كوريا الجنوبية: الأحكام العرفية تعيد إلى الأذهان ذكريات مرعبة

مواطنون من سيول يسيرون بجوار دبابة للجيش يوم السبت 27 أكتوبر 1979 بعد إعلان الأحكام العرفية في أعقاب وفاة الرئيس بارك تشونغ هي (أ.ب)
مواطنون من سيول يسيرون بجوار دبابة للجيش يوم السبت 27 أكتوبر 1979 بعد إعلان الأحكام العرفية في أعقاب وفاة الرئيس بارك تشونغ هي (أ.ب)
TT

كوريا الجنوبية: الأحكام العرفية تعيد إلى الأذهان ذكريات مرعبة

مواطنون من سيول يسيرون بجوار دبابة للجيش يوم السبت 27 أكتوبر 1979 بعد إعلان الأحكام العرفية في أعقاب وفاة الرئيس بارك تشونغ هي (أ.ب)
مواطنون من سيول يسيرون بجوار دبابة للجيش يوم السبت 27 أكتوبر 1979 بعد إعلان الأحكام العرفية في أعقاب وفاة الرئيس بارك تشونغ هي (أ.ب)

كانت آخر مرة خضعت فيها كوريا الجنوبية للأحكام العرفية، عندما كان تشونغ تشين أوك في السنة الأولى من دراسته الثانوية، منذ أكثر من أربعين عاماً. انتفضت مدينته غوانغجو احتجاجاً على التدابير القمعية التي اتخذها المجلس العسكري، ولكنها واجهت قمعاً وحشياً ودموياً.

في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، راودت تلك الذكريات رأس المشرِّع البالغ من العمر الآن 60 عاماً، وهو يتسلق السياج المحيط بالجمعية الوطنية. وهرع هو وأعضاء آخرون إلى القاعة، لإبطال فرض الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية، متجنبين مسؤولي الشرطة الذين وقفوا حراساً عند البوابات.

امرأة تحمل لافتة كُتب عليها «يجب على يون سوك يول التنحي» خلال وقفة احتجاجية بالشموع ضد رئيس كوريا الجنوبية يون في سيول اليوم (أ.ف.ب)

وقال تشونغ، وهو أحد أعضاء الجمعية البالغ عددهم 190 عضواً الذين صوَّتوا بالإجماع ضد الأحكام العرفية في وقت مبكر من اليوم (الأربعاء) لصحيفة «نيويورك تايمز»، عبر الهاتف: «تذكرتُ على الفور ما حدث في عام 1980، والخوف واليأس الذي شعرنا به. لم يكن يبدو حقيقياً أننا نمر بهذا مرة أخرى بعد أربعين عاماً».

وقال تشونغ إن المشرعين من داخل القاعة كانوا يتابعون بقلق لقطات حية للقوات الخاصة وهي تهبط بطائرات هليكوبتر على العشب، وتحطم النوافذ لدخول المبنى. وقام تشونغ رفقة أعضاء آخرين من الجمعية الوطنية بإغلاق المدخل لكسب الوقت، بينما كانوا يتابعون إجراءات التصويت.

قطع أثاث تتراكم خلف باب تعرض للتلف عندما اقتحمت القوات العسكرية مبنى الجمعية الوطنية في سيول بعد أن أعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية (رويترز)

وقال للصحيفة إن لون ملابس القوات العسكرية أعاد إلى الأذهان ذكريات الجنود الذين ركلوه وصفعوه هو وإخوته، في بداية حملة القمع في غوانغجو، وأمروهم بالعودة إلى ديارهم. ورغم أنه بدا من الممكن أن تؤدي هذه المواجهة الجديدة -مثل تلك التي حدثت في عام 1980- إلى إراقة الدماء، فإنه قال إنه شعر بأهمية اتخاذ موقف. وقال: «كان هناك خوف وغضب لا يوصفان، وشعور بأننا لا نستطيع أن نخسر هذه المرة. في ذلك الوقت كنت صغيراً جداً على القتال».

وفي السياق، كان لي جاي إيوي طالباً جامعياً يبلغ من العمر 24 عاماً، عندما وقعت عمليات القتل في غوانغجو. قضى 10 أشهر في السجن، بعد اعتقاله بتهمة التجمع غير القانوني وتوزيع المعلومات، في انتهاك للأحكام العرفية التي كانت سارية آنذاك.

في منزله في غوانغجو، استيقظ لي في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، على رسائل متكررة على هاتفه. استيقظ في الوقت المناسب لمشاهدة بث مباشر للجيش يدخل الجمعية الوطنية. وقال إنه شاهد بمزيج من عدم التصديق والذهول.

موظف في الجمعية الوطنية يقوم بالرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسة للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)

وقال لي الذي يبلغ من العمر الآن 68 عاماً لصحيفة «نيويورك تايمز»: «لقد كان الأمر أشبه برؤية سابقة. فبعد التحول إلى الديمقراطية، لم أكن أعتقد أن هذا سيحدث مرة أخرى في حياتنا».

وقال لي إن الناس الذين عاشوا الديمقراطية كانوا على دراية تامة بالإرهاب الذي يمكن أن يجلبه الحكم العسكري والأحكام العرفية. وأضاف أن كوريا الجنوبية مرت بكثير مما لا يسمح لهذا التاريخ بأن يتكرر. وقال: «يعلم الناس أن هذا غير قانوني».

عشرات من المتمردين الأسرى يرفعون أيديهم أثناء اقتيادهم يوم الثلاثاء 27 مايو 1980 من قبل جنود مسلحين من مقر الحكومة الإقليمية في مدينة غوانغجو التي استعادتها القوات الكورية الجنوبية في تبادل لإطلاق النار (أ.ب)

وتقدمت أحزاب المعارضة في كوريا الجنوبية اليوم (الأربعاء) باقتراح لاتخاذ إجراءات لعزل الرئيس يون سوك يول الذي يواجه ضغوطاً للاستقالة من منصبه أو عزله، وذلك بعد ساعات من إلغاء العمل بالأحكام العرفية التي تم فرضها لفترة وجيزة، ودفعت قوات الجيش لتطويق البرلمان، قبل تصويت النواب على إلغاء قرار فرض الأحكام العرفية.

ويتطلب اتخاذ إجراءات لعزل يون دعم ثلثَي البرلمان للاقتراح، وبعد ذلك دعم ما لا يقل عن 6 من قضاه المحكمة الدستورية.

وقال النائب بالحزب الديمقراطي كيم يونغ مين، إن الاقتراح الذي تم تقديمه اليوم (الأربعاء) يمكن طرحه للتصويت بعد غد الجمعة على أقرب تقدير.


مقالات ذات صلة

لماذا قد يصعب على إسبانيا تحقيق هدف ترمب للإنفاق العسكري؟

أوروبا سفينة «خوان سيباستيان إلكانو» الإسبانية عند وصولها إلى رصيف لاس بالماس دي غران كناريا بجزر الكناري بإسبانيا في 21 يناير 2025 (إ.ب.أ)

لماذا قد يصعب على إسبانيا تحقيق هدف ترمب للإنفاق العسكري؟

يرجّح محللون وسياسيون أنه سيكون من الصعب على إسبانيا تلبية مطالب ترمب بزيادة الإنفاق العسكري لدول «الناتو» ليصل إلى نسبة 5 في المائة من الناتج الإجمالي.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الولايات المتحدة​ NATO Secretary General Mark Rutte gives a joint press conference with Finland's president and Estonia's prime minister during the Baltic Sea NATO Allies Summit in Helsinki, Finland, 14 January 2025.  EPA/KIMMO BRANDT

​قبيل اتصال ترمب ببوتين: موسكو تتشدد في شروطها مقابل دعوات لرفض «إذلال» واشنطن

تصاعدت التصريحات المتبادلة بين واشنطن وموسكو بشأن الشروط التي يستعد الطرفان لطرحها من أجل التوصل إلى وقف للحرب الروسية مع أوكرانيا.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي يتحدث في البيت الأبيض بواشنطن 21 يناير 2025 (أ.ب)

جيه دي فانس وإيلون ماسك... تنافس بين نائبَي الرئيس ترمب

بين جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، وإيلون ماسك، الملياردير الذي لا يهدأ، يتطور تنافس فعلي، حتى في أروقة البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تثير ظاهرة زيادة نسب السرطان لدى الشباب قلق المتخصصين الذين يحاولون فهم أسبابها (رويترز)

عالمياً... ازدياد الإصابة بمرض السرطان بين الشباب

يزداد باستمرار عدد أنواع معينة من السرطان لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً. وتثير هذه الظاهرة قلق المتخصصين، الذين يحاولون فهم أسبابها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية تظهر رافعات تزيل حطاماً في أعقاب زلزال سابق ضرب تركيا، 11 فبراير 2023 (رويترز)

زلزال بقوة 5.2 درجة في بحر إيجة قبالة سواحل تركيا

أعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن زلزالاً بقوة 5.2 درجة وقع في بحر إيجة قبالة سواحل ولاية تشاناق قلعة في غرب تركيا مساء اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار أوامر اعتقال لقادة من «طالبان»

المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (متداولة)
المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (متداولة)
TT

المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار أوامر اعتقال لقادة من «طالبان»

المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (متداولة)
المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (متداولة)

قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الخميس، إنه يناشد بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة في حركة «طالبان» الأفغانية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب الانتشار واسع النطاق للتمييز ضد النساء والفتيات.

وقال كريم خان، في بيان: «ثمة دوافع معقولة تسمح بالقول إن القائد الأعلى لحركة (طالبان)، هبة الله أخوند زاده، ورئيس المحكمة العليا في (إمارة أفغانستان)، عبد الحكيم حقاني، عليهما مسؤولية جنائية في الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة باضطهاد مرتبط بالنوع الاجتماعي».

التمييز بين الجنسين في أفغانستان يصل إلى حرمان الفتيات من التعليم (رويترز)

وقال خان إن «النساء والفتيات الأفغانيات، وكذلك أعضاء (مجتمع الميم)، يتعرّضون لحملات اضطهاد بغيضة ومتكرّرة غير معهودة من (طالبان)». وأوضح أن «مسارنا يقضي بالقول إن الوضع القائم بالنسبة للنساء والفتيات في أفغانستان غير مقبول».

وتعهّدت حركة «طالبان» التي عادت إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس (آب) 2021، بإبداء مرونة أكبر إزاء النساء مما كان عليه الحال خلال حكمها بين 1996 و2001 عندما حرمت النساء من كلّ حقوقهنّ تقريباً. لكن سرعان ما بدأت السلطات فرض قيود مشدّدة رأت فيها الأمم المتحدة «فصلاً قائماً على النوع الاجتماعي».

ويتعيّن على قضاة المحكمة الجنائية الدولية النظر في طلب كريم خان قبل البتّ في مسألة إصدار مذكّرات توقيف من عدمه، في إجراءات قد تتّخذ أسابيع أو حتّى شهوراً. ويعيش القائد الأعلى لـ«طالبان»، هبة الله أخوند زاده، في شبه عزلة في قندهار معقل الحركة التاريخي بجنوب أفغانستان وإطلالاته العلنية نادرة جدّاً.

فيما قالت منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية في تقرير سابق، إنه ينبغي التحقيق في القيود الصارمة التي تفرضها حركة «طالبان» وحملتها غير القانونية على حقوق النساء والفتيات بوصفها جرائم محتملة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.

فتيات يذهبن إلى المدرسة في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد بأفغانستان 25 مارس 2023 (أ.ب)

ويقدم التقرير المعنون: «حرب (طالبان) على النساء: جريمة ضد الإنسانية متمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي في أفغانستان»، تحليلاً قانونياً مفصلاً للكيفية التي يمكن أن ترقى فيها قيود «طالبان» الصارمة على حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، إلى جانب استخدام السجن والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، إلى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي بموجب المادة 7 (1) (ح) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

أحد أفراد الأمن التابعين لحركة «طالبان» ينظر إلى الناس وهو يحتفل بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في كابل 16 يناير 2025 (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، أعلنت الصين، الخميس، أنّها قدّمت «احتجاجاً رسمياً» لدى حكومة «طالبان» في أفغانستان، بشأن مقتل عامل مناجم صيني في هجوم أعلن «تنظيم الدولة الإسلامية» مسؤوليته عنه.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إنّ «الجانب الصيني قدّم احتجاجاً رسمياً عاجلاً إلى الجانب الأفغاني، مطالباً بإجراء تحقيق شامل ومعاقبة الجناة».

حمل الأفغان أعلام «طالبان» وفلسطين للاحتفال بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في خوست 16 يناير 2025 (أ.ف.ب)

وأضافت: «تشعر الصين بصدمة كبيرة بسبب الهجوم، وتدينه بشدة وتعرب عن تعازيها للضحايا».

وكان المواطن الصيني مسافراً مساء الثلاثاء في مقاطعة طخار (شمال) على الحدود مع طاجيكستان عندما قُتل بأيدي «مسلحين مجهولين»، وفق ما أفاد الناطق باسم شرطة الولاية، محمد أكبر حقاني، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوضح أنه كان مسافراً «لسبب غير معروف» ومن دون إبلاغ مسؤولي الأمن الذين يرافقون عادة المواطنين الصينيين في رحلاتهم إلى البلاد. وأعلن فرع تنظيم «داعش» الإقليمي مسؤوليته عن الهجوم الأربعاء، وفقاً لموقع مراقبة المواقع الجهادية (سايت).