تلقّت الأمم المتحدة صفعة قويّة إضافية، إذ تمكنت روسيا من إنهاء كل العقوبات الأممية المفروضة الهادفة لحماية اتفاق السلام لعام 2015 في مالي، التي نجح قادتها العسكريون المتحالفون مع مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة في طرد بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار (مينوسما) من هذا البلد في غرب أفريقيا.
واستخدمت روسيا امتياز النقض (الفيتو) ضد تجديد نظام العقوبات الذي يستهدف أي شخص ينتهك أو يعرقل اتفاق السلام لعام 2015 أو يعيق تسليم المساعدات أو يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان أو يجند الأطفال. وكانت لجنة العقوبات أبلغت مجلس الأمن الشهر الماضي أن قوات الجيش المالي و«شركاءها الأمنيين الأجانب»، في إشارة إلى «فاغنر»، يستخدمون العنف مع النساء ويرتكبون أشكالا أخرى من «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» لنشر الرعب في البلاد.
وكانت فرنسا والإمارات العربية المتحدة اللتان أعدتا مشروع قرار من شأنه تمديد نظام العقوبات حتى 31 أغسطس (آب) 2024 وتفويض لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة لمراقبة العقوبات حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2024. ولكن التصويت ليل الأربعاء على مشروع القرار أظهر تأييد 13 من الدول الـ15 الأعضاء في المجلس، واعتراض روسيا بـ«الفيتو». وامتنعت الصين عن التصويت.
وفشل أيضاً مشروع قرار روسي مضاد كان من شأنه تمديد العقوبات «لفترة أخيرة تبلغ 12 شهراً» حتى 31 أغسطس 2024، ولكن مع إلغاء لجنة الخبراء «بأثر فوري». وكانت روسيا العضو الوحيد الذي صوت لمصلحة هذا القرار، حيث صوتت اليابان ضده، وامتنعت الدول الـ13 المتبقية عن التصويت.
لم يؤخذ في الاعتبار
وبهذه النتيجة، انتهى الخميس 31 أغسطس نظام العقوبات، الذي كان يشمل حظر سفر وتجميد أصول ضد ثمانية من الماليين المدرجين على القوائم السوداء للأمم المتحدة لتهديدهم جهود السلام. وتنتهي مهمة لجنة الخبراء رسمياً في 30 سبتمبر.
ويأتي الفيتو الروسي بعدما صوت المجلس في يونيو (حزيران) الماضي لصالح إنهاء مهمة حفظ السلام التي استمرت عشر سنين في مالي عندما طلب المجلس العسكري فجأة من القوة المؤلفة من 13 ألف جندي المغادرة، وهي خطوة اتهمت الولايات المتحدة «فاغنر» بالتخطيط لها.
وأبلغ المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أعضاء المجلس قبل التصويت أن روسيا لن تسمح بعرض مشروع قرار آخر في شأن العقوبات ولجنة الخبراء. ودعا إلى إجراء مشاورات قبل التصويت، وهو ما وافقت عليه الولايات المتحدة بعد تردد، لكن مطالب روسيا في شأن العقوبات والخبراء لم تكن مقبولة لدى مؤيدي القرار الفرنسي - الإماراتي، لذلك عرض القرار على التصويت. وأعلن نيبينزيا بعد استخدامه الفيتو أن آراءه وآراء حكام مالي لم تؤخذ في الاعتبار.
دور «فاغنر»
ووصف نائب المندوبة الأميركية الدائمة روبرت وود، الذي ترأس الاجتماع، العقوبات بأنها «ضرورية». وعدّ تقارير لجنة الخبراء «مصدراً مركزياً للمعلومات حول الوضع في مالي»، متهماً روسيا بأنها تريد إلغاء تفويض اللجنة «لخنق نشر الحقائق غير المريحة حول تصرفات فاغنر في مالي».
وعبرت نائبة المندوب الفرنسي ناتالي برودهيرست عن أسفها العميق لاستخدام روسيا حق النقض في وقت حرج بالنسبة لمالي والمنطقة. ورأت أن «الخيار الذي اتخذته روسيا يأتي بعد مشاركة مرتزقة فاغنر في القتال» في شمال بير، حيث كانت الأمم المتحدة تقوم بإخلاء قاعدة لحفظ السلام، وفي الضربات الجوية التي «تهدد» وقف النار واتفاق السلام لعام 2015.
وفي تقريرها النهائي إلى مجلس الأمن، عبرت لجنة الخبراء عن «القلق بشكل خاص» من استمرار العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في منطقتي ميناكا شرق مالي وموبتي الوسطى، «خاصة تلك التي يشارك فيها الشركاء الأمنيون الأجانب للقوات المسلحة المالية»، في إشارة إلى «فاغنر».
وأكدت أن متطرفي «داعش» ضاعفوا تقريباً الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام، ويستفيد منافسوهم المرتبطون بـ«القاعدة» من الجمود والضعف الملحوظ للجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق السلام. وحذرت من أن التنفيذ المتعثر لاتفاق السلام والهجمات المستمرة على المجتمعات أتاح لـ«داعش» والجماعات التابعة لـ«القاعدة» فرصة «لإعادة تمثيل سيناريو عام 2012»، حين حصل انقلاب عسكري وشكل المتمردون في الشمال إمارة بعد شهرين. وجرى طرد المتطرفين من السلطة في الشمال بمساعدة عملية عسكرية بقيادة فرنسا.
وفي أغسطس 2020، أطيح الرئيس المالي في انقلاب قاده عقيد أدى اليمين كرئيس في يونيو 2021، وطور علاقاته مع الجيش الروسي و«فاغنر». وفي يونيو الماضي، أمر المجلس العسكري في مالي قوة «مينوسما» المؤلفة من نحو 15 ألف جندي بالرحيل.