العلاقات الموريتانية – السنغالية: حقبة جديدة أم منعرج آخر؟

رئيس السنغال الجديد بدأ مهامه بزيارة نواكشوط

الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
TT

العلاقات الموريتانية – السنغالية: حقبة جديدة أم منعرج آخر؟

الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)

بدأ الرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديوماي فاي، مهامه بزيارة صداقة وعمل إلى موريتانيا، صباح الخميس. ورغم أنها استمرت ليوم واحد فقط، فإنها تحمل رسائل كثيرة حول مستقبل العلاقات بين بلدين جارين يحاولان تجاوز أزمات سابقة كاد خلالها البلدان الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة نهاية ثمانينات القرن الماضي.

فاي (44 عاماً) فاز بالانتخابات الرئاسية نهاية مارس (آذار) الماضي، ونصّب رئيساً للبلاد مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أحد الحاضرين الذين هنأوه. وكانت التهنئة التي تقدم بها ولد الغزواني ذات وجهين، أولاً بصفته رئيساً لموريتانيا، وثانياً بصفته الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي.

بعد أسبوعين، قرر فاي أن تكون موريتانيا هي أول وجهة خارجية له بعد تنصيبه. فمدة الرحلة بين دكار ونواكشوط لا تزيد على أربعين دقيقة بالطائرة، وفي موريتانيا يوجد مئات آلاف السنغاليين يشكّلون العمود الفقري لليد العاملة في بلد بالكاد يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة.

احتفاء موريتاني

كان واضحاً حجم الاحتفاء الكبير الذي أبداه الموريتانيون وهم يستقبلون الرئيس السنغالي الجديد. فقال الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية إن حرص الرئيس السنغالي على أن «تكون موريتانيا أول بلد خارجي يزوره يعبّر عن عمق العلاقة الأخوية بين البلدين».

وأوضح الوزير في مؤتمر صحافي عقده مساء الأربعاء، أن العلاقات بين موريتانيا والسنغال «تطول جميع ميادين الحياة، كالصيد والغاز والمناطق الرعوية، فضلاً عن العلاقات الروحية بين الشعبين»، في إشارة إلى الروابط الدينية التي تتمثل في المذهب المالكي والطرق الصوفية.

أما الوكالة الموريتانية للأنباء، وهي الوكالة الرسمية التي تتحدث باسم السلطات، فقد نشرت تقريراً بالتزامن مع وصول الرئيس السنغالي قالت فيه إن زيارته «تندرج ضمن مسار طويل من الأخوة والصداقة والتضامن والتعاون».

وشدد التقرير على أن البلدين لديهما «رغبة مشتركة وواضحة» في العمل على «بناء مستقبل أفضل عبر مسار تنموي مبتكر، يضع في الحسبان، وبشكل ضروري لا مفر منه اليوم – تعزيز التعاون الثنائي لجعل موريتانيا والسنغال محركاً للازدهار في المنطقة».

التقرير منشور على الصفحة الأولى من عدد الخميس لجريدة «الشعب» الرسمية، وُزّع في المطار والقصر الرئاسي خلال استقبال الوفد السنغالي. أكد التقرير أن موريتانيا والسنغال بصفتهما «لاعبين رئيسيين في المنطقة، يتقاسمان القيم نفسها ويتمتعان بالإيمان نفسه بفضائل السلام والديمقراطية والتضامن، يدركان أكثر من أي وقت مضى حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهما».

بل إن التقرير ذهب إلى تأكيد أن البلدين «قادران على العمل بشكل كامل وذكي على نقاط قوتيهما المحددة في بناء أساس مذهبي جديد في العلاقات، لمواجهة التحديات المتعددة بحيث تظل مراكز تعاونهما ديناميكية وفعالة في خدمة المثل العليا المشتركة لشعبيهما».

التوجس والترقب

تُخفي حفاوة الموريتانيين بالرئيس السنغالي الجديد بعض التوجس. فالعلاقات بين البلدين عاشت أفضل فتراتها خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني (67 عاماً) إلى السلطة في موريتانيا، وإعلانه رغبته في بناء علاقات جيدة مع جميع الجيران، الموقف نفسه الذي تقاسمه مع الرئيس السنغالي السابق ماكي سال.

استطاع الرجلان أن يقيما علاقات شخصية قوية، انعكست بشكل واضح على طبيعة العلاقات بين البلدين، ونجحا بذلك في تجاوز الكثير من العقبات، خاصة في ملف الشراكة في حقل الغاز الطبيعي الضخم على الحدود، وفي مجالات أخرى، من أبرزها ملف الصيد التقليدي، حيث ضاعفت موريتانيا عدد الرخص الممنوحة للسنغاليين من أجل الصيد في مياهها الإقليمية، في حين سمحت السنغال لتجار المواشي الموريتانيين بدخول أراضيها خلال فترات الجفاف في موريتانيا.

انتهى حكم ماكي سال كما كان متوقعاً في شهر أبريل الحالي، ولكن الذي لم يتوقعه أحد هو أن يخسر حزبه الرئاسيات لصالح حزب معارض، كثيراً ما وصف بأنه «متطرف» فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية.

منعرج «باستيف»

يتعلقُ الأمر بحزب «باستيف» الذي يتزعمه المعارض المعروف عثمان سونكو. وبما أن المجلس الدستوري منع سونكو من الترشح، قدم صديقه ورجل ثقته باسيرو ديوماي فاي للانتخابات. وبعد فوزه، عيّن الأخير سونكو وزيراً أولَ وكلفه تشكيل الحكومة، ويبدو أن الرجلين يرغبان في أن يحكما معاً، كما سبق أن عارضا معاً.

خلال سنوات المعارضة، كان سونكو وحزبه السياسي يتبنيان خطاباً سياسياً لا يخلو من مواقف «غير ودية» تجاه موريتانيا، على حد تعبير الصحافة الموريتانية التي كانت تتابع دوماً تصريحاته، وتمنحها حيزاً كبيراً من التغطية.

الرئيس الجديد للسنغال تعهد في برنامجه الانتخابي بمراجعة اتفاقيات الغاز الطبيعي، وهي اتفاقيات وُقّعت خلال السنوات العشر الأخيرة بين موريتانيا والسنغال من جهة، وشركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية وشركة «كوسموس» الأميركية من جهة أخرى، حول استغلال حقل السلحفاة الكبير المشترك بين البلدين.

كما تعهد فاي بحلّ معضلة الصيادين التقليديين في مدينة سينلوي، وذلك واحد من أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين البلدين؛ إذ إن مدينة سينلوي السنغالية التي تقع على الحدود، يعتمد عدد كبير من سكانها على الصيد التقليدي، وتمنحهم نواكشوط سنوياً مئات الرخص للصيد في المياه الموريتانية القريبة والغنية بالسمك.

إلا أن عدداً من القوارب السنغالية يدخل المياه الموريتانية بطريقة غير شرعية؛ ما أدى خلال السنوات الأخيرة إلى مطاردات مع البحرية الموريتانية قُتل فيها صيادون سنغاليون، وهي الحوادث التي أجّجت مشاعر الغضب في الشارع السنغالي، ولكن تم تجاوزها دون وقوع أي حوادث بين البلدين.

وتعيد مثل هذه الحوادث إلى الأذهان ما عاشه البلدان في شهر أبريل من عام 1989، حين تسبب خلاف بسيط بين مزارعين على الحدود في أزمة غير مسبوقة جرى فيها استهداف الموريتانيين في السنغال والسنغاليين في موريتانيا، وقُتل خلالها العشرات من مواطني البلدين، وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية لسنوات عدة، وكادت تنزلق الأمور نحور مواجهة عسكرية مباشرة.

تطمينات سنغالية

إن ما يزيد مخاوف المراقبين هو نقص الخبرة السياسية والحنكة الدبلوماسية لدى الحكام الجدد الشباب في السنغال. ولكن يبدو أن هؤلاء الشباب يرغبون في تجاوز تلك الصورة النمطية التي كرّسها الإعلام خلال الأشهر الأخيرة في إطار الصراع السياسي الداخلي في السنغال.

في هذا السياق، أعلنت الرئاسة السنغالية الأربعاء أن باسيرو ديوماي فاي، سيبدأ من موريتانيا جولة ستقوده إلى دول الجوار، هدفها الأول هو «مواصلة تعزيز روابط حسن الجوار التاريخية، والتلاقح الاجتماعي والثقافي» بين السنغال وجوارها.

وقالت الرئاسة السنغالية إن فاي أبلغ حكومته خلال مجلس الوزراء أنه ينوي «زيارة نظرائه الآخرين في المنطقة»، وطلب منهم أن «يولوا اهتماماً خاصاً للعلاقات الودية التي تربط السنغال بجيرانها، والعمل على تعزيزها».


مقالات ذات صلة

ناشطون كينيون يدرسون تغيير استراتيجيتهم بعد تحول احتجاجات لأعمال عنف

أفريقيا متظاهرون في نيروبي الثلاثاء (رويترز)

ناشطون كينيون يدرسون تغيير استراتيجيتهم بعد تحول احتجاجات لأعمال عنف

يعيد ناشطون يقفون وراء تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في كينيا التفكير في استراتيجيتهم بعد أن تحولت مظاهرات أمس الثلاثاء إلى أعمال عنف ونهب.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا موريتانيا تشهد أعمال شغب بعد إعلان فوز الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الشيخ الغزواني بالرئاسة (أ.ف.ب)

أعمال شغب في جنوب موريتانيا تودي بثلاثة أشخاص

أعلنت وزارة الداخلية الموريتانية في بيان وفاة ثلاثة أشخاص في جنوب البلاد بعد توقيفهم إثر أعمال شغب تلت إعلان فوز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)
أفريقيا سيارتان أحرقهما المتظاهرون في مومباسا الثلاثاء (أ.ب)

كينيا: مظاهرات جديدة ضد الحكومة وصدامات في نيروبي

خرجت مظاهرات جديدة مناهضة للحكومة في كينيا الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
العالم العربي إعادة انتخاب الرئيس الموريتاني محمد ولد شيخ الغزواني لولاية ثانية (أ.ف.ب)

إعادة انتخاب الغزواني رئيساً لموريتانيا في الدورة الأولى

أُعيد انتخاب الرئيس الموريتاني، محمد ولد شيخ الغزواني، لولاية ثانية، بـ56.12 في المائة من الأصوات، حسب إعلان اللجنة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)
أفريقيا جنود من جيش الكونغو الديمقراطية (أرشيفية - رويترز)

حركة «إم 23» المتمردة تواصل التقدّم في شرق الكونغو الديمقراطية

تواصل «حركة 23 مارس (إم23)» المتمردة التقدّم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفق ما أفاد به مصدر محلي؛ إذ استولت على مناطق جديدة على جبهة القتال الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كانيابايونغا (الكونغو الديمقراطية))

الأمم المتحدة: قتلى طرق الهجرة البرية في أفريقيا يفوقون ما يبتلعه البحر

سودانيون ينزحون من منطقة سنجة في ولاية سنار نتيجة المعارك (أ.ف.ب)
سودانيون ينزحون من منطقة سنجة في ولاية سنار نتيجة المعارك (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: قتلى طرق الهجرة البرية في أفريقيا يفوقون ما يبتلعه البحر

سودانيون ينزحون من منطقة سنجة في ولاية سنار نتيجة المعارك (أ.ف.ب)
سودانيون ينزحون من منطقة سنجة في ولاية سنار نتيجة المعارك (أ.ف.ب)

أكدت الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، أن مخاطر الموت أو الوقوع ضحية للعنف الرهيب الجسدي والجنسي أو للخطف أكبر من أي وقت مضى على الطرق التي يطرقها المهاجرون من الصحراء إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

ويقدر تقرير جديد صدر تحت عنوان صادم «في هذه الرحلة لا يهم إن نجوت أو متَّ»، أن عدد الذين يلقون حتفهم على هذه الطرق البرية «أكبر بمرتين» مقارنة بالطريق البحري إلى أوروبا، حيث تم تسجيل ما يقرب من 800 وفاة منذ بداية العام، وفقا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وعلى الرغم من أن معدي التقرير يدركون أن الأرقام قد لا تكون دقيقة بسبب نقص البيانات حول ضحايا الطرق البرية، فإنهم يقدرونها بالآلاف كل عام.

قال فنسان كوشتيل، المبعوث الخاص لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين لغرب ووسط البحر الأبيض المتوسط، خلال مؤتمر صحافي في جنيف: «سيخبركم كل شخص عبر الصحراء عن الجثث التي شاهدها، الجثث الملقاة على الطريق».

رحلة الموت

وأضاف أن «كل من عبر الصحراء الكبرى يمكنه أن يخبركم عن أشخاص يعرفهم ماتوا في الصحراء».

هؤلاء القتلى إما تركهم المهربون في الصحراء وإما كانوا ضحايا لحوادث، وإما ببساطة مرضى ألقوا بهم من الشاحنة المكشوفة الصغيرة التي أقلتهم. فهم محكوم عليهم عموماً بالموت في غياب هياكل الدعم الكافية ونظام حقيقي للبحث وتوفير المساعدة.

أعد التقرير الجديد الذي يعتمد على مقابلات مع أكثر من 30 ألف مهاجر أو لاجئ جرت بين عامي 2020 و2023، بشكل مشترك بين المفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومركز الهجرة المشترك، للنظر في سبل توفير مساعدة ملموسة، واطلاع القادة السياسيين على الوضع على نحو أفضل لإيجاد الاستجابات المناسبة لهذه الظاهرة.

على الرغم من المخاطر، تزداد أعداد من يسلكون طريق الهجرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى «تدهور الوضع في بلدانهم الأصلية وفي البلدان التي تستضيفهم، ولا سيما بسبب اندلاع نزاعات جديدة في منطقة الساحل والسودان، والأثر المدمر لتغير المناخ والحالات الطارئة الجديدة أو المزمنة في القرن الأفريقي وفي شرق أفريقيا»، وفق بيان للأمم المتحدة.

ويشير البيان أيضاً إلى أسباب أخرى منها «العنصرية وكراهية الأجانب التي يقع اللاجئون والمهاجرون ضحية لها».

هنا أيضاً، لا تتوافر إحصاءات دقيقة، لكن بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تظهر، على سبيل المثال، زيادة عدد الوافدين إلى تونس ثلاث مرات بين عامي 2020 و2023.

وقال فنسان كوشتيل إن «الأمر لا يتعلق بتشجيع الناس على القيام بهذه الرحلة الخطيرة، بل بإيجاد حلول لتوفير الحماية والتصدي للانتهاكات والتجاوزات التي يقعون ضحايا لها».

وبدا كوشتيل وكأنه يتوجه إلى القادة والسياسيين الأوروبيين الذين جعلوا مكافحة الهجرة أولوية لهم. ولفت كوشتيل إلى أن هؤلاء المهاجرين واللاجئين لا يسعون بغالبيتهم للذهاب إلى أوروبا.

عنف

ولأسباب تتعلق بأخلاقيات مهنية، لا يمكن لمن يجمعون البيانات تقديم مساعدة ملموسة للمهاجرين، كما أن أسئلة الاستطلاع ركزت على تصور المهاجرين للمخاطر وليس على تجربتهم الفعلية.

وخلص المسح إلى أن الخطر الرئيسي الذي ذكره 38 في المائة من المستجوبين في هذا التقرير يتعلق بالعنف الجسدي. وأشار 14 في المائة إلى خطر الموت، وذكر 15 في المائة منهم العنف الجنسي.

وتحدث كوشتيل أيضاً عن عمليات الخطف التي ذكرها 18 في المائة من المشاركين. وقدَّر عدد ضحايا الاتجار بالأعضاء «بعدة مئات». هناك أولئك الذين، على سبيل المثال، يبيعون كليتهم للبقاء على قيد الحياة، ولكن هناك أيضاً أولئك الذين وقعوا ضحية لسرقة أعضائهم.

وقال كوشتيل: «في معظم الأحيان يتم تخديرهم وإزالة العضو من دون موافقتهم، ثم يستيقظون وكليتهم مفقودة»، مذكراً بأنها ممارسة قديمة ومعروفة، وفي بعض البلدان، تُنشر إعلانات تشجع على بيع الأعضاء.

ويكشف التقرير أيضاً عن أن طالبي الهجرة واللجوء لا ينظرون إلى المهربين والمتاجرين بالبشر بالضرورة على أنهم المسؤولون الرئيسيون عن العنف. فقد ذكر من تمت مقابلتهم خصوصاً العصابات، وكذلك جهات إنفاذ القانون أو «جهات غير حكومية» مثل الجماعات المتمردة أو المسلحة.