ما خيارات الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لفرض الأمن؟

عقب تحذير جماعة حقوقية من «حرب عرقية»

جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
TT

ما خيارات الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لفرض الأمن؟

جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)

حذرت جماعة حقوقية في بوركينا فاسو من «حرب عرقية» قد تنزلق إليها البلاد، على خلفية استهداف مدنيين في هجمات يشنها الجيش ومتطوعون مدنيون بهدف مجابهة نفوذ الجماعات «الإرهابية». ورأى خبراء أن «السلطة العسكرية بتجنيدها متطوعين مدنيين في حربها على (الإرهاب) فاقمت المشكلة الأمنية، وتسببت في مضاعفة خطورة النزاعات الإثنية القائمة في البلاد".

وقالت «الجمعية المناهضة للإفلات من العقاب»، الخميس، إن استهداف مدنيين من قبائل الفلاني، قد يؤدي إلى اشتعال «حرب عرقية» في البلاد، منددة بـ«نشر إشاعات وأخبار كاذبة تتهم تلك القبائل بأنها تعمل مع الجماعات الإرهابية». وأدانت المجموعة «تعرض نازحين جميعهم ينحدرون من هذه القبائل، لهجوم من طرف عرقية أخرى، الثلاثاء الماضي، أسفر عن مقتل 63 شخصاً على الأقل، من بينهم نساء وأطفال».

جنود من بوركينا فاسو (رويترز - أرشيفية)

ونشرت المجموعة شهادات قالت إنها «لناجين من الهجوم، يؤكدون فيها أنهم كانوا في سوق لبيع أبقارهم، حين هاجمهم مدنيون مدعومون من متطوعين يعملون مع الجيش، وانتزعوا منهم ما بحوزتهم، وجردوهم من ثيابهم قبل أن يقوموا بتصفية عدد كبير منهم».

والشهر الماضي، قالت السلطات إنها بدأت تحقيقاً في «مذبحة» وقعت بقرية الكرمة شمال البلاد، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية، وأثارت الواقعة دعوات لإجراء مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحقيقاً فيها. وقُتل نحو 136 شخصاً بينهم نساء وأطفال في هذا الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان)، واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين». ووقتها ذكرت مجموعة «تجمُّع مناهضة الإفلات من العقاب ووصم المجتمعات»، أنه كان من بين القتلى «رُضَّع تقلُّ أعمارهم عن 30 يوماً وقُتلوا على ظهور أمهاتهم».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، دعت الأمم المتحدة، السلطات الانتقالية في بوركينا فاسو، بعد العثور على 28 جثة في البلاد، إلى الإسراع في إجراء تحقيق شفاف وسريع بشأن هذه المجزرة. فيما قالت مفوضية حقوق الإنسان إن «مصادرها المحلية حمّلت مسؤولية القتل لميليشيا من المتطوعين تم إنشاؤها لدعم الجيش».

وأطلقت السلطة الناجمة عن الانقلاب العسكري الأخير الذي قاده الكابتن إبراهيم تراوري في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، حملة نهاية عام 2022، لتجنيد متعاونين لمؤازرة الجيش في قتاله ضد «الإرهابيين». ووصل عدد المتطوعين إلى 90 ألف شخص، بحسب البيانات الرسمية.

ويرى أحمد سلطان، الخبير في الجماعات المتطرفة، أن «خيارات السلطة في بوركينا فاسو محدودة، لأنه ليست لديها الأدوات للسيطرة على عشرات الآلاف من المدنيين الذين جندتهم، وهي تعرف أن غالبيتهم من عرقيات في خلاف إثني تاريخي وممتد مع قبائل الفلاني».

وأضاف سلطان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «حتى لو فكرت السلطات في حل هذه الميليشيات فإنها لا تستطيع ذلك، لأن أعداد هؤلاء المتطوعين صار يضاهي عدد أفراد الجيش ويملكون أسلحة من الصعب إجبارهم على التخلي عنها، لأن ذلك القرار أيضاً قد يتسبب في حرب مع الجيش».

ويأتي هذا فيما أعلن جيش بوركينا فاسو سابقاً هذا الأسبوع، قتل أكثر من مائة «إرهابي»، خلال عملية شنها في منطقة «بيتو»، الواقعة شرق البلاد، وهي المنطقة التي ينشط فيها مقاتلو «تنظيم (داعش) في الصحراء الكبرى». وقالت وكالة الأنباء الرسمية في بوركينا فاسو إن العملية كانت «مشتركة بين الاستخبارات والقوات المسلحة»، فيما أشارت مصادر إلى أن العملية «تمت بدعم من متطوعين مدنيين دربتهم السلطات».

وتشن الحكومة هجوماً واسع النطاق تقول إنه يهدف إلى استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة. وتسبب العنف في بوركينا فاسو، المستعمرة الفرنسية السابقة، في مقتل أكثر من 10 آلاف مدني وجندي خلال السنوات السبع الماضية وسيطرة المنظمات «الإرهابية» على ما يقرب من نصف مساحة البلاد، إضافة إلى نزوح نحو مليوني شخص.

واعتبر سلطان أن «استراتيجية الحكومة العسكرية في مكافحة (الإرهاب) فاشلة، وأنها زادت من نفوذ تلك التنظيمات، وخلقت توتراً اجتماعياً وعرقياً أنشأ بيئة خصبة للتجنيد من قبل الجماعات (الإرهابية)».

بدروه، أوضح محمد الأمين ولد الداه، الخبير في شؤون الساحل الأفريقي، أن السلطة «على علم بانتهاكات تلك الميليشيات المقربة منها عرقياً، وتسكت عنها، وأنها بذلك مهددة بمزيد من العزلة الدولية». وتوقع ولد الداه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تزداد السيولة الأمنية والاضطرابات في ظل ازدياد التوترات العرقية والإثنية التي تسببها سياسات السلطة العسكرية».


مقالات ذات صلة

انتحاري يقتل 7 في مقهى بمقديشو

شمال افريقيا رجل يسير بجوار حطام سيارات مدمرة بالقرب من أنقاض مبنى في مكان انفجار بمقديشو الصومال في 30 أكتوبر 2022 (رويترز)

انتحاري يقتل 7 في مقهى بمقديشو

قال شاهد ومصادر طبية إن انتحارياً فجر مواد ناسفة في مقهى بالعاصمة الصومالية مقديشو، اليوم (الجمعة)، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص على الأقل.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
شمال افريقيا صورة لعناصر من «الحرس الوطني» في مهمة ضد الإرهابيين (موقع وزارة الداخلية التونسية)

تونس: قضايا التسفير والإرهاب تعود إلى السطح

أكدت مصادر مطلعة في تونس خبر إيقاف شاب إيطالي من أصل تونسي بعد مدة من تتبعه بشبهة محاولة تجنيد شباب مسلمين وعرب في إيطاليا.

كمال بن بونس (تونس)
آسيا نقل ضحية تفجير انتحاري في مسجد ماستونج إلى المستشفى في كويتا، العاصمة الإقليمية لمقاطعة بلوشستان (باكستان) الجمعة (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل 52 مصلياً بهجوم انتحاري في بلوشستان

أكد مسؤولون حكوميون في إسلام آباد مقتل أكثر من 52 مصلياً في هجوم انتحاري على مسجد بمنطقة ماستونغ في بلوشستان

عمر فاروق (إسلام آباد )
أفريقيا رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر (إي بي آي)

مقتل 12 جنديا في النيجر بهجوم شنه إرهابيون

قُتل سبعة جنود الخميس في هجوم بالنيجر شنّه مسلّحون يُشتبه بأنهم إرهابيون.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
شمال افريقيا مدنيون ينظرون إلى المركبات المحطمة في مكان انفجار بمنطقة حمروين في مقديشو - الصومال 12 يناير 2022 (رويترز)

مقتل 6 في تفجير انتحاري بسوق في إقليم هيران وسط الصومال

قال التلفزيون الصومالي، الخميس: إن ستة أشخاص بينهم امرأة وطفلها قُتلوا في تفجير انتحاري استهدف إحدى الأسواق بوسط الصومال.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

رئيس بوركينا فاسو الانتقالي: الانتخابات ليست «أولوية»

قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
TT

رئيس بوركينا فاسو الانتقالي: الانتخابات ليست «أولوية»

قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)

أعلن رئيس بوركينا فاسو الانتقالي النقيب إبراهيم تراوري، مساء (الجمعة)، في مقابلة عبر التلفزيون الوطني أن الانتخابات في بلاده ليست «أولوية»، وذلك على عكس «الأمن».

وبعد عام تقريبا على وصوله إلى السلطة عبر انقلاب، تحدث تراوري عن الانتخابات المقرر إجراؤها نظريا في يوليو (تموز) 2024، قائلاً للصحافيين «إنها ليست أولوية، أقول لكم هذا بوضوح، بل إن الأمن هو الأولوية» في هذا البلد الذي يقوضه العنف الجهادي.

وردا على سؤال عن احتمال إعادة صوغ الدستور، قال تراوري، إن «النصوص الحالية لا تسمح لنا بالتطور في شكل سلمي».

وأعلن تراوري عن «تعديل جزئي» للدستور، معتبرا أن النص المعتمد حاليا يعكس «رأي حفنة من المستنيرين على حساب الجماهير الشعبية».


فرنسا تحذّر من انهيار منطقة الساحل مع تراجع وجودها العسكري

وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو (رويترز)
وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو (رويترز)
TT

فرنسا تحذّر من انهيار منطقة الساحل مع تراجع وجودها العسكري

وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو (رويترز)
وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو (رويترز)

حذّرت فرنسا، الجمعة، على لسان وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو، من «انهيار» منطقة الساحل الإفريقية في ظل تصاعد أنشطة التنظيمات المتطرفة وتراجع حضور باريس عقب سلسلة من الانقلابات العسكرية في بعض دولها.

واعتبر لوكورنو في حديث نشرته صحيفة «لو باريزيان»" الفرنسية على موقعها الالكتروني مساء الجمعة، أن انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو وقريبا من النيجر، لا يعد إخفاقا للسياسة الفرنسية بقدر ما هو فشل للدول الثلاث التي شهدت انقلابات عسكرية في الأعوام الأخيرة.

وقال إن «النظام (العسكري) في مالي فضّل فاغنر (المجموعة الروسية المسلّحة) على الجيش الفرنسي. رأينا النتيجة: منطقة باماكو باتت منذ ذلك الحين مطوّقة من المتطرفين».

وأضاف أن «الساحل مهدد بالانهيار... كل ذلك سينتهي بشكل سيئ للمجالس العسكرية» الحاكمة في الدول الثلاث.

وتابع «يقولون لنا إن المشكلة هي فرنسا! لقد كنا الحل بالنسبة الى الأمن في منطقة الساحل»، مشيرا الى أن بلاده تمكنت من القضاء على العديد من الخلايا الإرهابية في المنطقة وتوفير الأمن لآلاف المدنيين قبل أن تضطر الى سحب قواتها العسكرية.

وقال «الطلب منا الرحيل كان كافيا ليستأنف الإرهاب نشاطه»، مشيرا الى «تسجيل 2500 حالة قتل في بوركينا فاسو على صلة بالإرهاب» منذ الانقلاب العسكري في سبتمبر (أيلول) 2022.

وحذّر من أن «مالي باتت على شفير التقسيم، والنيجر للأسف ستتبعها على المسار ذاته... هل يتمّ تحميلنا المسؤولية اذا كان بعض الأطراف المحليين يفضّلون الصراعات العشائرية وازدراء الديموقراطية، بدلا من مكافحة الإرهاب؟ لا أعتقد ذلك».

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع سحب سفير بلاده من نيامي ومغادرة الجنود الفرنسيين الـ1500 المتمركزين في النيجر بحلول نهاية العام، وذلك بعد توتر استمر شهرين مع الانقلابيين الذين أطاحوا الرئيس محمد بازوم أواخر يوليو (تموز).

ويعد هذا الانسحاب أحدث انتكاسة لباريس التي سبق طردها من مالي وبوركينا فاسو، ما أسدل الستار على عقد من التدخل العسكري لمكافحة المتطرفين في المنطقة، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين.


بلينكن يعبر عن قلق واشنطن حيال الوضع في أمهرة الإثيوبية

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يعبر عن قلق واشنطن حيال الوضع في أمهرة الإثيوبية

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، أمس الخميس، إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق حيال الوضع في إقليم أمهرة الذي تحدثت الأمم المتحدة عن انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان فيه.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في قراءة للمحادثة الهاتفية التي دارت بينهما إنه "شدد على ضرورة تعزيز حل سلمي من خلال الحوار السياسي وحماية حقوق الإنسان".


السفير الفرنسي يصف انقلاب النيجر بأنه فوضى كبيرة

السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
TT

السفير الفرنسي يصف انقلاب النيجر بأنه فوضى كبيرة

السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

عبّر السفير الفرنسي لدى النيجر سيلفان إيتيه، الذي طرده مدبرو انقلاب 26 يوليو (تموز) من البلاد، الخميس عن "تعبه" بعد شهرين من "التوتر الشديد" وأسابيع من العزلة داخل مقر سفارته في نيامي، مؤكدا أن ما حصل كان هدفه محاولة "كسره".

ووصف الدبلوماسي الذي عاد إلى فرنسا الأربعاء، عبر محطة "تي إف 1"، الانقلاب بأنه "فوضى كبيرة لا يوجد فيها سوى الخاسرين". وقال إن "هذا الانقلاب هو أولا وقبل كل شيء... قضية نيجرية داخلية بين رئيس قرر محاربة الفساد وعدد من الجنرالات الذين لا يريدون لهذه المعركة ضد الفساد أن تبلغ نهايتها".

وبموجب قرار طرد أصدره الجيش الحاكم في نهاية آب (أغسطس)، كان الدبلوماسي الفرنسي سيُطرد فورا من البلاد ما إن يغادر مقر سفارته. وقررت فرنسا في بادئ الأمر عدم الامتثال لأمر الطرد هذا، قائلة إنها لا تعترف سوى بالحكومة الشرعية بقيادة الرئيس محمد بازوم الذي أطاحه الانقلاب.

لكنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر الأحد الماضي إعلان إعادة سفيره إلى فرنسا ومغادرة 1500 جندي فرنسي منتشرين في النيجر بحلول نهاية العام.

وكشف إيتيه أن الشركات النيجرية التي تزود السفارة بالإمدادات قد "تمّ ثنيها لا بل تهديدها" من جانب السلطة الجديدة، وانتهى بها الأمر بالتوقف عن تأدية واجبها. وقال "واضح جدا أن الهدف كان جعلي أنكسر وبالتالي إخراجي"، معبّرا عن شعوره بـ"التعب بعد شهرين من التوتر الشديد"، لكنه أكد أنه "لا يزال مستعدا لمواصلة" مهمته.


مقتل 12 جنديا في النيجر بهجوم شنه إرهابيون

رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر (إي بي آي)
رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر (إي بي آي)
TT

مقتل 12 جنديا في النيجر بهجوم شنه إرهابيون

رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر (إي بي آي)
رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر (إي بي آي)

قُتل سبعة جنود، أمس الخميس، في هجوم بالنيجر شنّه مسلّحون يُشتبه بأنهم إرهابيون، فيما قُتل خمسة آخرون في حادث سير وقع أثناء عمليّة التدخّل ردا على هذا الهجوم، بحسب ما أعلن وزير الدفاع في بيان الخميس.

وكتب ساليفو مودي أنّ "وحدة من عملية ألمهاو كانت تؤدي مهمة أمنية في كاندادجي تعرّضت لهجوم عنيف من جانب مئات الإرهابيين". وأشار إلى مقتل اثني عشر جنديا، سبعة منهم "في المعركة" وخمسة في "حادث سير"، متحدثا أيضا عن إصابة سبعة أشخاص.


هجمات «القاعدة» ومعارك الأزواديين تفاقم التردي الأمني في مالي

مقاتلون من حركة انفصالية في إقليم أزواد (أ.ف.ب)
مقاتلون من حركة انفصالية في إقليم أزواد (أ.ف.ب)
TT

هجمات «القاعدة» ومعارك الأزواديين تفاقم التردي الأمني في مالي

مقاتلون من حركة انفصالية في إقليم أزواد (أ.ف.ب)
مقاتلون من حركة انفصالية في إقليم أزواد (أ.ف.ب)

يزداد الوضع الأمني تعقيداً في مالي، بعد أن أصبحت البلاد ساحة مفتوحة لمواجهات متعددة المحاور تحاول أطرافها رسم خرائط جديدة للنفوذ والسيطرة. وبينما اختلف خبراء حول مستقبل تلك النزاعات، اتفقوا على أن «تلك الصراعات العسكرية مرشحة بقوة لأن تكون طويلة ومعقدة»، مستبعدين «فرصاً لحلول سياسية في الأفق القريب».

وتزداد المواجهات ضراوة بين جيش مالي وجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة»، والتي أعلنت في مطلع أغسطس (آب) الماضي «الحرب في منطقة تمبكتو». ومنذ ذلك الحين، تُواجه تمبكتو حصاراً يمنع عشرات الآلاف من مغادرتها وتلقّي الإمدادات. ومن جهة أخرى، تزداد المعارك باطراد بعدما أعلن تحالف «إطار العمل الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية»، وهو تحالف حركات من العرب والطوارق الأزواديين يدعو إلى انفصال شمال مالي، هذا الشهر أنه دخل في حالة حرب مع المجلس العسكري الحاكم ومجموعة «فاغنر» الروسية المتحالفة معه، وبعدها أعلنت تنسيقية حركات أزواد عن التعبئة العامة وتكوين ما يسمى «جيش تحرير أزواد»، ودعت سكان الإقليم للتوجه إلى ساحات القتال «لحماية الوطن والدفاع عنه».

ومنذ بدء المعارك تعلن التنسيقية سيطرتها على مواقع في الإقليم وإسقاط مروحيات للجيش في مواجهات هي الأولى من نوعها بين الطرفين من حيث شدتها منذ انتهاء الصراع الدامي بينهما الذي نشب عام 2012 حول السيادة على إقليم أزواد. وتعني هذه التطورات انتهاء اتفاقية السلام التي وقعت بين الطرفين في الجزائر عام 2015.

وفي جبهة ثالثة، ضاعف متطرفو تنظيم «داعش» تقريباً الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام، بحسب تقرير للأمم المتحدة نشر الشهر الماضي.

الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، محمد الأمين ولد الداه، يرى أن الأوضاع في مالي لم تبتعد عن الاستقرار فحسب، بل «أصبحت خطيرة للغاية؛ لأن البلاد تشهد نزاعات عسكرية معقدة وهجينة»، وأن ذلك التزامن في الصراعات العسكرية «يجعل مسألة الحسم لصالح المجلس العسكري مهمة شبه مستحيلة، لا سيما في ظل عدم فاعلية تحالف الجيش مع (فاغنر) في تعويض غياب القوات الأممية ومن قبلها القوات الفرنسية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيم «القاعدة» يستغل سخط الأزواديين في عمليات تجنيد من صفوفهم للتنظيم ما يخلق حاضنة شعبية للتنظيم آخذة في الاتساع، مشيرا إلى أن الأزواديين من جهتهم «يقومون بالتنسيق والتعاون مع الجماعات المتطرفة للمساهمة في تسديد ضربات موجعة للجيش المالي، لا سيما بعد أن أعلنوا الحرب عليه».

وتأتي تلك العسكرة المتزايدة للنزاعات بالتزامن مع إعلان بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) انسحابها التدريجي من جميع أنحاء البلاد بعد طلب المجلس العسكري؛ ما كان عاملاً محفزا آخر لتفجير الصراعات، حيث أدى بدء انسحاب القوات الأممية من قاعدة بير في أغسطس الماضي ليشعل المواجهات بين الأطراف المختلفة بسبب رغبة كل طرف في السيطرة على القاعدة التي أخلتها القوات الدولية.

وتعاني البلاد التي شهدت «انقلابين عسكريين» في عامي 2020 و2021، طالب بعدهما المجلس العسكري القوة الفرنسية بالرحيل في عام 2022، وضعاً إنسانياً صعباً، يفاقمه القتال العنيف المستمر منذ أكثر من عقد، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ نحو 8.8 مليون شخص في البلاد في حاجة إلى المساعدة الإنسانية.

ويرى المحلل السياسي التشادي، جبرين عيسى، أن الجيش المالي «يستطيع الحسم العسكري والانتصار في جبهة الصراع مع (داعش) و(القاعدة)، مستغلاً الخلافات والصراعات بين تلك التنظيمات، لكنها ستكون حرباً شرسة وطويلة الأمد».

واعتقد عيسى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك خلافات تضرب التحالف الأزوادي الانفصالي، حيث لديهم خلافات وصراعات فيما بينهم، وخلافات كذلك مع الجماعات الإرهابية، وقد تعزز تلك الخلافات من قدرة الجيش المعزز بالظهير الروسي والمعزز في الوقت ذاته بالمساندة الأميركية للحرب ضد الإرهاب عن طريق المعلومات الاستخباراتية وطائرات الدرونز». كما رأى عيسى أن «التحالف العسكري بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر سيساهم في تكوين جبهة موحدة شديدة القوة في مواجهة الحركات المتطرفة وحركات التمرد التي تهدد الأمن القومي في أي من البلاد أطراف التحالف».


مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في أفريقيا

قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
TT

مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في أفريقيا

قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)
قائد الانقلاب في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري (AP)

أثار إعلان المجلس العسكري في بوركينا فاسو، في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، عن إحباط «محاولة انقلاب» ضده، مخاوف من تنامي «الانقلابات المضادة» في الدول الأفريقية التي يحكمها عسكريون، خاصة في الغرب، الذي يعاني من هشاشة أمنية وسياسية واقتصادية، جعلته أكثر المناطق في العالم التي تشهد انقلابات.

وتأتي المحاولة الانقلابية الأخيرة بعد عام تقريباً من تولي الكابتن تراوري السلطة بعد انقلاب قاده في 30 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. واتهم بيان، بثّه التلفزيون الرسمي في بوركينا فاسو، منظمي محاولة الانقلاب الجديدة بـ«تغذية الأهداف الشريرة المتمثلة في مهاجمة مؤسسات الجمهورية ودفع البلاد إلى الفوضى».

وكان انقلاب الغابون، نهاية الشهر الماضي، ثامن انقلاب «ناجح» منذ 2020 تشهده منطقة غرب ووسط أفريقيا، التي تعززت سمعتها كـ«حزام للانقلابات»، بعد وقوع كثير من عمليات الاستيلاء على السلطة في دول بالمنطقة، مثل النيجر وغينيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد.

كما شهد كثير من الدول الأفريقية خلال السنوات الأخيرة عدداً من «محاولات الانقلاب»، فمن بين 5 محاولات انقلابية في عام 2022، نجحت محاولتان منها فقط في بوركينا فاسو، كما شهدت غينيا بيساو، وغامبيا، وجزيرة ساو تومي وبرينسيبي محاولات انقلاب فاشلة. وفي عام 2021، وقعت 6 محاولات انقلابية في أفريقيا، نجحت 4 انقلابات منها.

مؤيدو الانقلاب بالنيجر يرفعون علم الصين وعلما يحمل شعار ميليشيا «فاغنر» في نيامي في 16 سبتمبر الحالي (أ. ف. ب)

وظل العدد الإجمالي لمحاولات الانقلاب في أفريقيا ثابتاً بشكل ملحوظ بين عامي 1960 و2000، بمعدل حوالي 4 محاولات سنوياً، إلا أن هذا المعدل زادت وتيرته خلال السنوات الأخيرة.

وبدا لافتاً وقوع محاولات انقلابية متكررة في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، ففي 14 مايو (أيار) الماضي، قالت الحكومة المالية إنها أحبطت محاولة انقلابية، قام بها ضباط وضباط صف ماليون مدعومون من قبل دولة غربية لم تسمّها.

ومنذ يونيو (حزيران) من العام الماضي، أصبح رئيس المجلس العسكري، العقيد أسيمي غويتا، رئيساً انتقالياً، لكنه تراجع عن وعد قطعه إثر الانقلاب، وتعهد فيه بإعادة السلطة إلى المدنيين بعد انتخابات كان يفترض أن تجري في فبراير (شباط) 2022.

وأعلنت حكومة تشاد، مطلع يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، أنها أحبطت «محاولة لزعزعة الاستقرار»، قام بها ضباط بهدف المساس بـ«النظام الدستوري ومؤسسات الجمهورية».

ويشير الباحث في مركز السياسة الدولية بجنوب أفريقيا، كارلوس ريفيرو، إلى أن المحاولة الانقلابية التي أعلنت عنها السلطات في بوركينا فاسو «ليست استثناء»، معتبراً تلك المحاولة «دليلاً على مدى هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في كثير من دول القارة، وخاصة في دول الساحل والصحراء».

الرئيس النيجري محمد بازوم الذي خلعه انقلاب في يوليو الماضي (أ. ب)

وأوضح ريفيرو لـ«الشرق الأوسط» أن هشاشة البنية الديمقراطية في كثير من دول القارة أظهرت وجود سمتين متشابكتين تميزان أفريقيا عن بقية العالم، الأولى تتمثل في الدعم الشعبي عندما يكون هناك انقلاب، والآخر هو دعم المجتمع المتزايد للحكم العسكري كشكل من أشكال الحكم.

ولفت الباحث الجنوب أفريقي إلى أن استئثار كثير من المؤسسات العسكرية بالقوة في دول أفريقية عدة يجعلها ترى في نفسها أنها الأقدر على الحكم، ومع كل انقلاب تظهر مجموعات مناوئة، سواء من الموالين للحكم السابق، أو من المتطلعين إلى السلطة من المجموعات العسكرية التي ترى في نفسها القدرة على الأخذ بزمام الأمور، مضيفاً أنه إذا لم يتم التوصل إلى حلول عسكرية وسياسية واقتصادية مستدامة، فسوف تكثر الانقلابات العسكرية في المنطقة، وسيظل الناس يتجمعون في الشوارع للترحيب بها.

ويلفت الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، إلى بعد آخر في ظاهرة الانقلابات وما تستتبعها من محاولات انقلابية باتت معتادة في القارة الأفريقية، وهو البعد الخارجي، مشيراً إلى أن ما يقرب من 210 انقلابات «معلنة» في أفريقيا وعدداً أكبر «غير معلن» يشير إلى وجود تأثيرات واضحة لدور القوى الدولية التي ترى في الانقلابات «أداة قليلة التكلفة لإحداث التغيير وتحقيق مصالح لها في كثير من دول القارة».

ويشير زهدي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن استمرار «الديكتاتوريات الموالية للقوى الاستعمارية القديمة»، وخاصة في دول الساحل والصحراء، يدفع النخب العسكرية إلى محاولة تغيير الوضع بالقوة، مع انسداد أفق التغيير الديمقراطي، مضيفاً أنه في كثير من الأحيان تحظى تلك الانقلابات بمساندة شعبية، لكن سرعان ما تحاول قوى إقليمية ودولية إغراء مجموعات عسكرية أخرى بمحاولة استخدام نفس الأداة لتغيير السلطة، وهو ما يؤدي إلى استمرار «الدائرة المفرغة» للتحولات غير الدستورية في أفريقيا.

ولا يستبعد الخبير في الشؤون الأفريقية أن تشهد دول القارة، وخاصة الأكثر معاناة من الفقر والهشاشة السياسية والأمنية، موجات متتالية من الانقلابات والانقلابات المضادة، طالما بقيت الظروف السياسية والاقتصادية المنتجة لها.


سكان تمبكتو في شمال مالي يعانون الأمرّين جراء حصار يفرضه المتطرفون

جنود من الجيش المالي قرب مدينة تمبكتو في عملية عسكرية سابقة (قيادة أركان الجيش)
جنود من الجيش المالي قرب مدينة تمبكتو في عملية عسكرية سابقة (قيادة أركان الجيش)
TT

سكان تمبكتو في شمال مالي يعانون الأمرّين جراء حصار يفرضه المتطرفون

جنود من الجيش المالي قرب مدينة تمبكتو في عملية عسكرية سابقة (قيادة أركان الجيش)
جنود من الجيش المالي قرب مدينة تمبكتو في عملية عسكرية سابقة (قيادة أركان الجيش)

اعتقد سكان تمبكتو في شمال مالي في البداية أن إعلان الجهاديين فرض الحصار كان لمجرد الترهيب، وفق ما ذكر مسؤول في المجتمع المدني المحلي. اليوم، يواجهون حقيقة التهديد كاملة بعدما أصبحوا شبه معزولين عن العالم.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

وقال عبد العزيز محمد يحيى: «كنا نعتقد أنها مجرد رسائل صوتية لبث الخوف، واليوم ما نعيشه بصراحة هو الحصار فعلاً».

كانت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» التي تقاتل السلطات المالية منذ سنوات، قد قالت في سلسلة رسائل نشرتها مطلع أغسطس (آب)، إنها «أعلنت الحرب» على منطقة تمبكتو.

وحذر طلحة أبو هند، وهو زعيم محلي في الجماعة، الشاحنات القادمة من الجزائر وموريتانيا وأماكن أخرى في المنطقة من دخول المدينة، مؤكداً أن تلك التي لا تستجيب للتحذير «سيتم استهدافها وإحراقها».

وتروي شهادات جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية في المكان وعبر الهاتف، يوميات عشرات الآلاف من سكان «مدينة الـ333 قديساً» و«لؤلؤة الصحراء» ذات التاريخ والتراث الممتد لقرون، منذ هذا الإعلان.

لم تعد الشاحنات تدخل المدينة التي بات السكان يغادرونها على مسؤوليتهم الخاصة، وسط بدء نفاد الحاجيات الضرورية وتساقط القذائف بعيداً عنها حتى الآن.

يكشف الشهود عن هويتهم بصراحة، بينما يطلب آخرون عدم الكشف عنها حفاظاً على سلامتهم.

وقال أحد السكان الذي عاد لتوّه إلى تمبكتو وهو يقود دراجة نارية قادماً من غوندام، البعيدة 80 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي، إنه كان وحيداً في الطريق.

وأضاف: «لم ألتقِ سوى جهاديين مدججين بالسلاح يحملون رشاشات على متن دراجات نارية».

ونظراً للخطورةكثير للطريق، شكّل نهر النيجر الذي يجري في الجنوب، بديلاً لنقل البضائع والأشخاص. لكنّ هذا الحل أُلغي في 7 سبتمبر (أيلول)، بسبب هجوم تبنّاه الجهاديون وأسفر عن مقتل عشرات المدنيين كانوا على متن زورق تمبكتو التابع لشركة الملاحة المائية كوماناف العامة. وأعلن وكيل الشركة أن الملاحة توقفت حتى إشعار آخر.

«لا يُحتمل»

أما بالنسبة إلى الرحلات الجوية، فقد أوقفت شركة «سكاي مالي»، الوحيدة التي تُسيّر طائرات إلى تمبكتو، نشاطها بعد هجوم بقذيفة داخل محيط المطار.

ويسعى الجهاديون إلى توسيع سيطرتهم على المناطق الريفية المحيطة بالمدن، ليس بالضرورة من خلال خطة للاستيلاء على البلدات التي تتمتع بدفاع أفضل، ولكن باتباع استراتيجية من المفترض أن تزيد الضغط على الدولة.

يقلل المجلس العسكري الذي يواجه الكثير من التحديات الأمنية في جميع أنحاء البلاد تقريباً وتجدد التوتر في الشمال، من أهمية آثار الحصار الذي يحرص على عدم وصفه بهذا المسمى.

وفي المدينة، يتراجع النشاط التجاري. وأكد عمر بركة، وهو رئيس جمعية شبابية: «إذا قمت بجولة في المدينة، ستجد الشاحنات متوقفة ولا تستطيع التحرك. ولم تعد أي شاحنات تدخل إلى تمبكتو الآن».

وقال التاجر بابا محمد، من جانبه: «نحن في أزمة. لم يعد يصل الكثير من السكر والحليب والزيت إلى المدينة»، معرباً عن قلقه من أنه «إذا استمر الأمر على هذا المنوال فسوف تغلق الكثير من المتاجر أبوابها».

وفي هذه المنطقة الفقيرة والمهملة، يدفع المستهلكون ثمن النقص والمضاربة. وأشار بركة إلى أن «سعر لتر البنزين أصبح 1250 فرنكاً أفريقياً (نحو 1.9 يورو) بينما ثمنه 700 فرنك».

ورأى عبد العزيز محمد يحيى أن «الوضع لا يُحتمل، شعب تمبكتو يعاني».

«مع الألم»

كما يثير الوضع الأمني القلق، خصوصاً بعد أن غادرت الآن بعثة الأمم المتحدة المنطقة بعد أن طردها المجلس العسكري. ومنذ بداية انسحابهم، شدد الجهاديون قبضتهم.

وقالت إحدى سكان تمبكتو: «عادةً ما يخرج الناس لقضاء وقت ممتع في الخارج. لكن كل ذلك بدأ ينحسر، بسبب القذائف التي تسقط في الشارع. الناس خائفون للغاية».

بالإضافة إلى توسع النفوذ الجهادي، يتعين أخذ التهديد بشن هجوم من مجموعات متمردة يهيمن عليها الطوارق وعرب «على محمل الجد».

وقال أحد المسؤولين في المجتمع المدني إن هذه المجموعات «أفرغت المتاجر» تحسباً، على الأغلب، لاحتمال التعرض لهجوم مضاد.

واستولت هذه المجموعات على تمبكتو عام 2012 قبل أن يسيطر عليها الجهاديون الذين أثاروا ضجة بانتهاكهم وتدميرهم عدداً من الأضرحة مدرجة على لائحة التراث الإنساني العالمي.

وأشار هذا المسؤول إلى أن «الشوارع خالية والأجواء قاتمة والقلق يسود».

ولتخفيف الطوق، يوصي مسؤول آخر في المجتمع المدني بأن تتحدث السلطات مع الجهاديين.

لكنه لا يعوِّل على ذلك: «يخشى السكان جداً من السلطات، وباماكو تقول إنه لا يوجد حصار وإنهم لن يتفاوضوا مع الإرهابيين. لا أرى أي مخرج».

في الخامس من سبتمبر، أشاد رئيس الوزراء المالي شوغيل كوكالا مايغا، بقوة الصمود في أثناء لقائه ممثلي تمبكتو، وقال: «علينا أن نضحّي بكل شيء لفترة ما لتغيير هذا المسار. ولا بد أن يتم ذلك مع الألم».


بوركينا فاسو تعلن إحباط محاولة انقلاب

قوات أمنية من بوركينا فاسو أثناء تدريبات (أ.ف.ب)
قوات أمنية من بوركينا فاسو أثناء تدريبات (أ.ف.ب)
TT

بوركينا فاسو تعلن إحباط محاولة انقلاب

قوات أمنية من بوركينا فاسو أثناء تدريبات (أ.ف.ب)
قوات أمنية من بوركينا فاسو أثناء تدريبات (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو مساء الأربعاء أنّها أحبطت "محاولة انقلاب" في اليوم السابق، أي بعد عام تقريبًا من وصول الكابتن إبراهيم تراوري إلى السلطة عبر انقلاب.

وجاء في بيان تلي على التلفزيون الوطني أنّ "أجهزة الاستخبارات والأمن البوركينية أحبطت محاولة انقلاب مؤكدة في 26 سبتمبر (أيلول) 2023. وأضافت الحكومة في بيانها أنّه "تمّ القبض على ضبّاط وفاعلين مفترضين آخرين متورّطين في هذه المحاولة لزعزعة الاستقرار، فيما يتمّ البحث عن آخرين".

واتّهم البيان منظّمي محاولة الانقلاب بـ"تغذية الأهداف الشريرة المتمثّلة في مهاجمة مؤسسات الجمهورية ودفع البلاد إلى الفوضى". ومساء الثلاثاء، نزل آلاف الأشخاص إلى شوارع العاصمة واغادوغو دعماً للكابتن تراوري و"دفاعاً" عنه في ظلّ انتشار شائعات عن انقلاب في شبكات التواصل الاجتماعي.

وأكّدت الحكومة في بيانها أنّها تريد "تسليط الضوء على هذه المؤامرة"، معربة عن "الأسف لأنّ ضبّاطاً أقسموا على الدفاع عن الوطن، انخرطوا في مشروع من هذا النوع يهدف إلى عرقلة مسيرة شعب بوركينا فاسو من أجل سيادته وتحريره بالكامل من جحافل الإرهاب التي تحاول استعباده".

وتأتي هذه المحاولة الانقلابية المفترضة بعد عام تقريبًا من تولّي الكابتن تراوري السلطة في انقلاب في 30 سبتمبر (أيلول) 2022. وأمسك تراوري بالسلطة في انقلاب هو الثاني خلال ثمانية أشهر في بوركينا فاسو التي تعاني من هجمات جهادية دامية في جزء كبير من أراضيها منذ عشر سنوات تقريبًا.


نيجيريا: العصابات المسلحة تفاقم التحديات الأمنية للرئيس تينوبو

مسيرة تطالب بإطلاق سراح فتيات مدارس خطفن من بلدة تشيبوك بشمال نيجيريا (أرشيفية: أ.ب)
مسيرة تطالب بإطلاق سراح فتيات مدارس خطفن من بلدة تشيبوك بشمال نيجيريا (أرشيفية: أ.ب)
TT

نيجيريا: العصابات المسلحة تفاقم التحديات الأمنية للرئيس تينوبو

مسيرة تطالب بإطلاق سراح فتيات مدارس خطفن من بلدة تشيبوك بشمال نيجيريا (أرشيفية: أ.ب)
مسيرة تطالب بإطلاق سراح فتيات مدارس خطفن من بلدة تشيبوك بشمال نيجيريا (أرشيفية: أ.ب)

أعادت واقعة اختطاف طالبات جامعيات نيجيريات إلى الواجهة التحديات الأمنية الكبرى التي يواجهها الرئيس النيجيري بولا أحمد يتنوبو، الذي تعهد منذ تنصيبه رئيسا، قبل أشهر، بأن يكون ملف الأمن على رأس أولويات إدارته. ويرى خبراء أن الواقعة «تعكس تعاوناً متنامياً بين الجماعات الإجرامية والجماعات الإرهابية في نيجيريا».

وخطف مسلحون أكثر من 30 شخصا بينهم 24 طالبة على الأقل في عملية استهدفت جامعة ومحيطها بولاية زامفارا شمال غربي نيجيريا. الهجوم الذي شنه مسلحون ينتمون لعصابات إجرامية يطلق عليهم قطاع طرق، استهدف قرية سابون غيدا على أطراف جامعة فيدرالية قرب عاصمة الولاية غوساو، واقتحموا ثلاثة نُزُل للبنات وأخذوا معهم الموجودين، وفق شهادات سكان محليين. وهذه أول عملية خطف جماعية تستهدف جامعة منذ تولي تينوبو السلطة.

وفي بيان للرئاسة النيجيرية، الأحد الماضي، وعد تينوبو أسر الضحايا بـ«إنقاذ جميع المختطفات والمختطفين»، مؤكدا أن الجناة «سيدفعون الثمن».

وقال المتحدث باسم شرطة ولاية زامفارا، يزيد أبو بكر، لإذاعة صوت أميركا (الاثنين) إن قوات الأمن تمكنت حتى الآن من إنقاذ سبعة من المختطفين والجهود مستمرة لإنقاذ الآخرين. وأضاف أنه «تم نشر قوات الأمن بكثافة في المنطقة التي شهدت الواقعة وتمت استعادة الحياة الطبيعية وعاد الطلاب للوجود في قاعات المحاضرات». وأكد أن الأجهزة الأمنية «ستبذل كل الجهود الممكنة للحؤول دون تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى».

وتعيد هذه العملية إلى الأذهان قضية «فتيات شيبوك» عام 2014، بعد أن تبنت جماعة بوكو حرام اختطاف نحو 270 فتاة من داخلية مدرستهن في بلدة شيبوك بولاية بورنو. ولا تزال نحو 100 فتاة منهن في عداد المفقودين حتى الآن. وكانت القضية استقطبت اهتماما دوليا واسعا كما انطلقت حملات محلية ودولية على شبكات التواصل الاجتماعي تطالب بتحريرهن.

إسماعيل محمد طاهر، المحلل التشادي، المتخصص في الشؤون الأفريقية، يرى أن انعدام الأمن في شمال غربي نيجيريا «سببه الأساسي غياب التنمية وتفشي الفقر وهو الأمر الذي يدفع بالشباب في المنطقة للانضمام لتلك الجماعات الإجرامية وغيرها من الجماعات الإرهابية». واعتقد طاهر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «العصابات المسلحة وعصابات قطاع الطرق تتعاون مع الجماعات الإرهابية ويقومون بتبادل الأدوار في هذه المنطقة»، مشيراً إلى أن «الخطوط الفاصلة بين تلك المجموعات تتماهى في كثير من الأحيان لأن أهدافهم متشابهة وتصب في النهاية في دائرة توسيع النفوذ والسيطرة على الموارد وتجنيد مزيد من الأهالي في مواجهة قوات إنفاذ الأمن».

وأضاف طاهر أن «عمليات اختطاف البنات عادة ما تتبناها الجماعات الإرهابية الدينية وعلى رأسها بوكو حرام التي ترى أن التعليم غربي علماني كافر وتتخذ المختطفات رهائن محتملة للمقايضة بهن مع أجهزة الأمن في عمليات تبادل الأسرى، لكن أن تنسب هذه العملية لعصابات قطاع الطرق فذلك يعكس تنامي التعاون بين تلك الجماعات الإجرامية والجماعات الإرهابية الدينية».

وأجبرت حالات انعدام الأمن وعمليات الخطف الجماعي السلطات على إغلاق أكثر من 11 ألف مدرسة منذ نهاية 2020؛ ما تزايدت معه نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس «18.5 مليون في 2022، 60 في المائة منهم فتيات»، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

وألقى مراقبون وناشطون باللائمة في حادث الاختطاف الأخير على الحكومة وقوات الأمن. وفي تصريحات لـ(إذاعة صوت أميركا)، قال الناشط النيجيري أبا أبيوس روني إن «العملية قام بها ما يقرب من 50 شخصاً يقودون دراجات نارية وهو عدد ضخم وكان يمكن لقوات الأمن التعرف عليهم بسهولة والتعامل معهم قبل أن يختطفوا الطالبات».

وكان تينوبو، الذي انتخب في فبراير (شباط) الماضي، تعهد بأن يكون التصدي لانعدام الأمن «أولويته المطلقة»، مؤكداً التزامه بالدفاع عن «الأمة من الإرهاب وكل أشكال الجرائم». وفي يونيو (حزيران) الماضي أجرى تينوبو تغييرات كبيرة على مستوى القيادات الأمنية والعسكرية؛ حيث قام بتغيير مستشار الأمن القومي وأعفى عددا من قيادات القوات المسلحة ومنهم رئيس الأركان العامة ورؤساء أركان الأفرع الرئيسية والاستخبارات العسكرية، والمفتش العام وقائد حرس الحدود والجمارك، واستبدل بهم تعيين قيادات بديلة.

وتواجه نيجيريا مجموعة متنوعة من المشكلات الأمنية، بما في ذلك تمرد متطرفين موالين لتنظيم «داعش»، ومتمردين في الشمال الغربي، وانفصاليين في الجنوب الشرقي. ورغم تعهدات الإدارات المتعاقبة بالقضاء على الإرهاب والعنف، خلفت أنشطة الجماعات الإرهابية التي بدأت منذ 2009 ممثلة في عناصر جماعة «بوكو حرام»، أكثر من 40 ألف قتيل وأكثر من مليوني نازح. كما يمثل الاختطاف للحصول على فدية مشكلة كبيرة تعهد تينوبو في أثناء حملته الانتخابية بالقضاء عليها.