يتواصل فرز الأصوات في انتخابات رئاسية وبرلمانية نظمت يوم الثلاثاء الماضي في دولة ليبيريا، في غرب أفريقيا، وسط مخاوف من انزلاق الأوضاع نحو الأسوأ، في بلد هش كان مسرحا لحرب أهلية دموية في تسعينات القرن الماضي، وأرهقته بعد ذلك الأوبئة والأمراض، وينتشر فيه الفقر المدقع.
الانتخابات جرت بحضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي وآخرين من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي، ووسط اهتمام كبير من طرف الولايات المتحدة الأميركية، لأنها أول انتخابات تنظمها ليبيريا بعد إنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام فيها، وهي بعثة أنشئت عام 2003 بعد الحروب الأهلية التي خلفت أكثر من 250 ألف قتيل بين عامي 1989 و2003، ولا تزال ذكراها حية.
وصوت الناخبون في ليبيريا لاختيار رئيس للبلاد، من بين 20 مرشحاً، يتقدمهم الرئيس المنتهية ولايته جورج ويا (57 عاماً)، وهو لاعب كرة قدم سبق أن فاز بالكرة الذهبية بوصفه أفضل لاعب في العالم، وكان من أبرز نجوم الملاعب الأوروبية خلال تسعينات القرن الماضي، ولكنه تحول إلى رجل سياسة وفاز بالانتخابات الرئاسية عام 2017، ويسعى اليوم للفوز بولاية رئاسية ثانية.
ولكن نجم كرة القدم السابق، يواجه منافسة قوية من مرشح المعارضة الأبرز جوزيف بواكاي (78 عاما)، الذي سبق أن شغل منصب نائب الرئيس من 2006 حتى 2018، وخسر الانتخابات الرئاسية السابقة في الشوط الثاني أمام ويا.
النتائج الجزئية بدأت تظهر يوم الأربعاء الماضي، إلا أن النتائج الرسمية لن تعلن قبل يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهي فترة من الترقب تبدو طويلة نسبياً، وتثير قلق المراقبين الدوليين، بخاصة أن بعض الأحزاب السياسية بدأت تعلنُ فوزها ببعض الدوائر الانتخابية، من دون أن تنتظر نتائج اللجنة الوطنية للانتخابات.
في غضون ذلك، أظهرت نتائج جزئية نُشرت الخميس الماضي، بعد فرز 389 مكتب تصويت من أصل 5860 هي إجمالي عدد مكاتب التصويت في البلد، تقدم مرشح المعارضة جوزيف بواكاي، بنسبة 46 في المائة من الأصوات، مقابل 39 في المائة فقط للرئيس المنتهية ولايته.
ولكن مع استمرار الفرز تمكن ويا من التقدم بنسبة 44 في المائة، فيما تراجع بواكاي إلى 42 في المائة، وهو ما يظهر حدة التنافس بين الرجلين، مع إمكانية تكرار سيناريو 2017، حين ذهبا إلى شوط ثانٍ.
وتثير هذه الوضعية المخاوف من انزلاق البلد نحو العنف، وبخاصة أن صدامات بين الحزب الحاكم ومعارضين وقعت خلال الحملة الانتخابية، قتل فيها ثلاثة أشخاص، كما جرح أشخاص آخرون في صدامات وقعت على هامش مهرجان اختتم به جورج ويا حملته في العاصمة.
سفارة الولايات المتحدة في ليبيريا، نشرت بياناً صحافياً، دعت فيه الأحزاب السياسية والمرشحين إلى انتظار النتائج الرسمية «بهدوء وصبر وسلمية، بدل التسرع وإعلان الفوز»، كما دعت وسائل الإعلام المحلية إلى «تفادي أي محاولة لإعلان النتائج قبل اللجنة الوطنية للانتخابات».
وكانت الولايات المتحدة أعلنت، أنها ستفرض عقوبات وقيوداً في منح تأشيرتها لأي شخص يتورط في التشويش على الانتخابات في ليبيريا، مشيرة إلى أن هذه العقوبات ستطال أيضاً أفراد أسرة أي شخص ساهم في زعزعة الانتخابات.
وترتبطُ الولايات المتحدة بعلاقات تاريخية بليبيريا، البلد الذي شيدته مجموعة من العبيد تحررت من الرق في الولايات المتحدة، وقررت العودة إلى أرض الأجداد في أفريقيا، لتقيم أول جمهورية في القارة السمراء.
وليست الولايات المتحدة وحدها من اهتم بهذه الانتخابات، فبرلمان الاتحاد الأوروبي أرسل بعثة لمراقبتها، وصف رئيسها تنظيم الاقتراع بالجيد، وقال خلال مؤتمر صحافي: «بصفتنا رجال سياسية انتخبنا ديمقراطيا، أنا وزملائي في البعثة، ندعو القادة السياسيين لقبول نتائج هذه الانتخابات، وتسوية أي خلافات بطريقة سلمية وأمام المحاكم».
الممثل السامي للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مكتبها في غرب أفريقيا والساحل، ليوناردو سانتوس سيماو، حضر الانتخابات ووصفها بأنها كانت «هادئة وشفافة»، داعياً المرشحين إلى «إظهار المزيد من الصبر، وترك لجنة الانتخابات قيادة العملية الانتخابية في إطار الاحترام التام للدستور والقوانين المعمول بها في ليبيريا».
أما بعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، فقد طلبت من المرشحين والأحزاب السياسية «التهدئة»، وقال رئيس البعثة: «جميع الأطراف مدعوة إلى الامتناع عن أي تصريحات من شأنها زعزعة السلم». كما طلب من اللجنة المشرفة على الانتخابات «العمل بحذر وبسرعة، من أجل ضمان نشر النتائج بشكل عاجل وشفاف، لتفادي أي توتر قد يسببه الانتظار الطويل للنتائج».