الفيتو الروسي يوجّه صفعة قويّة للأمم المتحدة في مالي

مجلس الأمن يفشل في تجديد العقوبات بعد إنهاء بعثة «مينوسما»

آلية لقوات الأمم المتحدة (مينوسما) في قاعدتها الرئيسية بمالي في العاصمة باماكو عام 2018 (أ.ب)
آلية لقوات الأمم المتحدة (مينوسما) في قاعدتها الرئيسية بمالي في العاصمة باماكو عام 2018 (أ.ب)
TT

الفيتو الروسي يوجّه صفعة قويّة للأمم المتحدة في مالي

آلية لقوات الأمم المتحدة (مينوسما) في قاعدتها الرئيسية بمالي في العاصمة باماكو عام 2018 (أ.ب)
آلية لقوات الأمم المتحدة (مينوسما) في قاعدتها الرئيسية بمالي في العاصمة باماكو عام 2018 (أ.ب)

تلقّت الأمم المتحدة صفعة قويّة إضافية، إذ تمكنت روسيا من إنهاء كل العقوبات الأممية المفروضة الهادفة لحماية اتفاق السلام لعام 2015 في مالي، التي نجح قادتها العسكريون المتحالفون مع مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة في طرد بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار (مينوسما) من هذا البلد في غرب أفريقيا.

جندي فرنسي يقف إلى جانب القوات الأفريقية أثناء مشاركتهم في حفل تحويل القوة رسمياً إلى مهمة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في باماكو بمالي في الأول من يوليو 2013 (أ.ب)

واستخدمت روسيا امتياز النقض (الفيتو) ضد تجديد نظام العقوبات الذي يستهدف أي شخص ينتهك أو يعرقل اتفاق السلام لعام 2015 أو يعيق تسليم المساعدات أو يرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان أو يجند الأطفال. وكانت لجنة العقوبات أبلغت مجلس الأمن الشهر الماضي أن قوات الجيش المالي و«شركاءها الأمنيين الأجانب»، في إشارة إلى «فاغنر»، يستخدمون العنف مع النساء ويرتكبون أشكالا أخرى من «الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان» لنشر الرعب في البلاد.

وكانت فرنسا والإمارات العربية المتحدة اللتان أعدتا مشروع قرار من شأنه تمديد نظام العقوبات حتى 31 أغسطس (آب) 2024 وتفويض لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة لمراقبة العقوبات حتى 30 سبتمبر (أيلول) 2024. ولكن التصويت ليل الأربعاء على مشروع القرار أظهر تأييد 13 من الدول الـ15 الأعضاء في المجلس، واعتراض روسيا بـ«الفيتو». وامتنعت الصين عن التصويت.

وفشل أيضاً مشروع قرار روسي مضاد كان من شأنه تمديد العقوبات «لفترة أخيرة تبلغ 12 شهراً» حتى 31 أغسطس 2024، ولكن مع إلغاء لجنة الخبراء «بأثر فوري». وكانت روسيا العضو الوحيد الذي صوت لمصلحة هذا القرار، حيث صوتت اليابان ضده، وامتنعت الدول الـ13 المتبقية عن التصويت.

لم يؤخذ في الاعتبار

وبهذه النتيجة، انتهى الخميس 31 أغسطس نظام العقوبات، الذي كان يشمل حظر سفر وتجميد أصول ضد ثمانية من الماليين المدرجين على القوائم السوداء للأمم المتحدة لتهديدهم جهود السلام. وتنتهي مهمة لجنة الخبراء رسمياً في 30 سبتمبر.

صورة أرشيفية لجنود ألمان من مفرزة المظليين التابعة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) يعبرون جسر نهر النيجر خلال دورية تبحث عن عبوة ناسفة على الطريق (أ.ف.ب)

ويأتي الفيتو الروسي بعدما صوت المجلس في يونيو (حزيران) الماضي لصالح إنهاء مهمة حفظ السلام التي استمرت عشر سنين في مالي عندما طلب المجلس العسكري فجأة من القوة المؤلفة من 13 ألف جندي المغادرة، وهي خطوة اتهمت الولايات المتحدة «فاغنر» بالتخطيط لها.

وأبلغ المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أعضاء المجلس قبل التصويت أن روسيا لن تسمح بعرض مشروع قرار آخر في شأن العقوبات ولجنة الخبراء. ودعا إلى إجراء مشاورات قبل التصويت، وهو ما وافقت عليه الولايات المتحدة بعد تردد، لكن مطالب روسيا في شأن العقوبات والخبراء لم تكن مقبولة لدى مؤيدي القرار الفرنسي - الإماراتي، لذلك عرض القرار على التصويت. وأعلن نيبينزيا بعد استخدامه الفيتو أن آراءه وآراء حكام مالي لم تؤخذ في الاعتبار.

دور «فاغنر»

ووصف نائب المندوبة الأميركية الدائمة روبرت وود، الذي ترأس الاجتماع، العقوبات بأنها «ضرورية». وعدّ تقارير لجنة الخبراء «مصدراً مركزياً للمعلومات حول الوضع في مالي»، متهماً روسيا بأنها تريد إلغاء تفويض اللجنة «لخنق نشر الحقائق غير المريحة حول تصرفات فاغنر في مالي».

وعبرت نائبة المندوب الفرنسي ناتالي برودهيرست عن أسفها العميق لاستخدام روسيا حق النقض في وقت حرج بالنسبة لمالي والمنطقة. ورأت أن «الخيار الذي اتخذته روسيا يأتي بعد مشاركة مرتزقة فاغنر في القتال» في شمال بير، حيث كانت الأمم المتحدة تقوم بإخلاء قاعدة لحفظ السلام، وفي الضربات الجوية التي «تهدد» وقف النار واتفاق السلام لعام 2015.

مركبة تابعة للأمم المتحدة في قاعدة العمليات الرئيسية لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) في باماكو بمالي في 23 يونيو 2018 (أ.ب)

وفي تقريرها النهائي إلى مجلس الأمن، عبرت لجنة الخبراء عن «القلق بشكل خاص» من استمرار العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في منطقتي ميناكا شرق مالي وموبتي الوسطى، «خاصة تلك التي يشارك فيها الشركاء الأمنيون الأجانب للقوات المسلحة المالية»، في إشارة إلى «فاغنر».

وأكدت أن متطرفي «داعش» ضاعفوا تقريباً الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام، ويستفيد منافسوهم المرتبطون بـ«القاعدة» من الجمود والضعف الملحوظ للجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق السلام. وحذرت من أن التنفيذ المتعثر لاتفاق السلام والهجمات المستمرة على المجتمعات أتاح لـ«داعش» والجماعات التابعة لـ«القاعدة» فرصة «لإعادة تمثيل سيناريو عام 2012»، حين حصل انقلاب عسكري وشكل المتمردون في الشمال إمارة بعد شهرين. وجرى طرد المتطرفين من السلطة في الشمال بمساعدة عملية عسكرية بقيادة فرنسا.

وفي أغسطس 2020، أطيح الرئيس المالي في انقلاب قاده عقيد أدى اليمين كرئيس في يونيو 2021، وطور علاقاته مع الجيش الروسي و«فاغنر». وفي يونيو الماضي، أمر المجلس العسكري في مالي قوة «مينوسما» المؤلفة من نحو 15 ألف جندي بالرحيل.


مقالات ذات صلة

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي جندي من قوات «اليونيفيل» في برج مراقبة قرب قرية مارون الراس اللبنانية (إ.ب.أ)

إصابة 4 من جنود «اليونيفيل» الإيطاليين في لبنان وروما تُحمّل «حزب الله» المسؤولية

أصيب 4 جنود إيطاليين في هجوم على مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان «اليونيفيل» ببلدة شمع جنوب لبنان، وفق ما أعلن مصدران حكوميان، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

استعادت جماعة «بوكو حرام» الموالية لـ«تنظيم داعش» الإرهابي، قدرتها على المبادرة والهجوم في مناطق مختلفة بشمال نيجيريا، وشنّت هجوماً استهدف قاعدة عسكرية تابعة للجيش، قُتل فيه خمسة جنود على الأقل، وأُصيب عشرة جنود، فيما قال الجيش إنه قتل أكثر من خمسين من عناصر الجماعة الإرهابية.

وقالت قيادة الجيش النيجيري في بيان، إن الهجوم الإرهابي الذي شنّه فرع من جماعة «بوكو حرام»، في غرب أفريقيا، استهدف القوات المتمركزة بموقع عمليات التثبيت بقرية «كاريتو»، بولاية بورنو، في أقصى شمال شرقي نيجيريا، على الحدود مع دولة النيجر.

البيان الصادر عن مدير الإعلام العسكري، اللواء إدوارد بوبا، قال إن الهجوم الإرهابي وقع بالتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، ووصفه بأنه «كان منسقاً»، قبل أن يؤكد «مقتل خمسة جنود وإصابة عشرة آخرين بجروح، بالإضافة إلى فقدان أربعة جنود آخرين».

من عملية ضد جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية متداولة)

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم قيادة الجيش إن «القوات المسلحة نجحت في القضاء على عدد من الإرهابيين، واستعادة أسلحة كانت بحوزتهم»، مشيراً إلى تكبد الجيش خسائر مادية «فادحة»، حيث إن منفذي الهجوم الإرهابي أحرقوا بعض المعدات «بما في ذلك شاحنة محملة بالأسلحة، وثلاث مركبات تكتيكية، وجرافة».

وأطلق الجيش النيجيري عملية تعقب بقيادة وحدة من قوات الدعم مع غطاء جوي، وقال إن الهدف هو «استكشاف المنطقة بشكل عام، ومسارات انسحاب الإرهابيين»، وفق تعبير البيان.

وتسعى القوات النيجيرية إلى قطع الطريق أمام منفذي الهجوم الإرهابي، بهدف استعادة الجنود المفقودين، في ظل توقعات بأن الإرهابيين «اختطفوهم» ليكونوا دروعاً بشرية تحميهم من أي قصف جوي.

صورة أرشيفية لهجوم شنّته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا (رويترز)

الهجوم الإرهابي استهدف قرية «كاريتو»، التي لا تبعد سوى 153 كيلومتراً عن العاصمة الإقليمية مايدوجوري، وهي المقر الرئيس لـ«الكتيبة 149» التابعة للجيش النيجيري، التي تشارك بنشاط في عمليات محاربة الإرهاب، كما استهدف معاقل فرعي جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وقالت قيادة الجيش النيجيري إن «هذا الهجوم لن يثني القوات المسلحة النيجيرية عن القضاء على الإرهاب والتمرد والتحديات الأمنية الأخرى التي تواجه البلاد»، وأعربت عن تعويلها على تعاون السكان المحليين في ملاحقة الإرهابيين.

وأعلن حاكم ولاية بورنو، باباغانا زولوم، عن وقوفه إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية، وأضاف في بيان صحافي أن الهجوم «يعيد إلى الأذهان مستوى وحشية العناصر الإرهابية لجماعة (بوكو حرام)».

وبينما أعلن عدد من كبار قادة الجيش في نيجيريا عن انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»، والاقتراب من القضاء عليها بشكل نهائي، بدأت الجماعة تعيد ترتيب صفوفها، وإظهار قدرات جديدة على المبادرة والهجوم.

ففي حادث منفصل، نصب مسلحون من «بوكو حرام»، الثلاثاء، كميناً لفريق مراقبة من قوات الأمن والدفاع المدني النيجيرية، كان يتفقد منشآت الشبكة الوطنية للكهرباء والطاقة في إقليم النيجر التابع لنيجيريا.

مسلحو «بوكو حرام» خلَّفوا الخراب والدمار في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم قوات الأمن والدفاع المدني أفولابي باباوالي، إن خطوط الشبكة الوطنية للطاقة تعرضت مؤخراً لهجمات إرهابية تخريبية، وقد أسفرت عن انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أقاليم شمال نيجيريا.

وأوضح المتحدث أنه «حينما كانت فرق الأمن تتفقد خطوط الشبكة الوطنية، تعرضت لهجوم إرهابي نفذه أكثر من 200 مسلح نصَبوا كميناً من قمة أحد التلال»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن المواجهات بين الطرفين «أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين إرهابياً، فيما يوجد سبعة جنود في عداد المفقودين».

وتتزامن هذه الهجمات الإرهابية المتفرقة، مع معارك طاحنة تجري منذ أسابيع ما بين جيش تشاد ومقاتلي «بوكو حرام» في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تُوصف بأنها «العمق الاستراتيجي» للتنظيم الإرهابي، حيث توجد قواعده الخلفية وسط الغابات والجزر المترامية في واحدة من أكبر المناطق الرطبة في أفريقيا.