«اتفاق السلام» بين رواندا والكونغو الديمقراطية... خفض للتوتر ينتظر تفاهمات

البلدان تعهدا بوقف مساندة «المتمردين» بدعم أميركي

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وزيري خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا عقب توقيع الاتفاق (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وزيري خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا عقب توقيع الاتفاق (رويترز)
TT

«اتفاق السلام» بين رواندا والكونغو الديمقراطية... خفض للتوتر ينتظر تفاهمات

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وزيري خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا عقب توقيع الاتفاق (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وزيري خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا عقب توقيع الاتفاق (رويترز)

اتفاق سلام برعاية أميركية، جمع الكونغو الديمقراطية ورواندا على مسار جديد «يطوى صفحة العنف والدمار»، حسب تأكيد واشنطن، وذلك بعد نحو 6 أشهر من تبادل الاتهامات بدعم حركات تمرد بالبلدين.

ذلك الاتفاق الذي تحدث على «تحييد» القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، ووقف أعمال متمردي «23 مارس» بشرق الكونغو، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه صفحة جديدة من مساعي خفض التوتر بين البلدين تجعلها معلقة بين فرص التقدم ومخاطر الانتكاس، خصوصاً أنها تحتاج إلى تفاهمات بين المتمردين وحكومات البلدين بما يجعل الاتفاق يدخل حيز التنفيذ بشكل قابل للاستمرار.

ووقعت كيغالي وكينشاسا، اتفاق سلام، الجمعة في واشنطن، ينص على إنشاء هيئة تنسيق أمني مشتركة لرصد التقدم، وتعهدتا فيه وقف الدعم للمتمردين بالبلدين، حسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويدعو الاتفاق إلى «تحييد» القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، مع تأكيد وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه اندوهوجيريهي، خلال التوقيع الذي حضره الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن «إنهاء الدعم الحكومي (من الكونغو الديمقراطية لتلك القوات) نهائياً وبشكل لا رجوع عنه، وقابل للتحقق»، ويجب أن يكون «أولوية قصوى».

وسلطت نظيرته الكونغولية، تيريزا كاييكوامبا واغنر، الضوء على الدعوة في الاتفاق لاحترام سيادة الدولة، وقالت إن الاتفاق «يتيح فرصة نادرة لطي صفحة الماضي، ليس بالكلام فحسب، بل بتغيير حقيقي على أرض الواقع»، في إشارة لأهمية وقف دعم رواندا لحركة «23 مارس» المتمردة التي حققت تقدماً سريعاً في شرق الكونغو منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، واستولت على بلدات رئيسية وأراضٍ شاسعة في اشتباكات أسفرت عن مقتل الآلاف.

ويستشري العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد، الواقعة على الحدود مع رواندا، منذ ثلاثة عقود، وقد تجدد بعد أن شن متمرّدو الحركة هجوماً نهاية 2021، ومنذ نهاية ذلك العام أُقرَّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة بتلك المنطقة، لكن كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع باءت بالفشل.

جنود في جيش الكونغو الديمقراطية قرب الحدود مع رواندا (رويترز)

الباحث المختص في قضايا الصراعات والأمن في أفريقيا، محمد تورشين، يرى أن مخرجات تفاهمات البلدين في واشنطن تعد «بمثابة اتفاق تاريخي ينهي فصولاً من الصراع والاقتتال والتوتر وعدم الاستقرار بين البلدين تجاوزت 3 عقود، خصوصاً أن الاتفاق المأمول تنفيذه نص على وقف دعم الحركات المناوئة لأنظمة الحكم في كيغالي وكينشاسا».

ويعتقد تورشين أن نص الاتفاق الواضح في عدم دعم المتمردين سيفتح صفحة جديدة من خفض التصعيد، تنتظر حدوث تفاهمات داخلية بين حكومات البلدين وأطراف التمرد لنرى اتفاقاً ينفذ على أرض الواقع، لافتاً إلى أن هناك مباحثات تستضيفها قطر بين تلك الأطراف لدعم الاتفاق الأميركي وتنفيذه على أرض الواقع، كما يشير إلى أن المعلومات الأولية ومخرجاتها ستكون مهمة جداً في دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

ويرى المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تداعيات الاتفاق مرشحة للتطور خلال الأشهر المقبلة بحسب التزام الأطراف ومواقف الفاعلين المحليين والدوليين، موضحاً أن الاتفاق أمني يشكل تهدئة ميدانية مؤقتة، وإذا التزمت كيغالي بسحب دعمها للمتمردين فعليّاً، فسيكون لذلك أثر فوري على خفض العنف.

ويعتقد عيسى أن تعهد البلدين بوقف مساندة المتمردين خطوة إيجابية على الورق، وأن تحقيق التزام فعلي يتوقف على عوامل متعددة، منها مدى الجدية السياسية، ووجود آليات رقابة شفافة، وتوازن المصالح بين الأطراف، إذا كانت مصالح الأطراف لا تزال مرتبطة بوجود المتمردين.

وعقب الاتفاق الذي ينص على «إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي» في غضون ثلاثة أشهر، قال ترمب: «اليوم تُطوى صفحة العنف والدمار وتبدأ المنطقة بأكملها فصلاً جديداً من الفرص والازدهار»، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتمكن من الحصول على «الكثير من حقوق التعدين في الكونغو»، بحسب ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأواخر مايو (أيار) الماضي، نقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، عن مصدرين مقربين من المفاوضات، أن «مسؤولين من الكونغو الديمقراطية متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في نهاية يونيو (حزيران) الحالي، لتأمين استثمارات أميركية في المعادن الحيوية، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة جهود إنهاء التمرد في شرق الكونغو».

وزير الخارجية الأميركي يتوسط نظيريه الكونغولي والرواندي (أ.ف.ب)

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان، الاتفاق «خطوة بارزة نحو نزع فتيل التصعيد والسلام والاستقرار»، داعياً الأطراف إلى الوفاء الكامل بالتعهدات»، فيما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحافية، بالاتفاق ووصفه بـ«خطوة تاريخية إلى الأمام»، مضيفاً أن «السلام يجب أن يصمد».

ويعتقد تورشين أن الجانب الاقتصادي كان مفتاح التوصل إلى هذا الاتفاق، خصوصاً أن واشنطن لديها تطلعات اقتصادية بشأن معادن الكونغو الديمقراطية، وكانت حريصة على إتمام هذا الاتفاق بشكل سريع ضماناً لمصالحها، متوقعاً أن يسهم الترحيب الدولي في تهيئة الأمور لتنفيذ الاتفاق شريطة وجود تفاهمات داخلية.

ويرى عيسى أن دعم واشنطن للاتفاق يأتي من منطلق حماية مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى المعادن الحيوية مثل الكوبالت والليثيوم، التي تعد ضرورية لصناعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، لا سيما أن الكونغو الديمقراطية تملك نسبة كبيرة من احتياطي هذه الموارد، وهو ما يجعل استقرارها أولوية اقتصادية للولايات المتحدة التي تسعي نحو صفقة معادن تمنح واشنطن حافزاً قويّاً لضمان تنفيذ الاتفاق، سواء عبر الضغط الدبلوماسي أو من خلال تقديم الدعم التنموي مقابل الالتزام السياسي.

ويتوقع أن يُستخدم الاتفاق لفتح المجال أمام استثمارات دولية في قطاع التعدين، خصوصاً تحت رعاية الولايات المتحدة، التي تسعى لتقليل اعتمادها على سلاسل توريد مرتبطة بالصين، مؤكداً أن «السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا سيبقى مُعلَّقاً بين فرص التقدم ومخاطر الانتكاس، وسط تعقيدات ميدانية وسياسية لا تزال تُضعف أي مسعى نحو تسوية شاملة».

ويوضح عيسى أن «المبادرات الإقليمية والدولية تبذل جهوداً ملموسة للتهدئة، إلا أن نجاحها يظل مشروطاً بمدى استعداد الطرفين لتجاوز الخطابات العدائية والانخراط في حوار صريح يعالج الجذور العميقة للصراع، وعلى رأسها مسألة إنهاء الدعم للجماعات المسلحة، من خلال مفاوضات سياسية مشروطة بوقف إطلاق النار، وضمانات أمنية، وربما إدماج تدريجي لبعض الفصائل في الحياة السياسية أو العسكرية».


مقالات ذات صلة

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

أفريقيا  الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

أعلنت الهيئة الانتخابية في غينيا، فوز قائد المجلس العسكري الجنرال مامادي دومبويا، في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، وذلك بحسب نتائج أولية.

«الشرق الأوسط» (كوناكري)
تحليل إخباري دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل تشكِّل أفريقيا «بنك أهداف إرهابية» للولايات المتحدة؟

شنت الولايات المتحدة ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في شمال غربي نيجيريا، بالتنسيق مع حكومة أبوجا، مما أثار جدلاً محلياً وتساؤلات.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
أفريقيا متظاهرون في مقديشو يرفضون الاعتراف الإسرائيلي بإقليم «أرض الصومال» ويرفعون لافتة تعارض التطبيع وتقسيم البلاد (رويترز) play-circle

كواليس الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»

كشف تقرير نشره موقع «واي نت»، التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» عن كواليس الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؛ حيث أشار إلى أنه جاء بعد أشهر من المحادثات السرية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الاقتصاد افتتاح حقل نفط في غانا (أرشيفية - رويترز)

غانا تُعيد تشغيل مصفاة النفط الوحيدة بعد 6 سنوات من التوقف

أعادت غانا تشغيل مصفاة تيما النفطية المملوكة للدولة، بعد توقف دام أكثر من 6 سنوات بعد أعمال صيانة وإعادة هيكلة كبيرة، في محاولة لتقليص فاتورة واردات النفط.

«الشرق الأوسط» (أكرا)
خاص جانب من مدينة أنتاناناريفو عاصمة مدغشقر وأكبر المدن فيها وتحمل أهمية اقتصادية وتجارية منذ تأسيسها (الشرق الأوسط)

خاص رئيس مدغشقر لـ«الشرق الأوسط»: خطة اقتصادية ثلاثية المحاور للنهوض بالبلاد

قال رئيس مدغشقر، مايكل راندريانيرينا، إن بلاده ترى السعودية «الشريك الرئيسي» في مرحلة «إعادة التأسيس»، كاشفاً عن خطة اقتصادية ثلاثية لاستعادة الاستقرار.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

 الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
TT

غينيا تعلن فوز الجنرال مامادي دومبويا في الانتخابات الرئاسية

 الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)
الجنرال مامادي دومبويا برفقة زوجته لوريان دومبويا يصلان لمركز اقتراع للإدلاء بأصواتهما في الانتخابات الرئاسية (ا.ب)

أعلنت الهيئة الانتخابية في غينيا، فوز قائد المجلس العسكري الجنرال مامادي دومبويا، في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد، وذلك بحسب نتائج أولية صدرت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء.

مامادي دومبويا يدلي بصوته خلال الانتخابات الرئاسية في مركز اقتراع بمدينة كوناكري (رويترز)

وبحسب المديرية العامة للانتخابات، حصل دومبويا على 86.72 في المائة من الأصوات التي جرى فرزها حتى الآن.

وشكل هذا التصويت تتويجاً لمسار انتقالي بدأ قبل أربعة أعوام، بعد أن أطاح دومبويا بالرئيس ألفا كوندي.


هل تشكِّل أفريقيا «بنك أهداف إرهابية» للولايات المتحدة؟

دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

هل تشكِّل أفريقيا «بنك أهداف إرهابية» للولايات المتحدة؟

دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)
دمار خلّفته الضربة الأميركية في قرية أوفا بولاية كوارا النيجيرية يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

في تطور لافت بشأن الأمن الإقليمي بغرب أفريقيا، شنت الولايات المتحدة ضربات جوية على مواقع تابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في شمال غربي نيجيريا، بالتنسيق مع حكومة أبوجا، مما أثار جدلاً محلياً وتساؤلات بشأن ما إذا كانت «ضربة عيد الميلاد» تعد تغيراً في استراتيجية واشنطن تجاه القارة السمراء، وتحولها إلى «بنك أهداف إرهابية» محتمل للولايات المتحدة.

ويوم «عيد الميلاد» أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) تنفيذ غارات جوية في ولاية «سوكوتو» شمال غربي نيجيريا، «بالتنسيق مع السلطات النيجيرية». وتعليقاً على الهجمات، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في منشور على موقع «تروث سوشيال»، إن التنظيم يستهدف المسيحيين في نيجيريا بشكل أساسي «بمستويات لم نشهدها منذ سنوات عديدة». فيما أكد وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار، في تصريحات صحافية، أن الهجمات «تم التخطيط لها منذ فترة طويلة وليس لها أي علاقة بدين معين»، متوقعاً تنفيذ مزيد من الضربات ضد أهداف إرهابية في عملية وصفها بـ«المستمرة مع الولايات المتحدة».

الضربة الأميركية الأخيرة «توحي بإعادة ضبط محتملة أوسع لانخراط الولايات المتحدة في البيئة الأمنية لغرب أفريقيا»، في سياق «بنك أهداف إرهابية محتمل»، حسب ماكسويل نغيني، المحلل في شؤون السياسات العامة والمحاضر بجامعة ولاية إنوجو للعلوم والتكنولوجيا في نيجيريا. وأوضح نغيني لـ«الشرق الأوسط» أن «ضربات عيد الميلاد تجمع بين البعدين التكتيكي والاستراتيجي، حيث تعاملت مع تهديدات ناشئة إلى جانب كونها توحي بتغير في استراتيجية واشنطن».

التوقيت والمكان أيضاً يحملان دلالة خاصة، وفق نغيني، الذي يوضح أن «شمال غربي نيجيريا أصبح نقطة التقاء لتهديدات أمنية عدة، ومن خلال تنفيذ ضربات في هذه المنطقة، تعترف الولايات المتحدة بأن التحديات الأمنية في نيجيريا لا تقتصر على (بوكو حرام) في الشمال الشرقي، مما يشير إلى احتمال أن تكون واشنطن بصدد التمهيد لانخراط أكثر استدامة في جهود مكافحة الإرهاب في أفريقيا». وإن كانت استدامة هذا الانخراط لا تزال مثار تساؤل، على حد تعبيره.

لكن ألكسندر بالمر، زميل برنامج الحروب والتهديدات غير النظامية والإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، أشار إلى أنه «حتى الآن لا توجد أي بيانات رسمية أميركية تشير إلى اعتماد استراتيجية جديدة تجاه غرب أفريقيا»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن ترمب كان يناقش منذ فترة خيارات عسكرية للتدخل في نيجيريا، وهذه الضربة على الأرجح هي تتويج لتلك النقاشات»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «هذه النقاشات قد تتطور لاحقاً إلى مقاربة جديدة لغرب أفريقيا».

وأضاف: «زيادة التعاون الأمني أو استمرار الضربات الأميركية قد يوفران مؤشرات على أن أمراً جديداً يجري التحضير له».

وتعد «ضربة عيد الميلاد» هي الأولى من نوعها في عهد ترمب، وتأتي بعد انتقادات وتهديدات أطلقها الرئيس الأميركي ضد نيجيريا، الدولة ذات الكثافة السكانية العالية في غرب أفريقيا، في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، بشأن ما وصفه بـ«تهديد وجودي» للمسيحيين هناك.

هذه التهديدات أشار إليها نامدي أوباسي، المستشار المتخصص في الشأن النيجيري بمجموعة الأزمات الدولية، على أنها دليل على «التخطيط المسبق للعملية». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الضربة تنسجم مع الجهود الأميركية الأوسع لاحتواء الحركات الإرهابية العابرة للحدود في غرب أفريقيا».

وتثير الضربة تساؤلات في الداخل النيجيري، وفق تصريحات الصحافي والمحامي النيجيري مالاكي أوزيندو لـ«الشرق الأوسط». وقال: «المواطنون يعيشون في خوف وترقب، حيث لم يُقدَّم لهم ما يوضح حجم الخسائر أو النتائج، أو خطط التعاون المستقبلي في هذا الإطار».

نيجيريون في قرية جابو التي طالتها الضربة الأميركية (رويترز)

ولم تعلن الولايات المتحدة أو نيجيريا الحصيلة النهائية لضربة عيد الميلاد، رغم تأكيد رسمي بأنها كبّدت «داعش» خسائر «كبيرة»، لكن هجمات منسقة شنها مسلحون يُشتبه في انتمائهم إلى التنظيم أخيراً، استهدفت عدداً من القرى في ولاية يوبي، شمال شرقي نيجيريا، أثارت تساؤلات بشأن تأثير الهجمات الأميركية.

وفي رأي أوباسي فإن «الهجمات قد تُضعف بعض الجماعات المسلحة، لكن الغارات الجوية وحدها لا تستطيع القضاء على الإرهاب، بل على العكس، فإن الضربات، التي يحرص مسؤولون أميركيون على تأطيرها بوصفها مهمة لإنقاذ المسيحيين، تنطوي على مخاطر تعميق الاستقطاب بين المسيحيين والمسلمين، ودفع مزيد من الشباب المسلمين نحو التطرف».

واتفق معه أوزيندو، مؤكداً أن «القصف الأميركي لمرة واحدة لن يحل المشكلة، بل قد يزيدها تعقيداً»، موضحاً أن «هناك اعتقاداً بأن العملية الأميركية أدت فقط إلى تشتيت الجماعات المسلحة ودفعها للانتشار في مناطق جديدة». وقال: «الأسابيع المقبلة ستبيّن حجم تأثير الضربة الأميركية».

وحسب بالمر فإنه «من الصعب التنبؤ بالآثار طويلة الأمد للضربات المضادة للإرهاب»، موكدا أن «على الولايات المتحدة ونيجيريا مراقبة ردود فعل المجتمعات المحلية والجماعات المسلحة عن كثب، وتكييف مقارباتهما تبعاً لذلك».

وهي مقاربات طالب بها نغيني أيضاً، فبينما «قد تُضعف الضربات جماعات معينة، فإن السياق النيجيري الذي يدفع نحو ازدياد الجماعات المسلحة يتطلب مقاربة شاملة». وقال: «تُخاطر الضربات العسكرية التي تكتفي بالقضاء على المقاتلين من دون معالجة هذه الجذور بالدخول في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج الإرهاب تحت مسميات جديدة».

وتشهد نيجيريا، التي تنقسم بشكل متساوٍ تقريباً بين الجنوب ذي الغالبية المسيحية، والشمال ذي الغالبية المسلمة، تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة مسيحيين ومسلمين على حد سواء. ورغم رفض أبوجا الاعتراف بوجود اضطهاد ديني أعادت الولايات المتحدة، هذا العام، إدراج نيجيريا في قائمة الدول «التي تثير قلقاً خاصاً» فيما يتعلق بالحرية الدينية.

وحذرت الأمم المتحدة من «عودة ظهور عمليات الخطف الجماعي» التي تشمل بانتظام مئات من أطفال المدارس. وتحولت ظاهرة الخطف مقابل فدية، إلى تجارة مربحة درت نحو 1.66 مليون دولار أميركي بين يوليو (تموز) عام 2024 ويونيو (حزيران) 2025، وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة الاستشارات «إس بي إم إنتليجنس» ومقرها لاغوس.

ورغم تصاعد العنف، فإن التدخل الأميركي يثير «شكوكاً» لدى النيجيريين بأنه يأتي في سياق صراع على الموارد، لا سيما أن نيجيريا دولة غنية بمواردها الطبيعية من النفط والمعادن، فهي أكبر منتج للنفط في أفريقيا وفق بيانات «أوبك» عام 2024، وخامس أكبر منتج للمعادن النادرة في العالم وفق بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

بدوره، أكد أوباسي أنه «حال تحوّل الانخراط العسكري الأميركي في نيجيريا إلى مسعى للسيطرة على الموارد المعدنية، فإن ذلك قد يزيد من حدّة المنافسة الجيوسياسية، خصوصاً مع الصين التي رفعت مؤخراً علاقاتها الثنائية مع نيجيريا إلى مستوى (شراكة استراتيجية شاملة)».

وهنا يشير بالمر إلى «اختلاف نمط التعاون الصيني مع نيجيريا عن النهج الأميركي، فبينما تعتمد واشنطن على العمل العسكري المباشر، تركز بكين على احترام سيادة الحكومات الأفريقية، وتولي اهتماماً أكبر للتدريب التقني مقارنةً بالعمل العسكري». وقال: «من غير الواضح أي النموذجين تفضله الدول الأفريقية عموماً، غير أن السنوات القليلة الماضية شهدت تصاعداً في الخطاب والنشاط الصينيين في مجال مكافحة الإرهاب بالقارة».

وأكد نغيني: «ينبغي فهم الضربة الأميركية في سياق أوسع يتمثل في تصاعد تنافس القوى الكبرى في أفريقيا، مع الحذر من اختزال الشراكات الأمنية المعقدة في حسابات قائمة على الموارد وحدها»، مشيراً إلى «توسع حضور روسيا والصين في غرب أفريقيا».

فيما توقع أوزيندو أن «تستغل روسيا والصين التطورات الأخيرة لتعميق نفوذهما في نيجيريا».


نيجيريا: إصابات وخسائر في فندق إثر الضربات الأميركية ضد «داعش»

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
TT

نيجيريا: إصابات وخسائر في فندق إثر الضربات الأميركية ضد «داعش»

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)
لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

رغم أن السلطات في نيجيريا لم تعلن رسمياً حجم الخسائر الناتجة عن الضربات الأميركية ضد مواقع تنظيم «داعش» الخميس الماضي، فإن مالك فندق قال إن 3 من موظفيه نقلوا إلى المستشفى إثر إصابة فندقه بشظايا صواريخ أميركية.

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

وكانت ضربات أميركية استهدفت مجموعة مسلّحة على صلة بتنظيم «داعش»، في ولاية سوكوتو، بشمال غربي نيجيريا، فيما أقرت الحكومة النيجيرية بتساقط حطام من الذخائر في أنحاء عدة بالبلاد، بما في ذلك مدينة أوفا التي تقع بولاية كوارا.

ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مالك فندق «سوليد ورث»، الذي يبعد نحو 800 كيلومتر عن أهداف الضربات الأميركية، قوله إن 3 من عمال الفندق أُدخلوا المستشفى بعدما أصيبت المنشأة بما بدا أنه صاروخ.

وقال توفيق عزيز بيلو: «فجأة في يوم عيد الميلاد، في وقت متأخر من المساء بعد الـ10 (ليلاً)، صاروخ يُعتقد أن الجيش الأميركي أطلقه، ربما انحرف وأصاب فندقي»، وتابع مالك الفندق عبر الهاتف: «سقط داخل مبنى الفندق، وتسبب في بعض الأضرار البسيطة، وأصاب 3 من العاملين».

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر الأضرار التي لحقت بالفندق، حيث يظهر ثقب كبير في واجهة الفندق، فيما قال عزيز إن «إحدى العاملات أصيبت بصدمة نفسية، وتعرّض عامل لإصابة بالغة في الرأس، وآخر لإصابة في الفخذ والساقين».

وتتناقض هذه المعلومات مع ما قاله دانيال بوالا، المتحدث باسم الرئيس النيجيري بولا تينوبو، من أن الإصابات جراء الضربات اقتصرت على «الإرهابيين».

ليلة الرعب

رغم أنها تبعد نحو 800 كيلومتر من ولاية سوكوتو، فإن مدينة أوفا عاشت ليلة من الرعب حين هزتها انفجارات عنيفة، بالتزامن مع الضربات الأميركية؛ ما أسفر عن إصابة 5 أشخاص وتضرر عدد من المباني، وفق ما أكدته السلطات.

وروى السكان لحظات عصيبة أعقبت الانفجارات، وكان بين المصابين امرأة تُدعى إيا أيو وابنتها عائشة، وقال أحد السكان: «كانتا نائمتين عندما وقع الانفجار. اخترقت مسامير صدر إيا أيو وبطنها وذراعيها».

وذكر شهود عيان أن أحد الحرفيين أُصيب أيضاً، فيما تعرضت 4 مبانٍ على الأقل متجاورة لأضرار هيكلية جسيمة. ووصفت تاجرة تُدعى مدام جوي لحظة الانفجار قائلة: «رأيتُ جسماً آتياً بأضواء ساطعة، ثم اصطدم بذلك المبنى ذي الطابق العلوي قبل أن يمر عبر 3 مبانٍ أخرى وأسقطها».

تحقيقات سرية

ورفض مفوض شرطة ولاية كوارا، أديكيمي أوجو، شائعات ربطت الانفجارات بهجوم إرهابي. وقال: «لم يكن هناك هجوم بقنبلة في أوفا، ولم يحدث تحطم طائرة. ما جرى كان ذخيرة، وقد أزال خبراؤنا في المتفجرات المخلفات. لا داعي للقلق، فالوضع تحت السيطرة».

وأضاف أن «خبراء المتفجرات في الشرطة باشروا تحقيقات سرية لتحديد مصدر الذخيرة»، فيما لم يتردد السكان في ربطها بالضربات الأميركية.

وأفادت مصادر أمنية بأن أحد الانفجارات وقع قرب ساحة صلاة العيد، والآخر بالقرب من فندق «سوليد وورث»، على بعد نحو 5 دقائق. كما عُثر، وفق التقارير، على قذيفة لم تنفجر غير بعيد من الفندق؛ مما دفع بالأجهزة الأمنية إلى تطويق المنطقة.

وفي بيان، أوضحت الحكومة المحلية أن الأجهزة الأمنية أمّنت المناطق المتضررة وبدأت التحقيقات. كما طلب رئيس المجلس التنفيذي لمنطقة حكم أوفا المحلي، سليمان أولاتونجي أوميتونتون، من السكان «التزام الهدوء واليقظة واحترام القانون، مع الاعتماد فقط على المعلومات الرسمية لتجنب إثارة الذعر».

لقطات متداولة لواجهة الفندق بعد القصف الأميركي (تواصل اجتماعي)

ضربات متوقعة

وفي حين يتصاعد الذعر في أوساط سكان القرى والمدن شمال نيجيريا، فقد أعلن عضو الكونغرس الأميركي، رايلي مور، أن شنّ ضربات جوية أميركية جديدة ضد معسكرات إرهابية في نيجيريا أمرٌ مرجّح.

وكتب مور في منشور بحسابه على منصة «إكس»، الاثنين، أن «الرئيس ترمب لا يسعى إلى إشعال حرب في نيجيريا. إنه يعمل على إحلال السلام والأمن في نيجيريا ولدى آلاف المسيحيين الذين يواجهون عنفاً مروّعاً وموتاً وحشياً».

وخلال مقابلة على قناة «فوكس نيوز»، قال مور إن «هذه الضربة أعادت الأمل إلى مسيحيي نيجيريا وإلى عموم السكان الذين يعانون من هجمات تنظيمَي (داعش) و(بوكو حرام) والجماعات المسلحة»، وشدد على أن هذه العملية ليست سوى بداية لجهد أوسع، مضيفاً أن هناك ضربات أخرى متوقعة.

وتابع: «هذه مجرد خطوة أولى. ستتبعها خطوات أخرى، وكل ذلك يجري بالتعاون مع الحكومة النيجيرية».

تطمينات وتحذيرات

في غضون ذلك، يرتفع الجدل في نيجيريا بشأن جدوى التدخل الأميركي، فيما حذّر الباحث في شؤون الأمن القومي، كونلي فاغبِمي، بأن «الوقت لا يزال مبكراً لاستخلاص نتائج بشأن تأثير ونجاح الضربات».

وفي مقابلة مع قناة «آرايز نيوز» المحلية، شدّد فاغبِمي على أن الأسئلة المتعلقة بفاعلية الضربات الجوية «لا يمكن الإجابة عنها إلا بعد الانتهاء من تقييم رسمي للعملية»، مشيراً إلى أن «قياس نجاح الضربات الجوية الدقيقة أمر معقد».

وأضاف الباحث في شؤون الأمن القومي أنه «يجب أولاً التأكد من أن الصواريخ والذخائر المستخدمة في مثل هذه الضربات قد أصابت الإحداثيات التي جرى تحديدها»، ودعا إلى «التعامل بحذر مع المعلومات المتعلقة بالتدخلات الأمنية، وتقديمها في سياقها الصحيح، تفادياً للارتباك وسوء التأويل».

وطلب الباحث من السلطات في نيجيريا الإسراع بكشف تفاصيل ما أسفرت عنه الضربات الأميركية؛ لتفادي انتشار الشائعات.

وبشأن مشروعية التدخل الأميركي التي تثير الجدل في نيجيريا، قال الباحث في شؤون الأمن القومي إن «التدخل لم يأتِ من فراغ»، مشيراً إلى أن نيجيريا «منخرطة في عدد من الأطر والمبادرات، من بينها (التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش)، كما أنها طرف في شراكات مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، وهذا يعني أن هناك عدداً من المسارات والأدوات التي كانت قائمة ومتراكمة، وأفضت إلى شراكة استراتيجية قد تقود إلى تدخل في إطار مبدأ مسؤولية الحماية، وضمن مظلة عدد من هذه الآليات».