روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

حاملاً ملفات الطاقة والبنية التحتية... نوفاك يتجول في دول الساحل

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
TT
20

روسيا تعزز حضورها في أفريقيا عبر مشاريع استثمارية

الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)
الوفد الروسي وهو يلتقي بالمسؤولين في النيجر (متداولة على الصحافة المحلية)

بالتزامن مع تراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في عموم منطقة غرب أفريقيا، تواصل روسيا تعزيز علاقاتها مع دول هذه المنطقة، وبشكل خاص مع دول الساحل الأفريقي؛ حيث أجرى نائب الوزير الأول الروسي ألكسندر نوفاك جولة قادته إلى مالي وبوركينا فاسو، واختتمها بالنيجر.

كان المسؤول الروسي المكلف بملف الطاقة يقود وفداً رفيع المستوى، ضمّ أعضاء في الحكومة وآخرين في الكرملين، بالإضافة إلى ممثلين للقطاع الخاص الروسي، فيما بدا واضحاً أن موسكو تسعى إلى تجاوز مرحلة الشراكة الأمنية والعسكرية مع دول الساحل لتأسيس شراكة اقتصادية أكثر تنوعاً.

وتُواجه دول الساحل الثلاث مشاكل تنموية كبيرة، من أبرزها النقص الحاد في الطاقة الكهربائية، وهي دول حبيسة وتعتمد على مواني دول مجاورة للإيراد والتصدير، ولكنها تمتلك موارد معدنية هائلة ما تزالُ غير مستغلة.

وتمتلك النيجر واحداً من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم، كانت تستغله شركات فرنسية، وتثير هذه الاحتياطات حالياً اهتمام قوى عالمية عديدة من أبرزها روسيا، بعد القطيعة بين النيجر وفرنسا، ومضايقة الحكام العسكريين النيجريين للشركات الفرنسية.

استثمارات روسية

الوفد الروسي بدأ جولته من دولة مالي، ثم بوركينا فاسو، قبل أن يصل الجمعة إلى النيجر؛ حيث بدأ أنشطته بلقاء عمل مع وفد حكومي يرأسه الوزير الأول النيجري محمد الأمين الزين.

واستُقبل الوفد الروسي، صباح السبت، من طرف رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو اللقاء الذي وصفه نوفاك بأنه «كان مثمراً». وقال في تصريحات صحافية عقب اللقاء: «لقد أجرينا محادثات مثمرة مع الجنرال تياني ورئيس الوزراء وزير الاقتصاد، علي محمد الأمين زين، تناولت التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني العسكري».

وأضاف نائب الوزير الأول الروسي أن الرئيس فلاديمير بوتين «أصدر تعليمات بضرورة تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية، لا سيما أعضاء تحالف دول الساحل»، قبلَ أن يصف النيجر بأنها «حليف على المدى الطويل، أثبت جدارته على الساحة الدولية».

وحسب المصدر نفسه، فإن الوفدين ناقشا «مشاريع ملموسة تشمل الطاقة والنقل والزراعة والتعدين، مع اتفاق على بدء تنفيذها في أسرع وقت ممكن»، دون إعطاء أي تفاصيل إضافية حول طبيعة هذه المشاريع.

أزمة الطاقة

تواجه دول الساحل الثلاث مشاكل كبيرة في توفير التيار الكهربائي؛ حيث يوجد أغلب سكان دول الساحل دون كهرباء، ما يرفع من مستوى الاحتقان الشعبي وغضب الشارع، خاصة في المدن الكبيرة.

في ظلّ هذا الوضع، روّجت الصحافة المحلية أنباء عن نية روسيا تشييد محطات «نووية» في دول الساحل، اعتماداً على يورانيوم النيجر، ولكن خلال زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى بوركينا فاسو، تحدث نوفاك عن «محطات شمسية». وقال نوفاك في تصريح صحافي: «لدينا آفاق كبيرة جداً، من أجل إقامة مشاريع مشتركة تشرف عليها شركات روسية في بوركينا فاسو، على سبيل المثال هنالك فرص واضحة لتشييد وتطوير محطات للطاقة الشمسية، وإقامة محطات كهربائية نموذجية».

تسليح مستمر

وبينما كان الوفد الروسي يتجولُ في دول الساحل، كانت طائرة شحن روسية من طراز «أنتونوف 124»، تحط يوم الخميس الماضي في مطار نيامي، لتسلم قادة الجيش النيجري شحنة جديدة من الأسلحة الروسية.

وقالت وزارة الدفاع النيجرية إن شحنة الأسلحة الروسية جاءت لتؤكد «قوة وموثوقية التعاون بين النيجر وروسيا»، مشيرة في السياق ذاته إلى أنها تدخل في إطار شحنات مستمرة منذ بداية التعاون العسكري والأمني بين البلدين قبل أقل من عام. وأضافت الوزارة أن الأسلحة الروسية «أسهمت بشكل كبير في تعزيز القدرات العملياتية للجيش النيجري».

ومع ذلك، ما يزال الجيش يواجه هجمات إرهابية دامية في مناطق مختلفة من النيجر؛ حيث تتركز هجمات «القاعدة» و«داعش» في غرب البلاد، على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وتركز جماعة «بوكو حرام» هجماتها في الجنوب والجنوب الشرقي، على الحدود مع نيجيريا وتشاد، هذا بالإضافة إلى المتمردين على حكم المجلس العسكري في الشمال، على الحدود مع ليبيا والجزائر.



ولاية بورنو النيجيرية تحت نيران جماعة «بوكو حرام»

للمرة الأولى تتعرض قوات الكاميرون لهجمات بطائرات درون مفخخة (صحافة محلية)
للمرة الأولى تتعرض قوات الكاميرون لهجمات بطائرات درون مفخخة (صحافة محلية)
TT
20

ولاية بورنو النيجيرية تحت نيران جماعة «بوكو حرام»

للمرة الأولى تتعرض قوات الكاميرون لهجمات بطائرات درون مفخخة (صحافة محلية)
للمرة الأولى تتعرض قوات الكاميرون لهجمات بطائرات درون مفخخة (صحافة محلية)

صعَّدت جماعة «بوكو حرام» من هجماتها في ولاية بورنو، شمال شرقي نيجيريا وعلى الحدود مع الكاميرون، وقتلت عشرين جندياً كاميرونياً على الأقل في هجوم إرهابي ضد قاعدة عسكرية، استخدمت فيه طائرات «درون مفخخة».

الهجوم العنيف وقع ليل الاثنين - الثلاثاء، حين هاجم العشرات من مسلحي «بوكو حرام» معسكراً لقوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في بلدة وولجو النيجيرية، المحاذية للحدود مع دولة الكاميرون.

المسيرات المفخخة خلفت خسائر كبيرة في معسكرات الجيش (أ.ف.ب)
المسيرات المفخخة خلفت خسائر كبيرة في معسكرات الجيش (أ.ف.ب)

«درون مفخخة»

قالت مصادر أمنية كاميرونية إن المسلحين كانوا متنكرين في زي رعاة وتجار حين اختلطوا مع السكان المحليين في سوق أسبوعية، في مدينة جامبورو التجارية، بولاية بورنو النيجيرية.

ومع حلول الظلام تحرك المقاتلون المتخفون نحو قاعدة عسكرية تتمركز فيها قوات كاميرونية، في إطار القوة العسكرية المشتركة التي تحارب الإرهاب، وشكَّلتها دول نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون وبنين.

واستخدم مقاتلو «بوكو حرام» في الهجوم طائرات درون محملة بالمتفجرات، تسببت في انفجارات ضخمة أثارت الرعب في أوساط السكان المحليين، وألحقت أضراراً كبيرة بالقاعدة العسكرية، ودمرت الكثير من الآليات العسكرية.

وتعدّ هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها «بوكو حرام» طائرات درون محملة بالمتفجرات في هجماتها ضد القوات الكاميرونية، حسب ما أكد الكثير من الخبراء والمتابعين.

وخلف الهجوم خسائر بشرية كبيرة، حيث تشير حصيلة غير رسمية إلى مقتل 20 جندياً كاميرونياً على الأقل، من بينهم قائد الفرقة المحمولة جواً، بينما أصيب عشرات الجنود.

في غضون ذلك، قالت مصادر أمنية كاميرونية إن منفذي الهجوم استولوا على أسلحة، منها مدافع مضادة للطائرات وذخائر، قبل أن ينسحبوا من المكان.

مدرَّعة تابعة لقوات الأمن النيجيرية تمر بجانب منازل حديثة البناء قبل احتفال لتدشين ما أعيد بناؤه بعد دمار أحدثه مسلحو جماعة «بوكو حرام» عام 2015 في نغارانام بولاية بورنو 21 أكتوبر 2022 (رويترز)
مدرَّعة تابعة لقوات الأمن النيجيرية تمر بجانب منازل حديثة البناء قبل احتفال لتدشين ما أعيد بناؤه بعد دمار أحدثه مسلحو جماعة «بوكو حرام» عام 2015 في نغارانام بولاية بورنو 21 أكتوبر 2022 (رويترز)

بورنو تحت النار

يمكن القول إن ولاية بورنو الواقعة شمال شرقي نيجيريا، واحدة من أكثر مناطق نيجيريا تضرراً من الإرهاب خلال السنوات العشر الماضية، ولكن وضعيتها تحسنت في السنوات الأخيرة بسبب العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش بالتعاون مع دول الجوار.

مسلحو «بوكو حرام» استولوا على مدفعية مضادة للطيران وأحرقوا آليات عسكرية (صحافة محلية)
مسلحو «بوكو حرام» استولوا على مدفعية مضادة للطيران وأحرقوا آليات عسكرية (صحافة محلية)

ولكن في الأيام الأخيرة عادت «بوكو حرام» إلى الضرب بقوة في الولاية، وشن مقاتلوها قبل يومين هجمات على تشكيلتين عسكريتين في الولاية، واستهدفوا قاعدة للجيش في واجيركو، وأخرى في وولغو، حيث قتل جنود الكاميرون.

كما قُتل جنديان على الأقل وأُصيب آخرون بجروح، من بينهم قائد اللواء الجديد لعملية «هيدن كاي»، عندما اصطدم رتل عسكري بلغم أرضي على الطريق الرابطة بين مدينة دامبوا - بيو ومدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو.

وتأتي هذه الموجة الجديدة من الهجمات الإرهابية في وقت تخطط السلطات النيجيرية لإعادة فتح طريق مايدوغوري - دامبوا - بيو الذي يبلغ طوله 185 كيلومتراً، وظل مغلقاً لسنوات بسبب انعدام الأمن.

قلق شعبي

على صعيد آخر، أعرب السيناتور محمد علي ندومي، ممثل بورنو الجنوبية، عن قلقه العميق إزاء تصاعد هجمات «بوكو حرام» في دائرته الانتخابية، وحث الحكومة الفيدرالية على استخدام التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الطائرات المسيَّرة، لمكافحة التمرد بفاعلية.

كما دعا إدارة الرئيس بولا أحمد تينوبو إلى تدريب القوات الأمنية وتجهيزهم وتسليحهم وتحفيزهم لمعالجة الإرهاب والاختطاف وأعمال اللصوصية.

وأشار السيناتور ندومي إلى تفاقم الوضع الأمني على طريق مايدوغوري - داماتورو - بوني يادي - بيو، حيث ارتفعت معدلات الاختطاف، ومن بين المختطفين البروفسور أبو بكر الجميعة، عميد كلية الهندسة والتكنولوجيا بجامعة الجيش النيجيري في بيو، الذي لا يزال في قبضة «بوكو حرام».

وأعرب عن أسفه لاستمرار الهجمات على مناطق مثل غوزا، أسكيرا - أوبا، شيبوك، دامبوا، بيو، وهول، محذراً من أن عدم اتخاذ إجراءات حاسمة سيؤدي إلى استمرار هذه الاعتداءات.

منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، تشهد منطقة شمال شرقي نيجيريا، وكذلك المناطق الحدودية في الكاميرون والنيجر وتشاد، تمرداً مسلحاً تقوده «بوكو حرام» و«داعش»، أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص ونزوح أكثر من مليوني شخص، وفقاً للأمم المتحدة.

وأصبحت المناطق المحيطة ببحيرة تشاد معاقل للجماعات الإرهابية مثل جماعة «بوكو حرام» وتنظيم «داعش في غرب أفريقيا»، ويخوض الطرفان صراعاً مسلحاً عنيفاً أودى بحياة مئات المدنيين.

وتتسبب هذه المجموعات في تعطيل الأنشطة الاقتصادية الأساسية مثل صيد الأسماك والزراعة وتربية الماشية بشكل خطير؛ ما يتسبب في صعوبات متزايدة لـ40 مليون شخص يعيشون في المنطقة.