يدخل «اتفاق بريتوريا» الموقع بين الحكومة الإثيوبية و«جبهة تحرير تيغراي» قبل 3 سنوات، اختباراً جديداً عقب هجوم الجبهة على منطقة عفر الإثيوبية.
ذلك الهجوم الذي يأتي وسط توتر في العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة الحليفة لتلك القوات، يرى خبير إثيوبي، تحدث لـ«الشرق الأوسط» أنه بمثابة تصعيد قد ينهي «اتفاق بريتوريا» ويقود لحرب أخرى بين إثيوبيا وإريتريا، مشيراً إلى أن هذا يتوقف على استمرار المواجهات الفترة المقبلة وعدم ضبط النفس من أديس أبابا.
وأعلنت السلطات المحلية في عفر، ليل الأربعاء، أن المنطقة الإثيوبية تتعرّض لهجوم من «جبهة تحرير تيغراي» المجاورة، مشيرة إلى أنها سيطرت على 6 قرى وقصفت مدنيين بالهاون والمدفعية الثقيلة، محذّرة من أنها ستؤدي مهامها الدفاعية لحماية نفسها إذا تواصلت الهجمات، حسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.
وخاضت «جبهة تحرير تيغراي» (شمال إثيوبيا) حرباً أهلية مدمّرة ضد الحكومة الإثيوبية من عام 2020 حتى 2022 أودت بنحو 600 ألف شخص قبل أن يتم إبرام «اتفاق بريتوريا للسلام» وإنهاء الحرب.
وهيمنت «جبهة تحرير تيغراي» على المشهد السياسي في إثيوبيا من عام 1991 حتى 2018 عندما تم تهميشها مع صعود رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة، وفي مايو (أيار)، منعت مفوضية الانتخابات الحزب من ممارسة أي نشاط سياسي، وألغت وزارة المال صرف أكثر من ملياري بير (13.1 مليون دولار) لتيغراي.
ويعاني إقليم تيغراي الذي يقطنه نحو ستة ملايين نسمة صعوبات مالية في حين ما زال نحو مليون شخص نازحين جراء الحرب التي اندلعت بين 2020 و2022.
في المقابل، أصدرت «جبهة تحرير تيغراي» بياناً منفصلاً اتهمت فيه الحكومة الفيدرالية بـ«تقويض اتفاق بريتوريا» وحثت الوسطاء الدوليين على إعادة تقييم عملية السلام في البلاد.
ويعتقد المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، أن ما حدث هجوم وليس اشتباكات، وبالتالي هذه «محاولة تصعيد متطرفة»، مرجحاً أن هذه الأحداث لو تطورت ودخلت مواجهات شاملة ستكون نهاية «اتفاق بريتوريا» وستشهد إثيوبيا حرباً جديدة.
تلك الهجمات تأتي بعد اتهام الحكومة الإثيوبية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «جبهة تحرير تيغراي» في رسالة إلى الأمم المتحدة بإقامة علاقات مع إريتريا المجاورة و«التحضير بشكل نشط لخوض حرب ضد إثيوبيا».
وتواجهت إثيوبيا وإريتريا في حرب دامية أوقعت عشرات الآلاف من القتلى بين عامي 1998 و2000 بسبب نزاعات حدودية، وظلت العلاقات بين البلدين متوترة، ثم تحسنت العلاقات في عام 2018 مع تولي آبي أحمد السلطة وإبرامه اتفاقية سلام مع الرئيس أسياس أفورقي الذي يحكم إريتريا منذ عام 1993، قبل أن تتوتر مجدداً عام 2022.
وشهدت العلاقة بين أديس أبابا وأسمرة توتراً ملحوظاً، عقب توقيع الأولى «اتفاق بريتوريا للسلام» مع «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، من دون مشاورة حلفائها في الحرب التي دعم فيها الجيش الإريتري القوات الإثيوبية ضد متمردي الإقليم الواقع في شمال البلاد، وازدادت حدة التوتر بعد إعلان أديس أبابا عن رغبتها في امتلاك منفذ على البحر الأحمر، واتهمتها أسمرة بالتطلع إلى «ميناء عصب» الإريتري.
ويرى الأستاذ في أوسلو نيو يونيفرسيتي كولدج المتخصص في شؤون المنطقة، كييتيل ترونفول، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، أن خطاب آبي أحمد بشأن المنفذ إلى البحر الأحمر (أواخر أكتوبر) الماضي لا يزال ثابتاً منذ عام، في إطار بناء تدريجي لحجج قد تبرر عملاً عسكرياً ملموساً، من خلال تصوير إريتريا جاراً معادياً.
ورأى كييتيل ترونفول أن آبي أحمد يعزز حججه لتبرير «عمل من قبيل الدفاع المشروع عن النفس، والخطوة الأخيرة في هذه العملية، قبل أي عمل مسلح، هي الدعوة إلى مفاوضات دولية، وهو ما فعله أخيراً».
ويوضح الباحث في مركز «تشاتام هاوس» للدراسات أبيل أباتي ديميسي أن «إريتريا عمدت إلى بناء علاقات مع (جبهة تحرير تيغراي) وغيرها من القوى المناهضة للحكومة في إثيوبيا وفي الشتات؛ ما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين البلدين».
وفي الأشهر الأخيرة، وطدت أسمرة علاقاتها مع مصر وعاد الرئيس أسياس أفورقي، الثلاثاء، من زيارة لمصر التقى خلالها نظيره عبد الفتاح السيسي، الذي أكد «التزامه الراسخ بدعم سيادة إريتريا وسلامة أراضيها».
ولا يفصل المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، التوتر الإريتري ودعم أسمرة لـ«جبهة تيغراي» عن المشهد الحالي، موضحاً أن هذا التصعيد تقف وراءه قوى إقليمية، في مقدمتها إريتريا وليس بعيداً عن التواصل الإريتري - المصري الأخير في ظل توتر علاقات القاهرة وأديس أبابا بشأن ملف سد النهضة وتلويح مصر بأنها ستدافع عن حقها المائي.
وتنفي مصر عادة دعم أي نزاعات أو التدخل في مواجهات أو شؤون دول أخرى، وتطالب، وفق بيانات حكومية، بحقها عبر القنوات الرسمية، واتهمت آبي أحمد أكثر من مرة بتهديد أمن مصر المائي وافتعال أزمات لتهدئة الداخل ببلاده.
ويتوقع عبد الصمد أن تستمر محاولات تيغراي لجر الحكومة الإثيوبية لمواجهات قد تتوسع لصدام إريتريا؛ لاستنزاف أديس أبابا، مشيراً إلى أنه لو مضت الأمور في إطار غير معقول فستدخل أديس أبابا في خطوات لا رجعة فيها ستزيد الأزمات بالقرن الأفريقي دفاعاً عن سيادتها.









