغ عددها 30 ألفاً بدأت صباحاً.

وشكا نشطاء في المعارضة من التأخير وقال وزير الدفاع الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز «تنبيه! يحاولون من خلال نشر اتهامات مغرضة عبر شبكات التواصل الاجتماعي إفساد المناخ الانتخابي».

وقالت منظمة «فورو بينال» غير الحكومية لحقوق الإنسان الجمعة إنه تم توقيف 135 شخصاً في إطار حملة المعارضة، مشيرة إلى أن 47 لا يزالون رهن الاعتقال.

وتدين المعارضة منذ أسابيع «الاضطهاد السياسي» للسلطة من خلال حملات الاعتقال والإغلاق الإداري والغرامات المفروضة على التجار والفنادق والمطاعم التي تتعامل مع المعارضة. وتتهم الحكومة الفنزويلية المعارضة بانتظام بالتحريض للتآمر على الرئيس نيكولاس مادورو.

وأحصت «فورو بينال» 305 «سجناء سياسيين» في فنزويلا.