كيف يستخدم «انقلابيو النيجر» ورقة بازوم لمواجهة الضغوط الخارجية؟

بعد تهديدهم بمحاكمته بتهمة «الخيانة»

عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
TT

كيف يستخدم «انقلابيو النيجر» ورقة بازوم لمواجهة الضغوط الخارجية؟

عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)
عناصر من قوات الأمن في النيجر (رويترز)

جاء إعلان المجلس العسكري في النيجر نيته محاكمة الرئيس محمد بازوم بـ«تهمة (الخيانة)» ليمثل خطوة إضافية ضمن عدة إجراءات للتعامل مع بازوم، الذي أعربت عدة دول ومنظمات إقليمية ودولية عن قلقها بشأن «سلامته الشخصية». ودعت إلى «إطلاق سراحه وإعادته للحكم». وهنا أثيرت تساؤلات حول استخدام «انقلابيي النيجر» ورقة بازوم لمواجهة الضغوط الخارجية.

وقال المتحدث باسم المجلس العسكري، أمادو عبد الرحمن، في بيان للتلفزيون الرسمي، مساء الأحد، إن السلطات العسكرية «جمعت الأدلة اللازمة لمحاكمة الرئيس المخلوع بتهمة الخيانة العظمى وتقويض الأمن الداخلي والخارجي للنيجر». وأضاف أن هناك ما وصفه بـ«حملة تضليل ضد المجلس العسكري لمحاولة إخراج أي حل تفاوضي للأزمة عن مساره من أجل تبرير التدخل العسكري باسم (الإيكواس)».

عناصر من قوات الأمن في النيجر يقفون خلال مظاهرة مؤيدة للانقلاب العسكري أمام قاعدة للجيش الفرنسي في نيامي 11 أغسطس 2023 (رويترز)

وعدّ متخصصون في الشأن الأفريقي تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «استخدام ورقة رئيس النيجر المعزول، سواء ما يتعلق بسلامته الشخصية أو حالته الصحية أو اعتزام محاكمته، نوع من الضغط المضاد، الذي تستخدمه السلطات الحاكمة في النيجر حالياً لمواجهة الضغوط الخارجية عليها، ولفتح مساحة لجدال فرعي يصرف الأنظار عن القضية المركزية؛ وهي الاستيلاء على الحكم».

واستولى عدد من قادة الجيش والحرس الجمهوري في النيجر على الحكم، في 26 يوليو (تموز) الماضي. وقرروا على الفور احتجاز الرئيس محمد بازوم وأفراد أسرته وحكومته، ما أثار حفيظة كثير من المؤسسات الإقليمية والدولية، التي طالبت بالإفراج عن بازوم وإعادته إلى السلطة، وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بـ«استخدام القوة لإعادة بازوم إلى الحكم»، إلا أنها إلى الآن لم تُقدم على تنفيذ تهديدها.

وفي وقت سابق، أعلن الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة، أنهم «قلقون بشأن الظروف التي يحتجز فيها بازوم». وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، الجمعة الماضي، عن «قلقه الشديد» حيال «تدهور ظروف احتجاز بازوم»، عادّاً معاملة السلطات العسكرية المنبثقة عن الانقلاب له «غير مقبولة».

وفي أعقاب تلك التصريحات، أفاد أحد المقربين من رئيس النيجر المحتجز في مقره بالعاصمة نيامي، لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن بازوم تلقى السبت الماضي، «زيارة من طبيبه، وقد جلب الطعام له، وكذلك لزوجته ونجله المحتجزين معه». وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في وقت سابق، إن المعاملة التي يلقاها بازوم وأسرته «غير إنسانية وقاسية»، مشيرة إلى أنه «محروم من الكهرباء منذ 2 أغسطس (آب) الحالي، وليس هناك أي تواصل معه».

وعدّ كريس أنيانو، الخبير النيجيري المتخصص في شؤون غرب أفريقيا، إقدام المجلس العسكري الحاكم حالياً في النيجر على محاكمة بازوم، «تصعيداً متعمداً لتحقيق هدف مزدوج». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغرض الأول هو تحقيق «ضغط مضاد» في مواجهة الضغوط التي تمارسها دول مثل فرنسا والولايات المتحدة ومنظمة «إيكواس»، لافتاً إلى أن السلامة الشخصية للرئيس بازوم باتت أولوية بالنسبة لتلك الأطراف، ما يعني أنه يمثل «ورقة ضغط قوية يمكن الاستفادة منها في أي مفاوضات».

وأضاف الخبير النيجيري أن الهدف الثاني يتمثل في «كسب مزيد من التأييد الداخلي في النيجر»، مشيراً إلى أن خطاب محاكمة السلطة ومواجهة الفساد والتعبير عن طموحات المواطنين «يمثل جزءاً من الخطاب التقليدي الذي تتبناه سلطة أي انقلاب، في محاولة لاكتساب الشرعية السياسية»، معبراً عن أن استخدام ورقة الرئيس بازوم يمثل «محاولة لصرف الأنظار عن القضية المركزية؛ وهي الاستيلاء على الحكم، وتحويل النقاش إلى قضايا فرعية تتعلق بسلامة الرئيس المعزول وأسرته»، الأمر الذي يوفر فرصة للسلطة الجديدة لـ«الإفلات من الضغوط».

وتزداد المخاوف بشأن ظروف اعتقال بازوم وأسرته بعد أكثر من أسبوعين على الإطاحة به من السلطة، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، أن القادة العسكريين في النيجر رفضوا الإفراج عن أسرة بازوم في اقتراح لـ«إعطاء بادرة حسن نية».

أنصار المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر يلوحون بالأعلام الروسية والنيجرية أثناء تجمعهم اليوم بالقرب من قاعدة جوية فرنسية (أ.ف.ب)

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس النيجيري السابق محمدو إيسوفو، أحد المقربين من بازوم، أعرب بلينكن عن «قلقه البالغ حيال استمرار الاعتقال (غير القانوني) في ظل ظروف متدهورة للرئيس بازوم وعائلته».

ولاحقاً، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن الأمم المتحدة تتابع عن كثب مجريات الأحداث بالنيجر، وإنها مطلعة على التقارير المتعلقة بظروف احتجاز الرئيس محمد بازوم وعائلته.

ويعتقد الدكتور أحمد أمل، أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، أن الواقع في النيجر حالياً «بالغ التعقيد والتشابك»، وأن تداخل الاعتبارات الشخصية المتعلقة بسلامة ومستقبل الرئيس بازوم، وكذلك تعقيدات العلاقات الدولية المعنية بالوضع هناك «يعدان مظهراً من مظاهر ذلك التشابك».

ولفت أمل لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الانقلاب الأخير هو ثالث محاولة انقلابية في النيجر خلال عام حكم الرئيس بازوم، وهو ما يعني أنه كانت هناك «نية مبيتة» ومحاولات مدروسة للإطاحة بحكمه، وهو ما يوفر فرصة لأعضاء «السلطة الجديدة» لأن يرتبوا أوراقهم ويستفيدوا من فهم طبيعة البيئة الدولية وصراعات المصالح بين الدول المعنية بالوضع في النيجر من أجل خلق دفاعات لمواجهة الضغوط المتواصلة عليهم للتراجع.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية المساعد أن هناك كثيراً من القوى السياسية الداخلية التي ربما يستهويها الإعلان عن محاكمة الرئيس بازوم، ومن بينها القوى المشككة في شرعية ونزاهة العملية الانتخابية التي جاء بها بازوم إلى السلطة، فضلاً عن قوى شعبية تراها معبراً عن المصالح الغربية عموماً والفرنسية خصوصاً، ومن ثم يمكن أن تزيد تلك الخطوة، وفق رؤية المجلس العسكري، من تأييد بعض قوى الشارع السياسي في النيجر لهم في الوقت الراهن.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

على خطى الجيران... هل تتقرب السنغال من روسيا؟

وزير الخارجية الروسي رفقة وزيرة خارجية السنغال في موسكو (صحافة سنغالية)
وزير الخارجية الروسي رفقة وزيرة خارجية السنغال في موسكو (صحافة سنغالية)
TT

على خطى الجيران... هل تتقرب السنغال من روسيا؟

وزير الخارجية الروسي رفقة وزيرة خارجية السنغال في موسكو (صحافة سنغالية)
وزير الخارجية الروسي رفقة وزيرة خارجية السنغال في موسكو (صحافة سنغالية)

زارت وزيرة خارجية السنغال ياسين فال، الخميس، العاصمة الروسية موسكو؛ حيث عقدت جلسة عمل مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أعقبها مؤتمر صحافي مشترك أكدا خلاله رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثنائي، خصوصاً في مجالات الأمن والدفاع، والطاقة والتكنولوجيا، والتعليم والزراعة.

وزيرة خارجية السنغال خلال جلسة عمل مع لافروف أمس (صحافة سنغالية)

وتأتي هذه الزيارة في وقت تواصل روسيا التغلغل في منطقة غرب أفريقيا، ومضايقة النفوذ التقليدي لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة، التي فقدت خلال السنوات الأخيرة حضورها لصالح الروس في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، فهل تسلكُ السنغال الطريق نفسه؟

حسب ما أُعلن بشكل رسمي، فإن المباحثات التي عقدت في موسكو ما بين ياسين فال وسيرغي لافروف، خصصت لما أطلق عليه «مراجعة شاملة للتعاون الثنائي»، بالإضافة إلى مناقشة تعزيز «الشراكة» في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتعليم والزراعة، وذلك في إطار ما أطلق عليه البلدان «بناء علاقات استراتيجية».

التعاون الأمني

هذه العلاقات الاستراتيجية لا يمكنُ أن تقوم دون أن تأخذ في الحسبان الوضع الأمني المضطرب في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما تطرّق له الوزيران بالفعل، حين ناقشا «التعاون لمواجهة التحديات الأمنية والإنسانية في منطقة الساحل».

وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الروسي إن بلاده «مستعدة لدعم الدول الأفريقية في تعزيز قدراتها الدفاعية ومكافحة الإرهاب»، مؤكداً أن روسيا «تسعى لأن تكون شريكاً موثوقاً في جهود الاستقرار الإقليمي»، وفق تعبيره.

من جانبها قالت وزيرة الخارجية السنغالية إن بلادها تدعم اعتماد الحلول السلمية لتجاوز الصراعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي، وقالت إنها ناقشت مع نظيرها الروسي «تقليص الأنشطة الإرهابية في منطقة الساحل، وضرورة القضاء عليها بشكل عاجل»، وأضافت: «هناك العديد من النزاعات التي تؤثر على العالم، والسنغال تشجع على البحث عن حلول سلمية تفاوضية للأزمات المختلفة، سواء كانت الأزمة الروسية - الأوكرانية، أو تلك التي تقع في قلب قارتنا، كما هو الحال في السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية».

وأكدت الوزيرة السنغالية أن «العلاقات بين العالمين الأفريقي والروسي لها جذور عميقة تعود إلى فترة الاستعمار ونضالنا ضد نظام الفصل العنصري».

الحياد السنغالي

ورغم أن الحكومة السنغالية أبدت رغبتها الصريحة في الاستفادة من روسيا، خصوصاً في مجالات الاستكشاف المعدني والطاقة والزراعة، بالإضافة إلى البحث العلمي وتدريب العاملين في قطاع الهيدروكربونات والصيد، فإنها في الوقت ذاته شددت على موقفها المحايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت ياسين فال إن موقف السنغال «يلتزم الحياد» بين الطرفين الروسي والأوكراني، وذلك تماشياً مع «أهمية الحوار بوصفه وسيلة لتسوية النزاعات»، وشددت في السياق ذاته على أن «موقف السنغال يتماشى مع سياسة الاتحاد الأفريقي الذي يدعو إلى الحلول السلمية عبر المفاوضات»، على حد تعبيرها.

وعلق لافروف على تصريح الوزيرة السنغالية بالقول إن موسكو «تشيد بموقف السنغال المتوازن والموضوعي تجاه الصراع»، واصفاً هذا الموقف بأنه «يعكس شراكة مبنية على الاحترام المتبادل».

التقرب الروسي

لم تكن زيارة وزيرة الخارجية السنغالية إلى موسكو هي أول خطوة للتقارب بين البلدين، بل إن روسيا كثيراً ما أظهرت اهتماماً متزايداً بتعزيز علاقاتها مع السنغال، وهو ما تمثل في زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى داكار الشهر الماضي، وهي الزيارة التي افتتح خلالها غرفة التجارة والاستثمار أفريقيا - روسيا في داكار، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وقطعت موسكو هذه الخطوة في اتجاه السنغال، حين أعلن الرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديوماي فاي، فور تنصيبه شهر أبريل (نيسان) الماضي، رغبته في تنويع شركاء بلاده الدوليين، بشرط الحفاظ على سيادة البلاد.

ويشير الخبراء إلى أن نجاح موسكو في التقارب مع داكار سيشكل خطوة كبيرة نحو تحقيق أهدافها في غرب القارة الأفريقية؛ حيث تعد السنغال واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي والغربي التقليدية والعريقة، كما أنها دولة تتمتع بمستوى معقول من الاستقرار السياسي والتقدم الديمقراطي، وتعد شريكاً ذا مزايا تنافسية مهمة لروسيا.

كما أن السنغال خلال السنوات الأخيرة حققت اكتشافات مهمة في مجال الطاقة، وخصوصاً النفط والغاز الطبيعي، ويتوقع لها أن تكون لاعباً مهماً في سوق الطاقة خلال الفترة المقبلة؛ إذ تمتلك حقلاً هائلاً للغاز الطبيعي على الحدود مع موريتانيا، ويشترك البلدان في تسييره، مع شركة بريتش بتروليوم البريطانية. وهذا يضيف بعداً مهماً للتقارب بين موسكو وداكار؛ حيث يعد مجال الطاقة أحد ساحات الصراع المهمة بين روسيا والغرب.