مُهلة 45 دقيقة... حملة باكستان ضد الأجانب تدفع الأفغان للفرار

مغادرة مليون لاجئ منذ أكتوبر 2023

شاحنة باكستانية تحمل لاجئين من أفغان عائدين إلى وطنهم بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية السبت 31 مايو 2025 (أ.ب)
شاحنة باكستانية تحمل لاجئين من أفغان عائدين إلى وطنهم بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية السبت 31 مايو 2025 (أ.ب)
TT

مُهلة 45 دقيقة... حملة باكستان ضد الأجانب تدفع الأفغان للفرار

شاحنة باكستانية تحمل لاجئين من أفغان عائدين إلى وطنهم بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية السبت 31 مايو 2025 (أ.ب)
شاحنة باكستانية تحمل لاجئين من أفغان عائدين إلى وطنهم بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية السبت 31 مايو 2025 (أ.ب)

كانت التعليمات واضحة لا لَبس فيها، والمُهلة الزمنية صادمة: أمامك 45 دقيقة فقط لتوضيب أغراضك ومغادرة باكستان إلى الأبد.

لاجئون أفغان يصلون إلى مخيم بعد عبور الحدود الباكستانية الأفغانية في تورخام السبت 31 مايو 2025 (أ.ب)

عندما عاد شير خان، الأفغاني البالغ من العمر 42 عاماً، إلى منزله من عمله في مصنع للطوب، وجد شرطياً بملابس مدنية واقفاً عند باب المنزل، فأصابه الذهول، وتساءل كيف يمكنه أن يحزم حياة كاملة ويغادر البلد الذي وُلد فيه في أقل من ساعة؟

في غمضة عين، انهارت الحياة التي بناها على مدى سنوات، فجمع مع زوجته بعض أدوات المطبخ، وما استطاعا حمله من ملابس لهما ولأطفالهما التسعة، وتركوا كل شيء آخر خلفهم في منزلهم الواقع في كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، وفق تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، الخميس.

رجال أفغان يُصلّون بجانب بحيرة قرغا في كابل أفغانستان يوم الاثنين 9 يونيو 2025 (أ.ب)

وُلِد خان في باكستان لأبوين فرّا من الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979، وما تلاه من حرب، وهو واحد من مئات الآلاف من الأفغان الذين تم ترحيلهم الآن.

ومنذ أكتوبر (تشرين الثاني) 2023، أطلقت باكستان حملة أمنية شاملة ضد الأجانب الذين تقول إنهم يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني، ما أدّى إلى مغادرة ما يقرب من مليون أفغاني حتى الآن. وتصر الحكومة الباكستانية على أن ملايين آخرين لا يزالون على أراضيها، وأنها تريد ترحيلهم من البلاد.

وقال خان وهو يقف في مخيم للاجئين، تعصف به الرياح، على الحدود الأفغانية في تورخام، المحطة الأولى للاجئين المُرحّلين: «تركنا كل ممتلكاتنا خلفنا، لقد بذلنا قصارى جهدنا على مر السنين لجمع الأشياء التي كانت بحوزتنا بشرف».

وقد حددت باكستان عدة مواعيد نهائية لمغادرة الأفغان أو مواجهة الترحيل؛ حيث كان على حاملي بطاقات «المواطن الأفغاني» مغادرة العاصمة إسلام آباد ومدينة روالبندي بحلول 31 مارس (آذار) الماضي، في حين سُمح لحاملي إثبات التسجيل بالبقاء لفترة أطول تنتهي في 30 يونيو (حزيران) الحالي، لكن لم يتم تحديد مواعيد نهائية للأفغان الذين يعيشون في أماكن أخرى من باكستان.

وكان خان يخشى أن يؤدي تأجيل مغادرته إلى ما بعد الموعد النهائي المُحدد إلى اقتياد زوجته وأطفاله إلى مركز الشرطة معه، ما يعد إهانة لكرامة أسرته.

ويقول: «نحن ممتنون لأننا وصلنا إلى أفغانستان بكرامة وشرف»، أما عن ممتلكاته المفقودة، فقال: «سيرزقنا الله بها هنا، كما رزقنا بها هناك».

أطفال أفغان من عائلات عادت من باكستان يحملون الوسائد أثناء نقلهم إلى مسكنهم الجديد في كابل بأفغانستان الثلاثاء 3 يونيو (أ.ب)

تدفق اللاجئين

وفي مخيم تورخام، الذي تديره حكومة حركة «طالبان»، تحصل كل عائلة على شريحة هاتف ومبلغ 10 آلاف أفغاني (نحو 145 دولاراً أميركياً) مساعدة، ويُسمح لهم بالبقاء فيه لمدة تصل إلى 3 أيام، قبل أن يتعين عليهم المغادرة إلى مكان آخر.

ويقول مدير المخيم، مولوي هاشم ميوندوال، إن نحو 150 عائلة تصل يومياً من باكستان، وهو عدد أقل بكثير من نحو 1200 عائلة كانت تصل يومياً قبل شهرين تقريباً، لكنه أشار إلى أنه من المتوقع حدوث زيادة أخرى الفترة المقبلة.

وتُساعد منظمات الإغاثة داخل المخيم في توفير الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية، وتقوم مؤسسة «أسيل» الخيرية المحلية بتقديم مستلزمات النظافة، وتُساعد في توفير الطعام، كما أنشأت نظاماً لتوصيل طرود غذائية للعائلات عند وصولها إلى وجهتها النهائية في أماكن أخرى من أفغانستان.

وقال نجيب الله غياثي، من مؤسسة «أسيل»، إنهم يتوقعون زيادة كبيرة في عدد الوافدين بعد العيد. وأضاف: «لا يُمكننا استيعابهم جميعاً، لأن العدد ضخم للغاية»، مشيراً إلى أن المؤسسة تسعى لزيادة التبرعات حتى تتمكن من دعم المزيد من الأشخاص.

وتتهم باكستان الأفغان بشن هجمات مسلحة داخل أراضيها، مدعيةً أن تلك الهجمات يتم التخطيط لها من الجانب الآخر على الحدود، وهو ما تنفيه بشدة حكومة «طالبان» في كابول.

كما تنفي باكستان استهدافها للأفغان، وتؤكد أن كل مَن يغادر إسلام آباد يُعامل بـ«إنسانية وكرامة»، لكن بالنسبة للكثيرين، لا يوجد ما هو إنساني في إجبارهم على حزم أمتعتهم ومغادرة البلاد خلال دقائق أو ساعات.

كما تقوم إيران أيضاً بترحيل الأفغان؛ حيث أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 5 يونيو أن نصف مليون أفغاني أُجبروا على مغادرة طهران وإسلام آباد منذ 1 أبريل (نيسان) الماضي.

وتشير جماعات حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة إلى تزايد الضغوط على الأفغان من قبل السُلطات للمغادرة في أقرب وقت؛ حيث ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في أبريل الماضي أن الشرطة داهمت منازل، واعتدت بالضرب على أشخاص، واحتجزتهم بشكل تعسفي، وصادرت وثائق لاجئين، بما في ذلك تصاريح إقامة. وأضافت المنظمة أن الضباط طلبوا رشوة للسماح للأفغان بالبقاء في باكستان.

البحث عن الأمل

عاش يار محمد، البالغ من العمر 50 عاماً، في كشمير الباكستانية لما يقرب من 45 عاماً؛ حيث أسس مشروعاً ناجحاً لتلميع الأرضيات وظّف فيه عدة عمال، وهو أب لاثني عشر طفلاً. لكن ذات يوم، طرق رجال شرطة بملابس مدنية بابه، ومنحوه مُهلة 6 ساعات فقط لمغادرة البلاد.

وقال: «لا يمكن لأي شخص أن يُنهي كل هذا العمل خلال 6 ساعات فقط، خاصةً إذا قضى 45 عاماً في مكانٍ واحد». وسارع أصدقاؤه لمساعدته في حزم كل ما في وسعهم: آلات تلميع الأرضيات الخاصة بالشركة، وبعض الطاولات، وهياكل الأسرّة والمراتب، والملابس.

والآن، كل ما يملكه من أثاث منزلي مكدّس داخل خيام برتقالية في مخيم تورخام للاجئين، في حين تظل آلات تلميع الأرضيات التي جمعها بشق الأنفس خارج الخيمة، مكشوفة للعوامل الجوية، وبعد 3 أيام من البحث، تمكّن من العثور على مكان للإيجار في كابل.

ويختتم يار حديثه قائلاً: «ليس لديَّ أي فكرة عما سنفعله»، مضيفاً أنه سيحاول إعادة إحياء مشروعه في تلميع الأرضيات في أفغانستان. وتابع: «إن نجح هذا المشروع هنا، فسيكون أفضل ما يمكن فعله».


مقالات ذات صلة

النساء والفتيات الأفغانيات المُرحَّلات من إيران يخشين العودة إلى «سجن كابل»

آسيا خورشيد البالغة من العمر 17 عاماً تحدت أوامر «طالبان» بارتداء الحجاب عند معبر الحدود... لكن إحدى شقيقاتها أقرَّت بأنه سيتعين عليهن ارتداء ملابس مختلفة في أفغانستان (نيويورك تايمز)

النساء والفتيات الأفغانيات المُرحَّلات من إيران يخشين العودة إلى «سجن كابل»

«استعددن للتأقلم»... كانت هذه الرسالة من إحدى العاملات في مجال المساعدات الإنسانية للنساء العائدات إلى حكم حركة «طالبان» في أفغانستان بعد ترحيلهن من إيران.

«الشرق الأوسط» (كابل)
أوروبا صورة دون تاريخ للافتة وزارة الدفاع في لندن... حيث صرّح وزير الدفاع السابق عن حزب المحافظين السير بن والاس بأنه «لا يعتذر» من تقديمه طلباً للحصول على «أمر قضائي» يمنع نشر معلومات بشأن تسريب بيانات عن الأفغان الذين دعموا القوات البريطانية (د.ب.أ)

لندن تطلق خطة سرية لإعادة توطين أكثر من 33 ألف مواطن أفغاني

أطلقت الحكومة البريطانية خطة سرية لإعادة توطين أكثر من 33 ألف مواطن أفغاني؛ مما أثار جدلاً واسع النطاق ومخاوف.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الولايات المتحدة​ عملاء فيدراليون يتحدثون مع عناصر الأمن في إحدى محاكم الهجرة بنيويورك (إ.ب.أ)

استئناف ترحيل المهاجرين يثير مخاوف أممية من سياسات ترمب

تخوّفَ مسؤولون أمميون من عواقب استئناف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى دول ثالثة وأحدثهم 5 رجال لإسواتيني في أفريقيا.

علي بردى (واشنطن)
أوروبا مواطنون بريطانيون ومزدوجو الجنسية مقيمون في أفغانستان يستقلون طائرة عسكرية للإجلاء من مطار كابل عام 2021 (رويترز)

ماذا نعرف عن خطة الحكومة البريطانية السرية لنقل آلاف الأفغان إلى أراضيها؟

أظهرت وثائق قضائية أمس الثلاثاء أن بريطانيا وضعت خطة سرية لنقل آلاف الأفغان إلى المملكة المتحدة، بعد الكشف عن بياناتهم الشخصية في عملية تسريب بيانات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية للرئيس دونالد ترمب وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم وآخرين خلال جولة في مجمع لاحتجاز المهاجرين بفلوريدا (رويترز)

إدارة ترمب تحرم ملايين المهاجرين من حق الكفالة

أطلقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهوداً لحرمان ملايين المهاجرين غير الشرعيين من حق الحصول على جلسات الاستماع في المحاكم لإطلاقهم بكفالة.

علي بردى (واشنطن)

«طالبان» تنفي توقيف أو مراقبة أفغان بعد تسريب البيانات البريطانية

الملا أخوند زاده حاكم «طالبان» (رويترز)
الملا أخوند زاده حاكم «طالبان» (رويترز)
TT

«طالبان» تنفي توقيف أو مراقبة أفغان بعد تسريب البيانات البريطانية

الملا أخوند زاده حاكم «طالبان» (رويترز)
الملا أخوند زاده حاكم «طالبان» (رويترز)

أعلنت حكومة «طالبان»، الخميس، أنها لم توقف أو تراقب أي أفغان على صلة بخطة بريطانية سرية لإعادة التوطين بعدما تم الكشف عن تسريب بيانات خاصة بها هذا الأسبوع.

وأُحضر آلاف الأفغان الذين عملوا مع المملكة المتحدة إلى بريطانيا رفقة عائلاتهم في إطار برنامج سري، بعدما عرّض تسريب البيانات عام 2022 حياتهم للخطر، بحسب ما كشفت الحكومة البريطانية، الثلاثاء.

ولم يُكشف عن الخطة إلا بعدما ألغت المحكمة العليا في المملكة المتحدة، الثلاثاء، أمراً بحظر نشر أي تقارير عنها.

وأفاد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي بأنه لم يُكشف عن تسريب البيانات نظراً إلى خطر حصول سلطات «طالبان» على البيانات وتعريض حياة الأفغان للخطر.

وزير الدفاع البريطاني جون هيلي يدلي ببيان للنواب في مجلس العموم في لندن في 15 يوليو 2025 عقب رفع القيود المفروضة على الإبلاغ المتعلقة بنقل الأفغان الذين عملوا مع الحكومة البريطانية نتيجة لخرق البيانات الضخم في عام 2022 (أ.ف.ب)

وقال نائب الناطق باسم الحكومة الأفغانية حمد الله فطرت، في رسالة صوتية للصحافيين، الخميس، إن «أحداً لم يتم توقيفه على خلفية ما قام به في الماضي. لم يُقتل أحد ولا تجري مراقبة أحد لهذا الهدف».

وتابع أن «التقارير عن تحقيقات ومراقبة عدد من الأشخاص تم تسريب بياناتهم كاذبة».

وبعد عودة «طالبان» إلى السلطة في 2021، أعلن زعيم الحركة في أفغانستان هبة الله أخوند زاده عفواً عن الأفغان الذين عملوا على مدى عقدين من الحرب إلى جانب قوات حلف شمال الأطلسي أو الحكومة المدعومة من الخارج التي أطاحت بها الحركة.

وأضاف فطرت: «لسنا في حاجة إلى استخدام وثائق مسربة من بريطانيا. فيما يتعلق بالعفو العام، لم يتم فتح تحقيق أو مراقبة أي شخص».

وتابع أن «الشائعات التي تنشر، وننفيها، هدفها فقط تخويف هؤلاء الأشخاص والتسبب بأجواء من الخوف والقلق في أوساط عائلاتهم».