هل تتخلى أميركا عن بازوم وتعترف بالسلطة الانقلابية الجديدة؟

خيارات واشنطن الصعبة في أزمة النيجر

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
TT

هل تتخلى أميركا عن بازوم وتعترف بالسلطة الانقلابية الجديدة؟

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)

تراجع واشنطن خياراتها في التعامل مع أزمة النيجر والانقلاب العسكري، وسط سيناريوهات ما بين دعم التدخل العسكري وفرض مزيد من العقوبات والعزلة الدولية، والتداعيات لتلك الخيارات من مخاطر اندلاع حرب أهلية وتقويض الأمن، وتصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية وخسارة القواعد الأميركية في النيجر، وما يتعلق بموارد اليورانيوم وتصاعد نفوذ روسيا في غرب القارة الأفريقية.

وقد ألقت واشنطن برهاناتها على مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية (إيكواس) للتعامل مع انقلاب النيجر وما أعلنته المجموعة في أبوجا يوم الخميس الماضي بضرورة إعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، بعد أن أطاح به الانقلاب العسكري في 26 يوليو (تموز) الماضي. واتخذت المجموعة في اجتماعها برئاسة رئيس نيجيريا بولا أحمد تينوبو قرارات بإغلاق الحدود بين «إيكواس» والنيجر ووقف الرحلات الجوية التجارية، ووقف المعاملات التجارية والمالية، وتجميد أصول النيجر في البنوك المركزية لـ«إيكواس»، إضافة إلى تعليق المساعدات المالية.

وكرر وزير الخارجية الأميركي دعمه لكل القرارات التي تتبناها قمة قادة «إيكواس»، مفضلاً الخيارات الدبلوماسية من أجل حل سلمي للأزمة. وأبدت المجموعة تفضيل المسار الدبلوماسي، لكنها لوَّحت بخيار التدخل العسكري، إلا أن تأجيل اجتماع رؤساء الأركان لدول المجموعة الذي كان مقرراً في غينيا دون تحديد موعد جديد كشف عن انقسامات عميقة بشأن خيار التدخل العسكري، خاصة أن كلاً من تشاد والجزائر اعترضت على التدخل العسكري في النيجر، وحذرت أن ذلك يمثل تهديداً لمصالح الأمن القومي للبلدين.

ولا يبدو أن المسارات الدبلوماسية تتقدم بعد أكثر من أسبوعين على الانقلاب، بينما يتعزز نفوذ روسيا في مقابل مشاعر العداء ضد الغرب بصفة عامة داخل النيجر، وهو ما يضع واشنطن أمام خيارات صعبة ومحدودة.

 

خيارات واشنطن

الخيار المثالي للولايات المتحدة هو مواصلة الجهود الدبلوماسية والعمل مع مجموعة «إيكواس» لفرض مزيد من الضغوط على قادة المجلس العسكري، لكن مهلة «إيكواس»، التي منحتها للمجلس العسكري لإعادة بازوم إلى السلطة انتهت دون خطوات فعلية، ورغم إعلان المجموعة نشر قوة احتياطية تصل إلى خمسة آلاف جندي من دول منها نيجيريا وبنين وساحل العاج والسنغال لاستعادة الديمقراطية في النيجر، إلا أن الغموض يحيط بهذا القرار، فمن غير الواضح متى وأين سيتم نشر هذه القوة، وليس واضحاً نطاق هذه القوة أو الجدول الزمني للتدخل العسكري المحتمل. ومن الناحية اللوجستية أيضاً فقد تستغرق هذه الخطوة أسابيع أو شهور حتى يقرر «إيكواس» الخطوات التي يتعين القيام بها.

من جانب آخر قد يقف مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ضد أي قرار بتحرك عسكري، إذا شعر أن السلام والأمن مهدد في القارة الأفريقية. وقد تحمل خطوة التدخل العسكري مخاطر جر النيجر إلى حرب أهلية ومخاطر اندلاع مزيد من الانقلابات في المنطقة وتفشي ظاهرة النزوح الجماعي لدول الجوار.

ويقول بعض الخبراء إن التلويح بالتدخل العسكري هو نوع من حفظ ماء الوجه لمجموعة «إيكواس» بعد قراراتها بالتهديد دون خطط واضحة لكيفية تنفيذ التدخل العسكري. وبافتراض أن مجموعة «إيكواس» مضت في خطط التدخل العسكري فإن الجيوش الأكثر خبرة وأفضل تجهيزاً في غرب أفريقيا مثل القوات في مالي وبوركينا فاسو، فهي دول تتعاطف مع النيجر وتعارض التدخل العسكري، بل ولديها استعداد لتنسيق جهود دفاع مشتركة مع القادة العسكريين في النيجر وأعلنت أن أي تدخل عسكري سيتم النظر إليه على أنه إعلان حرب.

ومخاطر تشجيع سيناريو الخيار العسكري ستكون له عواقبه وتداعياته خاصة في ظل الانقسامات داخل قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الذين يريدون كبح جماح الانقلابات المتكررة في القارة السمراء، وما يتطلبه التدخل العسكري من استعدادات وميزانيات وعتاد عسكري وخطط عسكرية محكمة تحقق الأهداف دون خسائر في الأرواح، وهو أمر يواجه الكثير من العراقيل والمخاوف.

وقد حذرت الخارجية الروسية من محاولات التدخل عسكرياً في النيجر، وقالت إن ذلك لن يؤدي سوى إلى إطالة الصراع وزعزعة استقرار منطقة الصحراء والساحل.

وخيار آخر هو أن تعلن الولايات المتحدة أن استيلاء القادة العسكريين على السلطة في النيجر هو انقلاب عسكري، وبالتالي قطع المساعدات الأميركية عن البلد الفقير، لكن في الوقت نفسه المخاطرة بصعود الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا وخاصة «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» بعض سنوات وجهود أميركية مضنية لمكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، وأموال طائلة أنفقت في إقامة قاعدتين أميركيتين في النيجر تنطلق منها عمليات مكافحة الإرهاب وعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية.

وفي الوقت نفسه، سيبدو الأمر انهزاماً أميركياً أمام نفوذ روسيا ومجموعة «فاغنر»، التي يتصاعد نفوذها وتساند المجلس العسكري الانقلابي في وجه الإمبريالية والهيمنة الأميركية في أفريقيا، ووقف الاستغلال الاقتصادي للغرب لموارد الدول الأفريقية.

قد تلجأ الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي لفرض بعض الضغوط وربما فرض العقوبات وحشد المجتمع الدولي لفرض عزلة دبلوماسية على قادة الانقلاب العسكري في النيجر، لكن ذلك سيعني سقوط الدولة الفقيرة في غياهب الانهيار الاقتصادي الكامل واحتمالات المزيد من الاضطرابات الاجتماعية داخل النيجر وفي الدول المجاورة.

 

إخفاق أميركي

ولا يبدو أن واشنطن تملك استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع الأزمة التي تتحول بسرعة إلى أزمة كبيرة في قلب أفريقيا. وقد أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن إجراء عدة محادثات هاتفية مع الرئيس المخلوع وبعض قادة دول المنطقة. فيما باءت زيارة فيكتوريا نولاند السريعة إلى النيجر بالفشل، ولم تحقق أي نتائج في المفاوضات مع الجنرال عبد الرحمن تشياني الذي رفض مقابلتها كما رفض الطلب الأميركي لزيارة الرئيس بازوم في محبسه والاطمئنان على صحته. واكتفت واشنطن بتعليق المساعدات المالية للنيجر واتخذت كل من فرنسا والاتحاد الأوربي الموقف نفسه.

ويزيد من تعقيد الوضع، قيام قادة المجلس العسكري بتقنين الأوضاع لإجبار المجتمع الدولي على قبول الأمر الواقع، ورفض تدخلات مجموعة «إيكواس» وضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية، وفي المقابل عملت على اتخاذ خطوات مدنية منها تعيين وزير المالية السابق لمنصب رئيس الوزراء والإعلان عن عملية سياسية انتقالية تتضمن إجراء انتخابات ديمقراطية والتعهد بمكافحة الإرهاب وإرساء العدالة والديمقراطية. ويسود الهدوء شوارع العاصمة نيامي مع مظاهرات مؤيدة للمجلس العسكري. وبالتزامن مع تلك الخطوات تشجيع وإذكاء المشاعر المعادية لفرنسا والغرب بشكل عام، واستخدام ورقة احتجاز الرئيس بازوم كورقة تفاوض للتوصل إلى صفقة يتم بمقتضاها إطلاق سراحه مقابل القبول بالمجلس العسكري الجديد. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» أن المجلس العسكري في النيجر أبلغ دبلوماسياً أميركياً كبيراً أنهم سيقتلون الرئيس المخلوع إذا حاولت الدول المجاورة التدخل عسكرية.

وقد نقلت الوكالة عن إنسا جاربا سعيدو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي يساند المجلس العسكري أنه من الأفضل الاعتراف بالنظام الجديد، وأن الحوار يدور مع دول المنطقة للاعتراف بالقادة العسكريين كقادة جدد للنيجر مع تعهدهم بمكافحة التنظيمات الإرهابية.

 

الخيار المر

وفي ظل هذه الخيارات الصعبة يقول الخبراء إن الخيار المر أمام الولايات المتحدة وأوروبا ربما سيكون الاعتراف بالمجلس العسكري من اجل مواصلة التعاون الأمني في المنطقة وتجنب التداعيات الأمنية لهذا الانقلاب ومواجهة فرصة روسيا لترسيخ سيطرتها على المنطقة حيث تنشط مجموعة فاغنر في منطقة الساحل وأفريقيا الوسطي والسودان وأيضا في بوركينا فاسو. ويعد أكبر المخاوف الأميركية هو الاحتفاظ بالقواعد الجوية الأميركية في النيجر ومنع سيطرة روسيا على موارد النيجر خاصة اليورانيوم.

وتدور أطروحات أن الرئيس بازوم ليس الشريك المثالي للولايات المتحدة والغرب، لكن النيجر تحت قيادته أفضل من أنظمة عسكرية مدعومة من مجموعة «فاغنر» الروسية.

ونصح محللون إدارة الرئيس بايدن بالقيام بخطوات جادة لاستعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً باستخدام مزيد من الدبلوماسية وتوفير الموارد المالية والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. وقد يكون عامل الوقت في صالح إدارة بايدن في انتظار أن تؤتي العقوبات المالية والعزلة الدبلوماسية ثمارها في الضغط على المجلس العسكري في النيجر، لكنه مسار لن يثمر إلا عن مزيد من المعاناة لشعب النيجر الفقير.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
TT

صراع «القرن الأفريقي»… نذر مواجهة تتصاعد بلا أفق للتهدئة

وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)
وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا يلتقون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك (وزارة الخارجية المصرية)

تصاعدت نذر الصراع في منطقة القرن الأفريقي على مدار الأشهر الماضية، وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب «لا يتحدث عنها أحد»، في ظل عدم وجود «أفق للتهدئة» بين طرفي الأزمة الرئيسيين: الصومال وإثيوبيا، ما قد يجر دول المنطقة، التي تعاني نزاعات داخلية متجذرة إلى منعطف خطير، لا يؤثر عليها فحسب، بل يضر بحركة التجارة العالمية أيضاً.

* بداية الصراع

الشرارة الأولى للصراع الحالي كانت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، عقب توقيع إثيوبيا، الدولة الحبيسة، «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تعترف بموجبه أديس باستقلال الإقليم، مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

لم تمر المذكرة بهدوء، لا سيما أن إقليم «أرض الصومال» مارس بتوقيعه عليها عملاً من أعمال السيادة، رغم أنه لم يحظ باعتراف دولي، منذ أن أعلن استقلاله بشكل أحادي عام 1991. وقد عارضت مقديشو الاتفاق، ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بعد أسبوع قانوناً يلغي «مذكرة التفاهم». كما أعلنت جامعة الدول العربية، ومؤسسات دولية أخرى، دعمها لسيادة الصومال.

مصر أيضاً دخلت على خط الأزمة، حيث حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي في القاهرة في يناير الماضي، من «المساس بأمن الصومال وسيادته»، وقال: «لا أحد يجرب مصر».

* تحركات صومالية

بدأ الصومال في حشد الدعم الدولي لموقفه ضد إثيوبيا، حيث وقع في 21 فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع تركيا، و«مذكرة تفاهم» مع الولايات المتحدة لبناء ما يصل إلى خمس قواعد عسكرية لأحد ألوية الجيش. كما هدد بطرد القوات الإثيوبية من بلاده، علماً بأنها تشارك ضمن قوة أفريقية في جهود «مكافحة الإرهاب».

وفي محاولة لحل الأزمة المتصاعدة، أطلقت تركيا، التي تمتلك قاعدة عسكرية في الصومال منذ عام 2017، في 2 يوليو (تموز) الماضي مبادرة للوساطة بين إثيوبيا والصومال، عقدت من خلالها جولتي مباحثات، بينما ألغيت الثالثة التي كانت مقررة الشهر الجاري.

ومع تصاعد الأزمة وقع الصومال ومصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة شحنتي أسلحة لدعم مقديشو، كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور يشهد عملية تفريغ شحنة مساعدات عسكرية مصرية (مديرة مكتب رئيس الوزراء الصومالي - إكس)

التحركات المصرية أثارت غضب أديس أبابا، التي اتهمت مقديشو بـ«التواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة الاستقرار». وفي المقابل اتهم الصومال إثيوبيا بإدخال شحنة أسلحة إلى إقليم «بونتلاند».

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية عن وزير خارجية أديس أبابا، تايي أتسكي سيلاسي، قوله إنه يشعر بالقلق من أن الأسلحة القادمة من قوى خارجية من شأنها أن تزيد من تدهور الوضع الأمني الهش، وأن تصل إلى أيدي الإرهابيين في الصومال.

ورد وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، بقوله إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية، التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

* أسباب قديمة

الصراع الحالي ليس سوى «نتيجة ثانوية لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا و(أرض الصومال)»، بحسب حديث الباحث المتخصص في شؤون شرق أفريقيا في «مجموعة الأزمات الدولية»، عمر محمود، لـ«الشرق الأوسط». لكنه «ليس صراعاً وليد اللحظة»، وفق محمود، حيث «يعكس التصعيد الأخير أيضاً قضايا قديمة في منطقة القرن الأفريقي لم تتم معالجتها». وهو ما يؤكده عضو البرلمان الإثيوبي، الباحث السياسي أسامة محمد، مشيراً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى ما وصفه بـ«المظالم التاريخية والنزاعات الحدودية التي تؤجج التوترات في القرن الأفريقي»، ضارباً المثل بالنزاع المائي بين مصر وإثيوبيا.

وتعد مكافحة «الإرهاب» وتحديداً «حركة الشباب» أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، جنباً إلى جنب مع المشكلات الداخلية المتعلقة بالعشائر القبلية، وهي تحديات ليست بعيدة عن إثيوبيا التي تواجه أيضاً نزاعات داخلية في بعض الأقاليم، والتي يرى مراقبون أنه «يمكن استغلالها في الصراع الحالي».

ويدافع عضو البرلمان الإثيوبي عن «دور بلاده التاريخيّ في استقرار الصومال»، وإن «أدت التحديات الداخلية، بما في ذلك صراع (تيغراي) إلى عرقلة جهود أديس أبابا في دعم الدول المجاورة»، على حد قوله.

* «الحرب المقبلة»

تحت عنوان «الحرب المقبلة التي لا يتحدث عنها أحد»، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إنه «بفضل طموحات آبي أحمد التوسعية ومخططاته المتهورة، أصبح القرن الأفريقي على أعتاب حرب من شأنها أن تعرض المنطقة للخطر وترتد ضد بقية العالم».

ويرتبط النزاع الحالي بـ«مشاريع آبي أحمد التوسعية»، حسب الباحث الإريتري - الأميركي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي، إبراهيم إدريس، الذي يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أديس أبابا «تحاول تحقيق التنمية على حساب الدول الأخرى».

طموح آبي أحمد في الوصول إلى البحر الأحمر ليس وليد اللحظة، حيث يسعى لتحقيق ذلك منذ توليه مهام منصبه في أبريل (نيسان) 2018، عبر ما تسمى بـ«دبلوماسية الموانئ». وقد تحدث آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أمام برلمان بلاده عن «ضرورة إيجاد منفذ لبلاده على البحر».

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر، عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993، ومنذ ذلك العام تعتمد أديس أبابا على ميناء جيبوتي.

ورغم أن منبع الصراع الحالي هو «مذكرة التفاهم»، فإن «إثيوبيا ترى أن مصر تسعى لفتح جبهة نزاع جديدة مع إثيوبيا في الصومال»، بحسب مدير معهد هيرال للشؤون الأمن في القرن الأفريقي، الباحث الصومالي محمد مبارك في حواره لـ«الشرق الأوسط».

وبين مصر وإثيوبيا نزاع ممتد لأكثر من عشر سنوات، بسبب سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتوقفت المفاوضات بين البلدين إثر «رفض أديس أبابا الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، ما دفع القاهرة إلى اللجوء لمجلس الأمن».

التدخل المصري في الأزمة الصومالية، يأتي في سياق تعزيز وجودها في القرن الأفريقي، مع أهمية المنطقة المطلة على البحر الأحمر، وهو «ليس أمراً جديداً»، بحسب الخبير الأمني المصري، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان متواجداً في الصومال في التسعينات من القرن الماضي، في ظل وجود قوات مصرية «ساهمت في إعادة الاستقرار لمقديشو، وكذلك تقريب وجهات النظر بين العشائر المتحاربة».

لكن عضو البرلمان الإثيوبي يرى أن «تدخل مصر أدى إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية في المنطقة». بينما يرى إدريس أن دخول مصر وإريتريا على خط الأزمة «أمر طبيعي مرتبط بعلاقات البلدين التاريخية مع الصومال»، مؤكداً أن «القاهرة وأسمرة تهدفان إلى تعزيز سيادة الجيش الصومالي، وفرض الاستقرار والأمن في البحر الأحمر».

وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، عقد وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا اجتماعاً قبل أيام لتنسيق المواقف وحماية استقرار المنطقة.

وبينما لا يرجح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «اندلاع صراع مباشر بين إثيوبيا والصومال، بسبب تكلفته الباهظة». لا يستطيع في الوقت نفسه استبعاد هذا السيناريو، «إذا لم يتم حل المشكلة واستمرت التوترات في التصاعد».

ويستبعد الباحث الإريتري أيضاً «نشوب حرب عسكرية في المنطقة»، وإن أشار إلى «استمرار صراع النفوذ بين القوى الغربية المختلفة على منطقة القرن الأفريقي، لا سيما روسيا والصين، وفي ظل وجود قواعد عسكرية أجنبية عدة في دول المنطقة».

احتمالات التصعيد، وفق الباحث الصومالي، «متوسطة إلى عالية». ويشير مبارك إلى «توترات عدة في المنطقة لم تتطور إلى نزاع مسلح»، لكنه يرى أن «الصراع المسلح قد يصبح حقيقة إذا اعترفت إثيوبيا فعلياً بأرض الصومال».

ويعتقد عضو البرلمان الإثيوبي بإمكانية «كبيرة» للتصعيد، لا سيما أن «تقاطع المصالح الوطنية والعابرة للحدود الوطنية، والتنافس على الموارد، مثل المياه والأراضي والنفوذ السياسي قد تؤدي إلى إشعال المزيد من الصراعات». ويقول بهذا الخصوص: «أي سوء فهم أو سوء تواصل، وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل، من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من المواجهات بين إثيوبيا ومصر».

في المقابل، يخشى الخبير الأمني المصري من «تحركات عدائية إثيوبية ضد القوات المصرية، قد تشعل الوضع في ظل عدم وجود أطر للتسوية أو حل الأزمة»، مشيراً إلى أن أديس أبابا «لديها تأثير في الصومال، وعلاقات بأمراء الحرب الذين أشعلوا الصومال في التسعينات، الأمر الذي يثير القلق من استخدامهم في النزاع الحالي».

ومع تصاعد الصراع الصومالي - الإثيوبي، اقترحت جيبوتي تأمين وصول أديس أبابا لمنفذ على البحر. وحتى الآن لم تتمكن جهود الوساطة من «سد الفجوات بين الجانبين».

يتطلب حل الأزمة جهداً دولياً منسقاً «تصطف فيه الوساطات في مسار واحد»، حيث يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أنه «لا يمكن لجهة فاعلة واحدة حل الصراع بمفردها».

مثله، يقترح عضو البرلمان الإِثيوبي «مزيجاً من التعاون الإقليمي والوساطة الدولية والإصلاحات الداخلية لحل الأزمة».

ويبدو أن الصراع الحالي ينذر بمخاطر عدة، ويثير مخاوف «حرب بالوكالة»، وفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية «فقد يدعم كل طرف القوات المناهضة للحكومة في أراضي الآخر» على حد قوله.

وبالفعل، حذر تقرير مشروع «كريتكال ثريتس» التابع لمعهد إنتربرايز الأميركي للأبحاث السياسية العامة، قبل أيام، من «زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وإطالة أمد الأزمة في القرن الأفريقي».