في تحوّلٍ مُقلقٍ وغير مسبوقٍ على صعيد قضية الإرهاب في الهند، كشف محققون عن شبكة إرهابيةٍ من ذوي الياقات البيضاء تضم أطباءً وطلاب طب وخبراءَ تكنولوجيا ورجالَ دينٍ وعناصرَ لوجيستية. ووُصفت هذه الشبكةُ المُتطورة، التي تعمل بصمتٍ عبر ولاياتٍ هنديةٍ مُتعددة، بأنها واحدةٌ من أكثر بيئات الإرهاب تنظيماً، التي جرى كشف النقاب عنها في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى توزيع مهام تأجيج التطرف والتجنيد والتمويل واللوجيستيات والتنفيذ بدقةٍ فائقةٍ بين المهنيين ذوي التعليم العالي من أعضاء الشبكة.

ويأتي هذا الكشف على خلفية هجومٍ إرهابيٍّ مُدمرٍ ضرب قلب نيودلهي، وأسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة العشرات، بعد أن أقدم طبيبٌ تحوّل إلى «متشدد» على تفجير سيارة مُحمّلة بنترات الأمونيوم عند إشارةٍ مروريةٍ مزدحمة.
كيف انكشفت المؤامرة؟
بدأت خيوط المؤامرة تتكشف على نحو غير متوقع في كشمير، حيث أُلقي القبض على عرفان أحمد واغاي، رجل الدين وخطيب أحد المساجد، بعد أن اكتشفت أجهزة الأمن ملصقات يُزعم أنها تحمل توقيع أحد قادة جماعة «جيش محمد»، تحذر السكان المحليين من التعاون مع القوات الهندية. وقد فتح الاستجواب مع واغاي الباب أمام كشف سلسلة صادمة من العناصر الإرهابية المتعلمة.
وجاء تنفيذ أولى عمليات الاعتقال للأطباء في ولايتي أوتار براديش وهاريانا الهنديتين.

وفي خضم ذلك، ألقت الشرطة القبض على الدكتور عادل مجيد راذر، الذي يعمل طبيباً في مستشفى متخصص في أوتار براديش. وفي إطار اعترافاته، أشار إلى طبيبين آخرين: الدكتور مزمل شاكيل جاناي (35 عاماً)، والدكتور عمر نبي (30 عاماً).
ويرتبط كلا الطبيبين بكلية الفلاح الطبية في هاريانا. وتمكنت قوات الشرطة من إلقاء القبض على جاناي، بينما اختفى عمر. وتمخض استجواب جاناي عن اكتشاف مخبأ مليء بمواد لصنع القنابل - 358 كيلوغراماً من المتفجرات، معظمها من نترات الأمونيوم، بالإضافة إلى صواعق ومكونات عبوات ناسفة.
كما ذكر جاناي في اعترافاته، الدكتورة شاهين سيد، وهي جراحة في الكلية نفسها، وصديقته. وعثرت الشرطة على بندقية هجومية في سيارتها، بعد أن أصيبت بالذعر بعد اعتقال جاناي، وألقت السلاح في سلة مهملات في فريد آباد.
كما تبيّن أن شقيقها، الدكتور برفيز سيد، هو الآخر عضو في الشبكة الإرهابية السرية. وقد تطورت مسيرة الشقيقين المتطرفة من متطرفين فرديين إلى عضوين مندمجين في شبكة «جهادية» أوسع نطاقاً.
المتفجرات وتأجيج التطرف
ألقى المحققون القبض على الدكتور عادل، الذي شكّل اعتقاله نقطة تحول في مسار التحقيقات. وعثرت قوات الأمن على مخبأ ضخم - يضم نحو 2.900 كيلوغرام من المتفجرات، بما في ذلك مركبات النترات والبوتاسيوم وزيت الوقود وأجهزة التفجير والبطاريات وأجهزة توقيت - في مسكنه المستأجر في فريد آباد. وتركز دور الدكتور عادل داخل الشبكة الإرهابية حول شراء الأسلحة.
كما جرى تحديد هوية الانتحاري في هجوم دلهي باعتباره الدكتور عمر نبي، الذي يُعدّ الأكثر مهارةً من الناحية التكنولوجية بين أعضاء الشبكة فيما يخص المتفجرات الكيميائية. ويُظهر مقطع فيديو نُشر حديثاً الدكتور عمر نبي وهو يُبرر الهجمات الانتحارية، ما يعكس عمق تطرفه.

من جهته، صرح المدير العام السابق للشرطة، شيش بول فايد: «أصبح عمر انتحارياً رغم كونه طبيباً - المهنة الأكثر طلباً في الهند. لو كان على استعداد لقتل أبناء وطنه، فتخيل مستوى التطرف. هذا تحدٍّ هائل لمؤسستنا الأمنية».
ومن بين المعتقلين الرئيسيين؛ جاسر بلال واني (المعروف باسم دانيش)، الذي ارتبط اسمه بتطوير عبوات ناسفة بدائية الصنع، تعمل بمعاونة طائرات من دون طيار، وقيل إنه جرى تكليفه بتصميم صواريخ لعمليات مستقبلية.
دليل إرشادات التطرف
توصل المحققون إلى أن أفراد الشبكة تأثروا بالأفكار المتطرفة، بشكل أساسي، عبر قنوات على تطبيق «تلغرام» منها؛ «فرزاندان دار العلوم» (ديوبند)، قناة يديرها أحد عناصر «جيش محمد». وفي اعترافه، ذكر رجل الدين عرفان أحمد، الذي بدأ تجنيد ذوي الياقات البيضاء في «جيش محمد» داخل الهند، أنه استخدم 3 استراتيجيات لتحديد المجندين المحتملين: اختبار الفضول الديني لدى الناس من خلال محادثات عابرة، ومسح وسائل التواصل الاجتماعي، بحثاً عن محتوى يشجع على الانفصال، والتقرب من رواد المساجد.

وبمجرد استقطابهم، يجري دفع العناصر المختارة باتجاه مزيد من التعصب من خلال مقاطع فيديو متطرفة ومحادثات مشفرة. وكشف المحققون من خلال أدلة موثقة، أن الدكتور عمر والدكتورة شاهين ورجل الدين عرفان، التقوا جميعاً بمسؤولين من جماعة «جيش محمد» في تركيا ودبي. وسعت المجموعة إلى الانتقام من الضربات العسكرية الهندية على معسكرات إرهابية تابعة لجماعات «جيش محمد» و«لشكر طيبة» (العسكر الطيبة) و«حزب المجاهدين» في باكستان، خلال عملية «سيندور» التي أُطلقت في مايو (أيار)، بعد مقتل 26 سائحاً هندياً في كشمير على خلفية سياسات الفصل الديني.
جناح النساء وإساءة استخدام الجامعة
وجد المحققون أن الدكتورة شاهين كانت تعمل على بناء جناح نسائي لجماعة «جيش محمد»، وتُجري جلسات تلقين يومية عبر الإنترنت لإعداد النساء للقيام بأدوار إرهابية.
وتعتقد الشرطة كذلك أن مختبرات جامعة الفلاح ربما استُخدمت لتخزين مواد متفجرة.

قضية الريسين: زاوية جديدة قاتلة
اتسع نطاق التحقيق عندما ألقت شرطة ولاية غوجارات القبض على الطبيب أحمد محيي الدين سيد (35 عاماً)، الذي تلقى تعليمه في الصين، لمحاولته إعداد الريسين - سم قاتل يُستخرج من بذور الخروع. واعترف بتواصله مع عضو في جماعة «داعش - خراسان»، وبأنه بدأ بالفعل في الحصول على المواد وإجراء المعالجة الكيميائية للسم.
الخطر الأكبر
حتى الآن، وردت أسماء 22 مهنياً - معظمهم أطباء ومهندسون - في التحقيق، بينما يجري المزيد من التحقيقات للكشف عن الشبكة الأعمق.
من ناحيته، حذر الفريق دي. بي. باندي من أن «الإرهابيين ذوي الياقات البيضاء» يُشكلون تهديداً استراتيجياً. وقال: «إنهم يتصرفون كأنهم ذئاب منفردة، ويستغلون الدعاية المتطرفة، ويعملون في الخفاء. وخبرتهم تُساعد الجماعات الإرهابية في تجنب الكشف عنها وتُضاعف تأثيرها».


