مطالب بعزل رئيس كوريا الجنوبية رغم تراجعه عن الأحكام العرفية

أميركا تتابع التطورات بقلق... واستراتيجية بايدن «على المحك» وسط ترقب لموقف ترمب

موظف في الجمعية الوطنية يرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسية للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)
موظف في الجمعية الوطنية يرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسية للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)
TT

مطالب بعزل رئيس كوريا الجنوبية رغم تراجعه عن الأحكام العرفية

موظف في الجمعية الوطنية يرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسية للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)
موظف في الجمعية الوطنية يرش بطفايات الحريق لمنع الجنود من دخول القاعة الرئيسية للجمعية الوطنية في سيول (أ.ب)

واصل المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مراقبة التطورات الدراماتيكية عن كثب في كوريا الجنوبية، حيث تتواصل الضغوط لعزل الرئيس يون سوك يول، الذي اضطر إلى التراجع وذلك بعد ساعات من إلغاء العمل بالأحكام العرفية التي جرى فرضها لفترة وجيزة بعد ساعات قليلة من إعلانها يوم الثلاثاء، الأمر الذي دفع بقوات الجيش إلى تطويق البرلمان قبل تصويت النواب على إلغاء ما حاول الرئيس فرضه.

امرأة تحمل لافتة كُتب عليها «يجب على يون سوك يول التنحي» خلال وقفة احتجاجية بالشموع ضد رئيس كوريا الجنوبية يون في سيول اليوم (أ.ف.ب)

ورفع يون الأحكام العرفية في وقت مبكر من صباح الأربعاء (في التوقيت المحلي) بعد تصويت البرلمان بالإجماع على مطالبة الرئيس بإلغائها.

وتضغط قوى المعارضة من أجل عزل الرئيس أو إجباره على الاستقالة. وخيّر المشرعون، الأربعاء، الرئيس يون بين التنحي طوعا والعزل بعدما أثارت خطوته أكبر أزمة سياسية منذ عقود في رابع أكبر اقتصاد في آسيا.

أحزاب المعارضة تتقدم بطلب لعزل الرئيس (رويترز)

ودعا زعيم حزب (سلطة الشعب الحاكم) الذي ينتمي إليه يون إلى إقالة وزير الدفاع كيم يونغ-هيون واستقالة مجلس الوزراء بأكمله.

ودعا الحزب الديمقراطي الرئيسي المعارض، يون، الذي تولى منصبه في 2022، إلى الاستقالة طوعاً أو العزل. وقال بارك تشان-داي، النائب البارز في الحزب الديمقراطي: «بات واضحاً للأمة بأكملها أن الرئيس يون لم يعد قادراً على إدارة البلاد بشكل طبيعي. عليه أن يتنحى عن منصبه».

ويتطلب اتخاذ إجراءات لعزل يون دعم ثلثي البرلمان للاقتراح، وبعد ذلك دعم ما لا يقل عن ستة من قضاة المحكمة الدستورية.

وقال النائب في الحزب الديمقراطي كيم يونغ مين، إن الاقتراح الذي جرى تقديمه يوم الأربعاء، يمكن طرحه للتصويت، الجمعة، على أقرب تقدير.

وأشعل الإعلان المفاجئ، يوم الثلاثاء، مواجهة مع البرلمان الذي رفض محاولته حظر النشاط السياسي وفرض رقابة على وسائل الإعلام، فيما اقتحمت قوات مسلحة مبنى الجمعية الوطنية (البرلمان) في العاصمة سيول.

وعرض كبار مساعدي الرئيس يون، بمن فيهم كبير موظفيه، تقديم استقالتهم الجماعية، الأربعاء، وفق ما أعلنه المكتب الرئاسي. ويشمل عرض الاستقالة كلاً من تشونغ جين-سوك، كبير موظفي الرئاسة، ومستشار الأمن القومي شين وون-سيك، وسونغ تاي-يون، كبير موظفي السياسات، إلى جانب سبعة من كبار المساعدين الآخرين، حسب وكالة «يونهاب» للأنباء.

مواطنون من سيول يسيرون بجوار دبابة للجيش يوم السبت 27 أكتوبر 1979 بعد إعلان الأحكام العرفية في أعقاب وفاة الرئيس بارك تشونغ هي (أ.ب)

واتهم الرئيس المعارضة بأنها «قوى مناهضة للدولة» تعمل على شل عمل البلاد من خلال تقديم اقتراحات إقالة وتقليص الميزانية. وقال يون للأمة في خطاب بثه التلفزيون إن الأحكام العرفية ضرورية للدفاع عن كوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية المسلحة نووياً والقوات المناهضة للدولة المؤيدة لبيونغ يانغ وحماية نظامها الدستوري الحر رغم أنه لم يحدد ماهية التهديدات.

وقال مسؤول في الرئاسة الكورية لـ«رويترز» في مكالمة هاتفية: «هناك من يرى أن فرض الأحكام العرفية كان مبالغاً فيه، وأن الإجراءات لم تُتَّبَع بشكل صحيح، لكنّ القرار اتُّخذ ضمن حدود الدستور».

ومن المتوقع حدوث مزيد من الاحتجاجات، الأربعاء، مع اعتزام أكبر ائتلاف نقابي في كوريا الجنوبية، الاتحاد الكوري للنقابات العمالية، عقد تجمع حاشد في سيول وتعهده بالإضراب لحين استقالة يون.

رجل يقف أمام الشرطة يحمل لافتة كتب عليها «يون سوك يول... ارحل!» فيما يشارك المتظاهرون بمسيرة ضد رئيس كوريا الجنوبية يون نحو المكتب الرئاسي في سيول (أ.ف.ب)

وشهدت الأسواق المالية تقلبات، مع هبوط الأسهم الكورية الجنوبية نحو اثنين في المائة في وقت مبكر من اليوم، فيما استقر الوون بعد هبوطه إلى أدنى مستوى في عامين. وأفاد متعاملون بأن السلطات الكورية الجنوبية ربما تدخلت للحد من تراجع العملة المحلية.

وحثت السفارة الأمريكية المواطنين الأمريكيين في كوريا الجنوبية على تجنب المناطق التي تشهد احتجاجات، فيما نصح بعض الشركات الكبرى الموظفين بالعمل من المنزل.

وهيمن القلق البالغ على المسؤولين الأميركيين نظراً إلى أن كوريا الجنوبية حليف رئيسي للولايات المتحدة منذ عقود في آسيا، ولأن نحو 30 ألف جندي أميركي متمركزون في بلاد يعدّها الأميركيون منارة للديمقراطية في منطقة تستبدّ فيها دول قوية.

جاء فرض الأحكام العرفية بعد اتهام يون للمعارضة بالتآمر مع كوريا الشمالية، ليضع العلاقة الأميركية - الكورية الجنوبية أمام أكبر اختبار لها منذ عقود، علماً أن الرئيس بايدن يرى أيضاً أن الاتفاق الأمني الثلاثي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان يشكل رادعاً ضد كلٍّ من الصين وروسيا.

رجل يقرأ جريدة تفيد بإعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول تراجعه عن الأحكام العرفية في سيول (إ.ب.أ)

ويرجح أن تكون الأيام المقبلة متوترة لكل من سيول وواشنطن، رغم أن مسؤولي إدارة بايدن عبروا عن بعض التفاؤل بأن الاتفاق الثلاثي سيستمر. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه، أن يون يعد «إحدى ركائز استراتيجيتنا للمشاركة الإقليمية» لكنَّ مستقبله السياسي بات موضع شك بعد الخطوات المفاجئة التي اتخذها.

وتعليقاً على التطورات الأخيرة، أفاد مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عبر بيان مقتضب، بأن «الإدارة على اتصال بحكومة جمهورية كوريا وتراقب الوضع عن كثب فيما نعمل على معرفة المزيد»، مؤكداً أن «الولايات المتحدة لم تعلم مسبقاً بهذا الإعلان». وأضاف: «نحن قلقون للغاية بشأن التطورات التي نراها على الأرض في جمهورية كوريا».

وسيتعين على بايدن، الذي اطلع على مجريات الأحداث خلال جولته في أنغولا، أن يتخذ خيارات صعبة بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، بعد سنوات من تنمية العلاقات مع يون، علماً بأنه بنى سياسته الخارجية على أساس الديمقراطية في مقابل الاستبداد.

وتعليقاً على إلغاء حال الطوارئ، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في بيان، إنه يرحب بذلك، مؤكداً دعم بلاده للشعب الكوري والتحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية «على أساس المبادئ المشتركة للديمقراطية وسيادة القانون».

وفي حدث دبلوماسي أميركي - ياباني في واشنطن، عبَّر نائب وزير الخارجية كيرت كامبل، عن «القلق الشديد» من «التطورات الأخيرة» في كوريا الجنوبية. لكنه قال إن «تحالفنا مع جمهورية كوريا قوي، ونحن نقف إلى جانب كوريا في وقت عدم اليقين». وأضاف أن «لدينا كل الأمل والتوقعات أن تُحل أي نزاعات سياسية سلمياً ووفقاً لسيادة القانون».

لكنَّ المحللين توقعوا أسابيع من الصراع السياسي، بما في ذلك إجراءات عزل الرئيس يون. وقال الخبير في الشؤون الكورية في مركز الشرق والغرب في هاواي جان لي، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «كانت مقامرة قام بها (يون) لمحاولة فرض السيطرة السياسية في وقت يشعر فيه بالإحباط بسبب عجزه عن تنفيذ رؤيته للبلاد». وأضاف: «لكن في نهاية المطاف، يقدِّر الرئيس يون تحالف كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة، ومكانتها في العالم كاقتصاد عالمي رائد وسمعتها كديمقراطية نابضة بالحياة في آسيا».

نزل متظاهرون إلى الشارع مساء الأربعاء بالتوقيت المحلي مطالبين بتنحي الرئيس أو عزله (أ.ب)

وقال مسؤول أميركي إن «الكثير يحدث على المستويات الأدنى في كل المجالات، على أساس يومي تقريباً». وأضاف: «نعتقد أن هذا سيستمر لأنه من مصلحتنا المشتركة أن نفعل ذلك». لكن سيتعيّن على بايدن «الموازنة بين مدى جودة يون بالنسبة لأسهم التحالف الأميركي والأسهم الاستراتيجية في المنطقة مقابل ما إذا كانوا يعتقدون أن هذا الرجل يمكنه البقاء»، وفقاً لما قاله الأستاذ لدى جامعة جورج تاون والمساعد السابق لشرق آسيا السابق في البيت الأبيض خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش، فيكتور تشا.

وشاعت تكهنات في واشنطن بأن يون ربما اختار هذه اللحظة لأن الحكومة الأميركية في مرحلة انتقالية من إدارة بايدن إلى الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

متظاهرون يتجهون إلى المكتب الرئاسي بعد وقفة احتجاجية بالشموع ضد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في سيول (أ.ب)

ولم يعلق الرئيس المنتخب فوراً على التطورات، ومن غير الواضح كيف قد ينظر إلى خطوة يون، الذي كان عازماً على التودد إلى ترمب، رغم أن الأخير اشتكى مراراً لأن سيول لا تدفع لواشنطن مليارات الدولارات مقابل وجود القوات الأميركية. حتى إن مكتب يون كشف عن أنه كان يتدرب على لعبة الغولف بعدما ابتعد عنها لفترة طويلة لكي يتمكن من اللعب مع ترمب.

وعبَّرت المسؤولة الاستخبارية السابقة في كلٍّ من الإدارات الديمقراطية والجمهورية، بيث سانر، عن قلقها من أن كوريا الشمالية يمكن أن تسعى إلى الاستفادة من الفوضى في الجنوب. وقالت إن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون «قد يجعل هذا الوقت معضلة حقيقية» للرئيس المنتخب ترمب.


مقالات ذات صلة

النفط يرتفع بفعل التوترات الجيوسياسية وخطط «أوبك بلس»

الاقتصاد عامل يسير أمام أنابيب النفط بمصفاة في ووهان بمقاطعة هوبي الصينية (رويترز)

النفط يرتفع بفعل التوترات الجيوسياسية وخطط «أوبك بلس»

ارتفعت أسعار النفط يوم الأربعاء، مع تقييم المشاركين في السوق للتوترات الجيوسياسية، واحتمال تمديد «أوبك بلس» تخفيضات الإمدادات.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
المشرق العربي آخر اجتماع لوزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في إطار أستانة عقد على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر الماضي (الخارجية التركية) play-circle 01:59

تركيا وإيران مختلفتان حول «عملية حلب» متفقتان ضد القوات الكردية

تباين موقفا تركيا وإيران بشأن التطورات في سوريا والسيطرة على حلب، فيما شدد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا على حل وفق قرارات الأمم المتحدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد مضخات الرفع تعمل في حقل بالقرب من لوفينغتون بنيو مكسيكو (أ.ب)

النفط يرتفع بفضل بيانات صينية متفائلة وهدنة هشَّة بين إسرائيل ولبنان

ارتفعت أسعار النفط يوم الاثنين بدعم من نشاط المصانع المتفائل في الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم ومع استئناف إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
المشرق العربي الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)

سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

شهدت الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة من جانب تركيا بشأن التطورات في سوريا وتقدم قوات «هيئة تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها وبينها فصائل موالية لأنقرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي أحد مقاتلي الفصائل المسلحة يتجه إلى حلب بينما الدخان يتصاعد من قلب المدينة (أ.ف.ب) play-circle 01:57

تركيا تحدد أولوياتها في «معركة حلب»: منع النزوح... والتصدي لـ«قسد»

بعد صمت رسمي، حددت تركيا أولوياتها في «معركة حلب»، وتركزت على «منع أي موجة جديدة من النزوح إلى أراضيها»، وكذلك التصدى لـ«قوات سوريا الديمقراطية (قسد)».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية يدعو الرئيس لمغادرة الحزب

مواطن كوري جنوبي يتابع ما كتبته صحف سيول حول آخر التطورات المتعلقة بالرئيس وعزله (رويترز)
مواطن كوري جنوبي يتابع ما كتبته صحف سيول حول آخر التطورات المتعلقة بالرئيس وعزله (رويترز)
TT

زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية يدعو الرئيس لمغادرة الحزب

مواطن كوري جنوبي يتابع ما كتبته صحف سيول حول آخر التطورات المتعلقة بالرئيس وعزله (رويترز)
مواطن كوري جنوبي يتابع ما كتبته صحف سيول حول آخر التطورات المتعلقة بالرئيس وعزله (رويترز)

تعهّد زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية، الخميس، التصدّي لمسعى المعارضة عزل الرئيس يون سوك يول، وذلك غداة محاولة الرئيس فرض الأحكام العرفية في البلاد.

وقال هان دونغ-هون، رئيس حزب «قوة الشعب»، مخاطبا أعضاء في حزبه خلال اجتماع بثّت وقائعه مباشرة على الهواء «سنسعى جاهدين لمنع تبنّي (اقتراح) العزل هذا».

كما طالب زعيم الحزب الحاكم، رئيس الجمهورية، بمغادرة حزبه. وقال رئيس حزب «قوة الشعب»، للصحافيين «لقد طلبت أن يغادر الرئيس الحزب»، مشددا على أنّ حزبه «لا يحاول الدفاع عن الأحكام العرفية غير الدستورية التي فرضها الرئيس» لساعات ليل الثلاثاء-الأربعاء قبل أن ترغمه السلطة التشريعية على رفعها.

من جهته أعلن رئيس الكتلة النيابية للحزب الحاكم في كوريا الجنوبية، أنّ جميع أعضاء الكتلة سيصوّتون ضدّ مشروع القانون الذي طرحته المعارضة بقصد عزل الرئيس. وقال تشو كيونغ-هو خلال اجتماع حزبي بثّت وقائعه مباشرة على الهواء إنّ «جميع نواب حزب قوة الشعب البالغ عددهم 108 سيظلّون متّحدين لرفض عزل الرئيس»، علما بأنّ المعارضة تحتاج إلى أصوات ثمانية نواب من الحزب الحاكم للتصويت معها لتمرير مشروع قانون العزل.