اختتم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أنغولا، الخميس، جولة أفريقية شملت 3 بلدان أخرى، الرأس الأخضر وكوت ديفوار ونيجيريا، مؤكداً خلالها أن الولايات المتحدة هي الشريك الأمني الأفضل للقارة بدلاً من مجموعة «فاغنر» الروسية، التي اتهمها باستغلال دول تعاني الانقلابات والنزاعات والجماعات المتطرفة في منطقة الساحل.
وأتت جولة كبير الدبلوماسيين الأميركيين الأفريقية فيما يعبّر كثير من الزعماء الأفارقة عن عدم ارتياحهم حيال مليارات الدولارات التي قدّمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا للدفاع عن نفسها في مواجهة غزو روسيا، وكذلك دعمها غير المشروط لإسرائيل في حرب غزة. أما الزيارة إلى لواندا، عاصمة أنغولا، فجاءت بعد سنوات من الجفاء مع واشنطن خلال حقبة الحرب الباردة، وقبل تطوّر العلاقة بين البلدين في ظل وجود أرضية مشتركة تشمل التعاون للتعامل مع الاضطرابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.
وحظي بلينكن بترحيب حار في أنغولا، البلد الغني بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى، حيث التقى الرئيس جواو لورنسو الذي كان اجتمع مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض قبل أسبوعين فقط.
وكذلك زار الوزير الأميركي متحفاً علمياً جديداً، مشيداً من هناك بمشاركة أنغولا في كل من البرنامج الأميركي للتعاون في مجال الفضاء، والمبادرة الجديدة التي تهدف إلى جلب بذور معدّلة جينياً إلى البلدان النامية. وقال: «عندما نلقي نظرة على بعض البذور التقليدية التي اعتمد الأفارقة عليها، ومنها الكاسافا والدخن والذرة البيضاء، إنها مغذيّة جداً ويمكن أيضاً الآن جعلها أقدر على مقاومة تداعيات التغيّر المناخي»؛ بغية الوصول إلى «مرحلة الاكتفاء الغذائي الذاتي في أفريقيا، بل واحتمال تمكنها من توفير الغذاء لأجزاء أخرى من العالم».
المنافسة مع الصين
وتشكّل أنغولا أساس أحد أهم مشاريع البنى التحتية للولايات المتحدة في القارة، من خلال ممر لوبيتو الذي يربط بين زامبيا غير الساحلية، التي تعدها الولايات المتحدة نموذجاً في ديمقراطيتها، وجمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد بميناء أنغولي مطل على المحيط الأطلسي.
ودعمت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة متمرّدي «يونيتا» في أنغولا، لكنها أقامت علاقات وديّة مع هذه الدولة خلال فترة انتقالها إلى الديمقراطية.
ووسّعت الصين، التي تعدها الولايات المتحدة أبرز منافس لها، حضورها في أفريقيا بشكل متسارع من خلال الإنفاق على البنى التحتية. بينما عززت روسيا علاقاتها الأمنية مع الدول الخاضعة لحكم عسكري.
ولفت بلينكن إلى أن ممر لوبيتو يظهر أن الإدارة الأميركية لا تسعى إلى دفع الدول الأفريقية للاعتماد على الولايات المتحدة. وقال لقناة «تشانلز تيليفجن» النيجيرية إن «هذا هو ما يصنع الفرق باعتقادي، تستثمر الولايات المتحدة أيضاً - ولربما وحدها - في المعرفة ونقل المعرفة ومشاركة التقنيات».
الدعم الأمني
وكان بلينكن أفاد من نيجيريا نفسها بأن بلاده ستواصل دعم الشركاء الإقليميين في جهودهم للمساعدة في تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، جنوب الصحراء الكبرى التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة. وإذ أشار إلى النيجر، أمل في أن «يُحدِث ذلك فرقاً في استعادة النظام الدستوري، واستعادة شريك مهم في محاولة تحقيق الأمن في المنطقة» بدعم من الدول الغربية والأوروبية.
وحتى إطاحة رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم في يوليو (تموز) الماضي، كان هذا البلد حاسماً في النشاط الأميركي لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، ولكن في ظل العقوبات من جيرانها والغرب وأوروبا، قطع المجلس العسكري الجديد في النيجر علاقاته العسكرية مع الدول الأوروبية، ولجأ إلى روسيا بحثاً عن شراكة أمنية. وكانت «فاغنر»، التي تنشط في أجزاء من أفريقيا بما في ذلك مالي، أيضاً أحد مصادر المساعدة الأولى التي تواصل معها القادة العسكريون في النيجر.
وإذ أشار إلى سعي تلك البلدان الأفريقية إلى الدعم من «فاغنر»، قال إنه «ما رأيناه هو في الواقع مشكلة تزداد سوءاً»، لافتاً إلى «استغلال (فاغنر) للأشخاص والموارد... ومع ذلك من المهم أننا نعمل على دعم شركائنا الذين يحاولون إيجاد طرق فعالة لمكافحة انعدام الأمن».
وعلى الرغم من تشديد الرئيس بايدن على أن الولايات المتحدة «تدعم بالكامل» أفريقيا، فإنه لم يف بوعده بزيارة القارة العام الماضي.
استقرار الكونغو
وقادت أنغولا وكينيا الجهود الرامية لوضع حد للاضطرابات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وأثمرت محادثات استضافتها لواندا أواخر 2022 عن اتفاق على انسحاب عناصر «إم 23» المتمردين من عرقية التوتسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تتهم رواندا بدعمهم.
وتحرّكت الولايات المتحدة لدعم جهود الوساطة الكينية والأنغولية. واجتمعت مديرة الاستخبارات الأميركية أفريل هاينز في نوفمبر (تشرين الثاني) مع الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرئيس الرواندي بول كاغامي، وأُعلن أنهما اتفقا على خطوات لخفض التصعيد.