ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»

توظيف قوات خاصة بولاية قندوز كان الحل الأمثل

ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»
TT

ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»

ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»

حذّر ضابط أميركي من أن مقاتلي حركة «طالبان» يقتربون ببطء، ويتعدّون على الأراضي التي بدت آمنة ذات يوم. وقال إن 4 من رجاله قتلوا للتو، وكان بحاجة إلى أفغان على استعداد للقتال.

وتوسل الضابط أمام حشد من 150 من شيوخ الأفغان، متسائلاً: «مَن سيقف؟».

أحد أفراد الشرطة المحلية الأفغانية -وهي منظمة ميليشيات تم تشكيلها لمحاربة «طالبان»- خارج قاعدة الوحدة على قمة التل عام 2012 أفغانستان (نيويورك تايمز)

كانت غالبية الناس في ولاية قندوز داعمين للأميركيين ومعارضين لـ«طالبان». ومع ذلك، كانت جهود تجنيد ضباط الشرطة بطيئة، وبحلول صيف عام 2009، قرر مسؤولون محليون، من بينهم الضابط الأميركي -وهو مقدم من الحرس الوطني في ولاية جورجيا- اتخاذ نهج محفوف بالمخاطر: توظيف ميليشيات خاصة، فتعالت همهمات الاستياء بين الحشد.

«ميليشيات خاصة»

ووقف رجل عجوز، قائلاً: «لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة»، وفقاً لأربعة أشخاص كانوا حاضرين. وأضاف: «لقد رأينا هذا من قبل. ستصبح الميليشيات مشكلة أكبر من (طالبان)».

ووسط التذمر، برز أمير حرب سابق يدعى محمد عمر، وندد بالآخرين ووصفهم بالجبناء، وصاح: «سأقاتل (طالبان)»!

الساحة التي تطوّع فيها محمد عمر لقتال «طالبان» بناءً على حث القادة العسكريين الأميركيين في ولاية قندوز بأفغانستان (نيويورك تايمز)

لم يجرَ تسجيل فعاليات التجمع في قندوز، شمال أفغانستان، في أي تاريخ رسمي للحرب، لكن الناس في جميع أنحاء المقاطعة يقولون إن هذه اللحظة التي تبدو عادية أعادت تشكيل الصراع على نحو لم تستوعبه واشنطن حقاً مطلقاً.

لسنوات، دعم الأميركيون الميليشيات في الشمال لمحاربة «طالبان»، لكن الجهود جاءت بنتائج عكسية؛ حيث سحقت هذه الجماعات السكان بقسوة، لدرجة أنهم حولوا معقلاً سابقاً للولايات المتحدة إلى معقل للتمرد. وأصبح الناس ينظرون إلى الميليشيات، ومن ثم للأميركيين، بوصفهم مصدراً للعذاب، وليس الخلاص.

«محطم الجدران»

على سبيل المثال، أصبح عمر، المعروف باسم «محطم الجدران»، الطفل المدلل لقائد ميليشيات مسيء، يشق طريقه عبر أعمال السرقة والخطف وقتل المنافسين والجيران، بذريعة رعاية الحفاظ عليهم في مأمن من «طالبان».

ولم يكن عمر سوى واحد من آلاف المقاتلين الميليشياويين، الذين أطلقهم الأميركيون وحلفاؤهم في شمال أفغانستان، علانية وسراً، وأحياناً عن غير قصد.

فوضى خلال الانسحاب الأميركي من كابل عام 2021 (متداولة)

وبلغت العواقب ذروتها في أثناء الانسحاب الأميركي الفوضوي عام 2021. وكان من المتوقع أن يعمل الشمال بمثابة الحرس الخلفي لواشنطن، والمكان الذي قد تترسخ فيه قيم مثل الديمقراطية وحقوق المرأة. إلا أنه بدلاً عن ذلك، استسلم الشمال في غضون أيام، ليصبح بذلك أول منطقة تسقط بيد «طالبان».

من جهته، ألقى الرئيس المنتخب دونالد ترمب باللوم على الرئيس الحالي بايدن في النهاية الفوضوية لأطول حرب أميركية، وتعهّد بطرد «كل مسؤول كبير» شارك في الانسحاب الكارثي من أفغانستان. في المقابل، يلقي بايدن باللوم على الأفغان لاستسلامهم أمام «طالبان» بهذه السرعة.

فوضى الانسحاب الأميركي عام 2021 من أفغانستان خلقت عدداً من المشاكل لاحقاً (غيتي)

ومع ذلك، فإنه في كل الأحوال، يتجاهل هذا التفسير سبباً أكثر جوهرية وراء السقوط السريع: ففي أماكن مثل قندوز، خلص تحقيق أجرته «نيويورك تايمز» إلى أن الولايات المتحدة هيأت الظروف لهزيمتها قبل وقت طويل من إلقاء الجنود الأفغان أسلحتهم.

عصابات خارجة عن القانون

على مدى سنوات، ساعد الأميركيون في تجنيد وتدريب ودفع رواتب عصابات خارجة عن القانون من الميليشيات، التي نهبت المنازل ودمرت مجتمعات بأكملها. وتورطت الميليشيات في تعذيب المدنيين، بجانب ارتكابها جرائم اختطاف من أجل الحصول على فدية، وذبحت العشرات في عمليات قتل انتقامية، ودمرت قرى بأكملها، وزرعت أكثر من عقد من الكراهية تجاه الحكومة الأفغانية وحلفائها الأميركيين.

وأدرك الجيش الأفغاني، الذي كان منهكاً بالفعل، أنه يدافع عن حكومة لا تحظى إلا بدعم ضئيل للغاية؛ لذا، عندما عرضت «طالبان»، التي كانت تتقدم على الأرض، على الجنود الأفغان خياراً -حياتهم مقابل أسلحتهم- سارعوا إلى إلقاء أسلحتهم.

وكانت المناطق التي نهبها عمر وغيره من أمراء الحرب ساحات معارك نشطة في أثناء الحرب، وكانت في الغالب محظورة على الغرباء. وأظهرت أكثر من 50 مقابلة أجريت في قندوز على مدى 18 شهراً، كيف أن الدعم الأميركي للميليشيات كان سبباً في كارثة، ليس فقط داخل هذا الإقليم، بل كذلك في بقية شمال أفغانستان. وكان هذا البؤس الذي ترعاه الدولة سبباً أساسياً في خسارة واشنطن وشركائها الأفغان للشمال، وسقوط أفغانستان بأكملها، رغم عقدين وتريليوني دولار من الأموال الأميركية.

وكشفت تحقيقات «نيويورك تايمز» الأخرى خلال العام، كيف دعمت واشنطن الفظائع التي ارتكبتها القوات الأفغانية، وقتلت حلفاءها بتهور، ما أسفر عن هزيمتها داخل أفغانستان.

وجاء سقوط قندوز عام 2021 بمثابة الكلمة الأخيرة في خطأ أميركي لم يكن له داعٍ؛ وهو الاستعانة بمجرمين لتنفيذ عمليات ضد «طالبان».

الأخطاء الأميركية

في هذا الإطار، قال رحيم جان، الذي قُتل والده ووالدته وشقيقاه على يد عمر، وهو ما أكده قرويون آخرون: «أطلقت الميليشيات النار على المدنيين وقتلت الأبرياء»، مضيفاً أنه لم يكن لديه خيار آخر، وقال: «لقد دعمنا (طالبان)، لأنهم قاتلوا الميليشيات».

اللافت أنه حتى «طالبان»، التي عادة ما تكون حريصة على التباهي بمغامراتها في ساحة المعركة، تنسب انتصارها داخل هذه المقاطعة إلى الأخطاء الأميركية.

وقال مطيع الله روحاني، القائد السابق في «طالبان» ووزير الإعلام والثقافة الحالي في قندوز: «مكّنت واشنطن قطاع الطرق والقتلة باسم مكافحة التمرد، لكنها لم تفعل في الواقع سوى دفع مزيد من الناس إلى أحضان (طالبان)».

فظائع ارتكبتها الميليشيات: التمكين السريع لـ«طالبان»

من جهتها، نشر أكاديميون وصحافيون وجماعات حقوق الإنسان عدداً من الروايات عن فظائع ارتكبتها الميليشيات. لكن حجم الانتهاكات، وكيف ساعدت في تمكين «طالبان» من الاستيلاء السريع على أفغانستان، قصص تركها الأميركيون وراءهم عندما تخلوا عن البلاد قبل 3 سنوات.

عناصر من حركة «طالبان» قبل سيطرتهم على العاصمة الأفغانية عام 2021 (متداولة)

اليوم، ومع رحيل الميليشيات، أصبح حجم أفعالهم -من حيث التكاليف البشرية والسياسية- جلياً أمام الجميع.

لقد ألقت الروايات السابقة باللوم على المسؤولين الأفغان في الشمال لتكوين ميليشياتهم الخاصة، لكن الصحيفة وجدت أن الولايات المتحدة جندت الميليشيات في قندوز، قبل فترة طويلة مما كان معروفاً. كما أن عواقب ذلك جاءت أسوأ بكثير مما اعترف به المسؤولون الأميركيون.

وخلال حربها التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان، دفعت الولايات المتحدة بسلسلة متطورة باستمرار من البرامج لتجنيد وتدريب ودعم المقاومة المحلية ضد «طالبان». وشكّل البعض، بصورة رسمية، مجموعات مسلحة تحت رعاية الشرطة. في كثير من الحالات، وزعت الحكومة الأفغانية الأموال الأميركية، ما أتاح للميليشيات دعماً من واشنطن.

وانطوت جميع الجهود تقريباً على إشكاليات، وسرعان ما أصبحت الميليشيات أقوى من أن ينزع سلاحها، ورغم أنها قاتلت «طالبان»، فإنها تورطت كذلك في قتل بعضها بشكل أكبر، الأمر الذي خلق نوعاً من الاضطرابات أشبه بالحرب الأهلية التي ساعدت في دفع «طالبان» إلى السلطة في تسعينيات القرن العشرين.

وشعر بعض الأفغان بالاشمئزاز الشديد تجاه الميليشيات المتوحشة، إلى الحد الذي جعلهم ينظرون إلى «طالبان»، باعتبارها المدافع عنهم، ما شجعهم على الانضمام إليها.

ووُلدت إحدى الميليشيات الأولى في منطقة قندوز في خان آباد، وكانت واحدة من بنات أفكار ضابط الحرس الوطني الأميركي، في محاولة يائسة لصد «طالبان».

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

أميركي من نورث كارولاينا يقر بالذنب في محاولة الانضمام إلى «داعش»

الولايات المتحدة​ جنود من مشاة البحرية الأميركية يتوجهون إلى طائرة في قاعدة «شيري بوينت» بولاية نورث كارولاينا يوم 2 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

أميركي من نورث كارولاينا يقر بالذنب في محاولة الانضمام إلى «داعش»

أقر رجل من ولاية نورث كارولاينا بالذنب أمام محكمة اتحادية، بعد أن قالت السلطات إنه حاول الصعود على متن رحلة جوية إلى الخارج للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي…

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا قوات أمن بونتلاند تقوم بدورية بعد الاستيلاء على قواعد «داعش» في سلسلة جبال كال ميسكاد ببري (رويترز)

مقتل العشرات من «داعش» في الصومال

تشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي «داعش» الإرهابي في الصومال يتراوح بين 700 و1500، ونما التنظيم، خلال السنوات الماضية، بفضل تدفق المقاتلين الأجانب والأموال.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
أوروبا أفراد من جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية- متداولة)

ألمانيا: أحكام بالسجن على 3 أشخاص لإدانتهم بدعم «داعش»

قالت المحكمة في حيثياتها إنه «ثبت لديها أن المتهمين قاموا في الفترة بين عامي 2020 و2021 بجمع وتحويل تبرعات لصالح تنظيم «داعش» الإرهابي.

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف (ألمانيا))
شؤون إقليمية مصادمات عنيفة بين الشرطة والمحتجين أمام بلدية وان شرق تركيا احتجاجاً على قرار بحبس رئيسها عبد الله زيدان (إعلام تركي)

تركيا: حملة اعتقالات جديدة في صفوف بلديات المعارضة بتهمة الإرهاب

شنت السلطات التركية حملة اعتقالات في عدد من البلديات التابعة للمعارضة في إسطنبول فيما وقعت مصادمات بين الشرطة ومحتجين على قرار حبس رئيس بلدية بشرق البلاد

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المرأة متهمة بارتكاب جرائم بحق نساء وأطفال من الأقلية الدينية الإيزيدية في سوريا عام 2015 (رويترز)

بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا... الحكم على امرأة بالسجن 12 عاماً في السويد

أدانت محكمة في استوكهولم امرأة سويدية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب جسيمة بحق نساء وأطفال من الأقلية الدينية في سوريا عام 2015.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)

كلنا تقريباً نتنفس هواءً ملوثاً... إليك ما يمكنك فعله

رجل يغطي وجهه أثناء ركوبه دراجة وسط الغبار والتلوث في أحمد آباد في الهند (أ.ب)
رجل يغطي وجهه أثناء ركوبه دراجة وسط الغبار والتلوث في أحمد آباد في الهند (أ.ب)
TT

كلنا تقريباً نتنفس هواءً ملوثاً... إليك ما يمكنك فعله

رجل يغطي وجهه أثناء ركوبه دراجة وسط الغبار والتلوث في أحمد آباد في الهند (أ.ب)
رجل يغطي وجهه أثناء ركوبه دراجة وسط الغبار والتلوث في أحمد آباد في الهند (أ.ب)

يحب الجميع استنشاق الهواء النقي. ولكن لسوء الحظ، فإن الهواء الذي نتنفسه في كثير من الأحيان لا يكون نقياً على الإطلاق.

وبينما تختلف جودة الهواء بشكل كبير من مكان إلى آخر ومن يوم إلى يوم، فإن العالم بأسره تقريباً - نحو 99 في المائة من سكان العالم - يتعرض في مرحلة ما للهواء الذي لا يفي بالمعايير الصارمة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية.

وتشير تقديرات وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة إلى أن الهواء الملوث، أو الغازات الضارة المحملة أو الجزيئات الصغيرة غير المرئية التي تتسلل إلى أجسام البشر، يقتل 7 ملايين شخص قبل الأوان كل عام.

وربما يبدو الهواء الفاسد أمراً لا مفر منه بالنسبة للملايين الذين يعيشون في بعض أكثر مدن العالم تلوثاً بالضباب الدخاني - وكثير منهم في آسيا مثل نيودلهي؛ ودكا، وبنغلاديش؛ وبانكوك وجاكرتا بإندونيسيا.

ولكن هناك أشياء يمكن للناس القيام بها، بدءاً من فهم أن الهواء ليس ملوثاً فقط عندما يبدو ملوثاً بالضباب الدخاني، كما تقول تانوشري جانجولي من معهد سياسة الطاقة في شيكاغو في الهند. وقالت لوكالة «أسوشييتد برس»: «السماء الزرقاء لا تضمن لك هواءً نظيفاً».

ما أخطر أنواع الملوثات الجوية ومصادرها؟

غالباً ما تأتي الملوثات الجوية من الأشخاص الذين يحرقون الأشياء: الوقود مثل الفحم والغاز الطبيعي والديزل والبنزين لتوليد الكهرباء والنقل؛ المحاصيل أو الأشجار للأغراض الزراعية أو نتيجة لحرائق الغابات.

وتعد الجسيمات الدقيقة القابلة للاستنشاق، والمعروفة باسم الجسيمات، من بين أكثر الملوثات خطورة. يمكن لأصغر هذه الجسيمات - المعروفة باسم «بي إم 2.5» لأن قطرها أقل من 2.5 ميكرون - أن تتوغل في رئتي الإنسان وتنتج في الغالب عن حرق الوقود. وترتبط الجسيمات الأكثر خشونة، والمعروفة باسم «بي إم 10»، بالزراعة أو الطرق أو التعدين أو الرياح التي تهب الغبار المتآكل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

سائق عربة «توك توك» يغطي وجهه لحماية نفسه من التلوث في دكا ببنغلاديش (أ.ب)

وقالت أنوميتا رويتشودري، خبيرة تلوث الهواء في مركز العلوم والبيئة في نيودلهي، إن الملوثات الخطيرة الأخرى تشمل غازات مثل ثاني أكسيد النيتروجين أو ثاني أكسيد الكبريت، والتي تنتج أيضاً عن حرق الوقود.

وتختلف مصادر وكثافة تلوث الهواء في المدن المختلفة والمواسم. على سبيل المثال، تعد الدراجات النارية القديمة والغلايات الصناعية من المساهمين الرئيسيين في الهواء السيئ في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، في حين أن حرق النفايات الزراعية هو السبب الرئيسي لارتفاع تلوث الهواء في مدن تايلاند والهند. وتزيد أفران الطوب التي تحرق الفحم من التلوث في دكا، عاصمة بنغلاديش. كما تتسبب حرائق الغابات الموسمية في مشكلات في البرازيل وأميركا الشمالية.

ما المشكلات الصحية التي يمكن أن يسببها تلوث الهواء؟

وفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد التأثيرات الصحية، يعد تلوث الهواء ثاني أكبر عامل خطر للوفاة المبكرة على مستوى العالم، بعد ارتفاع ضغط الدم.

يمكن أن يؤدي التعرض قصير المدى إلى إثارة نوبات الربو وزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية، وخاصة لدى كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من مشكلات طبية. يمكن أن يسبب التعرض طويل المدى مشكلات خطيرة في القلب والرئة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، بما في ذلك أمراض القلب ومرض الانسداد الرئوي المزمن والتهابات الرئة.

أشخاص يغطون وجوههم لحماية أنفسهم من التلوث في دكا (أ.ب)

وأظهرت دراسة حديثة أجرتها وكالة الأمم المتحدة للطفولة أن أكثر من 500 مليون طفل في دول شرق آسيا والمحيط الهادئ يتنفسون هواءً غير صحي وأن التلوث مرتبط بوفاة 100 طفل دون سن الخامسة كل يوم. وقالت جون كونوغي، المديرة الإقليمية لمنظمة اليونيسيف لشرق آسيا، إن الهواء الملوث يعرض النمو للخطر ويضر بالرئتين ويؤثر على قدراتهم المعرفية. وقالت كونوغي: «كل نفس مهم، ولكن بالنسبة للعديد من الأطفال فإن كل نَفَس يمكن أن يجلب الضرر».

ما أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان الهواء آمناً؟

وتراقب أكثر من 6 آلاف مدينة في 117 دولة الآن جودة الهواء، وتتضمن العديد من تطبيقات الهاتف المحمول للطقس معلومات حول جودة الهواء. ولكن محاولة قياس مدى سوء الهواء من خلال النظر إلى هذه الأرقام يمكن أن تكون مربكة.

ولمساعدة الناس على فهم مستويات جودة الهواء بسهولة أكبر، تبنت العديد من البلدان مؤشر جودة الهواء أو«إيه كيو آي» - وهو مقياس رقمي حيث تعني الأرقام الأكبر هواءً أسوأ. غالباً ما يتم تعيين ألوان مختلفة لهم لإظهار ما إذا كان الهواء نظيفاً أم لا.

ولكن البلدان المختلفة لديها معايير مختلفة لجودة الهواء. على سبيل المثال، فإن الحد اليومي للجسيمات في الهند أعلى بأكثر من 1.5 مرة من الحد في تايلاند وأعلى بأربع مرات من معايير منظمة الصحة العالمية، وهذا يعني أن البلدان تحسب مؤشرات جودة الهواء بشكل مختلف والأرقام غير قابلة للمقارنة مع بعضها البعض. وهذا هو السبب أيضاً في أن درجات مؤشر جودة الهواء التي تقدمها الشركات الخاصة باستخدام معايير أكثر صرامة قد تختلف أحياناً عن تلك التي تحسبها الهيئات التنظيمية الوطنية.

ما أفضل الطرق لحماية نفسك من تلوث الهواء؟

الهدف بالطبع هو الحد من التعرض عندما تكون جودة الهواء سيئة، وذلك بالبقاء في الداخل أو ارتداء قناع.

ولكن البقاء في الداخل ليس ممكناً دائماً، وخاصة بالنسبة للأشخاص الذين يجب أن يعيشوا أو يعملوا في الخارج، كما لاحظ داني دجاروم، باحث جودة الهواء في معهد الموارد العالمية، وهي مجموعة مناصرة للبيئة. وقال: «لا يستطيعون حقاً تحمل عدم الخروج».

رجل يمشي أمام مصنع صناعي في دكا ببنغلاديش (أ.ب)

وقال باكابول أسافاكومولنانت، وهو موظف في مكتب في بانكوك، إنه يرتدي قناعاً كل يوم ويتجنب ركوب الدراجة النارية للذهاب إلى العمل. وقال لوكالة «أسوشييتد برس»: «أصاب بالتهاب في الحلق عندما أذهب إلى العمل في الصباح وأنسى ارتداء القناع».

يحتاج الناس أيضاً إلى أن يكونوا على دراية بتلوث الهواء الداخلي، والذي يمكن أن يكون غالباً ناتجاً عن أنشطة منزلية شائعة مثل الطهي أو حتى حرق عود البخور.

ما فوائد - وقيود - أجهزة تنقية الهواء؟

يمكن أن تساعد أجهزة تنقية الهواء في تقليل تلوث الهواء الداخلي، ولكن لها حدودها. فهي تعمل عن طريق سحب الهواء من الغرفة ودفعه عبر مرشح يحبس الملوثات قبل تدويرها مرة أخرى. لكنها تكون أكثر فعالية عند استخدامها في المساحات الصغيرة وعندما يكون الناس قريبين.

رجل يركب عربة الريكشا الخاصة به بينما تقوم الرشاشات المرفقة بمصابيح الشوارع برش المياه لتهدئة الغبار وتلوث الهواء في نيودلهي (أ.ب)

وقال راجاسيكار بالاسوبرامانيان، الذي يدرس جودة الهواء في المناطق الحضرية في الجامعة الوطنية في سنغافورة، إن أجهزة تنقية الهواء لا تستطيع سوى تنقية كمية معينة من الهواء. وأضاف: «إذا كان لدينا جهاز تنقية هواء صغير في غرفة كبيرة فلن يكون فعالاً».

كما أن أجهزة تنقية الهواء باهظة الثمن بالنسبة للناس في العديد من البلدان النامية.

وقال دجاروم من معهد الموارد العالمية: «إن غالبية الأشخاص المتأثرين بتلوث الهواء لا يستطيعون تحمل تكاليف أجهزة تنقية الهواء».