روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

حاملاً ملفات الطاقة والبنية التحتية... نوفاك يتجول في دول الساحل

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
TT

روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)

بالتزامن مع تراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في عموم منطقة غرب أفريقيا، تواصل روسيا تعزيز علاقاتها مع دول هذه المنطقة، وبشكل خاص مع دول الساحل الأفريقي؛ حيث أجرى نائب الوزير الأول الروسي ألكسندر نوفاك جولة قادته إلى مالي وبوركينا فاسو، واختتمها بالنيجر.

كان المسؤول الروسي المكلف بملف الطاقة يقود وفداً رفيع المستوى، ضمّ أعضاء في الحكومة وآخرين في الكرملين، بالإضافة إلى ممثلين للقطاع الخاص الروسي، فيما بدا واضحاً أن موسكو تسعى إلى تجاوز مرحلة الشراكة الأمنية والعسكرية مع دول الساحل لتأسيس شراكة اقتصادية أكثر تنوعاً.

وتُواجه دول الساحل الثلاث مشاكل تنموية كبيرة، من أبرزها النقص الحاد في الطاقة الكهربائية، وهي دول حبيسة وتعتمد على مواني دول مجاورة للإيراد والتصدير، ولكنها تمتلك موارد معدنية هائلة ما تزالُ غير مستغلة.

وتمتلك النيجر واحداً من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم، كانت تستغله شركات فرنسية، وتثير هذه الاحتياطات حالياً اهتمام قوى عالمية عديدة من أبرزها روسيا، بعد القطيعة بين النيجر وفرنسا، ومضايقة الحكام العسكريين النيجريين للشركات الفرنسية.

استثمارات روسية

الوفد الروسي بدأ جولته من دولة مالي، ثم بوركينا فاسو، قبل أن يصل الجمعة إلى النيجر؛ حيث بدأ أنشطته بلقاء عمل مع وفد حكومي يرأسه الوزير الأول النيجري محمد الأمين الزين.

واستُقبل الوفد الروسي، صباح السبت، من طرف رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو اللقاء الذي وصفه نوفاك بأنه «كان مثمراً». وقال في تصريحات صحافية عقب اللقاء: «لقد أجرينا محادثات مثمرة مع الجنرال تياني ورئيس الوزراء وزير الاقتصاد، علي محمد الأمين زين، تناولت التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني العسكري».

وأضاف نائب الوزير الأول الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين «أصدر تعليمات بضرورة تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، لا سيما أعضاء تحالف دول الساحل»، قبلَ أن يصف النيجر بأنها «حليف على المدى الطويل، أثبت جدارته على الساحة الدولية».

وحسب المصدر نفسه، فإن الوفدين ناقشا «مشاريع ملموسة تشمل الطاقة والنقل والزراعة والتعدين، مع اتفاق على بدء تنفيذها في أسرع وقت ممكن»، دون إعطاء أي تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه المشاريع.

أزمة الطاقة

تواجه دول الساحل الثلاث مشاكل كبيرة في توفير التيار الكهربائي؛ حيث يوجد أغلب سكان دول الساحل دون كهرباء، ما يرفع من مستوى الاحتقان الشعبي وغضب الشارع، خاصة في المدن الكبيرة.

في ظلّ هذا الوضع، روّجت الصحافة المحلية أنباء عن نية روسيا تشييد محطات «نووية» في دول الساحل، اعتماداً على يورانيوم النيجر، ولكن خلال زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى بوركينا فاسو، تحدث نوفاك عن «محطات شمسية». وقال نوفاك في تصريح صحافي: «لدينا آفاق كبيرة جداً، من أجل إقامة مشاريع مشتركة تشرف عليها شركات روسية في بوركينا فاسو، على سبيل المثال هنالك فرص واضحة لتشييد وتطوير محطات للطاقة الشمسية، وإقامة محطات كهربائية نموذجية».

تسليح مستمر

وبينما كان الوفد الروسي يتجولُ في دول الساحل، كانت طائرة شحن روسية من طراز «أنتونوف 124»، تحط يوم الخميس الماضي في مطار نيامي، لتسلم قادة الجيش النيجري شحنة جديدة من الأسلحة الروسية.

وقالت وزارة الدفاع النيجرية إن شحنة الأسلحة الروسية جاءت لتؤكد «قوة وموثوقية التعاون بين النيجر وروسيا»، مشيرة في السياق ذاته إلى أنها تدخل في إطار شحنات مستمرة منذ بداية التعاون العسكري والأمني بين البلدين قبل أقل من عام. وأضافت الوزارة أن الأسلحة الروسية «أسهمت بشكل كبير في تعزيز القدرات العملياتية للجيش النيجري».

ومع ذلك، ما يزال الجيش يواجه هجمات إرهابية دامية في مناطق مختلفة من النيجر؛ حيث تتركز هجمات «القاعدة» و«داعش» في غرب البلاد، على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وتركز جماعة «بوكو حرام» هجماتها في الجنوب والجنوب الشرقي، على الحدود مع نيجيريا وتشاد، هذا بالإضافة إلى المتمردين على حكم المجلس العسكري في الشمال، على الحدود مع ليبيا والجزائر.



تشاد تنهي اتفاقية الدفاع مع فرنسا وروسيا تراقب الوضع

الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT

تشاد تنهي اتفاقية الدفاع مع فرنسا وروسيا تراقب الوضع

الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)
الرئيس التشادي محمد ديبي مع الرئيس ماكرون خلال لقاء للقمة الفرانكوفونية في فرنسا في أكتوبر الماضي (أ.ب)

أعلنت تشاد إنهاء اتفاق التعاون العسكري والأمني مع فرنسا، لتلتحق بركب دول الساحل؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي دخلت في قطيعة مع فرنسا، وتوجّهت نحو شراكة مع روسيا، التي تواصل تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.

ولكن قرار تشاد، وإن كان يشبه في كثير من تفاصيله ما أقدمت عليه دول الساحل، فإنه لم يتضمن أي إشارة إلى التعاون مع روسيا، بل حاولَت حكومة تشاد نفي أن يقود إلى أي قطيعة مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.

الرئيس التشادي محمد ديبي خلال حفل تنصيبه في نجامينا 23 مايو 2024 (أ.ب)

وبموجب هذه الاتفاقية، كانت فرنسا قد ساندت عائلة ديبي، التي تحكم تشاد منذ أكثر من 3 عقود، على البقاء في الحكم، وتدخلت أكثر من مرة عسكرياً لقصف المتمردين حين حاصروا العاصمة نجامينا، إبان حكم الرئيس السابق إدريس ديبي إيتنو، عامي 2008 و2019.

وحين قتل ديبي في معارك ضد المتمردين قبل 4 سنوات، ساندت فرنسا نجله الجنرال محمدي ديبي، ووقفت إلى جانبه في فترة انتقالية مضطربة، حتى جرى انتخابه رئيساً للبلاد شهر مايو (أيار) الماضي.

عناصر من الجيش النيجيري خلال إحدى العمليات التي استهدفت عناصر موالية لـ«داعش» (الشرق الأوسط)

البحث عن السيادة

تعود جذور اتفاقية التعاون العسكري والأمني بين فرنسا وتشاد إلى حقبة الاستعمار، ولكنها تعززت أكثر بعد الاستقلال، وجرى توقيع أول اتفاقية للتعاون العسكري والأمني بين البلدين عام 1976، وهي الاتفاقية التي تمت مراجعتها وتحديثها عام 2019، لتشمل تدريب القوات المسلحة التشادية، وتعزيز قدراتها اللوجستية، والتعاون الاستخباراتي العسكري والأمني.

وبموجب الاتفاقية، تنشر فرنسا قوات خاصة في قواعد عسكرية فوق أراضي تشاد، من أبرزها قاعدة جوية في العاصمة نجامينا، يوجد فيها اليوم أكثر من ألف جندي فرنسي، أغلبهم قادمون من النيجر بعد طردهم العام الماضي.

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

في غضون ذلك، قالت تشاد إن إنهاء الاتفاقية يمثلُ «نقطة تحول تاريخية»، مشيرة إلى أنه جاء «بعد تحليل عميق»، والهدف منه هو «تأكيد السيادة الكاملة وإعادة تحديد شراكاتها الاستراتيجية وفقاً للأولويات الوطنية».

مع ذلك، أوضحت تشاد أنها ستحترم «الشروط المنصوص عليها» لإنهاء الاتفاقية، وأنها ستتعاون مع الفرنسيين لضمان «انتقال توافقي»، مشيرة في السياق ذاته إلى أن القرار «لا يقوض بأي حال من الأحوال العلاقات التاريخية وروابط الصداقة بين البلدين».

وأكدت تشاد أنها «عازمة على الحفاظ على علاقات بناءة مع فرنسا في مجالات أخرى ذات اهتمام مشترك لصالح الشعبين»، وعبّرت تشاد عن «امتنانها» تجاه فرنسا على سنوات التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وقالت إنها «ستظل منفتحة على أي حوار بناء لاستكشاف أشكال جديدة من الشراكة».

مظاهرة في باماكو بمالي تدعم روسيا وتدين فرنسا في ذكرى 60 سنة على استقلال مالي في 22 سبتمبر 2020 (أرشيفية - أ.ب)

تحولات عميقة

يأتي قرار إنهاء الاتفاقية بعد ساعات قليلة من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى تشاد، التقى خلالها رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، كما زار مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد، من أجل الوقوف على الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان، ووجّه انتقادات لروسيا واتهمها بالتورط في الحرب السودانية.

وفيما يحضر الصراع بين فرنسا وروسيا بقوة في المنطقة، يقول الخبير في الشأن الأفريقي محمد الأمين ولد الداه إن قرار تشاد «يمثل حلقة جديدة في سلسلة التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل في الآونة الأخيرة، حيث تتسارع وتيرة الانفصال عن النفوذ الفرنسي التقليدي الذي هيمن على دول المنطقة لعقود طويلة».

الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي مع نظيره الفرنسي في نجامينا 2018 (أ.ف.ب)

ومع ذلك، يؤكد الخبير في حديث مع «الشرق الأوسط» أن تشاد «لم تُظهر - حتى الآن - تقارباً صريحاً مع روسيا، على غرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولكن في ظل تراجع النفوذ الفرنسي، فإن الباب يبقى مفتوحاً أمام خيارات جديدة».

وأضاف ولد الداه أن «روسيا، عبر مجموعة (فاغنر)، تسعى بنشاط لتعزيز وجودها في أفريقيا، مستفيدة من الفراغ الذي تتركه فرنسا. ومع ذلك، تشاد قد تكون أكثر حذراً، نظراً لتعقيدات علاقاتها الإقليمية والدولية، ولحساسيتها تجاه الانتقال المفاجئ من شريك تقليدي إلى شريك جديد مثير للجدل».

خصوصية تشاد

قوات بقاعدة فرنسية في تشاد تعود لعام 2007 (أ.ف.ب)

ويوضح الخبير في الشأن الأفريقي أن «تشاد تمثل حالة خاصة بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب الساحل الأفريقي، ودورها المحوري في مكافحة الإرهاب في المنطقة، وعلاقتها العميقة مع فرنسا الممتدة لعقود»، مشيراً إلى أن القرار الأخير «يعكسُ تحولاً في نظرة تشاد لطبيعة العلاقة، وربما السعي نحو تأكيد السيادة بعيداً عن الإملاءات الخارجية».

الخبير في الشأن الأفريقي وصف قرار تشاد بأنه «ضربة موجعة لاستراتيجية باريس في منطقة الساحل، لكنه لا يعني بالضرورة خسارة آخر موطئ قدم لها في المنطقة»، مشيراً إلى أن «فرنسا لا تزال تحتفظ بعلاقات مع دول أخرى في المنطقة مثل النيجر (رغم التوترات الأخيرة) وموريتانيا».

عناصر فرنسية وتشادية بصدد استقلال طائرة عسكرية في شمال تشاد 2022 (أ.ف.ب)

ويؤكد ولد الداه أن انسحاب القوات الفرنسية من تشاد «سيضع باريس أمام تحديات حقيقية لتأكيد وجودها في أفريقيا»، مشيراً إلى أن «تشاد، بحكم موقعها وأهميتها الاستراتيجية، كانت أحد الأعمدة الرئيسية للوجود العسكري الفرنسي، لذا فإن هذا القرار يكرّس انكماش النفوذ الفرنسي، ويُظهر أن باريس تفقد تدريجياً قدرتها على الحفاظ على علاقاتها العسكرية والأمنية التقليدية في أفريقيا».

أما بخصوص تداعيات القرار على تشاد، فيشير الخبير إلى أنه «على المدى القصير، قد تواجه تشاد تحديات في ضبط أمنها الداخلي ومواجهة المجموعات الإرهابية، خاصة حين تنسحب القوات الفرنسية بسرعة». أما على المدى البعيد فيعتقد الخبير في الشأن الأفريقي أن القرار «قد يفتح المجال أمام تشاد لتبني سياسات أكثر استقلالية، ولكن ذلك يعتمد على قدرة القيادة التشادية على إدارة المرحلة الانتقالية بفاعلية».