أعلن تنظيم «داعش» أنه أعدم شخصين مسيحيين، بعد أن وقعا في أسر مجموعة من مقاتليه في أقصى شمال شرقي موزمبيق، وتحديداً في مقاطعة كابو ديلغادو، حيث ينفذ التنظيم هجمات بين آن وآخر، مهدداً الاستقرار في المنطقة الغنية بموارد الغاز الطبيعي؛ ما جعلها قِبلة لاستثمارات ضخمة من شركات عالمية.
وقال التنظيم في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: «أسر جنود الخلافة اثنين من النصارى بين بلدتي بالما وموسمبوا دا برايا، وقتلوهما بالأسلحة الرشاشة».
وتأتي هذه التصفية الجسدية ضمن سياسة التنظيم باستهداف الكنائس والمسيحيين في المنطقة.
وبدأ الإرهاب في شمال موزمبيق على الحدود مع تنزانيا، عام 2017 على يد مجموعة محلية ساخطة (أنصار السنة/ الشباب)، ولكنها سرعان ما بايعت تنظيم «داعش»، وفي عام 2022 أعلن التنظيم في أدبياته عن «ولاية الموزمبيق»، بعد أن كانت جزءاً من «ولاية وسط أفريقيا».
وسبق أن حاول التنظيم السيطرة على شمال موزمبيق، وأعلن مدينة موسيمبوا دا برايا عاصمة له بعد أن سيطر عليها، ولكن القوات الحكومية استعادتها بدعم من قوات إقليمية، وخاصة من رواندا.

وتسبب انعدام الأمن في شمال موزمبيق في أزمة إنسانية بعد نزوح ما يقارب 60 ألف شخص من مساكنهم خلال العام الحالي (2025)، وذلك بسبب القتال العنيف والمستمر، كما تحدثت تقارير عن تجنيد مئات الأطفال للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي.
في غضون ذلك، قال وزير الداخلية الموزمبيقي باولو تشاتشيني، الاثنين الماضي، إنّ محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة تمثل «واجباً أخلاقياً» ومسألة تتعلق بكرامة الإنسان، وأضاف: «محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة ليست واجباً استراتيجياً فحسب، بل هي واجبٌ أخلاقيّ ودفاعٌ حازم عن كرامة الإنسان».
وأوضح الوزير في حديثه أمام المؤتمر العلمي لأكاديمية علوم الشرطة: «نحنُ نعيش في زمن يتطلب استجابات أكثر تطوراً، استجابات مبنية على البحث الدقيق والابتكار المستمر»، مشيراً إلى أن دور الشرطة لا يقتصر على تطبيق القانون فحسب، بل يشمل أيضاً احترام حقوق الإنسان والحوار والوساطة، مؤكداً أن «على الشرطة واجبَ تعزيز مجتمعٍ عادلٍ وآمنٍ ومتساوٍ».
وكان رئيس موزمبيق دانييل تشابو، قد أدلى بتصريحات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وصف فيها الهجمات الإرهابية في شمال البلاد، بأنها «أعمال وحشية» تمثل اعتداءً على «كرامة الإنسان».
ويُظهر تقرير مشروع «أكليد» لرصد مواقع وأحداث النزاعات المسلحة أن عدد القتلى بلغ 6257 شخصاً خلال ثماني سنوات من الهجمات الإرهابية في كابو ديلغادو، محذراً من حالة عدم الاستقرار الراهنة مع تجدّد موجات العنف.
وكان تنظيم «داعش» قد نفَّذ هجمات إرهابية الجمعة الماضي، استهدفت مدينة بالما الاستراتيجية، حيث توجد مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، وأسفرت الهجمات عن مقتل ثلاثة أشخاص واختطاف 11 طفلاً.
وأكدت التقارير أن هذا أول استهداف للمدينة الاستراتيجية منذ مجزرة مارس (آذار) 2021، التي قتل فيها التنظيم الإرهابي أكثر من 800 شخص؛ ما دفع شركة «توتال إنرجي» الفرنسية إلى تعليق العمل في مشروع الغاز الطبيعي المسال البالغ قيمته 20 مليار دولار، والذي كانت الشركة تخطط لاستئنافه هذا العام.

وتُعد منطقة كابو ديلغادو، ذات الغالبية المسلمة، من أفقر مناطق موزمبيق رغم ثرواتها الطبيعية التي جذبت استثمارات ضخمة، ولكن الوضع الأمني الصعب يمنع استغلال هذه الثروات.
إلى ذلك، حذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن الأزمة الإنسانية في مقاطعة كابو ديلغادو بلغت مستوى حرجاً جديداً، مع نزوح ما يقرب من 22 ألف شخص خلال أسبوع واحد بسبب تصاعد العنف.
وأفاد المكتب بأن عام 2025 وحده شهد نزوح أكثر من 100 ألف شخص، ليرتفع العدد الإجمالي للنازحين إلى أكثر من 1.3 مليون، كثير منهم اضطروا إلى النزوح مرات عدة.
وللمرة الأولى منذ بدء النزاع، باتت جميع المديريات السبع عشرة في المقاطعة متأثرة بشكل مباشر، وفقاً لممثل المفوضية في موزمبيق، كزافييه كريش، الذي قال: «الأسر بلغت حدودها القصوى؛ بعض العائلات التي كانت تستضيف نازحين أصبحت الآن تهرب بنفسها».
وسجلت الأمم المتحدة أكثر من 500 حادث أمني في المنطقة، حتى أغسطس (آب) الماضي، شملت عمليات قتل واختطاف وعنف جنسي، وحذَّرت من أن الأطفال مهددون بالتجنيد القسري، والنساء والفتيات أكثر عرضة للخطر أثناء قيامهن بالمهام اليومية، مثل جلب الماء أو الحطب. أما كبار السن وذوو الإعاقة فيُترَكون غالباً وسط مناطق القتال.
وبينما تدخل الأزمة عامها الثامن، تُعدّ واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في جنوب القارة الأفريقية، تفاقمها الكوارث المناخية ونقص التمويل، بينما دعا عمال الإغاثة إلى تعبئة عاجلة للدعم الدولي لتجنب مزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية.

