ماذا تعني نتيجة الانتخابات الأميركية للكثير من الدول الأفريقية؟

كاميرون هدسون: ستنشط لتنويع شراكاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بعيداً عن واشنطن وأكثر قرباً من الصين

المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس (رويترز)
المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس (رويترز)
TT

ماذا تعني نتيجة الانتخابات الأميركية للكثير من الدول الأفريقية؟

المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس (رويترز)
المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس (رويترز)

إذا كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية تؤثر في أغلب مناطق العالم التي تتابعها باهتمام، فإنها ظلت تاريخياً غير مؤثرة ولا مهمة بالنسبة لدول أفريقيا بسبب الثبات النسبي للسياسة الأميركية تجاه هذه القارة، بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي أو الحزب صاحب الأغلبية في الكونغرس.

منذ إدارة الرئيس الأسبق الديمقراطي بيل كلينتون، تبنت الولايات المتحدة سياسة أفريقية تعتمد على الدخول في برامج تنموية والحديث الطموح عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع التوسع في الشراكات الأمنية والدفاعية في ظل تزايد خطر الجماعات المتطرفة بأغلب مناطق القارة، وظلت هذه السياسة الأميركية مستقرة رغم تعاقب الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين على الحكم.

بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)

وفي تحليل نشره موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، يقول كاميرون هدسون، وهو زميل باحث كبير في برنامج أفريقيا بالمركز، إن الأمور تغيرت كثيراً بالنسبة لانتخابات الرئاسة الأميركية الحالية في ظل سلسلة الصدمات الأميركية والعالمية؛ بدءاً من جائحة فيروس «كورونا» المستجد، وحتى الاحتجاجات على مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد شرطي أميركي أبيض، مروراً بالحرب في أوكرانيا وغزة.

في الوقت نفسه، فإن الاستقطاب السياسي العميق والمتزايد في الولايات المتحدة نسف حتى نقاط التوافق الحزبي التقليدية في السياسة الأميركية، ومنها السياسة تجاه أفريقيا. لذلك فطبيعة معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ونتيجتها ستحدد بلا شك النظرة إلى واشنطن، وستؤثر على مجموعة كبيرة من القضايا، ليس فقط التي تهم أفريقيا بشكل مباشر، وإنما التي ستؤثر في مصداقية الولايات المتحدة لدى القارة خلال السنوات المقبلة.

ورغم ذلك من المؤكد أن الأفارقة اليوم غير مشغولين كثيراً بما قد تعنيه أي إدارة أميركية جديدة بالنسبة لهم.

بعد تجربة الرئيس الأسبق باراك أوباما لم يعد الأفارقة يعتقدون أن أي شخص في البيت الأبيض قد يؤثر بشكل ملموس في تحسين أحوالهم (إ.ب.أ)

فبعد تجربة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لم يعد الأفارقة يعتقدون أن أي شخص في البيت الأبيض قد يؤثر بشكل ملموس في تحسين أحوالهم. فقد تبددت بسرعة فكرة أن وجود رئيس أميركي من أصول أفريقية يمكن أن يزيد بطريقة أو بأخرى الاهتمام بالقارة، حيث لم تبتعد إدارة أوباما كثيراً عن السياسة التقليدية الأميركية تجاه أفريقيا، والتي تقوم على الحديث كثيراً عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين تسعى إلى تحقيق مصالح الأمن القومي الأميركي التي كثيراً ما كانت تتعارض مع هذه القيم المعلنة.

ورغم وعود إدارة الرئيس الحالي جو بايدن بمنح الدول الأفريقية نصيباً أكبر في عمليات صناعة القرار بشأن القضايا العالمية وفي المؤسسات الدولية، فإنها لم تحقق شيئاً من هذا على أرض الواقع. فما زالت قارة أفريقيا لا تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن بعد مرور عامين على وعد الإدارة الأميركية بمنحها هذا المقعد، في حين أن التحركات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة للتعامل مع مشكلة التغير المناخي والتمويل التنموي وتنافس القوى العالمية، ما زالت تصب في صالح عالم الشمال.

ولم يؤد إفراط إدارة بايدن في الوعود لأفريقيا دون الوفاء بها إلا إلى تعزيز الاعتقاد بأن واشنطن شريك غير جدير بالثقة، بل ربما منافق. في المقابل لم يفعل المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب ولا منافسته نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، اللذان تجاهلا أفريقيا على مدار حملتيهما، أي شيء لإعطاء الأفارقة الانطباع بأن إدارتيهما ستكونان مختلفتين بشكل ملحوظ عن الإدارات السابقة.

زعماء مالي وبوركينا فاسو والنيجر خلال قمتهم الأولى التي عقدت في نيامي 6 يوليو الماضي (أرشيفية - رويترز)

في ظل هذه الظروف، تنشط الدول الأفريقية لتنويع شراكاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، بعيداً عن واشنطن على مدى العقد الماضي، مما يتعارض أحياناً مع المصالح الأميركية. وقد أصبحت الصين حالياً، كما يقول التحليل الذي نشرته «الوكالة الألمانية»، أكبر شريك تجاري واستثماري لأفريقيا. كما أصبحت دول مثل روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة شركاء أمنيين مفضلين للدول الأفريقية التي تبحث عن مساعدات عسكرية غير مشروطة. هذا التحوط ضد عدم موثوقية الولايات المتحدة لا يجعل نتيجة أي انتخابات رئاسية أقل أهمية لأفريقيا فحسب، بل يجعل أيضاً من الصعب على أي إدارة قادمة تعميق العلاقات مع هذه القارة.

والحقيقة هي أنه لا يمكن تصور وجود اختلاف كبير في السياسة الأميركية تجاه أفريقيا إذا فازت هاريس أو ترمب. فبشكل عام يمكن أن تتوقع أفريقيا استمرار النهج الأساسي لواشنطن تجاهها، من خلال عدد محدود من المبادرات التنموية والإنسانية الأساسية، لكن دون تغيير حقيقي في الممارسات الأميركية، ولا الطريقة التي ترتب بها أفريقيا في قائمة الأولويات العالمية للولايات المتحدة.

العلم الصيني يرفرف فوق مكان انعقاد المنتدى الصيني - الأفريقي في بكين

ليس هذا فحسب، بل إن احتمال وصول مرشح ثان من أصول أفريقية؛ أي: كامالا هاريس، إلى رئاسة الولايات المتحدة لم يثر اهتمام الأفارقة كما حدث عندما كان أوباما يخوض السباق الرئاسي، بعد أن تعلموا أنه يجب عدم توقع الكثير من واشنطن مهما كانت أصول الرئيس.

ورغم ذلك، فمن المرجح إبقاء إدارة هاريس على استراتيجية بايدن تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الصادرة عام 2022، والتي تستهدف رفع صوت أفريقيا في المؤسسات العالمية وفي صنع القرار الأميركي بشأن المسائل السياسية التي تؤثر في القارة بشكل مباشر، وقد رأت هاريس بنفسها أهمية هذا الهدف عندما سافرت إلى غانا وتنزانيا وزامبيا في مارس (آذار) 2023؛ «لتسليط الضوء على الإبداع الاستثنائي والإبداع والديناميكية في القارة وتعزيزها».

لكن هاريس وقعت أيضاً في الفخ السهل بمحاولة تصوير المشكلات المستمرة التي تواجهها أفريقيا بوصفها مسؤولية الصين بصورة أو بأخرى، وتقديم الولايات المتحدة بصفتها قوة خيرية تسعى من أجل خير وصالح الدول الأفريقية. وهذا النهج الأميركي لا يؤدي إلا إلى زيادة انصراف دول القارة عن واشنطن والشك في نواياها.

في الوقت نفسه، فإن «مبدأ الظل» الذي أطلقه ترمب تحت اسم «مشروع 2025»، يستعين بعناصر كاملة من استراتيجية بايدن ذاتها تجاه أفريقيا، حيث يزعم، على سبيل المثال، أن «النمو السكاني الهائل في أفريقيا، والاحتياطيات الكبيرة من المعادن المعتمدة على الصناعة، والقرب من طرق الشحن البحري الرئيسية، وقوتها الدبلوماسية الجماعية تضمن الأهمية العالمية للقارة».

وهذا يشير إلى أن فريق ترمب يدرك على الأقل الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا على المدى الطويل، تماماً كما فعل بايدن. والأمر الأكثر أهمية هو أن فريق ترمب ربما ينظر إلى أفريقيا بوصفها قوة مهمة وليست مجرد مكون أصغر في الصراع الجيوسياسي الأكبر للولايات المتحدة مع الصين أو روسيا، كما فعل خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، مما أثار استياء العديد من دول القارة. وسوف يكون الاختبار الأكبر لإدارة ترمب الثانية المحتملة هو ما إذا كان قادراً على مواصلة التعبير عن القيمة المتأصلة لأفريقيا بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، أو ما إذا كان سيعود إلى أنواع التعبيرات غير المكترثة التي ميزت ولايته الأولى في المنصب.

الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيراه البرازيلي لولا دا سيلفا والجنوب أفريقي سيريل رامافوزا ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي خلال قمة «بريكس» أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ورغم ذلك يمكن أن يكون الفارق الأكبر بشكل عام بين هاريس وترمب بالنسبة لأفريقيا في الشكل أكثر من المضمون. فما زالت اللغة المهينة التي كان ترمب يستخدمها في رئاسته السابقة تثير سخط الكثير من الأفارقة، ولكن بعضهم يرى الآن أن هذا تعبير صريح عن المكانة المتواضعة التي تحتلها أفريقيا لدى صناع القرار في واشنطن. وبقدر قسوة هذه الحقيقة، فإن التعبير عنها بوضوح يحدد مستوى التوقعات التي يمكن للقادة الأفارقة انتظارها من واشنطن، ويحمّلهم مسؤولية تحقيق مصالح شعوبهم بعيداً عن واشنطن، وهو ما يتضح بالفعل من دخولهم في شراكات أمنية واقتصادية ومالية مع دول عديدة.

أيضاً، على الرغم من أن نهج ترمب الذي يتعامل مع أغلب الأمور بمنطق البيع والشراء قد يبدو مقززاً لكثيرين في مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، فإن بعض القادة الأفارقة قد يعدّونه طريقة أكثر مباشرة وشفافية في إدارة العلاقات، ويعكس طريقة إدارة الكثيرين منهم للعلاقات مع شركائهم الآخرين. كما أن نهج ترمب الذي يركز على الجوانب الاقتصادية والمصالح المباشرة يمكن أن يفتح الباب أمام شكل من أشكال العلاقة بين الأنداد، وهو تحديداً ما يقول كثير من القادة الأفارقة إنهم يسعون إليه في علاقاتهم مع العالم.

الرئيس الصيني شي جينبينغ في أثناء خطابه خلال المنتدى الصيني - الأفريقي في بكين (أ.ف.ب)

أخيراً، فإن الحكومة الأميركية المقبلة سيكون عليها إدراك حقيقة أن علاقاتها مع الدول الأفريقية تأثرت سلباً بدعمها غير المشروط لإسرائيل في حربها ضد غزة ولبنان، في الوقت الذي يتزايد فيه تعاطف الدول الأفريقية مع القضية الفلسطينية. كما أن الدول الأفريقية تنظر بعدم ارتياح إلى الدعم الأميركي المستمر لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وهي الحرب التي أدى استمرارها إلى معاناة الكثير من شعوب القارة من ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية في السوق العالمية. معنى ذلك أن الدول الأفريقية لا تتوقع الكثير من انتخابات الرئاسة الأميركية، في حين قد يحتاج الرئيس الجديد إلى بذل جهد أكبر لترميم صورة واشنطن لدى هذه الدول.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ كامالا هاريس تزرع مع زوجها دوغ إمهوف شجرة رمّان في حديقة منزلهما بواشنطن خلال إحيائهما ذكرى هجمات 7 أكتوبر (أ.ف.ب)

ديمقراطيو بنسلفانيا يؤكدون دعمهم إسرائيل و«حقها في الرد» على إيران

مع اشتداد المنافسة بين الديمقراطيين والجمهوريين للفوز بالانتخابات، كثّف الحزبان حملتهما لكسب أصوات الناخبين اليهود، خصوصاً في الولايات المتأرجحة.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ف.ب)

الانتخابات الأميركية: هاريس تلعب ورقة السن والصحة في مواجهة ترمب

من المقرر أن تنشر كامالا هاريس (59 عاماً)، السبت، تقريراً طبياً يؤكد أنّها تتمتّع «بالصلابة البدنية والعقلية اللازمة للقيام بواجبات رئاسة» الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية كامالا هاريس (أ.ب)

لإحراج ترمب... هاريس تعتزم نشر بياناتها الطبية

كشف أحد مساعدي كامالا هاريس عن أن نائبة الرئيس الأميركي المرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي تعتزم الكشف علناً عن بياناتها الطبية اليوم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس على غلاف مجلة «فوغ»

«المرشحة المناسبة لعصرنا»... هاريس على غلاف مجلة «فوغ» للمرة الثانية

ظهرت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض، على غلاف مجلة «فوغ» التي وصفتها بأنها «المرشحة المناسبة لعصرنا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

سلفا كير يقيل رئيس جهاز الاستخبارات في جنوب السودان

رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)
رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)
TT

سلفا كير يقيل رئيس جهاز الاستخبارات في جنوب السودان

رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)
رئيس جنوب السودان سلفا كير (رويترز)

أقال رئيس جنوب السودان سلفا كير، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور، الذي يتولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وتكليفه بتولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، لم يتم تحديد أسباب هذه الخطوة التي أعلنت في مرسوم تمت تلاوته، مساء الأربعاء، على التلفزيون الوطني.

ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين لأول انتخابات في تاريخ البلاد، المقرر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول).

وتولى أكيك تونغ أليو المقرب من الرئيس كير، رئاسة جهاز الأمن القومي خلفاً لأكول كور.

وقال المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، دانيال أكيش، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنه قرار مفاجئ نظراً إلى أن أكول كور شغل هذا المنصب 13 عاماً، وأصبح ثاني أقوى شخص في جوبا، ويقود قوة أفضل تجهيزاً من الجيش الوطني».

وأشار إلى مفاوضات جارية بين الحكومة والجماعات المتمردة.

وتجري الحكومة محادثات في العاصمة الكينية نيروبي مع الجماعات المسلحة التي لم توقع اتفاق سلام عام 2018 أنهى الحرب الأهلية الدموية.

ولفت أكيش إلى أن أكول «يعارض ذلك»، مشيراً إلى أن إقالته «قرار جريء يحمل مخاطر أمنية (...) كل شيء ممكن في هذه الأجواء السياسية غير المستقرة».

بعد عامين على الاستقلال، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفا كير ورياك مشار، مما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.

وأرسى اتفاق 2018 مبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الخصمان في منصبي الرئيس والنائب الأول للرئيس على التوالي. لكن البلاد لا تزال منذ ذلك الحين تشهد صراعات على السلطة والفساد والصراعات العرقية المحلية، بالإضافة إلى الكوارث المناخية.