باكستان: معركة طويلة لمراقبة المدارس الدينية بعد صفقة مع «الأحزاب الإسلامية»

متهمة منذ فترة بتوفير مجندين لـ«طالبان» و«القاعدة»

مولانا عبد الواسعي عضو مجلس الشيوخ وزعيم الحزب الإسلامي «جمعية علماء الإسلام» يلقي كلمة أمام الطلاب في حفل التخرج في تشامان بباكستان يوم الأربعاء (نيويورك تايمز)
مولانا عبد الواسعي عضو مجلس الشيوخ وزعيم الحزب الإسلامي «جمعية علماء الإسلام» يلقي كلمة أمام الطلاب في حفل التخرج في تشامان بباكستان يوم الأربعاء (نيويورك تايمز)
TT

باكستان: معركة طويلة لمراقبة المدارس الدينية بعد صفقة مع «الأحزاب الإسلامية»

مولانا عبد الواسعي عضو مجلس الشيوخ وزعيم الحزب الإسلامي «جمعية علماء الإسلام» يلقي كلمة أمام الطلاب في حفل التخرج في تشامان بباكستان يوم الأربعاء (نيويورك تايمز)
مولانا عبد الواسعي عضو مجلس الشيوخ وزعيم الحزب الإسلامي «جمعية علماء الإسلام» يلقي كلمة أمام الطلاب في حفل التخرج في تشامان بباكستان يوم الأربعاء (نيويورك تايمز)

تجتذب ملايين الأطفال الباكستانيين الفقراء بوعد بسيط بالتعليم المجاني، والوجبات، والإسكان. وللعائلات المتدينة، تُقدِّم تعليماً إسلامياً متجذراً في التقاليد القديمة.

لكن بالنسبة للحكومة الباكستانية ومسؤولي مكافحة الإرهاب الغربيين، تمثل المدارس الدينية تهديداً محتملاً. فهذه المؤسسات متهمة منذ فترة طويلة بالمساهمة في العنف والتطرف، وتوفير مجندين لحركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» وغيرهما من التنظيمات المسلحة.

قراءة القرآن الكريم في مدرسة دينية في بالاكوت بباكستان عام 2019 (نيويورك تايمز)

الآن، باتت المدارس الدينية في باكستان في قلب صراع سياسي حاد؛ صراع يهدد سنوات من التقدم الذي تحقق بصعوبة لإدراج هذه المدارس تحت إشراف الحكومة.

يعود هذا الصراع إلى عام 2019، عندما نفَّذت الحكومة إصلاحاً شاملاً يتطلب من المدارس الدينية التسجيل لدى وزارة التعليم.

وكانت هذه الجهود تهدف إلى زيادة المساءلة للمؤسسات التي ظلت تعمل تاريخياً في ظل إشراف حكومي محدود، وقد دعمت القوات المسلحة الباكستانية تلك الجهود بشدة، لكنها واجهت مقاومة شديدة من الأحزاب السياسية الإسلامية، بحسب تقرير لـ«نيويوك تايمز»، الخميس.

مولانا فضل الرحمن رئيس «جمعية علماء الإسلام» في المنتصف خلال مؤتمر صحافي في منطقة ديرا إسماعيل خان خيبر بختونخوا بباكستان الشهر الماضي (نيويورك تايمز)

* إشراف على المناهج الدراسية

في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أبرم أكبر هذه الأحزاب، «جمعية علماء الإسلام»، اتفاقاً مع الحكومة لإنهاء مطلب التسجيل. بموجب الاتفاق، سيتم تسجيل المدارس الدينية كما كانت قبل عام 2019، بموجب قانون يعود إلى زمن الحقبة الاستعمارية الذي يحكم المنظمات الخيرية والعلمية والتعليمية، حيث يوفر هذا القانون إشرافاً محدوداً على المناهج الدراسية، والأنشطة، والتمويل.

في حفل تخرج للطلبة بعد سنوات من التعليم الديني بشامان يوم الأربعاء (إ.ب.أ)

في المقابل، وافقت جمعية «علماء الإسلام» على دعم تعديلات دستورية غير متعلقة بتعيينات القضاء التي أثارت جدلاً واسعاً. ومع اقتراب نهاية العام، لم تكن الحكومة قد نفَّذت التغيير بعد. وذكرت أن القلق من أن العودة إلى النظام القديم قد يضر بالجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، ويضعف الرقابة، ويخالف التزامات باكستان الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

* ثابتون على العهد

أدى التأخير إلى تهديدات بتنظيم احتجاجات ضد الحكومة في العاصمة إسلام آباد، مما زاد من تحديات الحكومة في ظل المظاهرات المتكررة لأنصار رئيس الوزراء المعزول عمران خان.

كان مولانا فضل الرحمن، رئيس «علماء الإسلام»، قد حذَّر في البرلمان الشهر الماضي قائلاً: «نحن ثابتون على شروط تسجيل المدارس الدينية المتفق عليها وسنضمن الالتزام بها. وإذا انحرفت الحكومة، فإن القرار لن يُتَّخذ في البرلمان، بل في الشوارع».

في نهاية الأسبوع الماضي، وافقت الحكومة أخيراً على نصِّ التعديل الجديد، الذي يتيح للمعاهد الدينية الاختيار بين الإشراف الحديث والنظام الاستعماري. وبذلك، يتم استبعاد جهود الإصلاح التي كانت قد بدأت في عام 2019 لصالح استقرار سياسي قصير الأجل.

* 30 ألف مدرسة دينية

عندما أُسَّست باكستان قبل 77 عاماً، كان عدد المدارس الدينية لا يتجاوز العشرات. لكنها باتت أكثر شهرةً، ونمت بشكل كبير في الثمانينات، عندما حول التمويل الأميركي والعربي هذه المدارس إلى مراكز تجنيد للمتطوعين الإسلاميين للقتال ضد القوات السوفياتية في أفغانستان المجاورة. واليوم، هناك نحو 30 ألف مدرسة دينية في باكستان.

تعلَّم كثير من قادة «طالبان» المستقبليين في هذه المؤسسات، حيث دعم بعض المعلمين آيديولوجية تنظيم «القاعدة» المعادي للولايات المتحدة.

* ضغوط بعد هجمات سبتمبر

كانت باكستان قد تعرَّضت لضغوط متزايدة لتنظيم المدارس الدينية بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وفقاً لعبد الرحمن شاه، الخبير في شؤون المدارس الدينية، الذي يعمل أيضاً بجامعة تونغجي في شنغهاي.

صبي يدرس القرآن الكريم في بالاكوت بباكستان عام 2019 (نيويورك تايمز)

أضاف شاه قائلاً: «حرب ما بعد 11 سبتمبر، على الإرهاب والأحداث مثل تفجيرات لندن عام 2005، أثارت القلق العالمي بشأن ضعف الرقابة الفعالة على المدارس الدينية».

«بعد الهجوم الذي شنّه مسلحون على مدرسة عسكرية في شمال غربي باكستان في عام 2014، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 145 شخصاً، معظمهم من الأطفال، أصبحت مراقبة المدارس الدينية جزءاً أساسياً من جهود مكافحة الإرهاب. واستخدمت أجهزة الأمن أنظمة تحديد المواقع (GPS) لرسم خرائط للمدارس، وقامت بشنِّ غارات واستجوابات تستهدف المدارس الدينية المشتبه في صلاتها بالجماعات المسلحة»، بحسب شاه.

في عام 2019، أنشأت الحكومة إطاراً تنظيمياً جديداً للحد من تأثير الأحزاب الإسلامية على المجالس التي تدير هذه المدارس. تم تسجيل أكثر من 17500 مدرسة دينية تضم 2.2 مليون طالب لدى وزارة التعليم، وفقاً للبيانات الرسمية.

سهَّل التسجيل معالجة تأشيرات الطلاب الأجانب، حيث جذبت المدارس الدينية اهتماماً متزايداً ليس فقط من الشتات الباكستاني، ولكن أيضاً من الطلاب في الدول الأفريقية وجنوب شرقي آسيا.

ومع ذلك، فإن كثيراً من المدارس، خصوصاً تلك المرتبطة بالأحزاب الإسلامية، بما في ذلك أكبر وأشهر المدارس، قاومت الاندماج في النظام الرسمي؛ خوفاً من التدخل الحكومي في التعليم الديني.

بعد أن وافقت الحكومة في أكتوبر الماضي على إنهاء شرط التسجيل لدى وزارة التعليم، ترددت السلطات في المضي قدماً جزئياً؛ بسبب التدقيق المتزايد من «مجموعة العمل المالي»، وهي هيئة رقابية عالمية مقرها باريس.

طالب في مدرسة دينية تستعد للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في كراتشي عام 2021 (رويترز)

كانت «مجموعة العمل المالي» قد وضعت باكستان على «القائمة الرمادية» من 2018 إلى 2022؛ بسبب النقص في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو تصنيف يؤدي غالباً إلى تقليل الاستثمارات الأجنبية وزيادة الرقابة المالية.

في هذا الصدد، قالت سناء أحمد، أستاذ مساعد في القانون بجامعة كالغاري التي تجري أبحاثاً عن التدفقات المالية غير المشروعة وتمويل الإرهاب: «المطلب الرئيسي لمجموعة العمل المالي كان شنّ حملة ضد تمويل الإرهاب، لا سيما استهداف الأفراد والكيانات الذين عيَّنتهم الأمم المتحدة، بما في ذلك مدارسهم الدينية».

* تمويل الإرهاب

وامتثالاً لمتطلبات «مجموعة العمل المالي»، استولت باكستان في عام 2019 على عدد من المدارس الدينية المرتبطة بالجماعات المسلحة المحظورة مثل «جيش محمد» و«لشكر طيبة».

لكن بعد أكثر من عقدين من التدقيق المتزايد للمدارس الدينية، يرى خبراء التعليم أن تلك الجهود تتجاهل أزمة أعمق هي النظام التعليمي العام الذي يعاني في البلاد، والذي لا يلبي احتياجات ملايين الأطفال، خصوصاً في الأسر محدودة الدخل.

باكستان لديها ثاني أعلى عدد من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم، حيث يوجد 22.8 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و16 سنة غير مقيدين بالمدارس؛ أي 44 في المائة من هذه الفئة العمرية، وفقاً لـ«يونيسيف».

* سد الفجوات

وتسهم المدارس الدينية، المدعومة بالتبرعات الخاصة، جزئياً في سدِّ الفجوات في النظام العام. وبالنسبة لكثير من الأسر الفقيرة، تعدّ هذه المدارس الخيار الوحيد المتاح.

في يوم من الأيام، في مبنى متواضع في حي منخفض الدخل في جنوب باكستان، كان الجو مليئاً بأصوات الشباب وهم يتلون آيات من القرآن. في الداخل، جلس مئات من الشبان - بعضهم في بداية سن المراهقة - متربعين على حصائر وكانت رؤوسهم مغطاة بقبعات قطنية، وهم ينحنون فوق الكتب الإسلامية، وأصابعهم تتتبع الخط العربي. كان بعضهم يدرس حفظ آيات القرآن الكريم.

تؤكد المدارس الدينية على علم الفقه الإسلامي، وغالباً ما تكون ميولها طائفية، كما تركز على اللغة العربية، وهي لغة ليست شائعة في باكستان.

ورغم أن هذه المدارس لا ترتبط بالتطرف، فإن كثيراً منها يروج لتفسير ضيق للإسلام، ويشدد على نقاء العقيدة والدفاع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى.

باختصار، التفكير النقدي والحوار المفتوح ليسا من الأولويات؛ حيث تقاوم هذه المدارس الدينية علوم العصر؛ مثل علوم الكومبيوتر والرياضيات؛ مما يترك الخريجين غير مؤهلين لسوق العمل المعاصرة.

بالنسبة لكثير من الأسر، ليس الفقر، بل القناعة الدينية، هي ما تدفعهم لإلحاق أطفالهم بالمدارس الدينية.

في هذا السياق، قال عبد الوهاب، تاجر عقارات في كراتشي بجنوب باكستان: «كان بإمكاني إرسال أولادي إلى المدارس الخاصة لدراسة الكومبيوتر والعلوم، لكنني أرسلتهم إلى مدرسة دينية لأنني أريدهم أن يدرسوا التعليم الإسلامي».

شأن كثير من المتدينين في باكستان، يعتقد عبد الوهاب أن الطفل الذي يحفظ القرآن سيجلب البركة للعائلة، ناهيك بوعد بإدخال 10 آخرين إلى الجنة في الحياة الآخرة.


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية جانب من لقاء رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع الحزب)

تركيا: مطالبة بإنهاء عزلة أوجلان لحل المشكلة الكردية

أعلن حزب مؤيد للأكراد أن عملية الحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان لحل المشكلة الكردية في تركيا لن تؤدي إلى نتيجة دون إنهاء عزلته.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا تييرنو أمادو تال اختطفه تنظيم «القاعدة» وتوفي في ظروف غامضة (صحافة محلية)

وفاة زعيم محلي في مالي اختطفه تنظيم «القاعدة»

أعلن تنظيم «القاعدة» أن زعيم مجموعة محلية يتمتع بنفوذ واسع في مالي وغرب أفريقيا توفي حين كان رهينة بحوزة مجموعة تابعة للتنظيم في حادثة أثارت ردود فعل غاضبة

الشيخ محمد (نواكشوط )
شمال افريقيا استنفار أمني صومالي خارج العاصمة مقديشو (متداولة)

الجيش الصومالي يقضي على عناصر إرهابية

قضى الجيش الصومالي على 10 عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية في عملية عسكرية بمنطقة بيرحاني، في شمال غربي البلاد.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

كوريا الشمالية: صاروخنا الفرط صوتي الجديد قادر على ردع «الخصوم»

مواطن من كوريا الجنوبية يشاهد لحظة إطلاق بيونغ يانغ لصاروخ باليستي فرط صوتي جديد متوسط المدى (إ.ب.أ)
مواطن من كوريا الجنوبية يشاهد لحظة إطلاق بيونغ يانغ لصاروخ باليستي فرط صوتي جديد متوسط المدى (إ.ب.أ)
TT

كوريا الشمالية: صاروخنا الفرط صوتي الجديد قادر على ردع «الخصوم»

مواطن من كوريا الجنوبية يشاهد لحظة إطلاق بيونغ يانغ لصاروخ باليستي فرط صوتي جديد متوسط المدى (إ.ب.أ)
مواطن من كوريا الجنوبية يشاهد لحظة إطلاق بيونغ يانغ لصاروخ باليستي فرط صوتي جديد متوسط المدى (إ.ب.أ)

قال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-أون إن الصاروخ الفرط صوتي الجديد الذي استخدم في إطلاق تجريبي الإثنين من شأنه أن يساعد في ردع «خصوم» البلاد في المحيط الهادئ، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية.

وأكد كيم الذي أشرف على عملية الإطلاق في تصريحات نقلتها الوكالة أنّ «نظام الصواريخ الفرط صوتي سيحتوي بشكل موثوق به أيّ خصوم في منطقة المحيط الهادئ يمكن أن يؤثّروا على أمن دولتنا». وأتت هذه التجربة الصاروخية في الوقت الذي زار فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حليفته الاستراتيجية كوريا الجنوبية التي لا تزال عمليا في حالة حرب مع جارتها الشمالية.

ونقل بيان عن الزعيم الكوري الشمالي قوله إنّ الصاروخ حلّق لمسافة 1500 كيلومتر - أي أكثر من المسافة التي ذكرها الجيش الكوري الجنوبي والتي بلغت 1100 كيلومتر، وبسرعة ناهزت 12 ضعفا سرعة الصوت قبل أن يسقط في الماء.وأكّد كيم في بيانه أنّ «هذه الخطة والجهد هما حتما للدفاع عن النفس وليسا خطة وعملا هجوميّين». لكنّ الزعيم الكوري الشمالي لفت مع ذلك إلى أنّ أداء هذا الصاروخ «لا يمكن تجاهله حول العالم»، إذ إنه قادر، على حد قوله، على «توجيه ضربة عسكرية خطرة لخصم بينما يكسر بفاعلية أيّ حاجز دفاعي صلب». وشدّد كيم على أنّ «تطوير القدرات الدفاعية لكوريا الشمالية التي تهدف لأن تكون قوة عسكرية سيتسارع بشكل أكبر».

وأطلقت كوريا الشمالية الإثنين صاروخا تزامنا مع زيارة بلينكن إلى كوريا الجنوبية حيث حذّر من أن بيونغ يانغ تتعاون إلى حد غير مسبوق مع روسيا في مجال تكنولوجيا الفضاء. والصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية سقط في البحر أثناء عقد بلينكن محادثات مع المسؤولين في سيول في إطار مساعيه لتشجيع كوريا الجنوبية على المحافظة على سياسة يون القائمة على تعزيز التعاون مع اليابان.