مع حلول ساعات مساء الأربعاء، خرج المئات من سكان مدينة باماكو، عاصمة دولة مالي، للاحتفال بوصول قافلة من صهاريج الوقود تحت حراسة مشددة من الجيش، وذلك بعد مرور شهرين من حصار مقاتلي تنظيم «القاعدة» للمدينة، الذي حرمها من الوقود، وأدخلها في أزمة خانقة عطلت حياة أكثر من 3 ملايين مواطن.
ودرج مقاتلو «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، على نصب الكمائن على الطرق، التي تربط باماكو بحدود موريتانيا والسنغال وغينيا وساحل العاج، وأعلنوا أن هدفهم هو إسقاط المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ 2020. وتحدثت تقارير عديدة أن مقاتلي تنظيم «القاعدة» لا يبعدون عن العاصمة المالية سوى ساعة فقط، وسط تحذيرات من مخطط لدى التنظيم الإرهابي، يهدف فيه إلى دخول العاصمة والسيطرة على الحكم.
تضييق الخناق
في تقرير نشرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت الأزمة التي تسبب فيها حصار «القاعدة» لمدينة باماكو، بأن «حياة السكان اليومية أصبحت صعبة للغاية»، وقالت إن مئات السيارات والدراجات النارية تصطف ليلاً ونهاراً على أحد الشوارع الكبرى في الحي التجاري، تنتظر إحدى محطات الوقود لتبدأ في توزيع البنزين.

يقول كريم كوليبالي، سائق حافلة في الثلاثين من عمره، وهو عاطل حالياً عن العمل بسبب نقص الوقود: «أنا في هذا المكان منذ ثلاثة أيام، أمضيت ليلتين هنا، وخلال هذه الأيام الثلاثة، لم يأتِ سوى صهريج واحد لتزويد الخزانات، ونفد الوقود خلال ساعة واحدة».
وكما في باقي مناطق العاصمة، يُفرض تقنين صارم، إذ لا يُسمح بشراء أكثر من 10 آلاف فرنك أفريقي (نحو 15 يورو)، أي ما يعادل 13 لتراً من البنزين، ويُباع اللتر في المحطات بـ725 فرنكاً أفريقياً (نحو 1.10 يورو)، بينما يُعاد بيعه في السوق السوداء بـ2000 فرنك (نحو 3 يوروهات).
وقال أحد المستهلكين، مفضلاً عدم ذكر اسمه: «ليس أمامنا خيار، إما أن نقبل أو نبقى دون وقود».
ومن أجل ضمان وصول الوقود من مواني دول غرب أفريقيا إلى باماكو، قرر الجيش مرافقة قوافل الصهاريج لتأمينها، لكن رغم ذلك نجح مقاتلو «القاعدة» في إحراق عدة شاحنات، وقتل أو خطف سائقين وعسكريين في كمائن متفرقة.
مخاوف وقلق
أمام تفاقم الحصار، ونشوب نزاعات بين السكان في عدة أحياء من العاصمة بسبب نقص الوقود، طلبت السفارة الأميركية في مالي الثلاثاء من رعاياها «مغادرة البلاد فوراً»، بسبب «الطبيعة غير المتوقعة للوضع الأمني في باماكو». وفي اليوم التالي، أصدرت إيطاليا وألمانيا تحذيرات مماثلة لمواطنيهما المقيمين في مالي، فيما بدأت آثار الحصار تظهر بشكل واضح على الحركة الاقتصادية في البلد الفقير، والمنهك بالحرب منذ قرابة عقدين من الزمن.

يقول عمر ديالو، وهو موظف حكومي ينتظر في طابور يمتد كيلومتراً كاملاً: «منذ أسبوع لم أذهب إلى عملي».
وتفاقمت الأزمة مع تزايد انقطاع التيار الكهربائي بسبب نقص الوقود، فيما أعلنت شركة «إينرجي دو مالي» تقليص ساعات تزويد الكهرباء من 19 ساعة يومياً إلى 6 ساعات فقط. وفي هذا السياق يقول مامادو كوليبالي، وهو كهربائي يبلغ 23 عاماً، إنه لم يتمكن من العمل منذ أسبوع، بعد أن نفدت طاقة هاتفه وبطارياته الاحتياطية، وأوضح أنه اضطر وهو في آخر مهمة له لانتظار التيار لساعات لتحديد موقع عطل كهربائي، لكن الكهرباء لم تعد، فاضطر لدفع دراجته مسافة 20 كيلومتراً إلى منزله. و«منذ ذلك اليوم، أنا هنا بلا مال، بلا عمل، بلا وسيلة نقل». كما أعلنت السلطات الأحد الماضي إغلاق المدارس والجامعات لمدة أسبوعين بسبب الأزمة.
حلول بديلة
في مواجهة الأزمة، يحاول سكان باماكو إيجاد حلول بديلة. فالأثرياء يشترون ألواحاً شمسية لتأمين الكهرباء بأنفسهم. أما الشبان الأقل حظاً مثل شكا دومبيا، وهو ميكانيكي في الثانية والعشرين من عمره، فيعتمدون على الابتكار والمجازفة.
يقول دومبيا بابتسامة مريرة: «أمزج مادة مذيبة للدهان مع الكحول لتشغيل المحرك... هذا كل ما أملك».
وأمام توقف حركة السيارات والحافلات والدراجات، زاد الإقبال على العربات التي تجرها الحمير، وأصبحت وسيلة النقل الوحيدة المتوفرة في المدينة المترامية الأطراف، التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

في غضون ذلك، كان وفد روسي قد زار مالي الجمعة، والتقى مع الرئيس الانتقالي الجنرال آسيمي غويتا، حيث أبلغه بقرب موعد وصول شحنات من الوقود والحبوب، وكان يقود الوفد الروسي أليكسي كوليكا، مدير التنسيق والعمليات في هيئة رؤوس الأموال الأفريقية، وهي هيئة تمويل روسية موجهة إلى الدول الأفريقية، التي تقيم شراكة استراتيجية مع موسكو، وفي مقدمتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو (دول الساحل).
وأجرى الوفد محادثات مع الرئيس الانتقالي المالي في القصر الرئاسي، بحضور وزير الاقتصاد في حكومة مالي ألسيني سانّو، وفي ختامها أعلن المسؤول الروسي، أليكسي كوليكا، أن الهدف كان «إبلاغ سلطات مالي بقرب وصول شحنات من الحبوب والأسمدة، ضمن تعاون طويل الأمد، يعكس الصداقة التاريخية بين البلدين منذ الحقبة السوفياتية».





