بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

لتوسيع نفوذها... موسكو ماضية في اختراق حلفاء فرنسا التقليديين

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

روسيا تسعى لطرح نفسها شريكاً لا غنى عنه لأفريقيا

وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)
TT

روسيا تسعى لطرح نفسها شريكاً لا غنى عنه لأفريقيا

وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)

سعت موسكو خلال مؤتمر وزاري روسي أفريقي عقد السبت والأحد في سوتشي (جنوب غرب) إلى فرض نفسها شريكاً لا غنى عنه للدول الأفريقية، واعدة بتقديم «دعم كامل» لها في «عالم متعدد الأقطاب» يروج له الكرملين بمواجهة الغرب.

وبعدما كانت موسكو خلال الحقبة السوفياتية لاعباً رئيسياً في أفريقيا، تعمل منذ سنوات على إعادة تعزيز نفوذها في دول القارة التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد هجومها على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحد، في كلمة موجهة إلى كبار المسؤولين من نحو خمسين دولة أفريقية في سوتشي، أن «بلدنا سيواصل تقديم دعمه الكامل لأصدقائنا الأفارقة في مجالات مختلفة». وقال في الكلمة التي تلاها وزير الخارجية سيرغي لافروف إن هذا الدعم قد يكون على صعيد «التنمية المستدامة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، والأمراض الوبائية، وحل المشاكل الغذائية أو تبعات الكوارث الطبيعية». وأعرب الرئيس الروسي عن أمله في تعزيز «العلاقات الروسية الأفريقية بمجملها»، في ختام المؤتمر الذي عقد استكمالاً لقمتين بين موسكو والقارة استضافتهما روسيا في عامي 2019 و2023.

روسيا «ليست قوة استعمار»

وأكد لافروف أن كلاً من روسيا والدول الأفريقية يلمس «تقدماً على كل محاور» التعاون، «رغم العقبات المصطنعة» التي طرحها «الغرب الجماعي»، وهو التعبير الذي تستخدمه موسكو للإشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. ويأتي «مؤتمر سوتشي» بعد قمة لدول «مجموعة بريكس» استضافتها مدينة قازان في جنوب غربي روسيا الشهر الماضي، سعى بوتين خلالها إلى إظهار فشل سياسة العزل والعقوبات التي يتبعها الغرب ضده. وتقوم استراتيجية روسيا لبسط نفوذها الإعلامي في أفريقيا، ولا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على التنديد بـ«الاستعمار الجديد»، داعية إلى «نظام عالمي أكثر عدلاً»، وهو خطاب يلقى استجابة لدى قسم من المسؤولين الأفارقة. وأكد وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب السبت على هامش المؤتمر أن «روسيا ليست قوة استعمارية»، و«لم تكن يوماً قوة استعمارية». وتابع: «بل على العكس، كانت بجانب الشعوب الأفريقية وشعوب أخرى في العالم لمساعدتها على الخروج من النظام الاستعماري». وفي المقابل، يتهم كثير من المسؤولين الغربيين موسكو بشن حرب إمبريالية في أوكرانيا، الجمهورية السوفياتية السابقة.

معادن وأمن ومجال رقمي

وتنشط مجموعات مرتزقة روسية، مثل مجموعة «فاغنر»، أو مجموعة «أفريقيا كوربس» التي خلفتها، في أفريقيا دعماً للحكومات المحلية، فيما يعمل «مستشارون»، وفق موسكو، لمساعدة مسؤولين محليين. وينطبق ذلك بصورة خاصة في أفريقيا الوسطى ودول الساحل، حيث ترافق تنامي النفوذ الروسي مع تراجع النفوذ الفرنسي. وفي عام 2023، زوّدت روسيا أفريقيا أسلحة بقيمة تزيد على خمسة مليارات دولار، وفقاً لشركة «روسوبورون إكسبورت» الحكومية، لكنّ المسؤولين المجتمعين في سوتشي يعدون أن الدعم يجب أن يمضي أبعد من المسائل الأمنية. وقالت ماري تيريز شانتال نغاكونو مفوضة البنى التحتية في المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا: «يجب تطوير المجال الرقمي في وسط أفريقيا» بمواكبة روسية، حسبما نقلت عنها «وكالة الصحافة الفرنسية». وتبدي مجموعات روسية كبرى اهتماماً خاصاً باستغلال المواد الأولية في أفريقيا، ولا سيما الألماس في أنغولا وزيمبابوي، والنفط في نيجيريا وغانا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والبوكسيت في غينيا. وقال يانغ بييرو أوماتسايي مؤسس منظمة «جيت إيج نايشن بيلدرز» التي تعمل لتشجيع تقدم القارة الأفريقية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لدينا أكثر من 75 معدناً في أفريقيا، ولا يتم استغلالها بالطريقة المناسبة». وتابع السياسي النيجيري أنه «بفضل شراكة مع روسيا»، أحد كبار مصدري الغاز والنفط والألماس في العالم: «سنتمكن من استخدام هذه الموارد بصورة جيدة». لكن بكاري سامبي مدير معهد «تمبكتو» في السنغال رأى أن الشراكة مع روسيا على المدى البعيد تطرح تساؤلات، موضحاً: «هل ستولي روسيا أفريقيا الاهتمام ذاته إن انتهت الحرب في أوكرانيا؟»، وهل الشراكة مع أفريقيا تمثل «أولوية استراتيجية حقيقية» أم اهتماماً ظرفياً على ارتباط بصراعها مع الغرب؟